الحسين عليه السلام في كتاب سليم

إعداد الحسين عليه السلام بني هاشم وأنصاره للثورة

في حياة معاوية عقد الإمام الحسين عليه السلام في مكة مؤتمراً سياسياً عاماً دعا فيه جمهوراً غفيراً ممن شهد موسم الحج من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين فانبرى عليه السلام خطيباً فيهم، وتحدث ببليغ بيانه بما ألمَّ بعترة النبي صلى الله عليه وآله وشيعتهم من المحن والخطوب التي صبها معاوية وما اتخذه من إجراءات مشددة من إخفاء فضائلهم[1]. وفيما يلي نص حديث سليم قائلاً: " ولما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم، ومن حجَّ من الأنصار ممن يعرفهم الحسين وأهل بيته، ثم أرسل رسلاً وقال لهم: ((لا تدعوا أحداً حج العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المعروفين بالإصلاح والنسك إلَّا اجمعوهم إليَّ، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل... فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن هذا الطاغية – يعني معاوية – قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي اسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين أنصاركم من قبائلكم من المنتم من الناس ووثقتم به... فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويغلب والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون)) "[2].

من خلال هذه الرواية يمكن القول إنّ هذا المؤتمر الذي عقده الإمام الحسين عليه السلام هو أول مؤتمر إسلامي عرفه المسلمون بعد يوم الغدير الذي جمع فيه النبي صلى الله عليه وآله المسلمين بعد حجة الوداع، وهكذا فقد شجب الإمام عليه السلام سياسة معاوية ودعا المسلمين إلى إشاعة فضائل أهل البيت عليهم السلام ومآثرهم التي حاولت السلطات الأُموية حجبها عن المسلمين وترى في هذا الموقف إخلاقية الدعوى إلى الحق والحكمة العلمية في الإقناع بالدليل والمنطق، فقد جمعهم الإمام الحسين عليه السلام وتواضع لهم في الحديث قائلاً: "أُريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني " وهذه هي الطريقة الأخلاقية في التذكير بالحق والقيم الإيمانية واعتماد النوعية الجماهيرية وتعبئة الناس من أجل الثورة على الباطل وإشاعة الحق[3].

استشهاد الحسين عليه السلام

ومن الحوادث المهمة التي نقلها سليم في عصر بني أُمية هي حادثة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. ولكن سليماً تناولها على لسان ابن عباس وهو بدوره ينقل إخبارات أمير المؤمنين عليه السلام لما سوف يجري من بعده من خلال صحيفة من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله قال سليم: " لما قتل الحسين بن علي بكى ابن عباس بكاءً شديداً. ثم قال ما لقيت هذه الأمّة بعد نبيها، اللهم إنّي أُشهدك أنّي لعلي بن أبي طالب ولي ولولده وعدوه وعدوكم بريء وأني أسلم لأمرهم، ثم بعد ذلك يقرأ ابن عباس شيئاً من الصحيفة التي نسخها من الإمام علي عليه السلام يقول: فكان حينما قرأه عليّ، فكيف يصنع به... وكيف تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسن ابنه وكيف تغدر به الأُمّة فلما أن قرأ كيف يقتل الحسين ومن يقتله أكثر البكاء ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة "[4].

وهنالك تفاصيل دقيقة عن الوقعة نقلها أبو مخنف الأزدي[5], أما ماورد في كتاب سليم فقد كان عبارة عن إخبار بأمور غيبية سوف تجري على أهل البيت عليهم السلام نقلها ابن عباس عن أمير المؤمنين.

ثم يخبر أمير المؤمنين عليه السلام ابن عباس عن زوال ملك بني أُمية قائلاً "إنّ ملك بني أُمية إذا زال كان أول ما يملك من بني هاشم ولدك فيفعلون الأفاعيل"[6].

يعد حديث نهاية ملك بني أُمية وبداية ملك بني العباس من أبرز ما يرد من استقراءات ومدونات من قراءة المستقبل نجدها في مواضع كثيرة من كتاب سليم.

ففي حديث للنبي صلى الله عليه وآله نقله سليم قائلاً:" ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عباس فقال: أما إنّ أول هلاك بني أُمية بعدما يملك منهم عشرة على يد ولدك فليتقوا الله وليراقبوا في ولدي وعشيرتي (فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا)، دولتنا آخر الدول يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل سنة سنتين ومن ولدي من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً "[7].

وفي نص آخر وإن كان في إدراجه ضمن كتاب سليم نوع من الغرابة[8] يخاطب أحد المعصومين عليهم السلام من هذا الكتاب يا جابر فالملك لبني العباس حتى يختم بعده الله ذو العين الآخرة ويظهر نار بالحجاز ويخرب جامع الكوفة، وما شيده الثاني بالفرات، وإذا ملك ملك الترك تميد لسان الشام، ويكثر الملوك ويظهر الحق ويحمد الله [9].

وهكذا أدرج سليم الكثير من النصوص المتعلقة بتاريخ العصر الأُموي. إلاَّ أن أغلبها مرتبط بموضوع كتابه وهو التعرض لفتنتهم وإخلالهم الأُمَّة بحسب رأيه في بيان الحقائق المتعلقة بمظلومية أهل البيت عليهم السلام فهو مثلاً يدون كلمات الإمام علي عليه السلام فيما يتعلق بوصف فتنتهم تلك.

