صدقَ الحقُّ سُبحانَه وتعالى عندما وصفَ سورةَ يوسف عليه السّلام (بأنّها أحسنُ القصص)، لِما فيها مِن مواعظ وحِكم، ومِن جُملتِها الآيةُ قوله تعالى (وهمت به وهم بها لو لا ان رأى برهان ربه).
والتي أشارَ فيها لواحدةٍ مِن أهمِّ أسرارِ التّوحيدِ، وهوَ فقرُ الإنسانِ وحاجتُه إلى ربِّه، وذلكَ مِن خلالِ قصّةِ مراودةِ إمرأةِ العزيزِ لنبيّ اللهِ يوسفَ عليه السّلام، وكيفَ أنّهُ تعالى قَد عصمَ نبيّهُ منَ الذّنبِ وأنجاهُ بطريقةٍ إعجازيّةٍ، ولا شكَّ في أنَّ المُرادَ مِن قولِه تعالى (ولقَد همَّت بهِ) أنّها إرادةُ الفاحشةِ منه، واللّامُ للقسمِ، أي وأقسمُ لقَد قصدَت يوسفَ بما تريدُه منه، وليسَ المُرادُ منَ الهمِّ هُنا مُجرّد التّفكيرِ والإرادةِ، بلِ المُرادُ منهُ الإرادةُ المَقرونةُ بالعملِ، وعليهِ فقَد جاءَت إمرأةُ العزيزِ بفعلٍ يُؤدّي إلى الزّنا.
وأمّا قولُه تعالى (وهمَّ بها) فمعطوفٌ على مدخولِ لامِ القسمِ منَ الجُملةِ السّابقة، و المعنى أقسمُ لولا رؤيتِه بُرهانَ ربِّه لهمَّ بها و كادَ أن يُجيبَها لِما تريدُه منه. الميزان ج11، ص68.
والمُرادُ منَ البُرهانِ نوعٌ منَ العلمِ اليقينيّ النّافي للشّكِّ، لكنّهُ ليسَ مِن نوعِ العلومِ الحصوليّةِ المُتعارفةِ بدليلِ قولِه تعالى في نفسِ السّورةِ حكاية عَن يوسفَ: (وإلّا تصرِف عنّي كيدهنَّ أصبُ إليهنَّ وأكُن منَ الجاهلين) الآيةُ 33، فصرفَ اللهُ تعالى عنهُ كيدهُنَّ بالعلمِ اللّدنيِّ الإلهيّ الذي لا يشوبُه شكٌّ ولا ضلال.
"فالبرهانُ الذي أراهُ بهِ و هوَ الذي يُريهِ اللهُ عبادَه المُخلصينَ نوعٌ منَ العلمِ المكشوفِ و اليقينِ المَشهودِ تطيعُه النّفسُ الإنسانيّةُ طاعةً لا تميلُ معها إلى معصيةٍ أصلاً". الميزان: ج11، ص68.
والخلاصةُ: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى في الآيةِ محلِّ السّؤالِ يُقسمُ بأنَّ إمرأةَ العزيزِ أرادَت الفاحشةَ وفعلَت ما يُؤدّي إليها، وإنَّ يوسفَ عليه السّلام كانَ منَ المُمكنِ أن يقعَ فيها لولا أن عصمَهُ اللهُ تعالى بعلمٍ لدُنيٍّ منه، وهذا لا يعني أنَّ في يوسفَ عليه السّلام إستعدادٌ لفعلِ المعصيةِ،كيفَ وهوَ منَ المُخلَصينِ بشهادةِ الآيةِ الشّريفةِ ذاتِها: (وَلَقَد هَمَّت بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَولَا أَن رَّأَىٰ بُرهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالْفَحشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُخلَصِينَ)، والمُخلَصينِ هُم الذينَ أخلصَهُم اللهُ لنفسِه فلا يشاركُه فيهم شيءٌ فلا يُطيعونَ غيرَه مِن تسويلِ شيطانٍ أو تزيينِ نفسٍ أو أيّ داعٍ يدعو مِن دونِ اللهِ سُبحانه، فكونُه أي يوسفَ منَ المُخلَصينَ سببٌ وعلّةٌ لصرفِ السّوءِ والفحشاءِ عنه، فمِن شؤونِ ومُستحقّاتِ المُخلَصينَ أن يُجنّبَهُم اللهُ تباركَ وتعالى ذلكَ، فلاحِظ إشارةَ القُرآنِ لهذا المعنى، فلَم يقُل نصرفُ يوسفَ عنِ السّوءِ والفحشاءِ، فإنَّ فيهِ دلالةً على وجودِ إستعدادٍ نفسيٍّ فيه لذلكَ، لكنَّ اللهَ تباركَ وتعالى صرفَهُ عنها، وإنّما قالَ: (نصرفُ عنه السّوءَ والفحشاء) حيثُ أخذَ السّوءَ و الفحشاءَ مصروفينَ عنه لا هوَ مصروفاً عنهما. ودمتُم سالمين.
اترك تعليق