سؤال مهم:
ورد في زيارة الزهراء عليها السلام هذا النص (يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ) ... إلى (قَدْ طَهُرْنا بِوِلايَتِكِ) . كيف أمتحنها قبل أن يخلقها؟ وكيف التطهير بولايتها؟.. هناك أسرار في الزيارة نرجو توضيحها؟!
بحث جواب الاستفسارات ورد الشبهات عن ظلامة الزهراء عليها السلام/ الجزء الثاني
الجواب:
قبل كل شيء علينا أن نعلم أن الزيارة صادرة عن الامام الجواد عليه السلام برواية صحيحة وتحوي معاني كبيرة لمن أراد التمعن والتدقيق مع صعوبة الأحاطة التامة بالمعنى التام لان ذلك علمه عند أهل البيت عليهم السلام وإنما نجتهد في تحصيل جزء معين من المعنى بقدر توفيق الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا نبدأ في التوضيح أن شاء الله ...
(يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً) .
وهنا يخطر في الذهن كيف أمتحنها الله قبل أن يخلقها؟!
المراد هنا وحسب فهمي هو عرض ما سوف يحصل عليها أي قبل خلق أدم في عالم الأنوار، والمعروف أن أهل البيت عليهم السلام خُلقوا قبل خلق أدم فكانوا أنواراً، وهم الأسماء التي علمها الله لأدم.. فإذن هنا عرض الله عليها ماسوف تمر به في عالم الدنيا فكانت أجابتها بالصبر، وهذا لايستبعد أطلاقاً فلاحظ القرآن الكريم يحدثنا عن الجنة والنار، ويصف كل منهما وكأنما قد حدثا في الماضي، ومن هنا أمتحنها قبل أن تخلق من صلب النبي صلى الله عليه وآله.. وبطبيعة الحال من صلب أدم اي الخلق بالصفة المادية وليست النورانية.
ونلحظ أن الزهراء عليها السلام قد عبرت عن ثقل المصائب التي ألمت بها بقولها: (صبت علي مصائب لو أنها صبت الايام صرنا لياليا ) .
ثم يقول الأمام عليه السلام في الزيارة: (وَزَعَمْنا أَنَّا لَكِ أَوْلِياءٌ).
الزعم هو الأدعاء وكما ورد بمعنى يجب أن تثبت أنك فعلا من أولياء الزهراء عليها السلام بالأعتقاد والعمل فهل من يترضى على من ظلمها وقتلتها ترضى عنه الزهراء ويعتبر من أوليائها ؟!
وهل من يداهن الأعداء ترضى عنه ؟!! بالطبع لا! ( إلا من كان في تقية وقلبه قد ملئ إيماناً) .
وبالتأكيد من يشكك في ظلامة الزهراء عليها السلام ليس فقط ينال عدم رضا الزهراء عنه وإنما ينال غضبها والعياذ بالله! لأن عمله لا يستند إلى أي دليل فلا توجد لدينا رواية عن أهل البيت عليهم السلام تدل على عدم حصول الأعتداء والظلم للزهراء سلام الله عليها، بل الأدهى والأعجب نجد في كتبهم روايات حرق دارها وإسقاط جنينها، ورغم هذا نجد من يدعي التشيع يقول بعدم حصول ظلامة الزهراء لأنها لا تناسب مزاجه الشخصي، معتمداً على عقله القاصر بتفسيرات سطحية لا تمس للعلمية المجردة بشيء، من خلال الجهل بماهية تكليف أهل البيت عليهم السلام في كل زمان ومكان.
ثم يقول الامام عليه السلام في الزيارة: (وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلَّیٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَأَتىٰ بِهِ وَصِيُّهُ ، فَإِنّا نَسْأَلَكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْناكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُما لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنا بِوِلايَتِكِ) .
هنا نلاحظ الترابط بين ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وما سار عليه أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الحق الذي نزل على محمد صلى الله عليه واله وسلم وبين قضية الزهراء عليها السلام، فالملاحظ هناك شرط على قبول التصديق بنبوة النبي ورسالته وولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليهم، وهو التصديق بظلامة الزهراء عليها السلام وماجرى عليها. والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه واله: (إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها)، وهنا رضا فاطمة يعني ولايتها سلام الله عليها والزهراء هي الحبل الرابط بين النبوة والامامة لأنها بنت النبي صلى الله عليه واله وزوجة أمير المؤمنين وأم الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام.
فإذن الوفاء بهذا الشرط يوجب تحصيل ولايتها وهو تصديق بنبوة النبي وولاية أمير المؤمنين عليهما السلام، فمن آمن بما جرى عليها من ظلامة فقد طهرت نفسه، كما تعبر الزيارة ومن طهرت نفسه فإن الجنة مآواه، وينال شفاعة الزهراء عليها السلام ولن تمسه النار إطلاقاً.
إشارات مهمة
ثم نكمل الزيارة فنجد الامام الجواد عليه السلام يشير إلى مسألة غاية في الدقة والأهمية في ثلاث أشارات ...
الإشارة الأولى :
(السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ) .
وهنا يصرح بأن الزهراء عليها السلام لم تمت من مرض أو حزن كما يحاول المخالفين والمنافقين أن يصوروا ذلك، بل ماتت مقتولة شهيدة، وهذا دليل تام على أنها ماتت أثر عصرة الباب، وأسقاط جنينها المحسن، ودليل دامغ على كذب من يدعي عدم وجود الظلامة.
الإشارة الثانية :
(السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمَظْلُومَةُ الْمَغْصُوبَةُ) .
وهنا أشارة مهمة في أنها ظلمت وأغتصب حقها في أرض فدك وغيرها من الظلامات المعنوية.
الإشارة الثالثة :
(السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمُضْطَهَدَةُ الْمَقْهُورَةُ) .
وهنا المضطهدة دلالة شاملة للظلم والجور والمعاملة السيئة المشتملة على الأذى الجسدي .
أما المقهورة؛ وهنا تأكيد على أنها تعرضت للأذى النفسي، فضلاً عن الجسدي بعد حرق بيتها وكسر ضلعها وأسقاط جنينها، فقضت بقية حياتها حزينة مكسورة القلب، بعد ما شاهدت كيف أن المهاجرين والأنصار أنقلب أغلبهم على عقبيه بعد أستشهاد أبيها صلى الله عليه وآله، وكيف أنهم غدروا بالامام علي عليه السلام في أنقلاب السقيفة وهو منشغل في جهاز النبي، لينصبوا ابو بكر خليفة قبل أن يدفن جسد النبي في موقف خزي وعار في تاريخ الامة، وسينالون جزائهم بما قدمت أيديهم. ثم لم يكتفوا بذلك بل أحرقوا بيتها، وكسروا ضلعها، واسقطوا جنينها، وتنكروا لكل شيء، وهذا ماعبرت عنه في خطابها بعد منعها حقها في أرض فدك ولنأخذ هذا المقطع الصغير من الخطبة الفدكية للدلالة على ما نقول ندعي اذ تقول عليها السلام:
( فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}).
اترك تعليق