جسد المستشرق الفرنسي جان ليون جيروم (1824-1904) في هذه اللوحة مشهداً واقعياً لرمز ديني يتمثل بجامع كبير يقبع فوق قبر احد السلاطين العثمانيين يعتلي سفح جبل، تكاد ان تحيط به مقبرة قديمة يقطعها طريق وعلى قارعته تجلس مجموعة من النساء خلفهن منحدر تنتشر به المنائروبعض القباب وصولاً الى الربوع الخضراء التي تمثل منظورا متصلاً بالافق المميز بجبال بعيدة فقد ابرز الفنان خبرته اللونية باستخدام اللونين الازرق والاخضر بين الفاتح والغامق والاخضر المزرق مع الوان البني والاصفر وتدرجاتها مكوناً بذلك كتلة من الجمال الربيعي الأخاذ داخل جو اللوحة، و قد ساعد الفنان على استخدام كل هذه التنويعات من الالوان وجود المرتفعات و المنخفضات في اللوحه اضافة الى فضاء اللوحة المتمثل بالسماء وزرقتها الجميلة مما مكنه من استخدام الضوء و الظل في ابراز الاشكال المكونة لها بواقعية وحرفية.
إن الطابع البنائي للتكوين العام في هذا المنجز الفني، تشكل بفعل أداء الفنان الأسلوبي المتسم بالواقعية الممزوج بما يحمله الفنان من خبرات ومهارات اوروبية، حيث المحاكاة الصريحة للرموزالدينية الشرقية ألاصيلة في تمثلات بعض المفردات التي صاغها في اللوحة كالقباب والمنائر والتي تمثل البناء المعماري الاسلامي الشرق اوسطي ممتزجة بتصويره للطبيعة الشرقية الجبلية بواقع اشبه برسوم الاوروبيين من حيث دفء اللالوان ونعومة الملمس والتقنية العالية في رسم عناصر اللوحة وتوزيعها مكانا ولونا، فالمشاهد اذ يستعرض هذا المنجزالفني ذي المفردات الواقعية يجد نفسه إزاء مجموعة من اشكال والوان منظمة اكتسبت طابعا دينيا بحتا.
يتضح من الشكل العام للوحة ان الفنان اتخذ من يمين اللوحة مركزا لها حيث السيادة المتجسدة بالجامع الكبير والذي يتميزبلونه الازرق المائل للخضرة وتصميمه المعماري الاسلامي الرائع حيث أن اللون الأزرق يشكل نسقاً مهيمناً في بنية الشكل فنرى ضوء الشمس المنعكس على القبة والماّذن بارزاً وسط السحب البيضاء متناغماً وزرقة السماء مما زاد الجامع حضوراً في اللوحة واكتسابه موقع السيادة على باقي الاشكال المكونة لها فضلاً عن الدقة بتصوير التفاصيل المعمارية الهندسية المكونة للهيئة الخارجية للجامع مستثمرا اللون الأزرق السماوي الذي يرمز إلى قدسية المكان وايضا العمق فيما يخص السماء وصولاً الى الافق، اما اللون الاخضر فقد تدرج بشكل ربيعي جميل مصورا شجرة تتوسط شواخص لقبورٍ قديمة تضفي توازنا ً منطقياً بين اجزاء اللوحة وتماسكا ً.
اما الجانب الايسر من اللوحة فقد مثل عمقا اخر للوحة يتمثل بثلاث نساء جالسات على بساط احمر واخرى واقفة صورهن الفنان وظلالهن الملقات على الارض بالوانٍ مختلفة بارزاً طيات ملابسهن المحتشمة، ومن خلفهن منحدر يزخر بالابنية والمنائر وبعض القباب التي اكتسبت اغلبها اللون الابيض تتقدم ربوع خضراء ممتدة الى الافق العميق المتمثل بالجبال والمرتفعات البعيدة في اللوحة والتي توحي بمنظورٍجميل دقيق.
لقد أفصح الفنان جيروم خلال هذا السطح التصويري الابداعي عن الشغف الشديد لنقل إحاسيسه وخبراته الفنية ليظفيها على الطبيعة والأشكال المرسومة من خلال فرط اهتمامه بالضوء كأسلوب اوروبي حيث وازن بين الاشكال من خلال توزيع الظل والضوء على عناصر اللوحة مع الاهتمام بتفاصيل الاشكال و كانها تمت بميزان فني حساس مقتربا من الواقع بتصويره تلك اللحظة الجميلة، حتى يتراءى للمشاهد انه يشم عطر الربيع وهو متأمل بخشوع هذا الصرح الاسلامي ومن خلفه تلك السفوح الخضراء مقتربا من الواقع الجميل لتلك المنطقة والذي سعا الفنان جاهدا لايصاله الى المشاهد.
سامر قحطان
اترك تعليق