الزيارة وصال وارتباط بمحمد وآل محمد عليهم السلام

 

 هنالك طرقاً خاصة للارتباط والاتصال بأشرف وأقدس خلقه محمد وآل محمد عليهم السلام قد أمر بها الله تعالى، ولعلَّ من أهمها وجوب طاعتهم التي حثت الآيات والروايات عليها، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ...}[1]، وأمَّا الروايات فَكثيرة ومنها (ما رواه مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلُ فَارِسِيُّ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام فَقَالَ: طَاعَتَكَ مُفْتَرَضَةُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِثْلُ طَاعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام؟ فَقَالَ: نَعَمْ) [2]، ومنها الصلاة عليهم فقد خصهم الله بصلواته، وصلوات ملائكته فقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[3]، حتى أصبح أمر الصلاة عليهم من واجبات الصلاة عند جميع المسلمين.

ومن مظاهر الاتصال والارتباط والتقديس والتشريف لهم مدحهم وأحياء أمرهم وذكرهم وزيارتهم، ووصل من جميل اكرامهم أن حبَّذ الله زيارتهم في حياتهم، وزيارة قبورهم بعد مماتهم، ومن هنا قد جاءت الروايات المستفيضة في الحث على زيارة سيد الشهداء عليه السلام حتى بيّنت الأحاديث فضلاً كبيراً لزائرهم، وفي هذا المقال نروم أن نسلط الضوء على بعض ما ورد من فضل وترتب آثار زيارتهم؛ بتحليل بعض الروايات الشريفة الواردة عنهم، وهو بحث يرتبط بفضائل وخصائص قد جعلت لسيد الشهداء عليه السلام من قبل الله عز وجل، وقبل البدء لا بُدَّ من تعريف بمعنى الزيارة، وبعض أهدافها.

معنى الزيارة لغة: الزيارة، من الزَّور، والزَّورُ : أعلى الصدر. وزرت فلاناً: تلقيته بِزَوري، أي بصدري، أو قصدتُ زَوره، أي صدره[4].

وفي تعريف آخر: الزيارة مصدر «الزوْر» بمعنى الميل والرغبة إلى طرف والعدول عن غيره، فقد ذكر ابن فارس في كتابه (معجم مقاييس اللغة) ما نصّه: الزاء والواو والراء، أصل واحد يدل على الميل والعدول[5].

معنى الزيارة اصطلاحاً: الزيارة هي عبارةٌ عن قيام شخصٍ بالقصد والتوجّه نحو شخص ما حياً كان أو ميتاً، وإن كانت الزيارة لقبر الميت فهي زيارة حضورية عن قرب، وإمّا إن كان بالقصد والتّوجه للمزور من دون الحضور عند قبره ولا قطع المسافة للوصول لقبره فهي زيارة عن بعد.

أهداف الزيارة:

1.تكريم الشخص المزور وهي نوع من أداء حقه.

2. الارتباط بين الزائر والمزور فإن كان المزور معصوماً فهو نحو ارتباط ورجوع للحق.

3.تسليط الضوء على حياة الصالحين وسيرهم وأعمالهم، مما يوجب على الزائر المسير وفق منهجهم، فعندما يعرف الزائر بأنَّ الحسين عليه السلام وارث الأنبياء فلا بُدَّ أن تنعكس تلك الرؤية على الزائر وتولد له اضاءات جديدة في حياته؛ فعندما يعرف أنَّ الامام الحسين عليه السلام مدرسة في المسؤولية والأخلاق والحرية والحياة فيتعلم الزائر من المزور المسؤولية والاخلاق والحرية والحياة، ومعنى كونه حراً، أي ليس عبداً إلا لله.

4.التحرز عن الشيطان ما دمت في حضرة المعصوم، ويمكن تصور ذلك من جهة كونك عنده ولا شيطان يمكن أن يوجد في هذه الأماكن المباركة، أو أنَّك بإقبالك الحقيقي تبتعد عن الدنيا والشيطان فأنت في حرز عنه.

