كيف نرسخ القيم الزهراوية لدى الجيل المعاصر

القيم الزهراوية هي القيم الانسانية العليا وهي قيم دائمة مستمرة مع استمرار الوجود الانساني، وفي دراسة ميدانية اجريت للتعرف على مصادر القيم والمثل العليا في عدة مدن امريكية للاطفال والمراهقين بين 6-20 سنة وُجِدَ ان الغالبية كانت مصادر القيم والمثل العليا عندهم هم الشخصيات التاريخية والزعماء(1) وذلك لانهم يعتبرون هذه الشخصيات هي القدوات السامية والمثل الاعلى الذي يُقتدى به، فالقدوة والاسوة الحسنة هي افضل واقوى وسيلة للتغيير اذ انها توصل لنا نموذج الصورة المطلوبة وترشدنا الى امكانية تطبيق الفكرة من خلال النموذج الذي يمكن الاقتراب منه ان كان من الصعب اعادة صياغته، فكيف اذا كان هذا النموذج هو صورة الانسان الكامل الذي لا يكفُّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الاشادة بانه نموذج رباني يغضب الله لغضبه ويعاقب من اسخطه بالنار!!. على هذا نحتاج الى توثيق العلاقة مع هذه الشخصيات الخالدة بما يساهم في التغيير الذاتي والمجتمعي.

ونحتاج في عملية التغيير الى وسائل عديدة لنقل القيم والحفاظ عليها منها:

1- الاسرة

فالاسرة هي منبع القيم، ففي الحديث يقول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه). فالوالدان هما الذان ينقشان القيم والافكار والمعتقدات على الصفحات البيضاء لقلب الطفل، وهما القدوة الاولى للطفل ومن الواجب عليهما تعريف ابنائهما بالقيم الاسلامية والاخلاق الفاضلة ومتابعة الطفل وتوجيه كيانه الى الاقتداء بآل البيت عليهم السلام وبالرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين هم المثل الاعلى ومنار القيم وصورتها الخالدة.

ولا ننسى انه كلما ابتعد الوالدان عن الانماط والقيم السلبية في التربية كانت النتائج افضل والقيم السلبية من قبيل الاهمال والقسوة والاستبداد والتحقير والأنانية والجبن والبخل والكذب والظلم الى غير ذلك، فالام التي تعتمد القيم المخالفة للاسلام كالسفور والاغراء والاثارة امام الغرباء تقضي على انسانية ابنتها وتحولها الى جسد متموج لا اكثر!!.

والابوان هما القدوة الحاضرة التي تصل الى مرادها عن طريق التربية الصامتة من خلال السلوك والناطقة من خلال التوجيه مع اعتماد آليات التربية بالحب والموعظة والترغيب وجعل العقاب اليسير آخر الدواء لان التعزيز الايجابي بالمكافاة والتشجيع افضل من السلبي بالعقاب والتوبيخ ويمكن مراجعة فصل الاليات التربوية عند الزهراء عليها السلام لنعرف كيف نرسخ القيم عند الابناء.

ولا ننسى ان الام هي اول وسيط في التنشئة الاجتماعية وهي المجتمع الاول الذي يراه الطفل ويرتبط به وجدانيا وسلوكيا، ولما كانت شخصية الطفل تتشكل خلال السنوات الاولى والتي تزداد فيها مساحة تاثير الام فدورها في نقل وصيانة وحفظ القيم أساسيٌّ، إذ (إن وعي المرأة بذاتها وبدورها كقيِّم على الأسرة وحارس للقيم والمبادئ، يعني في ميزان القيم أنها تعي تماما دورها وحقيقتها، وأنها حقيقة تعرف وجودها ووظيفتها، وأنها مستخلفة الله في الأرض، عابدة لله وحده دون سواه).

والام الحافظة للقيم والناقلة لها عبر مسيرة الاجيال هي المرأة المتحررة.. واعني تحررها من كل النماذج المشوهة للقيم و(بذلك تحقق ذاتها وأن تسد الثغرة التي ينبغي أن ترابط عليها، فلا يؤتى الإسلام من قبلها).

