من الايات التي نزلت في أواخر عمر النبي الأعظم صلى الله عليه واله الدالة على الولاية هي اية الولاية من سورة المائدة قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾[1]. وهي من الآيات التي استدل بها الامامية على امامة امير المؤمنين عليه السلام وتسمى بآية الولاية و قد بذل المخالفون أقصى جهودهم لردّ الاستدلال بهذه الآية في مقام الإمامة، لاعتبارها أقوى دليل من القرآن، تارة بنفي نزولها في أمير المؤمنين، و تارة بتأويل معنى الولاية في الآية ولبيان الاستدلال بهذه الآية على اثبات الامامة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لابد ان نبحث في عدة جهات في أسباب النزل وبيان المفردات والرد على الإشكالات التي تطرح ولكن سنورد الروايات التي ذكرت في كتب التفسير والحديث التي نزلت اثر الحادثة المعروفة بحادثة التصدق بالخاتم بان سبب نزول الآية المباركة ما ملخصه عندما كان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يصلي في مسجد المدينة المنورة فدخل سائل يستعطي الناس فلم يساعده احد وعندما هم السائل بالخروج اشار اليه امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بإصبعه الذي فيه خاتمه فاقترب منه واخذه من يد الامام امير المؤمنين عليه السلام وهو راكع وقد وردت هذه القصة في كتب السنة والشيعة على حد سواء.
اما الروايات من طرق الشيعة:
فقد اجمعت الامامية ورواياتهم ان لم نقل متواترة فهي مستفيضة بان الآية نزلت عندما تصدق امير المؤمنين عليه السلام بخاتمه على السائل.
اما طرق الحادثة في كتب العامة:
قد طفحت كتب العامة بذكر هذه الحادثة فنراها ذكرت في كتب والتواريخ والتفاسير والحديث نورد بعضها :
1ـ رواية أمير المؤمنين عليه السلام: روى ابن كثير في البداية والنهاية: عن عبد الرحمن بن مسلم الرازي ثنا محمد بن يحيى عن ضريس العبدي ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن ابي طالب حدثني ابي عن ابيه عن جده عن علي قال: نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه واله ( انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم واذا سائل فقال: يا سائل هل اعطاك احد شيئا؟ فقال: لا ، الا هذا الراكع لعلي اعطاني خاتمه[2].
2ـ رواية الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه: روى الخطيب البغدادي في المتفق: اخبرني بحديثه ابو الحسن محمد بن محمد بن علي الشروطي قال: حدثنا المظفر بن نظيف بن عبد الله مولى بني هاشم قال :حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا ابو اسحاق ابراهيم بن ابي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد عن السدي عن ابي عيسى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تصدق علي بخاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه واله للسائل: من اعطاك هذا الخاتم ؟ فقال : ذاك الراكع فانزل الله تعالى فيه ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ الآية قال: وكان في خاتمه مكتوبا ( سبحان من فخرني بأني عبده ) ثم كتب في خاتمه بعد الله الملك[3].
3ـ رواية أنس بن مالك: روى الحاكم الحسكاني: أخبرني الحاكم الوالد ومحمد بن القاسم ان عمر بن احمد بن عثمان الواعظ اخبرهم ان محمد بن احمد بن ايوب بن الصلت المقرئ حدثهم قال: حدثنا احمد بن اسحاق وكان ثقة قال: حدثنا ابو احمد زكريا بن دويد بن محمد بن الاشعت بن قيس الكندي قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس قال : خرج النبي صلى الله عليه واله الى صلاة الظهر فاذا هو بعلي يركع ويسجد واذا بسائل يسال فاوجع قلب علي كلام السائل فأومأ بيده اليمنى الى خلف ظهره فدنا السائل منه فسل خاتمه عن اصبعه فانزل الله فيه آية من القران وانصرف علي الى المنزل فبعث النبي صلى الله عليه واله فاحضره فقال: أي شيء عملت يومك هذا بينك وبين الله تعالى؟ فاخبره فقال له: هنيئا لك يا ابا الحسن قد انزل الله فيك آية من القران: ( انما وليكم الله ورسوله )[4].
فالروايات عن الصحابة في هذه الحادثة من كتب القوم هي الاتي :
1 ـ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، 2 ـ المقداد بن الأسود الكندي ،3 ـ عمار بن ياسر،4 ـ عبد الله بن العباس،5 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري،6 ـ أبو ذر الغفاري،7 ـ أبو رافع مولى رسول الله،8 ـ أنس بن مالك،9 ـ عبد الله بن سلام،10 ـ حسان بن ثابت في شعر له،11ـ عمرو بن العاص.
