مشي النساء إلى كربلاء (قراءة في الأدلة والنصوص الشرعية)

توطئة

إحياء الذكريات ـ الأحزان والأفراح ، وكذلك سيَر العظماء، وحركاتهم التحررية والتغييرية والنهضوية ـ هي عادةٌ نابعة من اعتقادات البشر عموماً، والعقلاء خصوصاً، وربما كان ذلك من وازع فطري في نفوسهم، فيقومون بعمل مراسيم تناسب الذكرى المطلوب إحياؤها؛ ولأجل ذلك تُمارس بعض الشعائر والطقوس التي تتميز بأمرين أساسيين:

 

الأول: إبراز حجم الولاء والحب لصاحب الذكرى، وأهمية السير على نهجه.

الثاني: الحفاظ على الجوانب الإعلامية، والحركات الفكرية، والاستفادة منها في واقعهم المعاصر وللرأي العام بجميع طبقاته وتوجهاته؛ ولكي يصدّروا أفكارهم وعظماءهم إلى الطرف الآخر، اعتقاداً منهم بأنَّ فكر وشخصية وحركة صاحب الذكرى، مؤهّل إلى أن تنهل منه البشرية ذلك العطاء والتضحية، وتدين له بالتبجيل، بل وبالانتماء أيضاً.

والمُراجع لتاريخ الأُمم والأديان يرى ذلك واضحاً في أدبياتهم وسيرهم، وتصرفاتهم في إقامة هذه المراسيم.

كما أنَّ المسلمين ـ كسائر الأُمم والأديان ـ مارسوا شعائر الانتماء والولاء لعظمائهم، وخلدوا ذكراهم وتضحياتهم، ومواقفهم التي تقف الإنسانية حائرةً أمام عظمتها، وكبير تأثيرها على مسار الإنسانية.

ولعلَّ تخليد ذكرى الحسين عليه السلام ونهضته كان أرحب وأوسع أنواع التخليد كمّاً وكيفاً؛ إذ كانت طقوس وشعائر الحسين عليه السلام هي الأكثر وضوحاً وتطبيقاً بين إقامة الشعائر عند المسلمين، والأكبر تأثيراً في النفوس والعقول، حتى أصبحت شعائره تُمارَس في أرجاء المعمورة وفي بلدان العالم كافة.

وموضوعنا الذي نحن بصدد بحثه يُعدُّ من أهم تلك الممارسات والطقوس، التي تجمع بين الجنبة الإعلامية والوجدانية والعقلية، هو موضوع (المشي إلى كربلاء المقدّسة) بمظاهرة مليونية تكتنفها الكثير من الطاعات، والبركات المعنوية، والمادية.

ومن صغريات المسائل المتعلقة بفقه الشعائر الحسينية ـ هي مسألة متفرعة على موضوعة المشي إلى كربلاء ـ هي (مشي النساء بالخصوص) ورغم التسالم على ثبوت هذه الشعيرة عند الإمامية إلّا أنَّه قد أُثيرت مؤخراً بعض الإشكاليات والاستفهامات حول مشروعيتها وشعيريتها؛ بسبب بعض التصرفات أو الممارسات التي قد تصدر من بعض السائرين والسائرات، والتي ربما تكون خاطئة بنظر بعضهم، بالرغم من وجود نصوص دالة على أصل المشروعية ـ مشروعية مشي النساء ـ والاستحباب، فضلاً عن وضوح دخولها في عنوان الشعائر الحسينية.

 

تنويع البحث

بدايةً سنتكلّم حول المشي في اللغة، والحكم الشرعي، وعلاقة بذل الجهد فيه، ونتحدث حول مدخلية حمازة الأُمور في استحقاق الثواب، ومن ثَمّ نبحث في الآيات والروايات التي تناقلت المشي وفضله عموماً، ونتكلّم حول المشي للحج أيضاً، ونورد بعدها تاريخية مشي النساء مطلقاً، وكذلك الأدلة التي نستدل بها لمشروعية مشي النساء إلى كربلاء، ونعرض أخيراً أدلة المعارضين لمشي النساء والإجابة عنها.

المشي لغة

المشي لفظاً ومعنًى من الأُمور الواضحة عند الجميع، ولا بأس أن نقف على حقيقة تعريفه عند اللغويين.

قال الراغب: «المشي: الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة»[1].

وقال ابن فارس: «الميم والشين والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على حركة الإنسان وغيره، والآخَر النَّماء والزيادة»[2].

وفي المصباح المنير: «مَشَى: (يَمْشِي) (مَشْياً) إذا كان على رجليه ـ سريعاً كان أو بطيئاً ـ فهو(مَاشٍ) والجمع (مُشَاةٌ)، ويتعدّى بالهمزة والتضعيف»[3].

 

الحكم الشرعي واستحقاق الثواب عند بذل الجهد

إنَّ الأحكام الشرعية الإلهية تُلحظ فيها جنبتان متغايرتان من حيث طبيعة الحكم وخصوصيته:

الجنبة الأُولى: وهي جنبة التشريف؛ إذ إنَّ الأحكام الشرعية هي تشريف للعبد المكلف؛ لأنَّ مَن كلّفه أراده أن يرتبط به روحياً ويُصبح منتمياً إليه ومضافاً إلى اسمه وموصوفاً بأنه (عبد لله) لا لغيره، فينال شرف العبودية لله ويخرج من براثن عبودية الغير وإذلاله.

الجنبة الثانية: جنبة التكليف؛ لأن الأحكام الشرعية هي تكليف وتحميل للمكلف بها، وهذه الجنبة التعبوية إنما هي لمصلحة من كُلف بها، وأن الله تعالى هو العالم بهذه المصالح أكثر من المخلوقين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[4]؛ إذ إنها في إطار إعطاء نظام لتربية وإعداد المكلف وتنظيم علاقاته العامة والخاصة وإدخاله في حيّز السعادة في الدارين؛ فقد روى النوري في المستدرك عن أبي القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق: عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبته: «أيها الناس، ما علمت شيئاً يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به»[5].

