قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٌ﴾ (1).
قال ابن حجر المكي في (الصواعق المحرقة):
«الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾.
قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المهدي - ثم قال ابن حجر - وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي رضي الله عنهما، وأن الله ليخرج منهما كثيراً طيباً، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة، وسر ذلك كله أنه صلى الله عليه واله وسلم أعادها وذريتهما من الشيطان الرجيم، ودعا لعلي بمثل ذلك، وشرح ذلك كله يعلم بسياق الأحاديث الدالة عليه».
وساق جملة من الأحاديث الدالة على ذلك في زواج الإمام وفاطمة عليهما السلام .
ثم قال ابن حجر: «... وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه. وقد ظهرت بركة دعائه في نسلهما، فكان منه من مضى ومن يأتي، ولو لم يكن في الآيتين(2)، إلا الإمام المهدي، وسيأتي في الفصل الثاني جملة مستكثرة من الأحاديث المبشرة به» (3).
وقال: «ولم يخلف - العسكري - غير ولده أبي القاسم محمد الحجة) وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر، وقيل: لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب. ومر في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه أنه المهدي، وأوردت لك مبسوطاً فراجعه فإنه مهم»(4)
وقال محمد عيسى داود في كتابه (المهدي المنتظر على الأبواب): «وقال البعض أن المراد في قوله تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ للسَّاعة﴾ المهدي، وليس السيد المسيح وصاحبه، وصاحبه لن يكون سوى المهدي»(5).
وقال سعيد أيوب في كتابه (عقيدة المسيح الدجال في الأديان)، بعد ذكر جملة من أوصاف المهدي الخلف الصالح عليه السلام اللي اسماً ونعتاً وما يعين الهوية الكاملة التي لا لبس فيها، فقال:
«هذه هي أوصاف المهدي! وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية - وعلق في الهامش قائلاً: مصادر الشيعة الإمامية ذكرت إن المهدي ولد فعلاً عام ٢٥٥ هجرية. ثم اختفى مولده لظروف سياسية خلال فترة ولادته. كانت تحتم على والدته هذا الإخفاء. وبعد أن شب المهدي اختفى من القيادة السياسية في جبال سامراء(6)، وكانت هناك وسطاء يتصلون به بين الحين والحين، ثم انتهى دور الوسطاء وانقطعت صلته بأوليائه ولن تظهر إلا في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً. وتحتج الشيعة بغيبة المهدي بأن أهل السنة متفقون على أن المسيح الدجال حي في جزيرة. وأن الخضر حي في الأرض. وقالوا: إن المهدي يوم يظهر يكون شيخاً بالسن شاباً بالنظر يحسبه الناظر إليه ابن أربعين سنة. ويحتجون بأن نوح مكث على الأرض ألف سنة إلا خمسون عاماً(7). ويقول الشيعة: إن قيادات الصراع آخر الزمان، ظهر فيها المسيح الدجال، والمسيح ابن مريم وكلاهما حي. الأول في جزيرة والآخر في السماء، فما هو المانع أن يكون طرف الصراع الثالث حي هو الآخر ؟ -
ويقول كعب: مكتوب في أسفار الأنبياء: المهدي ما في عمله عيب، وأشهد أنني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده صلى الله عليه واله وسلم ، فدلت أشهار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثم أشار إلى امرأة أخرى، أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدته. وقال السفر: إن هذه المرأة (الأخيرة) ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم (التنين)، وقال: (والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد يبتلع ولدها متى ولدت) (رؤ (۳/۱۲)، أي: إن القيادة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل يقول باركلي في تفسيره:
عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه، والنص: واختطف الله ولدها) (رؤ٥/١٢)، أي: إن الله غيب هذا الطفل كما يقول باركلي. وذكر السفر أن غيبة الغلام ستكون ألفاً ومئتين وستين يوماً، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب. ثم قال باركلي عن نسل المرأة عموماً: «إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة، كما قال السفر: (فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين (يحفظون) (وصايا الله)! (رؤ ۱۲/۱۳).
هذه هي أوصاف المهدي، ومعالم الصراع آخر الزمان، فعلى جميع الأطراف أن يأخذوا بالأسباب التي تقربهم من الله ولا يربطوا أنفسهم بغيره، فما قيل أنه آت فهو آت وبمقدار التقرب من الله، يتحدد حجم الرحمة في قضاء الله الآت ولله تعالى رحمات يعبر فيها الإنسان يومه وغده، فالخراب الذي سيأتي على بعض البلاد آخر الزمان، لا يجب أن يركب إليه أصحاب تلك البلاد قطار الدمار، بل يجب أن يركبوا قطار الطاعة، كل جيل يشيد للآخر حصون الطاعة، فإذا جاء الخراب على من يستحقه، على الأيدي التي لم تشيد أو التي لم تستمع من جيلها السابق.