وفي علم المصطلح يطلق المتواتر عندهم على كل حديث بلغ عدد رواته عشرة من الصحابة فما فوق وقد صرح السيوطي بهذا في قوله كل حديث رواه عندنا عشرة من الصحابة فهو متواتر عندنا معشر اهل الحديث[5].
اية الولاية عند المفسرين
1ـ القاضي الايجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من اهم متون اهل السنة في علم الكلام واصول الدين اعترف باجماع المفسرين على نزول الاية المباركة في هذه القضية الخاصة المتعلقة بأمير المؤمنين عليه السلام حيث قال : الثاني ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ ....واجمع ائمة التفسير ان المراد علي وللاجماع على ان غيره غير مراد[6].
2ـ الشريف الجرجاني في كتابه شرح المواقف في علم الكلام : قد اجمع ائمة التفسير على ان المراد بالذين يقيمون الصلاة الى قوله تعالى وهم راكعون (علي) فانه كان في الصلاة راكعا فساله سائل فاعطاه خاتمه فنزلت الاية[7]
3ـ سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد يعترف باجماع المفسرين على نزول الاية المباركة في شأن امير المؤمنين عليه السلام حيث قال: وبيان دلالتها على الامامة لامير المؤمنين : بيان ذلك: انها نزلت باتفاق المفسرين في حق علي بن ابي طالب حين اعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته[8].
4ـ الالوسي في تفسيره قال: وغالب الاخباريين على انها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه[9].
5ـ ابن ابي حاتم الرازي اخرج الرواية في تفسيره بعدة طرق وقد التزم في مقدمة كتابه بانه لا يخرج الا الصحيح الثابت ومن هذه الطرق : عن سلمه بن كهيل قال تصدق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾[10].
الرد على ابن تيمية
فالحادثة مسلمة ومتواترة انها نزلت في حق امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام وقد نقلنا نماذج من الروايات واقوال العلماء والمفسرين فيكف يدعي ابن تيمية الدمشقي انها من وضع بعض الكذابين في قوله: قد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى ان هذه الاية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة وهذا كذب باجماع اهل العلم بالنقل وكذبه بين ثم يضيف : واجمع اهل العلم بالنقل على انها لم تنزل في علم بخصوصه وان عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة واجمع اهل العلم بالحديث على ان القصة مروية في ذلك من الكذب الموضوع وان جمهور الامة لم تسمع هذا الخبر"[11]
الجواب: نقول في الرد على ما ذكره ابن تيمية انه قد ذكرنا كما انه ابن ابي حاتم الرازي اخرج الحادثة بعدة طرق في تفسيره وانه قد التزم في مقدمة كتابه بانه لا يخرج الا الصحيح الثابت والعجيب من ابن تيمية الحراني تصريحه بان ابن ابي حاتم لا يروي الموضوعات في تفسيره حيث قال في منهاج السنة : " واما اهل العلم الكبار اهل التفسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري وبقي بن مخلد وابن ابي حاتم وابن المنذر وعبد الرحمن بن ابراهيم دحيم وامثالهم فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات"[12].
فتبين لك تهافت كلام ابن تيمية الحراني فقد ذكرنا ان كبار العلماء كالقاضي الايجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ينصون على اجماع المفسرين بنزول الاية المباركة في حادثة تصدق امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام بالخاتم وعلى كل حال فالقضية واردة في كتبهم وكتبنا في تفاسيرهم وتفاسيرنا احيل اليكم بعض التفاسير للمراجعة في هذه الحادثة: تفسير الطبري واسباب النزول للواحدي وتفسير الفخر الرازي وتفسير البغوي وتفسير النسفي وتفسير القرطبي وتفسير القرطبي وتفسير ابي السعود وتفسير الشوكاني وتفسير ابن كثير وتفسير الالوسي والدرر المنثور للسيوطي. لرايتهم كلهم ينقلون هذا الخبر بعضهم يروي بالسند وبعضهم يرسل الخبر"[13]
اما الكلام في دلالة الاية على إمامة امير المؤمنين عليه السلام ولابد لنا من الوقوف على بيان مفردات الاية ودلالتها على ما نريد اثباته: فقد ذكرنا سابقا ان المراد بالولي في اللغة هو القرب والدنو كما تسالمت على ذلك اقوال اللغويين بلا خلاف ولكن ذرك بعض المفسرين وعلماء اللغة ان لفظ ( ولي ) انما هو مشترك لفظي ، وضع لعدة معان كالعبد والسيد والمحب والناصر والمتصرف والمدبر، واوصلها بعضهم الى قرابة ثلاثين معنى كما ذكر ذلك العلامة الاميني في غديره [14]. ولو راجعنا ايات القران الكريم نجد ان الولاية اريد بها عدة معان:
1ـ وردت الولاية بمعنى المحبة كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾[15].
