ماذا نفعل من أجل العمل لحل مشكلاتنا؟

هناك مقولة إنسانية تقول: (التاريخ يُعيد نفسه) ومعنى ذلك أن أحداث التاريخ تتكرر، وهي مقولة عظيمة لمن يعتقد بها، فهي تنبه الإنسان لأخطائه وأسباب إخفاقاته في الحياة الدنيا والتي جعلت الحياة فيها حياة غير طيبة وهنيئة، والتنبيه الذي نعنيه ليس مجرد إخبار بالأسباب أو النتائج فقط، إذ لو كان كذلك فهو لا يغير من الواقع شيء، بل تنبيه من باب العلم والعمل الذي يفرز ثقافة وسلوك صحيحاً قويماً منتجا للفضائل والخير، ومن هنا كانت ضرورة قراءتنا للتاريخ.

واليوم ونحن نعيش الاخفاقات المتكررة الخانقة في الحياة وعلى جميع الأصعدة، بحيث تحولت الحياة في غالبها إلى نكد في العيش وتعاسة، فإن ردت فعلنا على ذلك أننا نبحث وبإلحاح وإصرار شديدين عن الحل، باستخدامنا أن التاريخ يعيد نفسه في تتبع الأسباب والعلل التي أدت إلى هذه النتائج المحزنة، ونستخدم في ذلك آلية المشابهة فنوجه لأنفسنا سؤالا بحثيا جوهريا: أي زمان يشبه زماننا؟ فيكون الجواب الزمان الذي تحدث عنه القرآن الكريم وذكره في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[1].

وحينما نبحث في التاريخ المشابه يجب أن لا نبحث عن تاريخ جزئي إلا إذا كانت مشكلتنا جزئية، ولكن القاعدة التي يجب ان نتبعها في هذا البحث، هي أن نبحث عن تاريخ المعالجات الناجحة للإخفاقات والأخطاء، لذا فإن التاريخ المشابه بهذه الضابطة الذي نبحث عنه، هو تاريخ أهل بيت العصمة والطهارة المعصومين صلوات ربي عليهم أجمعين، فبضرورة عصمتهم(عليهم السلام) كانت معالجاتهم ناجحة ومثمرة حتى لو كانت مؤدية للقتال والحرب، واليوم ونحن نعيش ذكرى شهادة الإمام محمد ابن علي الباقر(عليه السلام) نقرأ هذه التاريخ لنتعظ به ونتعلم منه، وفي قراءته نقف هذه الوقفات لنتعلم منها، ولكن ابتداءً لابد أن نعرف من هو الإمام محمد ابن علي الباقر(عليه السلام)، فنقول:

هو: محمد بن علي الباقر(عليه السلام)، ولد يوم 1 رجب سنة 57 هـ في المدينة المنورة، وقد توفّي فيها في 7 ذو الحجة سنة 114 هـ، وهو الإمام الخامس من أئمة المسلمين المعصومين(عليه السلام)، والده الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، وأمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

وله مكانة عند المسلمين ظاهرياً عظيمة، فهو يعد عندهم من فحول علماء الإسلام، حيث حدَّثَ عن أبيه علي بن الحسين السجّاد(عليه السلام)، قال محمد بن مسلم: سألته عن ثلاثين ألف حديث، وله عدة أحاديث في الصحيحين وهما من كتب الحديث عند أهل السنة، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريج والأوزاعي والزهري وغيرهم، وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين، ورؤساء فقهاء المسلمين.

روى المؤرخون: أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن مسألة ، فلم يقف على جوانبها، فقال للرجل: اِذهب إلى ذلك الغلام، فأشار إلى الإمام الباقر(عليه السلام) فاسأله وأعلمني بما يجيبك.

فبادر الرجل نحو الإمام(عليه السلام) وسأله، فأجابه(عليه السلام) عن مسألته، ثم خَفَّ إلى ابن عمر وأخبره بجواب الإمام(عليه السلام) كما طلب منه، عندها أبدى إعجابه وقال: ( إنَّهم أهلُ بَيتٍ مُفهَمون).

ولا غرابة في الأمر، فالله سبحانه وتعالى قد خَصَّ أهل البيت(عليهم السلام) بالعلم، والفضل، والمعرفة، وَوَهَبهم الكمال المطلق، الذي يَهِبُه لأنبيائه(عليهم السلام)، لذا َكل فَرْدٍ من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لا تُخفَى عليه أيَّة مسألة تعرض عليه، لأنهم(عليهم السلام) زَقُّوا العلم زَقّاً.