 فإن الأحكام ـ كما يقول العدلية ـ تابعة لمصالح ومفاسد واقعية، فما من أمر إلا وفيه خير للمكلف المأمور به، وما من نهي إلا وفيه شر للمكلف المنهي عنه، وغاية تلك التكاليف والجهود هو الوصول إلى الدرجات المعنوية واليقين العلمي والطاعاتي، كما قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[6].

وهذه الأحكام كلما كانت أشد وأتعب كلما كان مردودها المعنوي والتربوي أكبر وأرحب؛ فإن أفضل الطاعات أشدها وأحمزها.

وبما أن المشي هو بذل للجهد أيضاً، بل لعله جهد كبير، وخاصة إذا اتّصف بالعبادية؛ فإنه سيكون أحب وأقرب، كالمشي للحج المندوب والمشي لزيارة النبي عليها السلام والأئمة عليهم السلام؛ فهو بلا شك محبوب عند الله تعالى، كما سيأتي المزيد من البيان.

 

حرص المسلمين على أحمز الأعمال

تنقسم العبادات في التشريع الإسلامي على ثلاثة أقسام: منها ما يكون جهدياً بحتاً كالصلاة والصيام، ومنها ما يكون مالياً بحتاً كالخمس والزكاة، ومنها ما هو مشترك كالحج والجهاد، وكلما كانت العبادة أجهد وأتعب كانت ثمراتها المعنوية أكبر وأعظم؛ ولذا ورد في الرواية المشهورة بين الخاصة والعامة عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال: «أفضل الأعمال أحمزها»[7].

ومعنى أحمزها كما في كتب اللغة هو:«أشدها وأمتنها، وأكثرها مشقة»[8].

والمشي ـ كما سيأتي ـ أشد وأصعب وأكثر جهداً من الركوب؛ فيكون أفضل قطعاً، وكلما كانت مسافته أطول فهو أشد جهداً ومشقة فيكون أفضل، بل وكلما كانت الظروف أصعب كان المشي أعظم أجراً، فالماشي في زمن الخوف أو الحر أو البرد الشديد أو غير ذلك من الظروف الصعبة أكبر منفعة وثمرة دنيوية وأُخروية من المشي بغير تلك الظروف، عملاً بالحديث النبوي الشريف؛ لذا فإن العبادات التي فيها مشي ـ كالحج والجهاد والزيارة ـ لها أهميتها وفضلها على سائر العبادات إلا ما خرج بالدليل.

 

المشي في النصوص الشرعية

ورد المشي في النصوص الشرعية كثيراً؛ إذ إن الآيات والروايات حافلة بهذا المعنى، إما صراحة أو على نحو التلازم بين المشي وبين ما ذكر، وبما أن بحثنا عن مشي خاص ـ لا مطلق المشي ـ أحببنا ذكر المشي بصورة مجملة وسريعة في النص القرآني والروائي:

أولاً: المشي في النصوص القرآنية

ورد المشي في آيات عديدة وبموضوعات مختلفة، وفي بعضها إشعار بأنه نعمة من النعم الإلهية، وأنه ممدوح لأجل الوصول إلى شيء مطلوب، أو للخروج من واقع قاسٍ أو منحرف، وهنا نذكر بعض تلك الآيات:

الآية الأُولى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[9].

الآية الثانية: (وَاللَّـهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ  يَخْلُقُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) [10].

الآية الثالثة: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )[11].

الآية الرابعة: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا )[12]، وسنقف عند هذه الآية ببحث مفصل لاحقاً إن شاء الله تعالى؛ لقربها من موضوع البحث.

وأما قوله تعالى في الآية التي تُشير إلى ذم خروج النساء من بيوتهن: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) [13]. فسوف يأتي تفصيل الكلام حولها عند التعرض لأدلة المانعين الذين استدلوا بها لمنع خروج النساء مشياً، وسوف نُبيّن أنها ليست مانعة من أصل الخروج.

 

ثانياً: المشي في الروايات

وردت روايات كثيرة في مدح المشي إما مطلقاً أو لغاية وطاعة وهدف إيجابي، ويمكن ذكر ذلك من خلال الطوائف التالية:

الأُولى: ما دل على عبادية المشي بذاته، وهذا ظاهر بعض الروايات التي تُحمل على المشي المعهود المادي، لا المشي المعنوي ، كما في الرواية ـ المروية بعدة طرق وفي عدة موارد ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما عُبد الله بشيء أفضل من المشي»[14].

الثانية: الروايات الحاثة على السفر إما مطلقا أو لغايات مادية أو معنوية مستحبة أو مباحة؛ لاشتماله ـ خصوصاً في الأزمان الغابرة ـ على المشي راجلاً ، ومن تلك الروايات:

 1 ـ ما دل على استحباب مطلق السفر

منها: ما روي عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول الله عليها السلام: سافروا تصحوا، وجاهدوا تغنموا، وحجوا تستغنوا»[15].

ومنها: ما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في (المحاسن) عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سافروا تصحوا، سافروا تغنموا»[16].

2 ـ ما تضمن الحث على المشي للتواصل والتزاور الاجتماعي

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي عليها السلام ـ في حديث المناهي ـ قال: «مَن مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه الله أجر مائة شهيد، وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة، ومحا عنه أربعين ألف سيئة، ورفع له من الدرجات مثل ذلك، وكان كأنما عبد الله مائة سنة صابراً محتسباً»[17].

