886 ــ مير علي أبو طبيخ (1308 ــ 1361 هـ / 1890 ــ 1942 م)

مير علي أبو طبيخ (1308 ــ 1361 هـ / 1890 ــ 1942 م)

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (34) بيتاً:

قد شاقها وادي (الطفوف)     فنكّـــــبتْ وادي الغميمِ

تـــــــــــــــهفو لمعهدِ فتيةٍ     همْ نجدةُ الحيِّ المضيمِ

غرُّ بها ليــــــــــلُ الوجوهِ     قـــوارعُ الصيدِ القرومِ (1)

الشاعر

السيد مير علي بن عباس بن راضي بن الحسن بن مهدي بن عبد الله بن محمد بن هاشم الموسوي، عالم وأديب وشاعر، ولد في النجف الأشرف من أسرة علوية شريفة يرجع نسبها إلى الإمام موسى بن جعفر (عليهما ‌السلام)، عرفت بـ(البوطبيخ) وهو أسرة نجفية عريقة لها مكانة اجتماعية بارزة، وقد برز منها العديد من الأعلام.

أما أمه فهي بنت العالم الكبير الشيخ راضي بن محمد بن محسن بن خضر بن يحيى المالكي النجفي، جد الأسرة المعروفة في النجف، فجمع أبو طبيخ فضيلتي العلم والأدب من أبيه وأخواله فكان لذلك أثر كبير في نشأته وتكوين شخصيته، فدرس على يد خاله الشيخ عبد الرضا بن الشيخ مهدي، والشيخ جعفر بن الشيخ عبد الحسن (2)

قال السيد محسن الأمين في ترجمته: (وكان يقضي معظم أوقاته في مجالسهم العامة ودواوينهم العامرة. واجتاز في سيره مرحلة كبيرة من ‏العلوم الدينية..) (3)

ورث أبو طبيخ من أبيه وأخواله صفات العلماء إضافة إلى اكتسابه العلوم الفقهية والعلمية، قال السيد جواد شبر واصفاً صفاته الحميدة وأخلاقه الفاضلة وورعه وتقواه: (تدرجت على المنبر والخطابة وأنا ابن اثنتي عشرة سنة فكنت أرى السيد المترجم له ملازماً لدارنا فلا يمر يوم إلا وهو عندنا يتذاكر مع والدي وتجمعهما وحدة الدرس وربما جاءنا صبحاً وعصراً، وأذكر أن تقريرات المجتهد الكبير السيد محمد تقي البغدادي قد كتبها والدي بخطه فاستعارها السيد مير علي وكتبها أيضاً وبحكم هذه الصلة فقد كنت أعيد عليه ما أحفظه من شعر في الإمام الحسين وأستوضح منه معناه وأطلب منه تشكيل القصيدة فلقد كانت ملكته الأدبية أقوى منها عند أبي، وكان رحمه الله على جانب عظيم من الورع والتقى وعفة اللسان فما سمعته ذكر مخلوقاً بسوء ويحفظ للمجلس وللجليس كرامته فقد كان يقول: إني لأعجب ممن يجالس الناس وهو حاسر الرأس وكنت أشاهده لا ينطق إلا إذا سُئل فإذا أجاب عن المسألة يكون جوابه قدر الحاجة خالياً من الفضول، ولا زلت أتصوره جيداً عندما يترنم بالشعر على الطريقة المعروفة ب‍ (المثكل) وهي من الشجاء بمكان وكثيراً ما سأل المغنون والملحنون عنها إذ أنها لم تنتزع من الأطوار المعروفة عند الملحنين وكان يجيدها فكنت أصغي اليه بكلّي، أما نظمه للشعر فلم يزاوله إلا عندما أصبح مقعداً في بيته بمرض (الروماتيزم) فكان يتسلى به ولم أكن أسمع له من الشعر قبل ذلك إلا نادراً فقد عزم والدي على طبع مؤلف جدنا الأكبر السيد عبدالله شبّر في العقائد وهو كتاب (حق اليقين في معرفة أصول الدين) فنظم السيد بيتين فكانا على صدر الكتاب الذي طبع بلبنان بمطبعة العرفان، صيدا سنة ١٣٥٦ ه‍. وهما:

إذا ما خفتَ تـــسقطُ في عثارٍ     بمزلقِ هوّةٍ وضلالِ دينِ

وجدتَ بهِ الدلائلَ واضحاتٍ     إذا شــــاهدته حقَّ اليقينِ) (4)

