فكرة التجديد في التراث الديني .. عرض وتقييم

كثيراً ما نستمع لهذه الكلمة من بعض الحداثويين وهو علينا ان نجدد في التراث الديني أو نجدد في القضية الحسينية وحتى في الشعائر ومراسيم العزاء الحسيني

ولكن السؤال المهم هو التجديد في ماذا؟

فهل يمكن التجديد في القيم أو العقائد او التشريعات المعصومية؟

ليس بالإمكان التجديد في القيم والعقائد والتشريعات المعصومية فقيمنا وعقائدنا وتشريعات نبينا صلى الله عليه وٱله غضة طرية صالحة لكل زمان ومكان، فهي ليست صناعة إنسانية حتى تحتاج الى استبدال أو تغيير فهي ليست كالمودة أو الموديل فليس هناك تاريخ نفاذ أو انتهاء للصلاحية والمفعولية.

ضرورة التمييز بين المفاهيم

حتى لا تختلط المفاهيم لابد من التمييز بين مفردة (تجديد) و(ابتكار) و (اختراع) و (اكتشاف) و(تغيير)، فالتجديد ليس ابتكاراً لأن الابتكار هو ابتداع شيئاً جديداً والاختراع هو لفظ مرادف للابتكار.

واما الاكتشاف فهو العثور على قانون او رأي او نظرية او فكرة موجودة أصلاً ولكنها بحاجة الى إزاحة الستار عنها وكشف الغبار. 

 

ويمكن أن نلخص مفهوم التجديد بمايلي:

١- التجديد قد يكون عبارة عن دراسة العلاقات بين الاشياء واستنباط فهم أو وعي جديد لها كما هو حاصل في العلوم الفقهية والدراسات القرآنية.

٢- التجديد قد يكون عن طريق إدخال تحسينات بالإفادة من تجارب الآخرين أو من التجارب القائمة ذاتها.

٣- التجديد قد يكون عن طريق قراءة شمولية للمناهج الجزئية السائدة.

كما قام بذلك جملة من علمائنا كالسيد محمد باقر الصدر قدس الذي انتهج نهج الدراسات والقراءات الشمولية في فهم القران الكريم والفلسفة والاقتصاد والمجتمع. 

وكما صنع الشيخ النائيني قدس سره في قراءته الشمولية لعلم الاصول التي من خلالها تمكن من ادخال تحسينات اضافها على اراء من سبقوه في علم الاصول.

٤- التجديد قد يكون من خلال الافادة من النقود والمؤاخذات والدراسات التي تعرضت لنواقص القديم وثغراته فالمجدد يلتقط الشي المنقود ليعالجه او يقلص من سلبياته او يخلصه منها.

كمن يجد ان لغة الخطاب قديمة او ميتة او غير مواكبة لمتطلبات العصر فيستبدلها بأخرى حية ومعاصرة.

 

٥- والتجديد قد يكون في الافادة من وسائل مستعملة في حقل اخر وتوظيفها في الحقل موضوع الاهتمام ومادة التجديد بما يثري الحقل الجديد ويطوره كالإفادة من الاسلوب الجدلي في الدراسات القرآنية او الافادة من عالم الحيوان والنبات في المفاهيم الحركية الاجتماعية او من حساب الاحتمالات الرياضي في الدراسات الفكرية وهكذا.

٦- التجديد قد يكون من خلال قراءة جديدة معتمدة على النظر الى زوايا لم يتم النظر اليها او لم تكن لافتة وذات اهتمام من السلف السابق.

٨ - التجديد قد يكون بإضافة بصمة اخرى لما تم الوصول اليه بحيث تضاف الى رصيد البصمات السابقة فالمجدد:

ا- قد يستأنف المشوار

ب- وقد يقدم تفسيرا جديدا لمقولات موروثة. 

ج- وقد يعيد بناء وترميم وهيكلة بعض المفاهيم والنظريات القديمة.

د- وقد يبني ويحلل ويبرهن بأساليب مختلفة.

ه - وقد يلتقط اضاءات متناثرة فينظمها في مسلك واحد.

و- وقد يبحث عن اساليب جديدة تفضي الى نتائج مختلفة.

س - وقد ينقد افكار سابقة ويقومها فيبني مواطن الضعف اما لمعالجتها من قبل الناقد نفسه او انه يفتح الطريق لمن يواجهها من اهل الاختصاص والخبرة.