وعلى هذا فالمطلوب ان تسود الاجواء السليمة داخل الاسرة للوصول الى تربية ناجحة، ولابد من متابعة الاولاد للوقوف عن كثب على نمط وانواع القيم الموجودة عند الاولاد، كما يلعب المستوى التعليمي للوالدين ومدى معرفتهما بالقيم الصحيحة والخاطئة اضافة الى مكانة الاسرة في المجتمع وعلاقاتها مع الاسر الاخرى وباقي افراد المجتمع دورا بالغ الاهمية في الاكتساب القيمي للاولاد ويكون الدين والتدين هو الاصل في تنمية الاتجهات القيمية الايجابية عند الابناء.

2- المجتمع

المجتمع بمؤسساته المختلفة واولها المدرسة التي باتت الان تلعب دورا كبيرا في التربية بسبب انشغال الآباء وعدم اكتراثهم للشأن التربوي، وتلعب عناصر الوسط التربوي من الادارة المدرسية والمعلمين وباقي الموظفين دورا كبيرا في البناء القيمي للاولاد، وينطلق التأثير بالدرجة الاولى من عامل الاقتداء خاصة وان الاولاد في المراحل المختلفة من الدراسة يتأثرون بشكل كبير بسلوك المعلمين ويقلدونهم في حركاتهم، كما ان المنهج الدراسي مهم اذ انه كلما تمت صياغته بشكل متوافق مع القيم والاخلاق والعقائد الاسلامية كان موثراً، ولهذا ظهرت (معركة المناهج الدراسية) في الآونة الاخيرة حيث انطلقت دعوات من هنا وهناك تطالب بتحديث المناهج الدراسية لكن ليس التحديث المتزامن مع التطور العلمي والتقني ولكن التحديث الذي ينظر الى الاسلام (كشيء قديم) انتهى دوره اي تجريد المناهج الدراسية من الفكر الاسلامي والقيم الاسلامية!.

ويعاني المسلمون المقيمون في غير بلادهم من مشكلة المناهج الدراسية التي تلقن الاولاد افكارا وسلوكيات وقيما غير متوافقة مع الشريعة مما يجعلهم في صراع مستمر.

ونفس الشيء يقال عن الاعلام الذي هو احد ابرز المؤسسات التربوية اذ كثيرا مايتبنى الاعلام (حتى في بلاد المسلمين) قيما سلبية كالسفور وترك الصلاة واعانة الظلمة والكذب في نقل الاخبار والوقائع مما يجعل الاولاد بحاجة الى درع حصين لمواجهة هذه الاختلالات وهذه الدرع تأتي من الاسرة والوالدين. فالاعلام سلاح ذو حدين تارة باتجاه القيم وتارة ضدها مما جعل الانسان المعاصر يعيش صراعا واضحا يفقده الشعور بالطمانينة والامن والاستقرار، فالاعلام السلبي يركز قيما سلبية خاطئة، كما انه الاكثر انتشارا واغراءً وقوة امام الاعلام الاسلامي الذي مازال في مراحله الاولى، الامرالذي يجعل دور الوالدين حازما في مسألة التوجيه نحو القيم الاسلامية والقيم السليمة.

وتلعب المؤسسات المجتمعية الاخرى كالمسجد والنوادي الثقافية والمراكز الدينية والاجتماعية دورا واضحا في البناء القيمي ويُفترض ان تؤدي مهامها في اجواء مفتوحة ومتوافقة.

هذا ويتبنى المجتمع قيما وعقائد مورورثةً قد تكون سليمة أو على العكس كما هو الحال في الدول التي تتبنى القيم والافكار الرأسمالية أو الشيوعية اي القيم السلبية، ولما كان دور الاسرة فاعلا في نقل القيم فأنها اذا ما ترسخت في الطفولة عن فهم وقوة فأنها تصمد امام الضغوطات الخارجية وتبقى محافظة على فاعليتها.

الهوامش:__________________

(1) (القيم السياسية ص63)

: كفاح الحداد