3ـ ما دل على خروج النّساء في المأتم لقضاء الحقوق

فقد روي عن أبي الحسن عليه السلام حين سئل عن ذلك، فقال: «عَنِ الحُقُوقِ تَسْأَلُنِي، كَانَ أَبِي يَبْعَثُ أُمِّي وَأُمَّ فَرْوَةَ تَقْضِيَانِ حُقُوقَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»[18].

ولا شك في أن هذه الموارد بإطلاقها ـ بل بصراحة بعضها ـ تشمل الاستحباب للنساء أيضاً.

 

المشي إلى الحج

لا خلاف في جواز المشي للحج للرجال والنساء من أماكن بعيدة، كما دلت الآيات القرآنية والروايات كذلك، وإنما الخلاف بين الفقهاء في أفضلية المشي على الركوب في طريق الحج، فذهب المشهور إلى أفضلية الحج ماشياً على الحج راكباً؛ لأنه أكثر مشقة وتواضعاً وأحمز من الركوب، بل تمسكاً منهم ببعض الروايات الآتية الذكر.

 

الروايات الحاثة على المشي

هناك مجموعة من النصوص الشرعية الدالة على أفضلية المشي على الركوب:

1ـ المشي إلى الحج الواجب أو المندوب خضوعاً وخشوعاً وطلباً للأحمز، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في‌ خبر ابن سنان، وغيره: «ما عُبد الله بشيء أشد من المشي ولا أفضل»[19].

2ـ ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً، قوله: «ما عُبد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته»[20].

3ـ ما أورده الحر العاملي في الوسائل بقوله: «روي أنه ما تقرب العبد إلى الله عز وجل بشيء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين»[21].

4ـ ما روي عن الصادق عليه السلام حين سُئل عن فضل المشي، فقال: «إن الحسن بن علي عليهما السلام قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلاً ونعلاً، وثوباً وثوباً، وديناراً وديناراً، وحج عشرين حجة ماشياً»[22].

5ـ ما روي في خبر أسامة، قال: «خرج الحسن بن علي عليهما السلام إلى مكة ماشياً فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنك هذا الألم. فقال: كلّا»[23].

6ـ وروى أبو المنكدر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قال ابن عباس: ما ندمت على شيء صنعته ندمي على أن لم أحج ماشياً؛ لأني سمعت رسول الله عليها السلام يقول: مَن حج بيت الله ماشياً كتب الله له ستة آلاف حسنة من حسنات الحرم، قيل: يا رسول الله، وما حسنات الحرم؟ قال: حسنة بألف ألف حسنة. وقال: فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم. وكان علي بن الحسين عليهما السلام يمشي إلى الحج ودابته تُقاد وراءه»[24].

 

الروايات الحاثة على الركوب

مع أن الروايات المتقدمة واضحة الدلالة على ما ذكرنا سابقاً إلا أن في مقابل ذلك روايات تدل على أفضلية الركوب تأسّياً بالنبي الأعظم عليها السلام، ومن بينها:

1ـ رواية رفاعة قال: «سأل أبا عبد اللّه عليه السلام رجل: الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: الركوب أفضل من المشي؛ لأن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ركب»[25].

2ـ رواية ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام: «أنّه سُئل عن الحج ماشياً أفضل أو راكباً؟ فقال: بل راكباً؛ فإن رسول الله عليها السلام حجّ راكباً»[26].

3 ـ  وعن رفاعة أيضاً، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مشي الحسن عليه السلام من مكة أو من المدينة؟ قال: من مكة. وسألته: إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟ فقال: كان الحسن عليه السلام يزور راكباً. وسألته عن الركوب أفضل أو المشي؟ فقال: الركوب. قلت: الركوب أفضل من المشي؟ فقال: نعم؛ لأن رسول عليها السلام ركب»[27].

 

الجمع بين روايات المشي والركوب

ويمكن أن نجمع بين هاتين الطائفتين من خلال القرائن الآتية ـ والتي تُعطي نتيجةً مفادها أن الأفضلية محفوظة للمشي ـ:

القرينة الأُولى: ما ورد في روايات أُخر تُبيِّن أن الأفضلية للمشي إلا في بعض الحالات الخاصة:

الحالة الأُولى: إذا كان المشي لأجل كونه أقل نفقة مع العلم أن هذا الحاج في يسر ومكنة؛ فيكون الركوب أفضل في حقه، لقول أبي عبد الله عليه السلام في خبر أبي بصير: وقد سئل عن المشي أفضل أو الركوب: «إن كان الرجل موسراً فيمشي ليكون أقل لنفقته، فالركوب أفضل»[28].

الحالة الثانية: إذا كان المشي يؤدي إلى تعطيل الحاج عن الدعاء أو العبادة أو أداء المناسك فيكون الفضل للركوب، كما في رواية سيف التمار، قال: «قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنا كنا نحج مشاة فبلغنا عنك شيء، فما ترى؟ قال: إن الناس ليحجون مشاة ويركبون. قلت: ليس عن ذلك أسألك. قال: فعن أي شيء سألت؟ قلت: أيّهما أحبّ إليك أن نصنع؟ قال: تركبون أحب إلي؛ فإن ذلك أقوى لكم على الدعاء والعبادة»[29].

الحالة الثالثة: إذا كان الحج ماشياً موجباً للاستخفاف والمهانة من قِبل الآخرين، فقد روى سليمان، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّا نُريد أن نـخـرج إلى مكة مشاة. فقال: لا تمشوا واخرجوا ركباناً. فقلت: أصلحك الله، بلغنا عن الحسن بن علي عليهما السلام أنـه حج عشرين حجة ماشياً، فقال: إن الحسن بن علي عليهما السلام كان يحج ماشياً وتُساق معه الرحال»[30].

