المواكب الحسينية المعزية بعد صلاة المغرب من السادس من شهر محرم الحرام (يوم العباس عليه السلام) بالانطلاق من مناطق متعددة في مدينة كربلاء المقدسة تتقدمها الرايات التي يحملها عدد من الشبان المؤمنين والمستعدين بالتضحية من أجل نصرة إمام الحق الحسين بن علي (عليهما السلام)، حيث امتلأت الشوارع الرئيسة من المدينة المقدسة بعدة مواكب حسينية توالت بعضها خلف بعض وهي تردد(الردّات الحسينية) المعروفة بمضامينها الدينية والسياسية والتربوية إذ يحرص أهالي كربلاء المقدسة وزوارها الكرام على سماعها ومتابعتها والانشداد لها والاندماج التام معها كونها تقدم لهم وصفا مهما للوضع السياسي الماضي والراهن وتداخلاته وسبل علاجه كما تقدم مواكب أخرى (ردّات حسينية) تحرص على تقديم المشورة والتوجيهات التربوية المستمدة من مآثر أهل البيت ومن واقعة الطف التي طرزت بالدم الطهور للإمام الحسين وذويه وصحبه عليهم السلام أجمعين.
والمعروف إن اليوم السابع للإمام العباس (عليه السلام) فكانت (الردات الحسينية) تتطرق لسيرة هذا الإمام المزدهية بالتضحية ولإيثار بالنفس من اجل أخيه الحسين وذويه وصحبه (عليه السلام).
ليل اليوم السادس من عاشوراء تركزت على (ردّات) عزاء العباسية وباب الخان على الوضع السياسي العراقي وفضح الكثير من الأخطاء التي وقع فيها السياسيون عن قصد او بدونه وتابعنا الكثير مما حفلت به هذه الليلة(بعد صلاة المغرب والساعات التي تلتها) من شعائر مقدسة حرص أهالي كربلاء وزوار الأئمة الأطهار(عليهم السلام) على تأديتها في أحلك الظروف وأصعبها خاصة تحت سطوة النظام السابق الذي حرّم على الزوار الكرام نعمة الزيارة ونعمة ممارسة الشعائر الحسينية الخالدة.
وقد زخم الزوار الأفاضل الذي راح يتزايد يوما بعد يوم وما صاحب ذلك من خدمات حسينية جليلة تقدمها (التكايا) بأنوارها الساطعة والحسينيات والدور السكنية للزوار الكرام،حيث امتلأت الحسينيات بوجبات الأكل ونصبت السرادق(الجوادر) المضاءة بالمصابيح طيلة ساعات الليل في عموم شوارع المدينة المقدسة وفروعها لكي تقدم ما يحتاجه ممن حلَّ زائرا على ارض الحسين (عليه السلام) ابتداء من الماء مرورا بشاي ابو علي ووجبات الـ(التمن والقيمة) كما فتح أهالي المدينة المقدسة بيوتهم للزوار الكرام للراحة والمنام وتقديم وجبات الأكل أيضا.
وفي شارع قبلة الإمام الحسين ع(شارع أبو الفهد) وشارع الإمام العباس (عليه السلام) توالت المواكب الحسينية بعضها خلف بعض وهي تردد مآثر الإمام العباس (عليه السلام) في التضحية والشجاعة، وترافق ذلك مع وجود الحشود الكبيرة من الزوار الكرام الذين اصطفوا بعضهم الى جانب بعض وهم يرددون مع المواكب الحسينية لأهالي/ باب الخان وباب الطاق (وا حسين وا حسين وا حسين) حيث دوّى ليل المدينة المقدسة وشوارعها(بردّات) الجوقات التي تتوالى خلف بعضها وهي تسلم الردة الى من يسبقها ويليها من جوقات اخرى في أجواء حافلة بالخشوع والإيمان حيث الجميع يستذكر في مثل هذه الايام فاجعة الإمام الحسين وأهله وصحبه الأكرمين رضوان الله عليهم أجمعين ودور العباس (عليه السلام) في درء العطش عن أطفال الحسين ونسائه وصحبه (عليه السلام)، فتقام هذه الشعائر تعبيرا عن محبة الحسين ع والإيمان بفكره الإنساني الخلاق الذي يهدف بالدرجة الأولى الى تحرير الإنسان من أغلال الظلم والطغيان أيا كان نوعها او مصدرها.
وفي هذا اليوم نستذكر تضحيات العباس (عليه السلام) ونستمد منه روح التضحية والإيثار والشجاعة المتميزة، وعلق أحد الزوار الكرام( السيد أبو دعاء) على منظر كربلاء المقدسة وهي تحتشد بالمواكب الحسينية وبالشعائر العاشورائية المستمرة منذ عدة أيام قائلا:
هذه هي كربلاء الحسين شعلة من الإيمان تنير قلوبنا جميعا وبلا استثناء ولو تبحث بين الزوار الآن ستجد منهم الذي جاء من آخر الدنيا كي يتبرك بهذه التربة المقدسة والمطهرة بدم الحسين (عليه السلام) ، ما كنا نعيش مثل هذه الشعائر منذ عقود حتى انجلت الغمة وسقط طاغوت الظلم وعاد المؤمنون من شيعة امير المؤمنين ومن كل المسلمين يقيمون هذه الشعائر المقدسة تضامنا وتماشيا مع الفكر الحسيني الوّهاج.
ولم تقتصر هذه الشعائر على مركز المدينة المقدسة بل شملت عموم أحيائها، حيث توزعت السرادق(الجوادر) في شوارع وساحات الأحياء كحي العامل والحي العسكري وحي الغدير وحي الحسين وغيرها، وقد كانت لنا وقفة مع موكب( هيئة لواء الحجة) في حي النصر حيث نُصب (جادر) كبير في الشارع العام للحي وتوزعت الأضواء مقدمة الجادر وجانبيه وعلت الإعلام فوقه وتابعنا شباب هذا الموكب وهم يؤدون شعيرة عزاء(الزنجيل) وكانت أصوت الصنوج تملأ فضاء الحي مع (ردّات) حسينية تخلد مآثر ومناقب آل البيت (عليهم السلام).
وقال السيد (أبو علي من أهالي منطقة الفسحة): أننا نقيم هذه الشعيرة لنستقطب الشباب في هذا الحي والحمد لله هناك حضور فاعل ومشاركات الشباب الحسيني ترونها الآن بعيونكم، أنهم لا يبخلون بشيء أبدا من اجل نصرة أمامنا الحسين (عليه السلام) وتخليد ذكراه العطرة والتمسك بمبادئه الخالدة على مر التأريخ.ومع هذه الأجواء الحسينية العابقة بالقدسية والإيمان كانت مواقد الشاي والأكل منصوبة ومتواصلة وهي تقدم لكل الحاضرين.
هذه هي صورة مدينة كربلاء المقدسة او جانبا منها وهي تعيش ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وتحيي وقائع وأحداث الطف التي وضعت حدا لانهيار المبادئ الإسلامية، وكما قلنا ان اليوم السابع مخصص لاستذكار ما قام به العباس (عليه السلام) من دور في مساندة أخيه الحسين (عليه السلام) وصحبه وذويه وهم يسطرون أروع الملاحم الإنسانية في التأريخ.
أنمار البصري
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق