إن نهضة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء لها أهداف وابعاد متعددة كما هو واضح من خلال دراسة خطابات الإمام الحسين عليه السلام، وبعض الروايات الشريفة الواردة عن الأئمة عليهم السلام واليك اهم ابعاد واهداف النهضة الحسينية المباركة.
البعد الاول: الأهداف القريبة من قتل الإمام الحسين عليه السلام:
هنالك مجموعة من الأهداف الحسينية تحققت بمجرد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ويمكن تلخيصها بما يلي:
أ – تمزيق حالة القدسية في الحكم الاموي:
والذي كان يصور نفسه للناس والمجتمع الإسلامي على أنه امتداد لخلافة النبي صلى الله عليه واله وسلم، فقد فُضح الحكم الاموي يوم عشوراء، وعرف الناس زيف الأمويين، وخلافتهم، ومدى وحشيتهم، وحقدهم على الإسلام حتى أصبحوا لعنة إلى أبد الدهر وصار ذلك شعاراً يردده المجتمع الإسلامي الذي استلهم الدروس من النهضة الحسينية، وعلى مر العصور، والأزمان نقرأ هذه العبارات حينما نقف أمام قبر الإمام الحسين عليه السلام ونقول: (اللهم العن بني أمية قاطبة).
ونقرأ أيضاً: (اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وال محمد وآخر تابع لهم على ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله)[١].
ب: كسر الطوق أمام فكرة عدم الخروج على السلطان الجائر:
اسس الامويون فكرة عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم، وذلك من اجل تبرير ظلمهم وافعالهم الشنيعة في السلطة، وذلك عبر نصوص وضعها الاعلام الاموي والعباسي ورواها كبار المحدثين من علماء اهل السنة حتى صارت سنة متبعة .
ولكن نهضة الإمام الحسين عليه السلام، قد ألغت هذه الفكرة الكاذبة وفتحت الطريق أمام الناس للتعبير عن رأيهم أمام الحكام الطغاة وقد صرح الإمام الحسين عليه السلام في أحد خطاباته بذلك وقال: (من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعمل في عباده بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله واني احق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم)[٢].
بهذا الشعار الحسيني توالت الثورات بعد استشهاده عليه السلام حتى انتهت بسقوط دولة الأمويين، وأصبحت النهضة الحسينية أحد اهم روافد الجهاد ومواجهة الظلمة، والطغاة في كل عصر وإلى يوم القيامة.
البعد الثاني: الأهداف المتوسطة للنهضة الحسينية:
وهذه المرحلة بدأت مباشرة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وذلك على يد الإمام زين العابدين، والباقر، والصادق والأئمة من بعدهم عليهم السلام الذين قاموا بأمور عدة:
الأول: قام الأئمة عليهم السلام بإعادة تراث النبوة والإمامة:
والمتمثل بالسنة الشريفة التي عمد الأمويون، والمنقلبون على الأعقاب على تحريفها، وحرقها والمنع من تدوينها والتحدث بها، وكان ذلك عن طريق تربية جيل من الشيعة الإمامية على منهج القرآن الكريم والعترة الطاهرة حتى تخرج على أيديهم آلاف المحدثين، والرواة وانتشرت أحاديث النبوة والإمامة في جميع أصنافها حتى صارت بعد ذلك المصدر الأساس للشيعة الإمامية والرافد الحقيقي لمدرسة اهل البيت عليهم السلام.