والنتيجة المتحصلة ـ لدى الباحث بعد هذا الجمع هي ـ: أن المشي إلى الحج واجباً أو مندوباً أرجح من الركوب إلا في الموارد المتقدمة؛ فإذا أراد المكلف تحصيل ثواب أكثر في الحج المندوب كان المشي هو المتعين، وكذا الحكم في الطاعات الأُخر كالجهاد أو الزيارة أو غيرها، إلا إذا دلّ الدليل الخاص على الاستثناء، وكان مفاده: إن العبادة الأقل مشقة هي الأرجح؛ فعند ذلك يؤخذ بالدليل الخاص.

 

تاريخية مشي النساء

إن المتتبع لتاريخ الإنسانية ـ وخصوصاً تاريخ العرب ـ يجد ظاهرة المشي من يوميات الإنسان رجلاً كان أو امرأةً، حيث إن كثيراً من الأعمال والمهن تُمارَس مشياً على الأقدام، ولعل ظاهرة الرعي والزراعة من أهم تلك المهن التي تحتاج إلى المشي، ونحن نجد أن المرأة كانت ولا زالت تُمارس هاتين المهنتين وباستمرار، والقرآن يحكي لنا أن نساء مقدسات وبنات أنبياء كنَّ يُمارِسن ذلك، كما في قصة ابنتي النبي شعيب عليه السلام والتي أصبحت إحداهما زوجاً لكليم الله النبي موسى عليه السلام، حيث كانتا تمارسان الرعي وسقي الغنم؛ إذ قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ  قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ*  فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [31].

وكذلك يحكي لنا القرآن سير موسى عليه السلام مع أهله: (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [32].

بل إن بعض النساء المقدسات ـ ومنهن السيدة الطاهرة خديجة ـ كانت تمارس الخروج من البيت والمشي بسبب طبيعة عملها في التجارة، وقد تزوّج منها النبي الأعظم عليها السلام وهي تاجرة.

وإن السيرة التاريخية العامة تذكر مئات النساء اللاتي ذاع صيتهن وقد اكتنف عملهن بالمشي، خصوصاً المشي للأُمور المهمة والتواصل الاجتماعي والثقافي والعلمي والأدبي.

وامتدت تلك السيرة إلى زمن الإسلام وخروج المرأة في بعض الحروب لمساعدة الرجل في الأُمور الطبية واللوجستية وغيرها، وتحمّلها لبعض المهام والمشاغل العامة.

كما أن مسألة خروج المرأة المعاصرة أصبح شيئاً واضحاً ولا غبار عليه، خصوصاً بعد أن عملت بسلك الطب والتعليم والهندسة والتربية وغيرها من ميادين الحياة.

ولنقف على الأحداث التي يذكرها القرآن المختصة بالسيدة مريم العذراء رضوان الله عليها؛ لارتباطها الواضح بموضوع هذا البحث:

قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا  *... فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) [33].

إن الآية تحكي قصة السيدة العذراء مريم وما جرى من مراسيم تحضيرية لأجل الولادة، ومن أهم تلك المراسيم هو خروجها لوحدها إلى مكانٍ قصيٍّ، والقصي: هو المكان البعيد القاصي المحتجب عن الأهل والأقارب والبلدة، فخرجت لوحدها لتأتي بالمولود المقدس.

وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين[34] في قصة خروجها أُموراً تفيدنا في المقام:

الأول: إن خروجها كان لوحدها؛ وهذا يدل على مشروعية الخروج ما دام الخروج مطابقاً للموازين الشرعية مع كامل الحجاب والعفة وما دام لغاية سامية وهي طاعة الله.

الثاني: إن خروجها كان لمكان بعيد عن أهلها؛ وهذا يدل على مشروعية الخروج إلى مكان بعيد ما دامت مأمونة على نفسها ومعروفة بعفتها وشرفها.

الثالث: إن الكلام مع الأجنبي بحد ذاته ليس محرماً، ما دام مطابقاً للموازين الشرعية، وليس فيه خضوع بالقول ولا يحتوي على كلام غزلي ولا تعمد الإسماع.

وبذلك يتضح أن ظاهرة مشي النساء قديمة وممتدة وعامة، وبمرأى ومسمع من الأنبياء والأئمة والصلحاء، ولم يعترضوا على أصل الظاهرة، وإنما هناك أحكام وشروط تشريعية تنظم الخروج والمشي، وتجعله في حيز الجائز الذي لا فساد ولا إفساد فيه.

 

أدلة مشي النساء إلى كربلاء

عرضنا فيما سبق الأدلة ـ القرآنية والروائية ـ المجوزة للمشي مطلقاً، بل والحاثة عليه لأجل بعض الطاعات والتواصل الرحمي والاجتماعي والحقوقي.

 والآن نعرض بعض الأدلة الخاصة التي تدل على جواز واستحباب مشي النساء (بالخصوص) لزيارة قبر سيد الشهداء وفاءً لحق الولاء للنبي وأمير المؤمنين والصديقة الطاهرة والسادة النجباء من أبنائها سلام الله عليهم أجمعين.

ونذكر ذلك في أدلة منها:

الدليل الأول: قاعدة الاشتراك

من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة بين الفقهاء قاعدة الاشتراك، والتي مفادها في أحد معانيها: «اشتراك المكلّفين في الأحكام الشرعية رجالاً ونساءً إلى قيام يوم القيامة، سواء كانت أحكاماً إلزامية، كالوجوب والحرمة، أو غير إلزامية، كالاستحباب والكراهة، إلا في الموارد التي ثبت خصوصية للرجل أو المرأة فيها؛ فتكون خارجة عن القاعدة تخصيصاً»[35].

وبما أن هذه قاعدة ـ وكل قاعدة تمتاز بأنها كلية ـ لها تطبيقات وأفراد عديدة؛ فيكون المشي إلى كربلاء تطبيقاً وفرداً من أفرادها؛ مما يعني أن الاستحباب الوارد في الأدلة والروايات منصب على الرجال والنساء على حد سواء، ولم يرد في الروايات ما يدل على حصر استحباب المشي بالرجال، بل يبعد احتمال الخصوصية جداً.

