الفن الاسلامي.. اهميته وتطوره ودواعي تبنيه

نشأ الفن منذ بدء الحضارات القديمة وبداية الانسان في التعلم واكتساب الخبرات، فقد ارتبط ارتباطا وثيقا بالاعتقاد الديني بلجوء الانسان الى رسم اوصناعة الاشكال المؤثرة عليه فمنها ماكان خوفا ومنها ماهو طمعا، حتى اصبحت هذه الاشكال وعبر تعاقب الحضارات رموزا دينية تعبد من دون الله، ولكن ! مع بزوغ فجر الاسلام وانتشار التعاليم السماوية المنزلة على الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله، اصبحت تلك الحضارات بما فيها تحت سطوة الاسلام الذي اتى على كل تلك النظم بتعاليم جديدة قائمة على المثل العليا التي اتت بها الرسالة المحمدية.

ومن الضروري الوقوف عند امر مهم يتجلى، بان لهذه الحضارات ارث ليس بقليل وفيه من التنوع ما لايمكن التغاضي عنه خصوصا ان الفرد العربي المسلم بطبيعته يسعى للمعرفة، فاتخذ من ذلك الارث منهلا لتوسيع افاقه ومدركاته فبدا باكتساب علوم تلك الدول بكل انواعها ومنها الفنون بما لايتعارض ومبادئ الاسلام.

لم يك للفن في الجزيرة العربية حضور يذكر سوى بعض الفنون في اليمن وشمال الجزيرة العربية وهي ذات طابع وثني بحت ولكن مع التلاقح المباشر مع الحضارة الفارسية وما اسسته الدولة الساسانية والحضارتين اليونانية والرومانية الغنيتين بانواع الفنون والسعي الحثيث للمسلمين للتعلم بدأت بواكير الفن الاسلامي الاولى بالظهور فقد قام الفنان المسلم بتوظيف ماتعلمه من تلك الفنون بما يتوافق مع الفكر التوحيدي للعقيدة الاسلامية مما جعل الفن الاسلامي يكتسب طابعا منفردا مميزا عن باقي الفنون الاخرى.

سعى الفنان المسلم للجمع بين الفن والدين انطلاقا من حقيقة أن المنبع الاهم للفنون الاسلامية هو القران الكريم، بغية الوصول الى الجمال الحق في العمل الفني، وبما ان الفن يدخل ضمن ادق تفاصيل حياة الانسان فهو ذو تأثير مباشر في تقويم المجتمعات وهذا هدف من اهداف الفنون الاسلامية، فعند تعامل الفنان المسلم مع الاشكال المرسومة او العمارة الاسلامية او الوحدات الزخرفية نجد انفسنا امام روحية الاسلام والقران الكريم ولو فعلنا العكس لوجدنا القران الكريم يعرض علينا صورا والوانا نكاد نلمسها لما تحمله من خطاب مباشر لتقويم بني الانسان، فقد ذكر البارئ في كتابه الكريم (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) ( الزمر 21) فهنا نستدل على ان اللون على سبيل المثال قد ذكر في القران ومنه نستطيع تصور ماذكر في الاية الكريمة تصورا دقيقا مما يجعل الفنان يسعى لاضفاء روحا وجمالا ووقارا اسلاميا للعمل الفني لانظير له في بقية الفنون في العالم فالفنان المسلم لايسعى الى نقل الاشكال ومحاكاتها واقعيا بل يسعى الى كشف ماتضمره من خلال الاشكال المنتظمة والقوانين الرياضية التي تحكم الوجود باذن الله والالوان المنسجمة مما يخلق توازن يوحي الى الجمال الالهي في خلق الكون كما الحال في الزخرفة الاسلامية.

كل هذا كان مدعاة للغرب في ان يتوجهوا بانظارهم لاكتساب هذه الروحية وهذا الجمال الآخاذ، فمع تطور الفنون الاسلامية عبر الزمن ومع ماترك من اثار فنية اسلامية في بعض البلدان الاوروبية كأسبانيا مثلا، بدأ الغرب يدرسون الفن الاسلامي عن كثب وبالخصوص في فترة الغزو الفرنسي لمصر وبعض الدول الشمال افريقية، حيث انطلاق مرحلة مايدعى بالفن الاستشراقي والذي كان احد مظاهر الاستعمار ومنها استطاعت المدارس الفنية اثراء ملكتها الفنية من خلال محاولة فنانيها الوصول الى الجمال الذي توصل اليه الفنان المسلم.

من هنا تبنى الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة الشروع بانشاء صفحة متخصصة بالفنون الاسلامية لنشر هذه الثقافة أملا بايصال فكرة الفن الاسلامي والجمال الالهي المضمر في كينونته والمستمد من القران الكريم واخلاق الرسول الاعظم صلوات الله عليه واله من خلال بعض المقالات التي نتناول فيها شرحا وتحليلا مقتضبين لما يتيسر لنا جمعه من هذه اللوحات الفنية، عربية كانت ام اجنبية والتي تضم بين ثناياها وحدات زخرفية اسلامية ومواضيع تصويرية حديثة كانت ام تاريخية، فضلا عن استعراض لوحات لفنانين غربيين ممن تأثروا بالاسلام دينا وفنا وشعوبا والتي تعرضوا فيها الى مواضيع من الواقع العربي الاسلامي بغية نقلها الى الغرب والاستفادة منها لزيادة الوعي الثقافي لشعوبهم من خلال الاطلاع على الثقافة العربية الاسلامية وعلومها المختلفة.

املين ان تنال استحسانكم ومن الله التوفيق.

سامر قحطان

المرفقات