2ـ وردت بمعنى النصرة كما في قوله تعالى: ﴿ ... وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾[16].
3ـ قد تطلق ويراد بها من يقدم كما في قوله تعالى : ﴿ ... وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ... ﴾ [17].
4ـ وقد يطلق الولي ويراد بها الأولى بالشؤون ”وليك الأولى بشؤونك“ الأولى بالتصرف في امورك كما في قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. ...﴾[18] . يعني هو الاولى بالتصرف في شؤونهم وأمورهم.
والحق في المسالة هو ان ( ولي) لفظ مختص وضع لمعنى واحد وهو القرب كما ذكر ذلك ارباب اللغة اما المعاني الاخرى فهي مصاديق لهذا القرب وليست معاني اخرى في عرضه وهذا ما يعبر عنه في علم الاصول اشتباه المفهوم بالمصداق فهذه المعاني المذكورة اما انها مصاديق للمعنى الذي وضع له اللفظ ولم يستعمل فيها وانما استفيدت من القرائن الخارجية من باب تعدد الدال والمدلول او انه تم استعمال اللفظ فيها لكن المصحح لهذا الاستعمال يختلف باختلاف المورد فالعلاقة بين العبد وسيده هي ضرب من ضروب القرب والعلاقة بين المحب وحبيبه هي ايضا قرب والعلاقة بين الناصر والمنصور هي قرب كذلك. ولهذا يقول السيد عبد الاعلى السبزواري قدس سره عند تقريره لهذا المطلب: الولاية هي نوع اقتراب مع شيء يوجب ارتفاع الحجب والموانع بينهما ويختلف شدة وضعفا كما يختلف من جهة الدواعي[19] بينهما ويختلف شدة وضعفا كما يختلف من جهة الدواعي .
وارادة القرب الخاص من حب او نصرة او نسب في كل مورد من باب تعدد الدال والمدلول واعلى مراتب القرب هو ان يصبح احدهم اولى من نفس الاخر بحيث تصبح له سلطنة وولاية عامة عليه وهي الولاية التي اثبتها القران الكريم للنبي صلى الله عليه واله في قوله تعالى: ( النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ) ومن هنا يمكننا القول بان معنى الولاية الصلة يقال فلان ولي فلان الامر أي اتصل به ومنه التوالي بين الشيئين أي التواصل والتتابع بينهما ومنها الولاء فانك اذا قلت واليت علي عليه السلام فمرادك ايجاد صلة بينك وبينه التي من مصاديقها الحب والنصرة وابن العم والسيد ومنها ولاية الامر حيث ان ولي الامر اكثر اتصالا والتصاقا بشؤون الناس من غيره. اما لو سلمنا جدلا بما ادعي واشتهر من ان الولاية لفظ مشترك لفظي فمعنى ذلك ان يكون هناك مصاديق متعددة للفظ الواحد مثل كلمة العين مشترك لفظي ويشترك في هذا العين الجارية والعين الباصرة وعين الشمس وغير ذلك.
فمن قال بان الولاية في الاية المباركة بمعنى المتصرف او من قال انها بمعنى النصرة او المحبة فعلية ان يأتي بالدليل على هذه الدعوى لابد من وجود قرينة تعين المعنى المراد لابد بان يأتي بدليل على هذه الدعوة من خلال ابراز القرائن الحالية والمقامية التي جعلته يرجح هذا المعنى عن غيره .
علما ان النزاع سيكون محصورا في معنيين اما ان يكون المراد من الولاية في الاية المباركة هو الاولى بالتصرف او يكون المراد منها المحبة والنصرة اما بقية الاستعمالات فقد خرجت بالإجماع المركب حيث لم يذهب احد من المفسرين الى معنى غير هذه المعاني المذكورة. ومن القرائن الدالة على ان المراد من الولاية في الاية المباركة هو الاولى بالتصرف عدة قرائن :
1ـ أداة الحصر ( إنما ) تدل على الحصر كما صرح بذلك ائمة اللغة وقبل ذكر وجه الاستدلال لابد من تقديم مقدمة وهي ان انما مركبة من امرين : من (إن) التي تفيد في اللغة التوكيد واداة النفي (ما) فعند اجتماعهما يفيدان اثباتا ونفيا فيكون الاثبات منصبا على شيء ويكون النفي نصبا على شيء اخر وهذا ما يسمى في علم البلاغة بالقصر والقصر على نوعين : تارة يكون قصر الصفة على الموصوف واخرى قصر الموصوف على الصفة.