وقد لقب (بالباقر)، حيث لقبه بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقد ذكرت النصوص المعتبرة، أن النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) هو من كنّاه بالباقر، فقد جاء في الحديث أن رسول الله قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الانصاري: ((يا جابر، إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف في التوراة بالباقر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام))[2]، وفي رواية أخرى قال(صلى الله عليه وآله): ((يا جابر إنّك ستعيش حتى تدرك رجلًا من أولادي اسمه اسمي، يبقِرُ العلم بقرًا))[3]، وكان جابر ابن عبد الله الأنصاري(رضوان الله عليه) يقعد في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لذلك، وذات يوم جلس وهو معتجر بعمامة سوداء وينادي يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى اله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول، فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: شمائل رسول الله(صلى الله عليه وآله) والذي نفسي بيده، يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين(عليهما السلام)، فأقبل عليه يقبل رأسه[4].

وفي معنى الباقر سُئل ذات يوم جابر بن يزيد الجعفي: (لم سمي الباقر باقرا؟ قال: لأنه بقر العلم بقراً، أي شقه شقاً وأظهره إظهارا)[5]، وقد معنى آخر للفظة باقر هو: التبقّر في العلم، أي توسّع[6].

وتفصيل ذلك:

لا يخفى أن الأمة الإسلامية بعد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ونكث ولاية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام) وتركها والابتعاد عنها، وقد أسس ذلك لعلم ومعلومات بشرية اتسمت بالظلم وعدم العدل في أغلب مفاصلها، ولدت أفكاراً ما أنزل الله بها من سلطان، فساهمت في تكوين وتأسيس ثقافة إسلامية جديدة في الأمة الإسلامية، وقد دعم ذلك كله الإجبار والإكراه على تبنيها والسير والسلوك وفقها، فشاع الجهل المقنع واصبحت الناس أنها لا تعلم أنها لا تعلم، فاستحلوا الموبقات وارتكبوها واستأنسوا بها واستذوقوها كبيرها وصغيرها حقيرها وعظيمها وخطيرها، فتجرؤوا عندها على:

1-  مخالفة أمير المؤمنين(عليه السلام) وقتله.

2- الوقوف بوجه الإمام الحسن(عليه السلام) وسمه.

3- حرب الإمام الحسين(عليه السلام) وقتله بصورة بشعة.

4- مقاومة الإمام سيد الساجدين علي ابن الحسين(عليه السلام) في منهجه الاصلاحي سيراً على منهج أبيه(عليه السلام) الذي هو منهج علي أبيه(عليه السلام وهو ذاته منهج النبي الأكرم(عليه السلام).

وقد كان هذا كله حدث على الرغم من اذعان هؤلاء الناس في قرارة أنفسهم بأنهم أئمة الدين وهداة المسلمين إلى رب العالمين(جلّ وعلا).

فكان لابد من إعادة الناس إلى مسارهم الصحيح بإرجاع ثقافتهم إلى مسارها الصحيح وذلك عبر العمل على تصحيح المعلومات الأساسية والتي تعد محركات الفكر الإنساني، والعمل على رفع الغبار الذي غطى العلم النبوي ببيان الصحيح من السقيم الذي خلط عمداً معه وصوروه على أنه الصحيح.

وكانت الأمة الإسلامية وهي بهذا الوضع بحاجة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) لخلاصها مما هي فيه، فكان الإمام محمد ابن علي الباقر(عليه السلام)، إذ لا يمثل النبي الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله) غير الإمام الباقر(عليه السلام)، وقد بدأ كما بدأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بمقولة قرآنية: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[7]، وعلى هذا الأساس تهدى الأمة بعد أن جرأ إرادتها الإمام الحسين(عليه السلام) على كسر حاجز الخوف والوقوف بوجه الظالم الغاشم، لذا كان هم الإمام(عليه السلام) مهتم ببسط العلم واشاعته بين المسلمين في وقت كان الجمود الفكري قد ضرب نطاقه على جميع انحاء العالم الاسلامي، ولم تعد هناك أية نهضة فكرية أو علمية، وكانت سمة الأمة الإسلامية:

1- الفوضى الأمنية بقيام ثورات متلاحقة، وانتفاضات شعبية كان مبعثها تارة التخلص من جور الحكم الاموي واضطهاده، واخرى الطمع بالحكم.