وما ذكر من المنع من خروجهن مطلقاً ـ ولو لأجل الطاعة ـ مدفوع، كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً.

ولهذه القاعدة أدلتها وتطبيقاتها، وتفصيل ذلك في محلّه من كتب القواعد الفقهية، والذي يفيدنا منها هو حكم الاستحباب المشترك بين الرجال والنساء الموجود في أدلة المشي إلى سيد الشهداء عليه السلام.

 

الدليل الثاني: إطلاق الروايات

وردت مئات النصوص الحاثة على المشي والمبينة لأجر الماشي وعظيم الثواب الذي يحصل عليه، وآداب المشي وسننه وما ينبغي أن يكون عليه الماشي، وما لا ينبغي، وقد ذكر هذه الروايات أصحاب المجاميع الروائية وكتب الأدعية والزيارات[36]، وقد أجاد صاحب كتاب (نور العين في المشي لزيارة الحسين) حين جمع الروايات المتعلقة بالمشي لزيارة الإمام وبوبها تبويباً رائعاً، والمطلع على تلك الروايات يجد الإطلاق والعموم واضحاً تجاه مطلق المكلفين رجالاً ونساءً، بل شامل حتى لغير المكلفين؛ وبذلك يكون الاستحباب منصباً على الرجال والنساء على حد سواء، بل إن في بعض الروايات تصريحاً واضحاً لزيارة النساء وأنها من باب إسعاد فاطمة عليها السلام.

ولنقف على بعض الروايات المطلقة:

1ـ  عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن علي [بن أبي عثمان، عن عبد الجبار النهاوندي، عن أبي سعيد، عن الحسين] بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «يا حسين، مَن خرج من منزله يريد زيارة الحسين عليه السلام إن كان ماشياً كتبت له بكل خطوة حسنة، وحُطّ بها عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف ناداه ملك فقال: إن رسول الله عليها السلام [يقرئك السلام و] يقول لك: استأنف العمل؛ فقد غفر الله لك ما مضى»[37].

 2ـ  عن الحسين بن محمد، عن حميد بن زياد، عن عبيد الله بن نهيك، عن محمد بن فراس، عن إبراهيم بن محمد الطحان، عن بشير الدهان، عن رفاعة النخاس، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «أخبرني أبي أن مَن خرج إلى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه غير مستكبر، وبلغ الفرات ووقع في الماء وخرج من الماء، كان مثل الذي يخرج من الذنوب، وإذا مشى إلى الحسين عليه السلام فرفع قدماً ووضع أُخرى، كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات»[38].

 3 ـ  عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين، عن أبي داود المسترق، عن أم سعيد الأحمسية، قالت: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا أُمّ سعيد، تزورين قبر الحسين عليه السلام؟ قالت: قلت: نعم. قال: يا أُمّ سعيد، زوريه؛ فإن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء»[39].

 ثم قال صاحب الوسائل: «أَقول: وروى ابن قولويه هذا الحديث من عدة طرق بأسانيد كثيرة، وقد تقدم ما يدل على ذلك عموماً، ويأتي ما يدل عليه».

4 ـ  روى الحسن بن علي بن فضال، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، قال: «مرو شيعتنا بزيارة الحسين بن علي عليهما السلام؛ فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع، وزيارته مفترضة على من أقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل»[40].

5 ـ  عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي المعزا، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «مَن لم يأت قبر الحسين عليه السلام حتى يموت كان منتقص الإيمان، منتقص الدين... دون المؤمنين فيها»[41].

إلى غيرها من عشرات ـ بل مئات ـ الروايات المبثوثة في بطون الكتب: كالبحار، وكتب المزار، تحكي لنا مشروعية مشي النساء للزيارة والحثّ عليها كثيراً، ونستفيد هذا من إطلاق الروايات والأدلة؛ ولذا أفتى جملة من الأعلام المعاصرين باستحباب مشي النساء؛ تمسكاً بإطلاقات الأدلة.

 

الدليل الثالث: الروايات التي تخص النساء بالذكر

ما تقدم معنا من أدلة إنما كان مفادها الحث على المشي للزيارة بصورة مطلقة، والآن نورد بعض الروايات التي تدل على الاستحباب بخصوص النساء بل إن في بعضها ما يدل على الوجوب بوضوح، كما ذهب إليه بعض الفقهاء، وإن حملها أكثرهم على الاستحباب وبيّن أن الوجوب يراد منه شيء آخر انسجاماً مع الروايات الواضحة الدلالة على الاستحباب.

ولعل أشهر تلك الروايات رواية أُم سعيد الأحمسية الموالية للإمام الصادق عليه السلام ومن أصحابه، وغيرها:

1 ـ  روى ابن قولويه، عن أُم سعيد الأحمسية، قالت: «جئت إلى أبي عبد الله عليه السلام فدخلت، فجاءت الجارية فقالت: قد جئتكِ بالدابة. فقال عليه السلام: يا أُم سعيد، أي شيء هذه الدابة، أين تبغين، أين تذهبين؟ قالت: قلت: لأزور قبور الشهداء. فقال: ما أعجبكم يا أهل العراق! تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيد الشهداء ولا تأتونه؟! قالت: قلت له: مَن سيد الشهداء؟ فقال: الحسين بن علي عليهما السلام. قالت: قلت: إني امرأة. فقال: لا بأس بمن كانت مثلك أن تذهب إليه وتزوره. قلت: أي شيء لنا في زيارته؟قال: تعدل حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهم»[42].

2ـ عن زرارة عن أحدهما  عليه السلام[43] أنه قال: «يا زرارة، ما في الأرض مؤمنة إلا وقد وجب عليها أن تُسعِد فاطمة عليها السلام في زيارة الحسين عليه السلام»[44].