فقال ناقلاً كلام أمير المؤمنين عليه السلام : " ألا إن أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني أُمية، إنها فتنةٌ عمياء صماء مطبقة مظلمة عمّت فتنتها وقعت بليتها، أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها، أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها يملأون الأرض بدعاً وظلماً وجوراً وأول من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاسم الجبارين، ألا وإنكم ستجدون بني امية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تغيض بغيضها وتخبط بيدها، وتضرب برجلها وتمنع درها، وأيم الله لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه إلاَّ كنصرة العبد السوء لسيده، إذا غاب سبّه وإذا حضر أطاعه، وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم "[10].

ومن الأُمور الأُخرى التي رصدها سليم في كتابه زيارة معاوية إلى المدينة أيام خلافته وعدم استقبال بعض الأنصار له، لسوء إدارة معاوية وكأنهم في حاجة وفقر بسبب تصرف ولاته في الأموال حسب أهوائهم ثم بعد ذلك استدعى معاوية جملة من المهاجرين والأنصار ونقل سليم حواراً مهماً فيما بينهم يتضمن ذكر الكثير من الحوادث والأخبار والفضائل لأهل البيت عليهم السلام وعلى أثر ذلك أمر معاوية بكتابة كتاب إلى جميع الأمصار الإسلامية يخبر فيه عماله يعلنوا براءة الذمة ممن روى في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام حديثاً أو فضائل أهل بيته وأعلن لعن علي بن أبي طالب عليه السلام على منابر المسلمين[11].

وألحقه بكتاب آخر أمر فيه القراء والمحدثين بذكر الأخبار في فضل الشيخين وعثمان، فقام الإمام الحسين عليه السلام في موسم الحج وفي جموع الحجاج في التذكير بفضائل أهل البيت عليهم السلام مبيناً لمن سمع منه أن السبب الذي دعاه إلى ذلك هو أن معاوية حاول إطفاء نور الله بكتمان فضائل أهل البيت عليهم السلام، وطلب الإمام الحسين عليه السلام من الناس بإذاعة هذه الأحاديث في القبائل والأمصار[12].

الهوامش:------------------------------------------------------------

[1] الطبرسي، الاحتجاج، 2 / 19؛ النوري، مستدرك الوسائل، 7 / 10320؛ القريشي، حياة الإمام الحسين عليه السلام، 2 / 128؛، أحمد، على خطى الحسين، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 1997، 71.

[2] سليم، كتاب سليم، حديث رقم: (26)، 2 / 788 وقد تفرد سليم بذكر هذه الرواية ونقلها عنه: المجلسي، بحار الأنوار، 23 / 82؛ الأميني، الغدير، 1 / 199.

[3] الطبرسي، الاحتجاج، 2 / 19؛ الغدير، الأميني، 1 / 199؛ البحراني: عبد العظيم المهتدي، من أخلاق الإمام الحسين عليه السلام، مطبعة الشريف الرضي للنشر، قم، 2000 م، 15.

[4] سليم، كتاب سليم، حديث رقم: (66) 2 / 916؛ القمي، الفضائل، 141؛ ونقلها عن سليم الميانجي، مكاتيب الرسول، 2 / 72؛ مهدي، عبد الزهرة، الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام، 2001 م، 314.

[5] لوط بن يحيى بن سعيد (ت: 157هـ، 462 م) مقتل الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق: حسين الغفاري، مطبعة علمية، قم، د.ت.

[6] سليم، كتاب سليم، حديث رقم: (66)، 2 / 916؛ الفضل ابن شاذان، الفضائل، 141؛ المجلسي، بحار الأنوار، 28 / 73.

[7] سليم، كتاب سليم، حديث رقم: (61)، 2 / 608؛ الطوسي، الغيبة، 117–203، الفضل ابن شاذان، الإيضاح، 291.

[8] وجه الغرابة أنه ورد في ذيل الحديث الحادي والأربعين والذي هو عبارة عن سماع سليم من أمير المؤمنين عهد النبي صلى الله عليه وآله له، ثم ينقل الحديث إلى جابر فمن هو جابر وما هذا الكتاب؟ احتمل الشيخ محمد باقر الأنصاري أن خطاباً توجه من المعصوم إلى جابر بن عبد الله الأنصاري أو جابر بن يزيد والكتاب هو كتاب سليم ومجمل الخبر هو أخبار عن الملاحم، ينظر: كتاب سليم، 2 / 823.

[9] سليم، كتاب سليم، حديث رقم: (41)، 2 / 831؛ والمجلسي، بحار الأنوار، 22 / 498.

[10] الثقفي، الغارات، 1 / 10؛ المروزي، نعيم بن حماد (ت 288 هـ)، كتاب الفتن، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1993، 111؛ المغربي، شرح الأخبار، 2 / 40؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44؛ الهندي، كنز العمال، 11 / 365.

[11] الثقفي، الغارات، 2 / 888؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 223؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 253؛ الطبراني، المعجم الكبير، 2 / 122؛ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، 1 / 286؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 472؛ العاملي، الصراط المستقيم، 1 / 151.

[12] سليم، كتاب سليم، حديث رقم: (26)، 2 / 786، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 11 / 24، المجلسي، بحار الأنوار، 23 / 173، الأميني، الغدير، 2 / 281. 

المرفقات

: حسين محمد علي هداد العبودي