هذه هي أوصاف المهدي، ولقد شاءت إرادة الله أن يعلن النبي صلى الله عليه واله وسلم هذه الأوصاف، حتى يقطع الطريق على كل من تسول إليه نفسه ويدعي أنه (أبو عبد الله) صاحب ثورة غضب الله العظمى الملحمة الكبرى.
إنّ أي دجال يدعي أنه هو المهدي المنتظر، عليه أولاً أن ينظر إلى نسله، من أي نسل جاء، وأن يقدم الدليل على ذلك، ثم عليه ثانية أن ينظر حوله، سيجد أعلاماً غريبة على القدس، واستكباراً في الغرب، وسيجد شعارات تنادي بالقدس، ولكن هذه الشعارات تسقط إذا سحب الغرب أرغفته من على الموائد، فعليه وهو ينظر إلى هذا وذاك، أن يحدد موقفه هل هو المهدي حقاً؟ إن أي دجال من الدجاجلة يجب أن يعلم أن أبا عبد الله عندما يجيء فلن يرسل أتباعه لتسويق البخور والعنبروت، فهذا عمل له أصحابه وله ثقافته، أما عمل المهدي فله رجاله(8) وقرآنه.
هذا هو المهدي! ومما يحزن النفس أن هناك من ينظر للمهدي على أنه خرافة، وعلى هذه النظرة تشب أجيال، لتحارب المهدي آخر الزمان، ما ذنب هذه الأجيال حتى تتحمل أخطاء الفقهاء الذين أفتوا إلى الحكام أول الزمان ودونوا لهم القراطيس التي تجعل ظلمهم قاعدة لا تحتاج إلى تغيير! إن هذا كثير! فهل يصنع المسلم الذي يحارب المسلم آخر الزمان؟ فلحساب من يتم هذا سوى أنه لحساب المسيح الدجال وعندما تدور المعارك على الأرض آخر الزمان، يكون الصانع الذي دون القراطيس يوماً تحت التراب يعاقب بكل قطرة دماء تسيل فوق التراب.
أفيقوا يرحمكم الله ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(9) ﴾ (10).
وبهذا نختتم الكلام مع أحمد الكاتب والنمر وأضرابهما ممن زعم أن فكرة المهدي فرضية لا حقيقة لها. وبهذا وجدت نفسي قد أديت ما حسبته مقنعاً لمن أنكر واستكبر، فإن لم يقنعهم ما ذكرته فذلك شأنهم، وهذا شأني، وحسبي قناعة بأدب القرآن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حين﴾(11) ، وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنُكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هُذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهُ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ هُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (12).
والحمد لله رب العالمين ١٤١٥هـ
الهوامش:-----
(1) سورة الزخرف: الآية ٦١.
(2) يشير إلى الآية الحادية عشرة، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرٌ البرية، وإلى الآية الثانية عشرة وهي قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ).
(3) الصواعق المحرقة : ٩٦ الباب (۱۱) الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم وشرحها.
(4) الصواعق المحرقة : ١٢٤ الباب (۱۱) الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت.
(5) المهدي المنتظر على الأبواب : ١٥٥
(6) لم يقل بذلك أحد من الشيعة ولا من السنة، فمن أين جاء المؤلف بهذا ؟!
(7) لم يحتج الشيعة بأن نوحاً مكث في الأرض ألف سنة إلا خمسين عاماً؟ بل قالوا رداً على من أنكر طول الغيبة : بأن نوحا لبث في قومه يدعوهم إلى الله سبحانه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وبذلك جاء القرآن الكريم في سورة العنكبوت / ١٤ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قومه قلبت فيهم ألف سَنَةٍ إِلا تحسين عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالُمونَ ) .
(8) سيكون على الأرض قيادات صالحة قبل ظهور المهدي، ذكر السيوطي في الحاوي بأن أحد هذه القيادات سيعيش أربعين عاماً، ثم يموت على فراشه، وآخر سيخرج من قحطان مثقوب الأذنين حسن السيرة يموت قتلاً بالسلاح، ولكن هناك روايات بأن القحطاني سيكون بعد المهدي ولكن لن يكون مثله (المصدر).
(9) سورة يوسف : الآية ٢١
(10) عقيدة المسيح الدجال في الأديان / قراءة في المستقبل : ۸۱۷۹ ط دار الهادي بيروت.
(11) سورة الأنبياء: الآية ۱۱۱
(12) سورة المائدة: الآية ٤١.
اترك تعليق