3 ـ في كتاب فضل زيارة الحسين لمحمد بن علي العلوي، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد النحوي، قال: نا محمد بن علي بن شاذان، قال: نا حسن بن محمد بن عبد الواحد، قال: نا عباد بن جعفر، قال: أخبرني محمد بن عبدويه، عن يحيى بن مساور، قال: كان جعفر بن محمد عليهما السلام جالساً فأقبلت امرأة من العرب، فقال: «ما لي لم أركِ منذ أمس؟ قالت: كنت عند قبور الشهداء. قال: تركت سيد الشهداء عندك! قالت: مَن هو؟ قال: الحسين عليه السلام. قالت: أزوره؟ قال: نعم زوريه؛ فإنه أفضل من حجة وحجة حتى عد عشراً. فقلت: فما لمن زاره ماشياً ؟ قال: له بكل خطوة حجة وعمرة»[45].

فإن هذه الروايات وغيرها حثّت أُم سعيد الأحمسية ونساء أُخر على الزيارة وحددت لهن أجر المشي، وهو بكل خطوة حجة وعمرة.

 

الدليل الرابع: سيرة الزهراء عليها السلام

إن الزهراء عليها السلام ـ وهي سيدة العفة والحشمة وقدوة النساء جميعاً ـ خرجت في مواطن عديده ماشية، ومنها ما هو واجب كتصديها للخطبة أمام المهاجرين والأنصار لنصرة أمير المؤمنين عليه السلام والدفاع عن حقه بالخلافة وحقها في فدك التي غصبها الظالمون، ومنها ما هو مستحب، كما في خروجها كراراً لزيارة قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب وبعض الشهداء، وزيارتها لقبر أبيها الأعظم عليها السلام، ولا شك في أن فعلها حجة وسنّة تقتدي بها نساء العالمين.

وفي هذا الصدد نذكر بعض الروايات الدالة على خروجها مشياً:

 1ـ قال الكليني رحمه الله: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: «عاشت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله عليها السلام خمسة وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرةً ولا ضاحكةً، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الإثنين والخميس، فتقول: ها هنا كان رسول الله عليها السلام، وهاهنا كان المشركون»[46].

ثم قال بعد ذلك رحمه الله: «وفي رواية أبان، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام أنها كانت تصلي هناك وتدعو حتى ماتت عليها السلام»[47].

وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أنّ خروج النساء لزيارة قبور الموتى لا ينافي‌ العفّة والوقار؛ إذ إن الزهراء ـ وهي المعصومة من كل خطأ ـ خرجت ماشية لزيارة القبور؛ فيكون فعلها حجّة، ولا شك في أن الخروج لزيارة قبر سيد الشهداء لهو أعظم من زيارة قبور المؤمنين؛ فما تفعله المؤمنات السائرات لقبر الحسين عليه السلام إنما هو اقتداء بسيرة ومسيرة الزهراء عليها السلام، كما إنه إسعاد ومواساة لها، كما تقدم ذلك.

 

الدليل الخامس: قاعدة الشعائر العامة

واضح لدى الجميع أن قاعدة الشعائر العامة تدل على أهمية تعظيم الشعائر الدينية، وأن من مصاديق الشعائر الدينية هو إبراز الشعائر الحسينية. ولا شك في أن المشي للزيارة من أبرز مصاديق تلك الشعائر، وهذا المشي للزيارة غير مختص بالرجال، بل هو شامل للنساء أيضاً كما هو واضح؛ فخروج هذا الجمهور الإيماني ومن كل الطبقات والأصناف والأجناس مظهر عالمي يبرز شعيرة إعلامية واضحة للجميع.

وعليه؛ فلا داعي للتدليل أو إقامة البراهين والشواهد على ذلك، بعد أن أصبح القريب والبعيد على علم واطلاع بهذا الشأن، وبعد أن أفرد العلماء كتباً مختصة بالبحث عن الشعائر الحسينية[48].

 

الدليل السادس: ما ورد من الحث على المشي إلى بعض المواطن مع اشتمالها على الاختلاط

وهذا له أمثلة كثيرة:

 

أولاً: خروج المرأة إلى الحج لوحدها

 عقد الحر العاملي في وسائل الشيعة باباً خاصاً لخروج المرأة إلى حج بيت الله، وذكر عدة روايات، نورد بعضاً منها:

1ـ محمد بن علي بن الحسين، بإسناده عن البزنطي، عن صفوان الجمال، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبها إياكم، وولايتها لكم ليس لها محرم؟ قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها؛ فإن المؤمن محرم المؤمنة، ثم تلا هذه الآية: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)»[49].

وروى الشيخ بإسناده عن موسى القاسم، عن عبد الرحمن، عن صفوان بن مهران نحوه[50].

2ـ محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة تريد الحج ليس معها محرم، هل يصلح لها الحج؟ فقال: «نعم، إذا كانت مأمونة. ورواه الصدوق بإسناده عن هشام مثله»[51].

3ـ محمد بن الحسن، بإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن المرأة تحج إلى مكة بغير ولي؟ فقال: «لا بأس تخرج مع قوم ثقات»[52].

ورواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمار[53].

4ـ  عن صفوان، عن معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تحج بغير ولي ؟ قال: «لا بأس، وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها وليس لهم سعة، فلا ينبغي لها أن تقعد، ولا ينبغي لهم أن يمنعوها...»[54].

وروى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار نحوه[55].

5ـ  وعنه، عن عبد الرحمن، عن مثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحج بغير وليها، فقال: «إن كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم، وغيرها»[56].

وهذه الروايات تدلل على جواز خروج المرأة من دون اصطحابها لشخص من محارمها، وأنها مأمونة ومصونة ما دامت مع أخيها المؤمن، وبذلك أفتى مشهور الفقهاء أيضاً، وهي عامة تشمل الخروج للطاعات الأُخرى بهذه الحالة؛ إذ ليس فيها ما يُبيّن خصوصية للحج على غيره.