أصيب أبو طبيخ بمرض (الروماتيزم) وبقي مقعدا في البيت حوالي اثنتي عشرة سنة بقي خلالها يقرأ ويكتب حتى وفاته في النجف، (5)

وقد رثاه السيد جواد شبر بقصيدة يقول منها:

فمي وطرفي على تـــــــــــأبينكَ استبقا     بـــالنثرِ والنظمِ كلٌّ منهما اندفقا

ما هذهِ قـــــــــــــــــطعٌ شـعريةٌ سُبِكتْ     هذي شظايا فؤادي قُطّعتْ حُرقا

طـــــــــوارقُ الدهرِ أظنتني وأعظمُها     هـــذي التي علّمتني بالرثا طرقا

هلْ نافعي فرط وجدي أو جوى كبدي     هيهــــاتَ فيكَ قضاءُ اللهِ قد سَبقا (6)

أما آثاره العلمية فيقول عنها السيد محسن الأمين: (له مؤلفات بقيت مخطوطة)

شعره

طبع ديوانه (الأنواء) بعد وفاته بعام واحد بمطبعة الراعي في النجف، وكتب الأستاذ جعفر الخليلي مقدمة له ورتبه إلى ثلاثة أبواب هي:

١ ــ خواطر وأحلام: ضمّ جميع شعره الإجتماعي ورأيه الأدبي.

٢ ــ عواطف وأنغام: تضمن تقاريضه وتهانيه وعواطفه الأخوية.

٣ ــ شجون وآلام: وقد ضم مراثيه.(7)

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام):

أهاشم إن لــم تمــــتطي الخيلَ ضُمَّرا     فكلُّ حديثٍ فــــــــي معاليكِ مُفترى

وإن لمْ تــــــــــــفه بالطعنِ ألسنةُ القنا     فلا فرعــــــــتْ منكِ الخطابةُ منبرا

وإن لــم تــخضْ منكِ الظبا بدمِ الطلا     فيا لا طـــمى وادي نداكِ ولا جرى

لـــــــئــنْ قعدتْ سودُ الليالي بمرصدٍ     فهذي الليالي البــــيضُ أحمدُ للسرى

فصولــي بمصقولٍ الشبا حيثما هوى     يفلّقُ مصقـــــــــولَ الجوانبِ مرمرا

إذا لعلــعتْ في الــــــقاصفاتِ بروقُه     فصيدُ الأعادي الصيدُ وهو لها قِرى

أو انــتثرتْ منه الجمــــــــاجمُ خلتها     كُرىً يلطمُ اللاهي بــها أوجهَ الثرى

لجــوجٌ فلولا الغمدُ يمسكُ بـــــــأسَه     لسالتْ به شتى المدائـــنِ والقــــــرى

أخــو نــــــــــــجدةٍ يبدو بهيئةِ راكعٍ     فإن هوَ أهوى للضريـــــــــــبةِ كبّرا

يــتيهُ به زهوُ الــــــــملوكِ إذا انثنى     يمجُّ بفيَّاضِ النـــــــــــــــجيعِ مُظفّرا

عسى تدركي الثأرَ الــذي مـــلؤهُ دمٌ     متى عصفـــــــتْ فيه الــمنايا تفجَّرا

وتستأصلي مِن عبدِ شمسٍ طـــغاتَها     بذي لجـــــبٍ لم يُبقِ ظفـراً ومنسرا

تمرُّ كأمثالِ البروقِ جـــــــــــــــيادُه     يلوحُ عـــلى أعرافِها المـوتُ أحمرا

مُـــــــــذللةَ الأطرافِ ناحلةَ الشـوى     مُــــــــوقرة الأردافِ محـبوكة القرا

إذا اقـتعدتْ حمسُ الوغى صهواتِـها     أرتكَ الكميَّ الليثَ والصهوةَ الشرى

تمثّلُ صـولاتِ ابنِ حيدرَ مُذ غــدوا     يظنّونَ في صدرِ الكتائــــــبِ حيدرا

جرى والقـــضاءُ الحتمُ دونَ يــمينِهِ     يفصِّلُ أبرادَ المنايا إذا جــــــــــــرى

على سابحٍ راقـــته في السـلمِ مـيعةٌ     فلاحَ بـــــــــــها يومَ الوغى مُتبخترا

يعومُ بها دأماءَ مــــــــــــــاءٍ لـعابُه     إذا ما طغى غـــــــــبرَ الأسنّةِ معبرا

