بطل كربلاء (The Battle of Karbala) هو الاسم الذي اطلقه الغرب الاميريكي على هذه اللوحة الموجودة في متحف مدينة بروكلن في نيويورك العاصمة، لوحة تحمل توقيع عباس الموسوي نفذت بطريقة البانوراما ذات قوام من الزيت الكثيف وقماش الكانفاس بابعاد جدارية بانورامية تتراوح مابين (299.7 *182.9 سنتمتراً) نفذت ورسمت حسب تقديرات الخبراء اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (1868 و 1903) اواخر حكم الدولة القاجارية في ايران ولم يحدد تاريخ انجازها بالتحديد.
إن تجسيد واقعة ألطف بلوحات فنية هو محاكاة للعقول باعتبارها بناءاً فكرياً متكاملاً تدفع بالمتلقي بأختلاف ثقافته ولغته الى التوقف عند هذه المأساه الانسانية، فقد انتقى الفنان موضوعاً سرديا قصصيا واقعيا يمثل بعض من سيرة حياة العترة الطاهرة من ال بيت النبوة صلوات الله عليهم بتصويره لبعض الاحداث المميزة من حياتهم، وذلك عن طريق هذه البانوراما المميزة، فقد تناول الفنان في هذا المنجز البانورامي فكرة الخير والشر سارداً تلك الاحداث بتقسيمه للسطح التصويري الى فئتين من الاحداث و الحلقات الفردية، فالأئمة الأطهارسلام الله عليهم وبعض من اصحابهم يمثلون مصدر الخير والنقاء وحسن العاقبة والفئة الاخرى المتمثلة بأعداءهم ومبغضيهم ولعنة الله التي حلت عليهم من عذابات الدنيا وسوء العاقبة.
ركز الفنان جل اهتمامه في هذا المنجز الفني على قضية الأمام الحسين عليه السلام وذلك لشدة المظلومية التي تعرض لها من اعدائه وعياله واصحابه واصفا اياها بأسلوب مميز من فن المنمنمات الايرانية، فأغلب احداث اللوحة تدور حول الامام الحسين ومعركة الطف الخالدة بدءاً من يسار اللوحة حتى اقصى يمينها بأحداث غير متسلسلة من ولادته ومسيرته الى كربلاء ومن ثم معركة الطف وصولا الى الجنة والجحيم في اقصى يمين اللوحة.
عرض الفنان تفاصيل واقعة الطف المروعة ومارافقها من احداث وما تبعها بألوان نابضة بالحياة سعياً منه الى اثارة ردود فعل عاطفية وجدانية في نفوس المتلقين شأنه شأن فناني المنمنات الأخرين بأسلوب نقي يكون فيه استخدام اللون لأجل اللون نفسه وليس من اجل الشكل سعيا منه لتقديم الفكر على الوجود كباقي الفنون الاسلامية، ويظهر هذا الأسلوب واضحاً في الوان هذه اللوحة، فنحن نرى ومنذ الوهلة الاولى لرؤيتها أن الفنان اتخذ من الالوان الصريحة اسلوبا لتقديم شخصياتها فنلاحظ أن وسط اللوحة قد ميزه الفنان كمحورا لها ممثلاً ذلك بشخص ابي الفضل العباس عليه السلام ممتطياً صهوة جواده الابيض وهو يردي احد جنود الاعداء، مبالغا ًفي حجم الشخصية باشغاله لمساحة اكبر من عناصر اللوحة الاخرى كنوع من المركزية التي تشد البصر الى مركز الجذب هو الاقوى في السطح التصويري وهو يجسد الفكرة الرئيسية للوحة في انتصار الخير على الشر والحق على الباطل.
استخدم الفنان البنية اللونية بطريقة مسطحة، مما اكسب عناصر اللوحة وشخوصها صفة جمالية مميزة ضمن الترتيب اللوني العام، حيث تمكن الفنان من تحقيق صفة اللون الرمزي، فنلاحظ وفي اعلى وسط اللوحة رسمة تمثل الامام الحسين عليه السلام وهو يحمل طفله الرضيع محاولا رد العطش عنه بشربة ماء وتعلو رأسيهما عليهما السلام هالة صفراء كدلالة على القدسية والمكانه الرفيعة وبجواره نحو اعلى اليسار خيام عيال الحسين عليه السلام وزوجات أهل بيته وأصحابه مُتشحات بالسّواد ويبدو للعيان حزنهم وألمَهم ورسمة اخرى مجاورة تمثل استشهاد علي الاكبر عليه السلام والى اقصى اليسار نرى مشهدا مصغراً للراس الشريف موضوعا بالطشت امام احد اللعناء، ومشهدا اخر يصور الامام علي ابن موسى الرضا عليه السلام وبجانبه صياد وبعض الغزلان مستذكرا قصة ضمان الغزال ومشاهد اخرى مقتطعة من حياة ال بيت النبوة على شكل حلقات فردية تشغل حيزا من اللوحة، في حين تتصل هذه الحلقات الفردية لونيا على نطاق اللوحة حتى تصل بالمتلقي الى الجانب الايمن من اللوحة والذي يعطي ايحاءاً روحيا بفوز الامام الحسين عليه السلام ومن معه والنهاية الحتمية لتلك الاحداث حيث الحق يرد الاخرة وجنان الخلد بحسن العاقبة، و خصومهم ومن بغظهم وعاداهم في الجحيم يذوقون سوء العذاب وياكلون من زقومها.
استطاع الفنان تنفيذ الاشكال المرسومة باستخدامه منظومة أطياف الألوان المختلفة التي تتميّز بها اغلب لوحات فن المنمنمات وخاصّة الوان الأحمر والأسود بحيث يرمز اللون الأحمر إلى لون الدّمّ ويُعبّر عن القتل والشّهادة، فيما يُعبّر اللون الأسود عن الحزن والحداد إضافة لرمزيّته للظّلم والطغيان فضلا عن بعض الالوان كالاصفروالاخضروالابيض والبني والتي وظفها الفنان في البنية الفنية للوحة للدلالة على الفوز وعنصر الخير ولايخفى عن المشاهد ما للاشكال من سمة ابتعادية عن الحدث من ناحية تناغم الشكل والملامح مع الحدث المصور كالغضب والفرح وغيرها من الانفعالات الوجدانية فالاسلوب المميز لفناني المنمنمات هورمزية اللون بعيدا عن الحركة الفيزيائية للشكل المرسوم.
سامر قحطان
اترك تعليق