ثانياً: تعاليم النبي عليها السلام لكيفية مشي النساء

فقد ذكر صاحب الوسائل أيضاً باباً في مشي النساء مع الرجال في الطريق إلى المسجد، تضمّن بعضها الكيفية المثلى لمشيها مع الرجال الأجانب، وإليك بعض هذه الروايات:

1ـ عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال رسول الله عليها السلام: ليس للنساء من سروات الطريق شيء، ولكنها تمشي في جانب الحائط والطريق»[57].

2ـ محمّد بن عليّ بن الحسين، قال: ذكر النساء عند أبي الحسن عليه السلام، فقال: «لا ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق، ولكنها تمشي إلى جانب الحائط»[58].

 فلم تمنع الروايات النساء من الخروج، ولكن بيّنت أن ليس لهن أن يذهبن في وسط الطريق، بل إن في النص الثاني ورد التعبير بقوله عليه السلام: لا ينبغي. ومعناه أن مشيها في وسط الطريق وإن كان أمراً مرجوحاً وغير محبّذ لها إلّا أنه جائز.

ثالثاً: الخروج لأجل طلب العلم

فقد صرحت الروايات بأهمية طلب العلم، وأنه فريضة على كل مسلم ومسلمة[59]. ولا إشكال في أن طلب العلم في حالاته الغالبة مشتمل على الاختلاط، ولو على مستوى سماع الصوت من قبل الطالبات للأُستاذ أو الخروج لمسافات ذهاباً وإياباً إلى مراكز التعلم.

رابعاً: الخروج لأداء الفرائض والواجبات الكفائية

إن الخروج لممارسة بعض الواجبات الكفائية أو تحصيل مقدماتها ـ كالطب النسوي والتعليم النسوي وتضميد الجرحى في الحروب وغيرها ـ من الأمور المتسالم على ضرورتها وبكثرة كاثرة، وهذه التخصصات لا شك في أهميتها، بل إن بعضها داخل في حفظ النظام العام.

خامساً: ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا شك في أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الوظائف الإلهية الواجبة على الرجال والنساء، وبمقتضى هذه الوظيفة وما يكتنفها من كلام وأفعال قد يستلزم بعضها الكلام مع الطرف الآخر، أو اتخاذ مواقف عملية تجاهه، وهذا قد يستدعي حصول اختلاط بين الجنسين في سبيل تحقيق بعض مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً في الأماكن العامة، كالجامعات والأسواق.

فإذا توفرت شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاز أن تتصدى المرأة لذلك، خصوصاً في حالات الضرورة والانحصار ، وأبرز مصاديق التصدي لذلك، هو تصدي الزهراء عليها السلام لأداء الأمر بالمعروف والوقوف بوجه مَن غصب الخلافة، وما تصدت له الحوراء زينب عليها السلام في الدفاع عن البيت النبوي أيضاً، وكذلك ما تصدت له العذراء مريم عليها السلام من الدفاع عن نفسها وكرامتها وشرفها عندما أقدمت مع روح الله على قومها.

فوظيفة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر لا تكتمل إلا بأن يمارسه كلا الجنسين إما منفرداً أو جماعياً إذا اقتضت الضرورة وتوفرت الموازين، وهذا واضح من الآية الشريفة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[60].

 

أدلة المانعين لخروج النساء مشياً للزيارة

إن ما يمكن أن يُستَدل به على مانعية زيارة النساء مشياً إلى كربلاء المقدسة هو مجموعة من الأدلة التي يظهر منها ـ بواسطة عمومها ـ أنها تمنع النساء من الخروج، وسوف نستعرضها على التوالي، مع ذكر الردود الواردة، أو ما يمكن الرد به عليها:

الدليل الأول: ممنوعية خروج النساء مطلقاً

ذكرنا في حديث متقدم ـ وبشكل مختصر في مقام ذكر الآيات القرآنية ـ أن هناك آية يظهر منها نهي النساء عن الخروج من بيوتهن بصورة مطلقة، وهذه الآية هي قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) [61].

لو قلنا بمانعية خروج النساء مطلقاً فإن هذا الحكم الكلي سيشمل أيضاً منع خروجهن مشياً إلى كربلاء، خصوصاً إذا كان خروجهن طويل الأمد نسبياً، كما هو حاصل لبعض السائرات، فهل يمكن إثبات دلاتها على المطلوب أو لا؟

تقريب الاستدلال

إن الآية تأمر المرأة ـ من خلال فعل الأمر الذي في صدر الآية ـ بأن تقر في بيتها، بمعنى أنها لا تخرج منه مطلقاً، وتنهى عن تبرج الجاهلية الأُولى؛ فيكون خروجها مشياً إلى الزيارة منافياً للآية الشريفة المانعة من الخروج.

مناقشة الدليل الأول

 لو أخذنا بظاهر الآية المباركة ـ ومن دون النظر إلى مناسباتها وأسباب وشأن نزولها ـ لكان الكلام فيها تاماً، إلا أنه لا يمكن الأخذ به لجهات ثلاثة:

الجهة الأولى: من خلال السياق الذي يكتنف الآية المباركة يتبين لنا أن المخاطب بها ـ صريحاً ـ هو نساء النبي عليها السلام، وأن هذا الحكم مختص بهن دون غيرهن، أو لا أقل يحتمل ظهورها بذلك، وهذا الاحتمال ـ الظاهر بظهور جلي جداً ـ مبطل للاستدلال بها على مانعية خروج باقي النساء.

