بوابة الجامع الأموي الكبير 1890

رُسم هذا المنجز الفني الرائع عام 1890 م وهو يحمل توقيع مستشرق آخر ممن اهتموا بنقل الواقع العربي الاسلامي    هذا هو المستشرق الالماني غوستاف باورنفايند، رسام ومهندس معماري عرف برسومه ولوحاته الفنية الواقعية ويعتبر من أشهر الرسامين في ألمانيا ممن رسموا اللوحات الشرقية العربية.

كان مولده عام 1848 في احدى المدن الالمانية درس الهندسة المعمارية وتعرف على الرسم وابدع فيه خلال عمله في مجال اختصاصه، سافر إلى الشرق الأوسط وبالتحديد الى لبنان حيث تسكن أخت له مدينة بيروت، وهنا كانت بداية رحلته الاستشراقية والتي وجد فيها ما يحاكي موهبته الفنية.

انتقل الى مدينة يافا في فلسطين وفيها تزوج وكانت مستقر له وعائلته ومن هناك سافرإلى بعض الدول العربية الاخرى مثل سوريا ولبنان وغيرها مما ترك اثراً عميقاً في نفسه، وهذا مانلمسه من خلال اعماله الفنية وماتضمنته من محاكاة للطبيعة العربية وواقع الحياة اليومية للشارع العربي انذاك.

تمثل هذه اللوحة احد المشاهد المهمة التي تاثر بها الفنان وحاول اسقاطها على اللوحة وهي تمثل مشهدا لباب (الكلاسة) احد الابواب المؤدية الى الجامع الاموي في دمشق مصوراً بذلك جزأً من الحياة اليومية التي يعيشها ابناء تلك المنطقة.  تفتح هذه البوابة على باحة المسجد حيث تقع تحت المئذنة الشمالية للجامع شأنها بذلك شأن باقي الابواب الثلاثة الاخرى المنفتحة على الباحة الوسطية للجامع.

يطل المشهد على باحة الجامع الوسطية خلال هذه البوابة التي تحوي بناءاً زخرفيا مختلطاً من الزخرفة النباتية والهندسية ذات القوام الخشبي المطلي بالذهب محاطة باطار غض ينضوي داخل جدار سميك يحمل في ثناياه زخارف اسلامية وبعض الايات القرانية الكريمة، ومنها ينسحب نظر المشاهد الى داخل اللوحة نحو مجموعة من الاشخاص مجتمعين يقيمون بعض المراسيم العبادية الدينية.

ركز الفنان جل اهتمامه بنقل الصورة الواقعية للمشهد من خلال اهتمامه بهيئة الاشكال المكونة للوحة من خلال التناسق اللوني واهتمامة بالمنظور الهندسي اضافة الى الدقة المتناهية في رسم طيات الملابس والوحدات الزخرفية الموجودة على جدران الابنية والابواب داخل اللوحة.

 ففي مقدمة اللوحة وضمن محيط البوابة نرى الفنان قد حاول تركيز الانتباه على مجموعة من شخوص اللوحة وجعلها تشغل الموضوع الاساسي للمشهد، فعلى جهة اليمين نرى ثلاثة اشخاص احدهم جالس وكأنه ينتظر واخران احدهما متكيء على الجدار واخر يهم بالخروج من الجامع،وعلى جهة اليسار يجلس شخص ظاهر بصورة جزئية حاول الفنان من خلاله خلق موازنة لعين الناظر عند مشاهدة اللوحة، وقد صورهم الفنان بحركات دقيقة واكسبهم هيئات متناسقة يميزها الناظر حتى يتراءى له روحية الشخصية ومزاجها وذلك من خلال تناغم وتناسق الالوان حيث تدرجات اللون البني والاصفر وحمرة بعض الاجزاء والتعامل الدقيق مع الظل والضوء مما اكسب الاشكال قيمة ضوءية ولونية.

ولو دخلنا باتجاه الباحة الوسطية نجد ان الفنان وضعنا في اجواء مشحونة بالمراسيم الدينية الاسلامية مع مجموعة من الشخصيات، حيث بذل الفنان جهدا ملموساً في تصويرها من حيث الدقة في رسم تفاصيل كل شخصية على حدة والترابط الملحوظ حركيا ولونيا ككيان مترابط متجانس مع بعضه البعض ونجح بذلك من خلال اسلوبه المميز في رسم الملابس والسجاد والرايات وتنسيقه للالوان بين الباردة والحارة وخلق انسجام وتناغم فيما بينها مما اظفى على المشهد قدسية اكثر، فضلاً عن اهتمام الفنان بالعمارة وتصويرها بدقة عالية وحرفية متناهية، فنلاحظ في وسط اللوحة عمودا لأحد اروقة المسجد منقوشا عليه بالذهب مدعوم بالفسفساء الزجاجية في الاقواس التي يحملها وقد اكسبه الفنان هيئة ذهبية من خلال تدرجات اللون الاصفر والاحمر وبعض من اللون الازرق ، ومن خلفه في وسط الباحة قبة الوضوء العثمانية التي تتوسط صحن الجامع والتي تحمي بركة ماء الوضوء وتوظيف اللونين الاحمر والازرق في جعلها مميزة بين باقي الاشكال الاخرى، ولو تعمقنا الى ماخلف قبة الوضوء نجد انفسنا امام مدخل الجامع المكسو بالفسيفساء الزجاجية الملونة وتصميمه المعماري الفخم حيث الفنان لم يكسب هذه المنطقة دقة في رسم اجزاءها وتفاصيلها كونها تمثل خلفية اللوحة، وقد صور الفنان ايضا قبة مرتفعة تكاد الوانها تختلط بلون السماء الممزوج بضوء الشمس ممثلة عمق اللوحة في اعلى الوسط.  

حاول الفنان جاهدا في هذا السطح التصويري ان يبعث في نفس المتلقي ووجدانه احساسا بالارتياح والبهجة والطمأنينة من خلال توظيفه للالوان ونعومتها وتوزيع الضوء في ارجاء العمل الفني ، فقد نحى منحى في تنفيذ هذا العمل يكشف عن تعدد دراسته للاساليب الفنية ومزجها مع دراسته كمعماري مما دفعه الى خلق البعد الجمالي المميز في لوحاته الاسلامية كأساس للتعبير عن الجذور الحضارية المرتبطة بالتراث العربي الاسلامي.

سامر قحطان

المرفقات