 

فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام:

روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال: (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً مُوَكَّلِينَ بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام، فَإِذَا هَمَّ الرَّجُلُ بِزِيَارَتِهِ فَاغْتَسَلَ نَادَاهُ مُحَمَّدٍ’: يَا وَفْدَ اللَّهِ أَبْشِرُوا بِمُرَافَقَتِي فِي الْجَنَّةِ، وَنَادَاهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَا ضَامِنُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ وَدَفْعِ الْبَلَاءِ عَنْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ اكْتَنَفَهُمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله وسلم وَعَلِيٍّ عليه السلام عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ)[6].

ولنا على هذه الرواية عدّة تعليقات:

التعليق الأول: حول قوله عليه السلام (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً مُوَكَّلِينَ بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام) وفيه عدّة وجوه:

الوجه الأول: ويدلُّ على العناية الإلهية الخاصة بقبر سيد الشهداء عليه السلام وهذه العناية لشخص سيد الشهداء عليه السلام(نفسه وجسده وروحه) ولشدتها فقد ظهرت آثارها وانعكست على قبره الشريف، وما ملازمة الملائكة وتوكيلها بقبره إلّا لما للحسين عليه السلام من خصوصية وميزة عند الله عز وجل، فالملائكة تتبرك بقبره الشريف ومن هنا جاءت الروايات التي تقول بتبرك وزيارة الملائكة لقبره، بل الأنبياء عليهم السلام.

الوجه الثاني: إنَّ قوله عليه السلام ملائكة موكلين يدلُّ على مجموعة خاصة من الملائكة خصصها الله بذلك القبر وهي ملائكة خاصة بالقبر وكلت إليها مهام ووظائف خاصة تبينها روايات أخرى، فقد روى هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: وَكَّلَ اللَّهُ بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَرْبَعَةَ آلَافِ مَلَكٍ شُعْثاً غُبْراً يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ شَيَّعُوهُ حَتَّى يُبْلِغُوهُ مَأْمَنَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عَادُوهُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَإِنْ مَاتَ شَهِدُوا جِنَازَتَهُ واسْتَغْفَرُوا لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)[7].

الوجه الثالث: إنَّ لقبر سيد الشهداءعليه السلام ملائكة آخرين يوكلون بالزائر لكنَّهم مخصصون للزائر دون غيره ويدّلُ عليه الرواية المروية عن الإمام عليه السلام: فعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: (كَأَنِّي وَاللَّهِ بِالْمَلَائِكَةِ قَدْ زَاحَمُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ فيتراؤن لَهُ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ لَزِمُوا وَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَمْسَحُونَ وُجُوهَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، قَالَ: وَيُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى زُوَّارِ الْحُسَيْنِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَخُدَّامُهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدُ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ)[8].

الوجه الرابع: يمكن القول بأنَّ وجود الملائكة في قبر سيد الشهداء عليه السلام هو دليل على نزول الرحمات، وهبوب النفحات الإلهية، وكون القبر محلاًّ لنزول البركات؛ ممّا يعطي طاقة روحية عالية تنبعث من ذلك المكان الطاهر إلى كافة الأرجاء فيكون قبر سيد الشهداء عليه السلام قطباً ومركزاً لإرسال موجات الرحمة ونشرها على العالم وكلّما توجه الشخص نحوه كان الالتقاط للواردات الرحمانية أكبر، فكيف بمن كان حاضراً عند قبره الشريف؟!.

التعليق الثاني: في قوله عليه السلام (فَإِذَا هَمَّ الرَّجُلُ بِزِيَارَتِهِ فَاغْتَسَلَ) وهنا مفهومان (هم واغتسل): أما قوله عليه السلام: (هَمَّ) فيمكن أن نتصور لها معنيين:

المعنى الأول: إنَّ الهمَّ هنا كناية عن النية والإقبال أو قل التوجه القلبي والميل والاتصال أو العود لسيد الشهداء عليه السلام وهي نوع من تجديد العهد والارتباط بسيد الشهداء عليه السلام، وأنَّ الزائر بمجرد حصول النية عنده سيثاب وتتحقق بعض الآثار أو كلّها لديه، وهي إشارة لما روي عَنْ زَيْدِ الشَّحَّامِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: (إِنِّي سَمِعْتُكَ تَقُولُ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرُ مِنْ عَمَلِهِ، فَكَيْفَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَيْراً مِنَ الْعَمَلِ؟ قَالَ: لَانَ الْعَمَلَ رُبَّمَا كَانَ رِيَاءً الْمَخْلُوقِينَ، وَالنِّيَّةُ خَالِصَةُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيُعْطِي عَزَّ وَجَلٍ عَلَى النِّيَّةِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعَمَلِ)[9]. وإنّما الاعمال بالنيات فقد رُوِيَ عَنْ النبي صلى الله عليه واله وسلم أَنَّهُ قَالَ: (الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ...)[10].