2-اهمال من جراء ذلك الحياة العلمية اهمالا تاما فلم يعدلها أي ظل على مسرح الحياة.

فكانت سياسة الامام الباقر(عليه السلام) الابتعاد عن التيارات السياسية ابتعادا مطلقا فلم يشترك بأي عمل سياسي يتصادم مع الحكم القائم آنذاك، واتجه صوب العلم فرفع مناره، وإرساء قواعده وأصوله، فكان الرائد والمعلم والقائد لهذه الأمة كرسول الله(صلى الله عليه وآله) في مسيرتها العلمية والثقافية، وقد سار بها خطوات واسعة في مختلف الميادين العلمية، مما يعتبر عاملا جوهريا في ازدهار الحياة الاسلامية وتكوين حضارتها المشرقة.

فعلى ذلك قول جابر بن يزيد الجعفي: (لم سمي الباقر باقرا؟ قال: لأنه بقر العلم بقراً، أي شقه شقاً وأظهره إظهارا)، وقد معنى آخر للفظة باقر هو: التبقّر في العلم، أي توسّع.

يمكن تصور المعنى كطفل في بطن أمه، فالجنين داخل كيس يشقه عند بدأ عملية الخروج، ثم لكي يخرج ويصبح واقعاً يحتاج إلى التوسعة، فكذلك عملية نشر العلم التي عمل عليها الإمام الباقر(عليه السلام)، فهي متقومه بعنصرين أساسيين:

الأول: شق العلم شقاً وتفجير حركته بعد جموده، وكان ذلك في العقائد خصوصاً العلاقة مع الله(جلّ وعلا) والجانب القانوني الذي ينظم الحقوق والواجبات وينظم العلاقات ويقيم العدل ويدفع الظلم بين العباد، وكذلك تنظيم العلاقة مع الأئمة(عليهم السلام) وتصحيح مسيرتها مع المشايعين لهم، وهكذا باقي المفاصل الشخصية والاجتماعية والمعرفية.

الثاني: توسعة العلوم والمعارف وتوسعة مسائلها بمختلف موضوعاتها، إذ أنه الصحيح الذي يطلبه الناس بعد ضياعه وتضييعه باتباعه حكام وسلاطين الجور والظلم والعدوان، فقد قال الإمام الباقر(عليه السلام) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: ((شرقا وغربا لن تجدا علما صحيحا إلا شيئا يخرج من عندنا أهل البيت))[8]، وأفصح في حديث آخر رُوي عنه (عليه السلام): (( أما إنه ليس عندنا لاحد من الناس حق ولا صواب إلا من شيء أخذوه منا أهل البيت))[9].

وكان بناء على ما تقدم كان رد فعل الإمام محمد ابن علي الباقر(عليه السلام) على الأوضاع المزرية في زمانه هو ذاته رد فعل أبيه زين العابدين(عليه السلام) وجده الإمام الحسين(عليه السلام) وأبيه علي ابن أبي طالب(عليه السلام) وهو جوهر مضامين الرسالة الإسلامية التي جاء بها جدهم المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله) وبلغها الناس وانحرفوا عنها، وهو إرجاع الناس إلى حضيرة التوحيد، بإعادة العلاقة مع الله(جلّ وعلا) وترميمها بعد أن انقطعت بالتجاوزات الصارخة والواضحة وتضررت وتصدعت أيما تصدع،

فالهدف والغاية الأساسية لدى الأئمة الأطهار(عليهم السلام) هي بناء العلاقة مع الله تعالى الحث عليها، وتقويم الارتباط الصحيح به سبحانه وتعالى، فهي الأساس الذي يجب أن يسعى إليه الإنسان في كل شيء بحسب تكليفه من الله(جلّ وعلا) وتشخيصه، وكان سلوكه في طريق المعالجة دالاً على المشكلة التي كان يعاني منها الناس.

فقد ورد عن سهل، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ((كان أبي عليه السلام كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه و إنه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا[أي: قراءة القرآن الكريم]، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر))[10].