اما قصر الموصوف على الصفة مثلا اذا قلت : ( إنما زيد عالم) فقد اثبت العلم لزيد ونفيت عنه ما سواه فزيد عالم لكنه ليس بكاتب ولا شاعر وهذا ما يسمى في علم البيان بقصر الموصوف على الصفة أي ان الموصوف في المقام وهو زيد لا يتصف الا بهذه الصفة وهي العلم .
اما قصر الصفة على الموصوف اذا قلت ( إنما العالم زيد) فقد اثبت العلم لزيد ونفيته عن غيره فلا يوجد عالم اخر سوى زيد وهذا ما يطلق عليه قصر الصفة على الموصوف .
فنقول بعد ذكر هذه المقدمة ان الاية المباركة تثبت مقام الولاية لثلاثة : الله سبحانه وتعالى ورسول الله صلى الله عليه واله والقسم الثالث الذي هو محل الكلام والنزاع الذين امنوا الذين يؤتون الزكاة ويقيمون الصلاة وهم راكعون فتكون الاية بهذا البيان تقيد الولاية بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم أي من باب قصر الصفة على الموصوف فلا ولاية الا لهؤلاء الثلاثة. فلو حملنا الولاية في الاية الكريمة على معنى النصرة او المحبة كما يدعى سيصبح الاتيان باداة القصر لغويا فلا فائدة منه وهذا مخالف لما اجمع عليه المسلمون كافة من ان القران الكريم في اعلى درجات الفصاحة والبلاغة فلا يمكن اجتماع معنى المحبة والنصرة مع القصر ويتعين حينئذ معنى الاولى بالتصرف الذي اختاره الشيعة.[20].
2ـ الاطراد : والمقصود منه هو ان اللفظ اذا كان موضوعا لمعنى عام ولكن كثر استعماله في مصداق من مصاديقه ، فإن كثرة الاستعمال توجب ظهوره في ذلك المصداق عند اطلاقه بلا قرينة ، نظير لفظ ( الرسول ) فانه موضوع لكل من ارسل إلى جماعة او شخص ولكن لما كثر وشاع استعماله لدى العرب في النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله كان ذلك موجبا لظهوره فيه عند اطلاقه ، وكذلك اللفظ اذا كان مشتركا بين عدة معاني مثل لفظ (عين) حيث وضع للنابعة والباصرة وعين الذهب والفضة ، لكن كثرة استعماله في الباصرة اوجب ظهوره فيه عند عدم القرينة كذلك الحال في محل كلامنا فان كثرة الاستعمال القراني للفظة الولاية في معنى الاولى بالتصرف وردت في عشرات الموارد: منها: ما ذكر الله لنفسه من الولاية ، الولاية التكوينية التي تصح له التصرف في كل شيء وتدبير امر الخلق بما شاء وكيف شاء قال تعالى: ( ام اتخذتم من دونه اولياء فالله هو الولي )[21] وقال: ( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع افلا تذكرون)[22]. [23]
منها: ما ذكر الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه واله من الولاية التي تخصه الولاية التشريعية وهي القيام بالتشريع والدعوة وتربية الامة والحكم فيهم والقضاء في امرهم قال تعالى: ( النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم )[24] .[25]
ومنها : قوله تعالى: ( أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير)[26].
وغيرها من الآيات الكثيرة التي عطفت فيها النصرة على الولاية والعطف يقتضي المغايرة فمن هذا البيان نعلم ان الولاية في هذه الطائفة من الآيات يراد منها معنى الاولى بالتصرف وليس النصرة .
الهوامش:-----
[1] المائدة:55.
[2] البداية والنهاية : 7/395.
[3] المتفق والمفترق: 2/139.
[4] شواهد التنزيل : 1/215.
[5] الازهار المتناثرة :17.
[6] المواقف في علم الكلام : 405.
[7] شرح المواقف :8/360.
[8] شرح المقاصد: 5/ 170.
[9] روح المعاني : 6/167.
[10] فسير ابن ابي حاتم : 4/1162.
[11] منهاج السنة: 2/30.
[12] منهاج السنة : 7/4.
[13] تفسير ابن ابي حاتم :4/1162، تفسيرالطبري:6/186، تفسير السمعاني:2/47، اسباب النزول :113، تفسير العز الدمشقي : 1/393، تفسير ابن كثير:2/64، الكشاف:1/649، الدر المنثور : 3/105.
[14] نظر الغدير : 1/418.
[15] فصلت: 34.
[16] لأنفال : 72.
[17] الاحزاب : 33.
[18] لاحزاب:6.
[19] مواهب الرحمان :11/364.
[20] ميثاق الامامة:44.
[21] الشورى: 9.
[22] السجدة: 4.
[23] الميزان: 6/13.
[24] الاحزاب : 36.
[25] الميزان:6/13.
[26] البقرة:107.
اترك تعليق