المعنى الثاني: الهم أي ذو همَّةٍ عاليةٍ وقوية، فهي لا تفارق فكره وقلبه وعقله ومخيلته لتملك الحسين عليه السلام وزيارته لنفسه، فقد أشربت واتحدت به؛ نتيجة للشوق المتقد في داخله، والباعث على التوجه والزيارة، وما دام هو كذلك فسيشمل بالرحمة الإلهية وإحاطة الملائكة له، وما دام في إحاطة الملائكة فهو في حرز عن الشياطين؛ لوجود الملائكة التي ستزوده بالطاقة اللازمة للابتعاد عن الذنب، وكأنَّما تلك الطاقة هي حصانة له عن اقتراف الذنب.

وأمّا قوله عليه السلام: (فَاغْتَسَلَ) هو نحو شرط لزيارة المعصوم وهو التطهير للبدن لكون النظافة داعي من دواعي الإيمان وهي مستحبة فكذا في زيارة المعصوم، وكذا كون الغسل لالتفات الملائكة وعنايتها به وعدم نفرتها كنفرة الملائكة من الروائح الكريهة فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قَالَ: (مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الْبَقْلَةَ الْمُنْتِنَةَ: الثُّومِ وَالْبَصَلِ، فَلَا يَغْشَانَا فِي مَجَالِسِنَا وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْمُسْلِمُ)[11].

كما يمكن حمل الاغتسال على الخروج من الذنوب؛ فهو تطهير باطني.

التعليق الثالث: إنَّ قوله عليه السلام نَادَاهُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله وسلم: (يَا وَفْدَ اللَّهِ أَبْشِرُوا بِمُرَافَقَتِي فِي الْجَنَّةِ) ففي نداء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جانبين (يَا وَفْدَ اللَّهِ) (أَبْشِرُوا بِمُرَافَقَتِي فِي الْجَنَّةِ) ونحاول أن نتصور عدّة وجوه لكلِّ جانب:

الجانب الأول: في قوله عليه السلام:(يَا وَفْدَ اللَّهِ) يمكن أن نستفيد منها عدّة وجوه:

الوجه الأول: إنَّ (وَفْدَ اللَّهِ): أي هو زائر وضيف لله كما أنَّ الرواية لم تقيد هوية الزائر بشرط كونه مسلماً أو مؤمناً، فبمجرد إقباله على سيد الشهداء عليه السلام فهو يفد على الله.

الوجه الثاني: إنَّ (وَفْدَ اللَّهِ): إشارة لمعادلة زيارة سيد الشهداء عليه السلام لحج بيت الله والعمرة والتي يتوجه فيها الزائر لله، وهذا عين ما ورد في متون روايات أخرى، ومنها:

ما روي عَنْ زَيْدِ الشَّحَّامِ ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام: (مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَ الحسين عليه السلام؟ قَالَ: كَانَ كَمَنْ زَارَ اللَّهَ فِي عَرْشِهِ . . .)[12].

وَما روي عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ مُحَمَّدِ الْقُمِّيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا عليه السلام قَالَ: (مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام بِشَطِّ الْفُرَاتِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ)[13].

الوجه الثالث: إنَّ (وَفْدَ اللَّهِ): تعني أنَّ الزيارة من طرق التوجه نحو الحق والوصال، والارتباط والتقرب إلى الله، ونيل المراتب العليا، وهي تنفي بالدلالة الإلزامية كون الزيارة من وجوه المعصية أو المخالفة كما يحاول البعض تصويرها.