الثاني: إحياء مظلومية الإمام الحسين عليه السلام :
وذلك عن طريق عقد مجالس العزاء، والرثاء، وإحياء زيارته، وحث المؤمنين على البكاء، والجزع عليه لكي تبقى هذه النهضة في نفوس وقلوب الشيعة الإمامية على طوال المسيرة، فهي تمثل عاملاً اساسياً للهيجان العاطفي، والجهادي في نفوس الأمة، فان هذه المراسيم التي كان يقيمها أهل البيت عليهم السلام تمثل جانب الإستنكار، وإبراز المظلومية، وإعلان الولاء لطريق النبوة والإمامة، والبراءة من خط الانحراف والضلال بطريقة هادئة وسلمية ومعبرة وهادفة، وبقيت هذه المراسيم حاضرة في نفوس الشيعة الإمامية إلى وقتنا المعاصر، فأنها اليوم تمثل العصب الأساس لحركة الشيعة الإمامية في مواجهة الطغاة وإعلان الولاء، والبراءة من أعدائه، وتوطين النفس على انتظار اليوم الموعود.
البعد الثالث: الهدف البعيد للنهضة الحسينية:
وهذا البعد هو المرحلة الأخيرة من حركة الأئمة عليهم السلام وهي مرحلة الهداية العامة، وإقامة دولة العدل الإلهي على يد التاسع من ذرية أبي عبدالله عليه السلام الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فإن الهدف النهائي الذي يرمي اليه الإمام الحسين عليه السلام هو عينه الهدف الذي يرمي اليه صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف، وهو نفسه الهدف الذي يرمي اليه النبي صلى الله عليه واله وسلم وعلي والحسن، والأئمة من ذرية الحسين عليهم السلام، وذلك يتمثل بتحرير الأرض من الطغاة، والظلمة وهداية الناس على منهج الكريم، والعترة الطاهرة، ومن هنا جاءت الروايات الشريفة التي أوضحت العلاقة بين الإمام الحسين عليه السلام، والإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف فقد ورد ان شعار دولة الامام المهدي حسيني ، وشعار انصار الامام عجل الله فرجه حسيني تحت عنوان ( يالثارات الحسين) وخطاب الامام عليه السلام ايضا حسيني وثبت ايضا ان خروجه عليه السلام يكون في يوم العاشر من المحرم وكل هذه تبين العلاقة المنهجية بين النهضة الحسينية ودولة العدل الالهي .
وقد اعد الله تعالى خطمة متكاملة قام بها الائمة بعد الحسين عليه السلام وثقفوا شيعتهم عليها من اجل ربط النهضة الحسينية بالمشروع المهدوي وذلك عبر ما اسسه الائمة من مناهج متعددة تربط بين النهضتين من قبيل منهج احياء الامر والزيارة واقامة العزاء والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم فهذا المنهج له الدور الكبير في تهيئة الجيل المهدوي المناصر لدولة العدل الالهي حيث ان انصار الامام عليه السلام هم نفسهم خدام الحسين ومن يتخذ الحسين شعارا وعقيدة ومنهجا في حياته ومسيرته فالمسيرة الحسينية هي الطريق الوحيد لضمان جبهة الحق وجبهة الانصار ورفقاء دولة العدل الالهي .
ومن هنا فان ما يقوم به الشيعة الامامية اليوم من احياء مظلومية الامام الحسين عليه السلام وهو الرمن الاساس لمشروع الانتظار والمرابطة على ثغور المهدي وهو الطريق الضامن لتكوين جبهة الانصار للامام عجل الله فرجه الشريف فمن اخلص لهذا الطريق وبذل له ماله ونفسه وكل امكاناته كان ذلك خطووة موفقة نحو المشروع المهدوي .
فهذه الشعائر والمراسيم ليست عبارة عن عادات وتقاليد اعتاد عليها الشيعة الامامية وانما هي عقيدة ومنهج رسمه اهل البيت والبعد الاخير الذي يحقق الهدف الاسمى للنهضة الحسينية وقد ثرد هذا الربط بين مظلومية الحسين عليه السلام ودولة العدل الالهي في كلمات الامام الحسين عليه السلام حيث قال لولده علي زين العابدين :( ولدي علي لا يسكن دمي حتى يبعث الله رجلا مني يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) .
الهوامش:-----
[١] بحار الانوار ج98 ص 293.
[٢] بحار الانوار ج44 ص 382.
اترك تعليق