فطافتْ به أمواجُه وهـــــيَ أنـصلٌ     ترامتْ فألـقته بضاحـــــــــــيةِ العرى

ولمْ أدري ما خرّتْ صحيفةُ بـجدلٍ     أكانَ وريـدُ المجدِ أمْ كانَ خُـــــنصرا

رأى الليثَ أشــــلاءً فهانَ ابتـزازُه     وهلْ يُســــــــلبُ الضرغامُ إلّا مُعفّرا

وبــــــــالصفا يا هاشم مُذ تنـاوبتْ     عليها الـرزايا وهيَ تندبُ حُـــــسّرى

بضربٍ تــروعُ الجامداتِ سيـاطُه     وســـــيرٍ على الأقتابِ تُبرى به البُرا

ولولا جـــــلالُ اللهِ لم يبقَ حاجـبٌ     به يرتــدينَ الصونَ عن أعينِ الورى

بنفسي مرهوبَ الحمى شبهَ أحـمدٍ     سطا ضيغماً والحربُ مشبوبةُ الذرى

يُروّي شبا مــــــــاضيهِ لكنَّ قـلبَه     مِن الطعـــــــــنِ أوراه الظما فتسعّرا

ولمْ أنسَ مُذ أرداهُ ســـــــهمُ مـنيَّةٍ     هوى وهوَ بــــابُ اللهِ مُنفصمُ العُرى

هوَ البدرُ قد أخنى عليهِ مــــحاقُه     وإقبالُ دهرٍ ناء ضــــــــــــوءاً فأدبرا

وغرَّةُ شمسٍ غيَّبتها دجى الوغى     وآيةُ قدسٍ أغفلتْ عينَ مَــــــــــن قرا (8)

وقال من قصيدة يرثي بها نفسه ويتوسل بأهل البيت (عليهم السلام):

وسِــيقتِ النفسُ على علّاتِها     إلــــى الجنانِ أو إلى النارِ حطبْ

إنّــــــــــي أعوذُ بولاءِ حيدرٍ     وصفوةِ الآل البـــــــهاليلِ النجبْ

مِـــــن فزعِ الموتِ وشرّ ما     أعــقبْ وشرّ كلِّ غاسقٍ إذا وقبْ

هُــمُ الرعاةُ لا عدمتُ فيئهم     وهــــــــم سفائنُ النجاةِ في العببْ

هُمْ عرفاتُ الحجِّ هُمْ شعارُه     هُمْ كعبةُ البيتِ وهُمْ أسنى القِربْ

يا بأبي السبط غداةَ وزّعتْ     أشــــــلاؤه ما بينَ أشفارِ القضبْ (9)

وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه ‌السلام):

يا بنَ النبــــيِّ وخيرَ مَن     أهدى وحـــــلَّ مني وخيّفْ

وابنَ الـــــحطيمِ وزمزمٍ     وابنَ المـــشاعرِ والمعرّفْ

لا قـــلتَ رأسُكَ في القنا     بدرٌ فـــــرأسُكَ منه أشرفْ

كلا ولا هوَ في الضحى     شمسٌ فعينُ الشمس تُكسفْ

بل أنتَ وجـــــهُ اللهِ في     أفـــقِ الوجودِ غداةَ تُوصفْ

أضحوا لفقدِكَ آســــــفيـ     ـنَ بـما جنوهُ ولاتَ مأسفْ (10)

