كيف يخلّص الدين الإنسانَ المعاصر من العدَمية؟

تُجمع تقارير كثيرة – ومنها ما عرضته مجلة The Economist في عددها «العالم في 2026» – على أنّ عالمنا يتّجه نحو مزيد من الاضطرابات: صراع القوى الكبرى، تصاعد الحروب، أزمات اقتصادية، وتفوّق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على الإنسان.

⏺ ويظهر ذلك من غلافها الممتلئ بالرموز:

 قبضةٌ عملاقة تعلو المشهد؛ إشارة إلى صعود الصين وتحدّيها للنظام العالمي القديم.

وحولها صواريخ وطائرات مسيّرة ودبابات؛ تعني استمرار الحروب في أوكرانيا وغزة والبحر الأحمر وتوتّرات الشرق الأوسط.

وكعكةٌ تحمل الرقم «250» ترمز إلى أمريكا في ذكراها، لكنها محاطة بقياداتٍ سياسية تتصارع فتهتزّ من الداخل.

سفينةٌ أوروبية قديمة تتمايل وسط الرياح؛ قارةٌ تبحث عن هويتها بين الشعبوية والأزمات الاقتصادية.

رموزُ الدولار، الانهيار، والمَحافظ؛ إنذارٌ بأزمة مالية عالمية تلوح في الأفق.

روبوتاتٌ وأدويةُ الحمية وأدواتُ الطب الحديث؛ ثورةُ الذكاء الاصطناعي والدواء، ثورةٌ مخيفة.

وحتى الرياضة – كرة القدم تحديدًا – تظهر كأداةٍ سياسية في يد الدول، لا مجرد لعبة.

وفي وسط هذا الضجيج، يظهر الإنسان المعاصر صغيرًا، متفرّقًا، بلا حول ولا قوة؛ كأنّ القوى الكبرى والسياسة والتكنولوجيا صارت هي التي تُقرّر، والإنسان مجرّد شاهد عاجز!

⏺ غلاف المجلة يرسل رسالة واحدة:

العالم يدخل مرحلةً جديدة من الفوضى: عالمٌ متعدد الأقطاب، حروبٌ أكثر، اقتصادٌ هش، وصراعٌ أمريكي صيني يزداد ضراوة.

⏺ لكن الغلاف يقول شيئًا آخر أيضًا، بصمت:

لا مكان للدين في هذا المشهد، ولا أثر للروح، ولا اعتبار للمعنى!

كأنّ الإنسان ليس له إلا المادة والآلة والحرب.

وهنا يبدأ السؤال العميق: 

⏺ كيف لا يقع الإنسان في فخّ العدَمية وسط هذا العالم؟

⏺ ومن ينقذه من شعور اللاجدوى والضياع؟

"الدين الصحيح" هو الجواب الوحيد! لماذا؟

١. لأنّ الدين يقدّم رؤية كونية تُعيد للإنسان جذوره 

إنّ الفراغ الوجودي لا يولد من الفقر أو الفشل؛ بل من الأسئلة التي لا تجد جوابًا:

من أين جئت؟ لماذا خُلقت؟ إلى أين أذهب؟ وهل الموت نهاية كل شيء؟

الفلسفات البشرية تختلف هنا دون جواب مقنع، والعلم التجريبي يصمت، لكن الدين والمذهب الصحيح يجيب بإحكام:

الكون ليس عبثًا، بل صنعُ خالقٍ حكيم.

الحياة امتحانٌ له غاية، لا سلسلة صدَف.

الموت ليس فناءً، بل عبورٌ إلى حياة أبدية.

الإنسان حرٌّ ومسؤول عن مصيره؛ فإنّه ليس لعبة في يد القدَر.

بهذه الإجابات يستعيد الإنسان المؤمن توازنه وأمانه الداخلي؛ فمن عرف لماذا جاء، يعرف كيف يعيش، ومن لايعرف بدايته، لن يسعد في نهايته!

٢. لأنّ الدين يمنح الإنسان معنى وهدفًا وطريقًا 

في عالمنا اليوم يُشعر الإنسان أنه مسافر بلا خريطة.. أما الدين فيقول له:

أنت لست رقمًا، ولا تروسًا في آلة. أنت أشرف مخلوق إن آمنت بعقيدة صحيحة وعملت صالحًا.

وحين يدرك الإنسان أن عمره أمانة، وأن أعماله تشكّل مستقبله الأبدي، يتغيّر لديه كل شيء؛ فتتحول المعاناة إلى حكمة، والخسارة إلى درس، والنجاح إلى نعمة، والوقت إلى فرصة.

٣. لأنّ الدين يقوّم الأخلاق ويُطمئن النفس 

الدين المتكامل يحرّر الإنسان من عبودية المال والشهوة والسلطة، ويعيد إليه توازنه الداخلي، ويجعل الإنسان يشعر برقابة الله تعالى، لا برقابة الخوف أو المجتمع.

وعندما يعرف الإنسان أن الله سبحانه لا يظلم ولا ينسى، يزول خوفه من المستقبل، ويثبت قلبه مهما اضطرب العالم من حوله.

٤. لأنّه يمنح الإنسان سلامًا لا توفره التكنولوجيا ولا القوّة

العالم – كما صوّرته المجلة – يمتلئ بالأسلحة والروبوتات والأزمات.

لكن شيئًا واحدًا غائب عن هذا التصوير: روح الإنسان!

والحقيقة أن الحضارة يمكن أن تقدّم للإنسان أشياء كثيرة، إلا الطمأنينة الواقعية؛ فمن يرى الموت نهاية كل شيء، يضطرب على الدوام، ولا يهنأ له أي عيش، ولا يقوى على الحركة، إذا أراد أن لا يخدع نفسه بالملذّات العابرة ونحوها!

لكن إيمان المؤمن يخاطب روح الإنسان، لا جسده ولا عقله وفطرته فقط.

الخلاصة: 

عالمنا يتقدّم بسرعة نحو الفوضى، وتشتد فيه صراعات القوى، ويضيع فيه الإنسان بين التكنولوجيا والحروب والاقتصاد والسياسة، ويبقى "الدين الصحيح" هو البوصلة التي تعيد للإنسان إنسانيته، وتمنحه المعنى والغاية والسكينة.

إنّ التديّن ليس انسحابًا من الواقع، بل الضوء الذي يجعل هذا الواقع مفهومًا ومحتملًا. والدين الصحيح هو الملاذ الذي يحفظ الإنسان من أن يتحوّل إلى رقمٍ في عالمٍ صاخب أو إلى روحٍ تائهة بلا معنى.

الدين الصحيح بسندٍ صحيح

علي بن إبراهيم، عن أبيه، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان، عن عمرو بن حريث؛ قال: 

دخلت على أبي عبد الله( عليه السلام) وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت له: ...، جعلت فداك ألا أقص عليك ديني؟

 فقال: بلى، قلت: أدين الله بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده( صلوات الله عليهم أجمعين)، وأنكم أئمّتي عليه أحيا وعليه أموت، وأدين الله به؛ فقال: 

يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السر والعلانية؛ فاتّق الله وكف لسانك إلا من خير، ولا تقل إنّي هديت نفسي بل الله هداك؛ فأدّ شكر ما أنعم الله عز وجل به عليك.

الكافي٢: ٢٣.

: الشيخ علي الحسون