لذا نرى الإمام(عليه السلام) في الأحداث والوقائع والقصص التي حدثت في حياته الشريفة، كان رد فعله أنه يسوقها لهذا الغرض، وهو تحقيق الارتباط بالله تعالى وتقويته وتصحيح المنحرف منه، وهي كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر(عليه السلام) ((فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله تعالى، قال: رأيته؟ قال: بل لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله[جلّ جلاله]، لا إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته))[11].

2- عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر [الباقر](عليه السلام) قال: ((قال الله(عز وجل): لأعذبن كل رعية في الاسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفون عن كل رعية في الاسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة))[12].

3- ذكر من حديث طويل أن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) قال لجابر الجعفي: ((يا جابر يكتفى من اتخذ التشيع يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثره ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن الناس إلا من خير وكانوا امناء عشائرهم في الأشياء قال جابر: يا بن رسول الله ما نعرف أحدا بهذه الصفة فقال لي يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب أن يقول أحب عليا صلوات الله عليه وأتولاه فلو قال إني أحب رسول الله (ص) ورسول الله خير من على ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة أحب العباد إلى الله وأكرمهم اتقاهم له وأعملهم بطاعته يا جابر ما يتقرب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، ما معنا براءة النار ولا على الله لأحد منكم حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولى ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو ولا تنال ولايتنا بالعمل والورع))[13].

وقد قال الإمام الباقر(عليه السلام) لجابر الجعفي أيضاً: ((يا جابر بلغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر! من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا))[14]، وقال(عليه السلام): ((والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا!، ويحكم لا تغتروا!))[15].

فكان هذا ديدن الإمام(عليه السلام) في كل الوقائع والاحداث في حياته، وهو السوق نحو الله تبارك وتعالى وتصحيح الارتباط والاعتقاد، إذ لا يمكن الوصول إلى ذلك بدونهم صلوات الله عليهم أجمعين، يقول في ذلك الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): ((العلم الذي هبط به آدم وجميع [ما فضلت به] النبيون إلى خاتم النبيين في عترة محمد صلى الله عليه وآله))[16]، وقد عنه (عليه السلام)في خطبة خطبها في المدينة في معاتبة أصحابه، خطبها بالمدينة: ((... أيها الأمة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه، والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه، لنهجت بكم السبل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الاسلام، فأكلتم رغدا وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد،))[17].

إذن حياتنا كذلك ونحن في حضرة آخر الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، وهو إمامنا صاحب الأمر والزمان(عجل الله فرجه)، فالمشكلة المركزية والأساسية فيها التي سببت سوء الأوضاع وكثرة الاخفاقات وتواجد المنغصات وحولتها إلى حياة تعاسة و نكد وكدر، هي انقطاع وضعف وسوء العلاقة وتصدعها مع الله تبارك وتعالى، التي هي أس المشكلات الدنيوية، وطريق حلها اتباع المعالجة الصحيحة لها، وهو الذي يلزم أن نفعله لنهنأ بحياة طيبة وهنيئة، قال الإمام علي(عليه السلام): أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعي عترتي وسبطي على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل بعملنا[18].

الهوامش:--------

[1] سورة آل عمران: 144.

[2] بهاء الدين الإربلي، كشف الغمة بمعرفة الأئمة، مجلد 2، صفحة 350

[3] أصول الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج 1، ص: 687.

[4] أصول الكافي، محمد ابن يعقوب الكليني، ج 1، ص: 687.

[5] علل الشرايع، للشيخ الصدوق، ج 1، ص: 317.

[6] ابن خلكان، وفيات الأعيان- مجلد 4، صفحة 174

[7] سورة العلق: 1-5.

[8] بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج٢، ص: ٩٢.

[9] المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ج١، ص: ٢٤٣.

[10] بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج46، ص: 297-298.

[11] أصول الكافي، محمد ابن يعقوب الكليني، ج1، ص: 97.

[12] غيبة النعماني: 64 و 65.

[13] صفات الشيعة، الصدوق، ص: 11-13.

[14] أمالي الطوسي، الشيخ الطوسي، ص: ٢٩٦.

[15] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١١، ص: 185.

[16] الإرشاد، السيخ المفيد، ج1، ص: 232.

[17] حياة أمير المؤمنين(عليه السلام) عن لسانه، محمد محمديان، ج ٢، ص: ٢٠٠.

[18] الخصال، الشيخ الصدوق، ص: ٦٢٤.

: الشيخ مازن التميمي