وقال من قصيدته التي قدمناها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

قد شاقها وادي (الطفــــــوف)     فنكّـــــــــــــبتْ وادي الغميمِ

تـــــــــــــــهفو لمعــــــهدِ فتيةٍ     همْ نـجـدةُ الحيِّ الــــــمضيمِ

غرُّ بها ليــــــــــــــــلُ الوجوهِ     قــــوارعُ الصــــــيدِ القرومِ

يــــــــــتسابقــــــونَ إلى العُلا     ويدونَ بالشــــــرفِ الصميمِ

علموا الـــــــــــحقيقةَ فاغتدوا     فــــي طاعـــــةِ الملكِ العليمِ

واستوضحـوا سُبلَ الـــــــحيا     ةِ بمـــــــــــــرقدِ الليلِ البهيمِ

مِن كلِّ غطــــــــــــريفٍ ارمَّ     بمنبــــــــــــتِ الفرقِ الكريمِ

قالت إذا قـــــــــــــــعدتْ بهمْ     أحســـــابُــهم للحربِ قومي

لا ينتـــــــشـــــــــونَ بغيرِها     كــــــــالكأسِ في كفِّ النديمِ

تـــــــسري النجـــائبُ تحتهم     بــــــرقاً بمختلــــــفِ الغيومِ

ولدوا عـــــــلى أعـــــــرافِها     وتــمسَّكوا بـــــعرى الشكيمِ

نصروا الحسيـــــــنَ بموقفٍ     يثني الحــــــميمَ عن الحميمِ

حفَّــــــــــــــــــــته خيلُ أميةٍ     مِــــــــن كلِّ طاغيـــــةٍ أثيمِ

فطوى الرعيــلَ على الرعيـ     ـلِ و شلّهــــــــــا شلَّ الأديمِ

تلكَ المئاتُ يخــــــــــــــطّها     بالسيفِ والــــــــرمحِ القويمِ

حـــــــــــتى إذا نزلَ القضا     ءُ وفــــــــــاء بالأمـرِ الحكيمِ

ألقى جـــــــرانَ الـصبرِ بيـ     ـنَ مضـاربِ الخطبِ الجسيمِ

أفديهِ مُنهتـــــــــــكَ الحمى     أفــــــــــــــديهِ مسبيَّ الحريمِ

أفديـــــــــــــهِ مُنعفرَ الجبيـ     ـنِ مُــــــــــجدّلاً دامي الكلومِ

يا بضعةَ الهـــــادي الشفيـ     ـعِ وآيةَ النبـــــــــــــــأِ العظيمِ

هــــــتكوا بكَ البيتَ الحرا     مَ وركـــــــنَ زمزمَ والحطيمِ

ما بالُ بــــــجدلَ لا رعت     أحشاهُ غير لـــــــظى الجحيمِ

لو سامَ كفّكَ نـــــــــــــائلاً     لرمتْ بخاتمِها الــــــــــوسيمِ

ولـــــقلتُ ذا فعلُ الوصيِّ     أبي ومِن شــــــــيمي وخيمي‏

وقال من قصيدة في القاسم بن الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام):

أهـــــوى يشدُّ حـذاءهُ     والحربُ مشرعةٌ لأجلِه

ليسومَها ما أن غـلتْ     هيــــجاؤها بشراكِ نعلِه

مُتقلّداً صمــــــصامَه     مُتفيـــــــئاً بظلالِ نصلِه

لا تعــــــــجبنَّ لفعلِه     فالفرعُ مُــــرتهنٌ بأصلِه

السحبُ يخلفُها الحيا     والليثُ منظـــــورٌ بشبلِه (11)

وكان أبو طبيخ من الشعراء الذين عارضوا قصيدة إيليا أبي ماضي المشهورة (لست أدري) بقصيدة منها:

جئتُ مشغـــوفاً بعلمي     بصنــوفِ الكائناتِ‌

أنقضُ الــــدربَ مجدّاً     سابحاً في الظلماتِ‌

فــــــــأؤمُّ البيتَ سعياً     ثـــــمّ أنحو عرفات‌ِ

إن تكنْ تجهلُ سيري     فاختبـرني أنا أدري‌ (12)

.....................................................................................

1 ــ أعيان الشيعة ج 8 ص 261

2 ــ شعراء الغري ج 6 ص 328

3 ــ أعيان الشيعة ج 8 ص 260

4 ــ أدب الطف ج 9 ص 238 ــ 239

5 ــ أعيان الشيعة ج 8 ص 260

6 ــ أدب الطف ج 9 ص 241

7 ــ نفس المصدر ص 240

8 ــ نفس المصدر ص 237 ــ 238

9 ــ نفس المصدر ص 239 ــ 240

10 ــ نفس المصدر ص 241

11 ــ مقتل الحسين عليه السلام السيد عبد الرزاق المقرم ــ مطبعة النجف ــ النجف 1376 ــ 1956 ص 307   

12 ــ ذكرها الخاقاني كاملة في شعراء الغري ج 6 ص 347 ــ 350

كما ترجم له:

الشيخ أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 1 ص 108

حمد علي جعفر التميمي / مشهد الإمام ج 2 ص 57

الشيخ محمد هادي الأميني / المطبوعات النجفية ص 98

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ص 851

عمر رضا كحالة / معجم المؤلّفين ج 7 ص 116

كوركيس عواد / معجم المؤلّفين العراقيين ج 3 ص 364

الشيخ أغا بزرك الطهراني / نقباء البشر ج 4 ص 1462

الأستاذ جعفر الخليلي / هكذا عرفتهم ج 1 ص 7

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 5 ص 484

يوسف عز الدين / الشعر العراقي الحديث ص 72

عباس العزاوي / تاريخ الأدب العربي في العراق ج 2 ص 329

جعفر صادق حمودي التميمي / معجم الشعراء العراقيين ص 424

كاتب : محمد طاهر الصفار