وتوجد قرينتان على ذلك:

القرينة الأُولى: وهي قرينة داخلية؛ فإن الآية التي قبلها ظاهرة بأن الخطاب لنساء النبي عليها السلام لخصوصية فيهن؛ وأنهن لسن كباقي النساء من حيث بعض الأحكام، ومنها منعهن عن الخروج ومضاعفة العذاب على مخالفة الله ورسوله، حيث قالت: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ)[62].

فصريح الآية يُبين لنا أن نساء النبي لسن كبقية النساء، بل لهن خصوصيات ميزتهن عن غيرهن؛ وبطبيعة الحال تكون لهن أحكام خاصة بهن.

القرينة الثانية: وضوح خروج النساء مطلقاً بمرأى ومسمع من النبي والأئمة، ومن دون أن يمنع النبي أو يردع عن ذلك، فلو كانت الآية شاملة لمطلق النساء لبان المنع واتضح في عصر النبي والأئمة وسائر العصور الأُخرى، وحيث لا يوجد منع من قبلهم عليهم السلام فهناك إقرار بذلك.

بل إن هناك تسالماً ووضوحاً بعدم المانعية، ولم يخالف أحد في جواز خروج المرأة تمسكاً بالآية.

الجهة الثانية: لو سلمنا شمول الآية لمطلق النساء، فهي في صدد المنع من خروج خاص للمرأة، وهو الخروج الذي يشاكل خروج المتبرجات بتبرج الجاهلية الأُولى، لا عن مطلق الخروج حتى لو كان خروج طاعة أو إباحة؛ لوضوح جواز الخروج شرعاً للحج وغيره من الطاعات؛ وللعرف المتشرعي القائم على ذلك.

الجهة الثالثة: لو تنازلنا عما تقدم في الجهتين السابقتين فلا أقل من القول: بأن الآية مخصصة أو مقيدة بأدلة خروج المرأة للواجبات والمستحبات كالحج الواجب والعمرة المفردة والطاعات، بل ومطلق ما كان راجحاً، كالكسب الحلال والتعلم والتعليم، ولا شك في أن الخروج للزيارة من أهم الطاعات والشعائر.

وعليه؛ فلا مانع من خروج المرأة من بيتها إذا كانت غير متبرجة، وكان خروجها بإذن زوجها إن كان لها زوج، ولم نجد مَنْ منع مِن العلماء فيما لو كان خروجها طبقاً للموازين الشرعية: غير متبرجة، وغير متهتكة، وكانت مأمونة على نفسها.

وعليه؛ فلا بأس بتصدي المرأة للشؤون الإدارية والسياسية والتربوية والطبية، بل إن بعضها داخل في عمومات وإطلاقات أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[63].

 

الدليل الثاني: المنع من الاختلاط

إن بعضاً من الأُمور التي دفعت بالمانعين من خروج النساء مشياً لزيارة سيد الشهداء عليه السلام هو ما يذكر من اختلاط النساء بالرجال، وبما أن الاختلاط ممنوع شرعاً ـ وقد يوجب سلب الطاعة من عنوانها ـ فلا بد من الوقوف أمام حصول مثل هذا العمل .

تقريب الاستدلال

لقد ورد الدليل على مانعية مطلق الاختلاط في جملة من الأخبار، ومنها خبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل العراق، نُبّئت أنّ نساءكم يُدافعن الرجال في الطريق، أما تستحون؟!». و بطريق آخر زاد: «لعن الله من لا يغار». وفي رواية أُخرى عن أمير المؤمنين  عليه السلام قال: «أما تستحيون ولا تغارون على نسائكم يخرجن إلى الأسواق، ويزاحمن العلوج؟![64]»[65].

و يؤيد المنع ـ ما يظهر منه المنع عن حضور النساء صلاتي الجمعة والعيدين ـ ما رواه محمّد بن شريح، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن خروج النساء في العيدين؟ فقال عليه السلام: لا، إلّا العجوز عليها منقلاها»[66] يعني الخفّين.

وموثّق يونس بن يعقوب، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن خروج النساء في العيدين و الجمعة؟ فقال  عليه السلام: لا، إلّا امرأة مسنّة»[67].

مناقشة الدليل الثاني

ويرد على هذا الدليل أُمور عدة:

أولاً: إن الأدلة المذكورة في البين ظاهرة في الكراهة لا في التحريم؛ ولا أقل من كون إعراض المشهور عن العمل بمضمونها صارفاً لها من الظهور التحريمي إلى الكراهتي.

ثانياً: إن الاختلاط الممنوع هو الاختلاط بكيفية خاصة لا مطلق الاختلاط، أي: لا بدّ من تفسير الاختلاط المذكور بالتداكّ والتدافع بين الجنسين الملازم للالتصاق ولو من وراء الثياب؛ وهذا ظاهر من التعبير بالمدافعة والمزاحمة الواردين في الروايات، فلو خلت التجمّعات المذكورة من هذه الحالة لسعة الطرق عمّا كانت عليه سابقاً، وتعدّد مسالك الدخول إلى الصالات ومسارات الحركة، والتجمّع في التظاهرات والاعتراضات لم يكره الحضور المذكور، بل ربّما استحبّ إن فرض وجود غرض راجح أو واجب في ذلك، كما في مثل الاجتماع في مناسك الحجّ من سعي وطواف ووقوف بعرفة ورمي جمرات وغير ذلك.

ثالثاً: من المحتمل جداً أن يراد بالاختلاط معنى آخر، وهو المعاشرة والخلطة للرجال، كما يحصل في المدارس والدوائر الحكوميّة وغيرها بحيث تحصل مخالطة وعلاقة حميمة بين الجنسين، ولعل مَن أفتى بمنع هكذا اختلاط قد حمل الأدلة على الاختلاط الحميمي.

وهذا ما يظهر من بعض الأساطين المعاصرين، منهم:

1ـ السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره

ذكر السيد الخوئي في جوابه على استفتاء موجّه إليه حول جواز العمل للمرأة ـ طبيبة أو مم