الوجه الرابع: إنَّ (وَفْدَ اللَّهِ): تعني أنَّ الزائر بزيارته وتوجهه إلى سيد الشهداء عليه السلام يكون مقبلاً على الله؛ لأنَّ الحسين عليه السلام متوجه إلى الله وما دام الزائر في توجه للحسين فهو طولاً متوجهاً إلى الله فضلاً عن قولهم نحن وجه الله فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه السلام قَالَ: (نَحْنُ الْمَثَانِي الَّتِي أَعْطَى نَبِيِّنَا، وَنَحْنُ وَجْهُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، نَتَقَلَّبُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ عَرَفَنَا مَنْ عَرَفَنَا فأمامه الْيَقِينِ وَمَنْ أَنْكَرَنَا فأمامه السَّعِيرِ)[14].

الوجه الخامس: إنَّ (وَفْدَ اللَّهِ): تعني أنَّ زائر الحسين عليه السلام محل عناية وتشريف من قبل الله ورسوله ولذا ناداه بأشرف المراتب (وَفْدَ اللَّهِ) فلا توجد شرفية أعلى حتى ينادى بها.

مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا ينطق عن عاطفة أو هوى بحق ذريته وولده وأقاربه، بل النطق والبيان لفضلهم عن استحقاق ومراتب خصها الله بهم فقد قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}[15]. فالنبي هو ترجمان لإرادة الله فهو لا يتقول على الله إلاَّ الحق فقد قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}[16].

الوجه السادس: إنَّ النداء بـ(وَفْدَ اللَّهِ) قد ورد بصيغة الجمع بالرغم من قوله إذا هم الرجل بزيارته نحتمل أمرين:

الأمر الأول: إنَّ الرجل لوحظ كعنوان لمطلق الزوار من ذكور وإناث ولذا ناداهم يا وفد الله.

الأمر الثاني: إنَّ لزائر الحسين حق عظيم وكبير عند الله عز وجل، وعند رسوله صلى الله عليه واله وسلم، وأهل البيت عليهم السلام؛ ولذا جمع للتعظيم.

الوجه السابع: هنالك نحو احتمال وإشارة لبلوغ المراتب العليا بمجرد الهمِّ والغسل وهذا دليل على أنَّه إنْ همَّ فسيتبعه بخطوات للذهاب للغسل وهذه الخطوات تعتبر من خطوات الزيارة وإنْ كانت هي مقدمات لمقدمات الزيارة ولهذا يشير قولهم (أَتَيْتُكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَنَفْسِي وَمَالِي وَوُلْدِي زَائِراً)[17]، فكم من مقدمات للزيارة سيثاب بها الشخص، ويستحق نظرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونداءه فهو وفد لله ما دام هاماً بالزيارة.

الجانب الثاني: في قوله عليه السلام(أَبْشِرُوا بِمُرَافَقَتِي فِي الْجَنَّةِ) ففي هذه بشارات يمكن أن نستشف منها وجوه عدّة:

الوجه الأول: يكون الزائر مخاطباً من قبل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ومخصصاً بالنداء الرسالي الناطق عن الحق.

الوجه الثاني: يرزق مقام المعية مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبشروا برفقتي، ويمكن أن نقول بوجوب التطهر من الذنوب والاستغفار قبل الزيارة للزائر؛ فبمرافقته لرسول الله حري به أن يكون لائقاً بتلك المعية، وكأن المعية هي مقام التطهير وهي نحو إشارة للتخلية عن كلِّ ذنب لكي يكون لائقاً بالمعية.

الوجه الثالث: قوله أبشروا بالجنة إشارة لنيل المقامات العليا التي تزيّن الشخص وتجمله فهو مقام التحلّي فالجنة لا يدخلها الّا من طاب وطَهُر كما دلَّ على ذلك قوله تعالى:{وَسيقَ الَّذينَ اتَّقَوا رَبَّهُم إِلَى الجَنَّةِ زُمَرًا حَتّى إِذا جاءوها وَفُتِحَت أَبوابُها وَقالَ لَهُم خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيكُم طِبتُم فَادخُلوها خالِدينَ}[18].

فمن خصوصيات زيارة الحسين عليه السلام كونها محلُّ احتراق للزائر فيطهُر ويطيب.