ح - وقد يضع اجابات جديدة عن اسئلة قديمة قدمت عليها اجابات فالمجدد لا يكثر الاجابات عن ذاتها وانما يعمل تفكيره كما عمل الذين سبقوه مع افادته من الوسائل الحديثة التي تحت يديه والتي لم تكن متوفرة لسابقيه من اجل ان يقدم اجابات شافية أكثر وضوحاً ونضوجاً واقناعاً.

ط - والمجدد قد يقوم بالتبسيط والتيسير وتجاوز الالغاز والطلاسم فأسلوب التركيز وتكثيف العبائر لدرجة التعقيد بات خارجاً عن ذوق العصر.

ك - التجديد اذن هو رفض الجمود والتقليد والتقييد والنمطية وهو تجديد في الفهم والاساليب والتخصص وهو بعث واحياء لما درس او طمس وكان حقه الاستمرار والديمومة.

ل - والتجديد هو البقاء على الجوهر والخصائص وترميم او تحسين ما عدا ذلك.

وبذلك فهو ليس الغاء للتراث او احياء بعد اماتة أو إضافات جديدة ليس لها مصدر أو دليل شرعي أو ديني، وانما استخراج الكنوز وازاحة الغبار عن بعض المفاهيم التي أصابها الغموض لأسباب متعلقة تارة بقلة المصادر وتغيير الاسلوب، والحاجة العصرية وهكذا.

وبهذا فالمجدد ينبغي له ان لا يرى نفسه أعلى وأفضل ممن سبقه لان من سبقه لوكان في عصره لربما قدم شيئاً أعظم بكثير مما قدمه ذلك المجدد.

والمجدد لابد ان لا يعتد بنفسه لان تجديده بني على جهود من سبقوه من العلماء والمفكرين ولو لم يشبعوا تلك الافكار بالبحث والتحقيق والتنقيب وكثرت التساؤلات والنقود والآراء والنظريات والشروحات والالتفاتات لما استطاع ذلك المجدد ان يحسن من تلك الفكرة او يضفي عليها اسلوبا او ابداعا ابتكارا او ترميماً جديدا فالجهد بالحقيقي هو جهد السابقين مهما كانت تلك الفكرة الجديدة لان القيمة لمن فتح البحث واستخرج واستنبط وابتكر اولاً، ثم تأتي قيم من طور وحسّن واضاف نكهة جديدة لها.

فالتجديد ليس الاتيان بشيء جديد لم يكن له وجود سابقاً لا في مصادرنا ولا في مذهبنا ولا عند علمائنا بل التجديد قائم على ارضية ثابتة وجاهزة وموجودة ومتداولة ومواضيع مطروقة او موجودة في التراث الا أن المجدد أضاف لها نكهة جديدة..

وكم كان ذلك الغلام العربي نبيها وفقيها حين قال الشاعر المعري:

واني وإن كنت الاخيرَ زمانه

لاتٍ بما لم تستطعه الاوائلِ

فقال له الغلام: العرب جاءت بثمانية وعشرين حرفاً (يقصد الحروف الهجائية) فإتني بالتاسع والعشرين فبهت المعري وأفحمه الصبي.

فالمشكلة ليست في إضافة حرف جديد بل في كيفية تقديم هذه الحروف للمتعلمين بأسلوب وطريقة نافذة الى عقولهم.

فمساحات التجديد واسعة ومتسعة سواء من خلال التوسعة فيما طرح او إدراك العلل او الأسباب أو المقارنة او وضع فرضيات والسعي لإثباتها أو جمع المتفرق المتناثر وصبه في قالب جديد او استئناف من حيث ينتهي الاخرون او ما تتمخض عليه القراءات الثانية والثالثة بل حتى في أسلوب المختصرات لضغط المواد المتشعبة والاكتفاء بالاهم والمهم وترك ما سواهمها.

ومن هنا فمن يريد التجديد في القضية الحسينية أو في التراث الديني أو في الشعائر الحسينية أو في صنف من أصناف الدين فينبغي أن يلتفت أن مصطلح التجديد لا يعني أن تأتي بفكرة ليس عليها دليل أو لم توجد بمصدر من المصادر أو مخالفة لما عليه ضروريات المذهب مخالفة لما عليه جمهور علمائنا الأعلام فهذا ليس بتجديد وإنما تهديم للتراث والشعائر والدين فالتجديد كما ذكرنا لها مناحي عدة لا تخرج عن سياقات وقوانين الدين والمذهب.

 

: الشيخ وسام البغدادي