التعليق الرابع: قوله عليه السلام: (أَنَا ضَامِنُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ وَدَفْعِ الْبَلَاءِ عَنْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وفي نداء مولى الموحدين عليه السلام وجوه عدَّة:

الوجه الأول: إنَّ نداء أمير المؤمنين عليه السلام للزائر مزية تخصيص وشرفية، وهنا نداء وإيذان باستحقاق نداء والتفات أمير المؤمنين عليه السلام وتوجهه لذلك الزائر؛ لما فعل من هم لزيارة المولى أبي عبدالله عليه السلام، فبتوجهه يكون ممن خضع للولاية، وتحقق بها ما لم يحدث بعد ذلك أمراً.

نعم قد يُجبر المولى بخطابه للبعض كخطابهم للكفار والمنحرفين، فالسيدة عقيلة بني هاشم عليها السلام تقول ليزيد: (ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك)[19].

الوجه الثاني: ضمان أمير المؤمنين عليه السلام بقضاء الحوائج ودفع البلاء على صعيد الدنيا والآخرة.

الوجه الثالث: الاكتناف كناية عن التأييد والتسديد والنصرة والحفظ فهو في كنفهم بمجرد تحركه وممَّا يدلُّ على ذلك قوله عليه السلام: اكتنفهم عن أيمانهم وعن شمائلهم وهو ممَّا يناسب التحرك، وأيم الله أيُّ حفظ ونصرة وتسديد وتأييد بالرغم من كون ذلك الاكتناف مغيى بالانصراف، والانصراف هُنا وإنْ كان ظاهره هو رجوعه إلى أهله أي رجوعه للعلائق.

إلا أنَّنا يمكن أنْ نسير خطوة ونقول: بأنَّ الزائر لو انصرف جسداً وهو متعلق بالحسين (قلباً فكراً روحاً) فكلَّ ما ذكر من مزايا يبقى ملازماً له لا ينفكّ عنه فالرواية تريد أنْ تبيّن عظمة الارتباط والوصال بسيد الشهداء عليه السلام وعدم الانفكاك عنه فما دمت مقبلاً فهو مقبل عليك.

ثم اعلم أيدك الله أنَّ التوفيق في كلِّ ذلك منه فهو من نظر إليك وهو من حرك الشوق لديك وهو من جعلك محل الاختصاص ويشير لذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[20].

وقوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}[21].

وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}[22].

فالاصطفاء الأول هو محل التكرم والعناية للتوفيق لكي يكون محلّاً للاصطفاء الثاني الذي هو محلٌّ لديمومة النعم الإلهية ومن ثَمَّ كونه محلّاً لنزول النعم وواسطة لنزول الرحمة على الآخرين.

 

الهوامش:---------------------------------------------

([1]) سورة النساء, آية:59.

([2]) الشيخ هادي النجفي, موسوعة أحاديث أهل البيت× ج ٦ ص ٢٦٧.

([3]) سورة الأحزاب, آية56.

([4]) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن الكريم ص386.

([5]) ابن فارس, معجم مقاييس اللغة 3 / 36.

([6]) الحر العاملي, وسائل الشيعة, ج ١٤ ص٤٨٥.

 ([7]) جعفر بن محمد بن قولويه القمي, كامل الزيارات ص ٣٥٣.

([8]) جعفر بن محمد بن قولويه القمي, كامل الزيارات ص ٣٥9.

([9]) العلامة المجلسي, بحار الأنوار, ج ٦٧ ص٢٠٦.

([10]) الحر العاملي, وسائل الشيعة, ج10 ص13.

([11]) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٦٣ ص ٢٥1.

([12]) جعفر بن محمد بن قولويه القمي, كامل الزيارات, ص ٢٧8.

([13]) المصدر نفسه, ص ٢٧9.

([14]) محمد بن مسعود العياشي, تفسير العياشي ج ٢ ص٢٥٠.

([15]) سورة النجم, آية:3.

([16]) سورة الحاقة, آية:(44 ,45, 46).

([17]) العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٩٨ ص٢١٣.

([18]) سورة الزمر, آية: 73.

([19]) السيد محسن الأمين, أعيان الشيعة ج١ ص٦١٦.

([20]) سورة آل عمران, آية: 33 .

([21]) سورة النمل, آية: 59.

([22]) سورة آل عمران, آية: 42.

: الشيخ أمجد سعيد اللامي