فيما نعرف لا يوجد رجل قتل بتلك الصورة الفظيعة، مع أهل بيته وأصحابه، وحورب بعد ذلك من قبل ملوك الأمة، إلى درجة حرث قبره وإجراء الماء عليه لمحوه، وإلى درجة التشكيك بنيته في خروجه حيث قال البعض أنه خرج طلباً للحكم والسلطان، بل وإلى درجة نزول الدولة – كما في العراق سابقاً – بأجهزتها القمعية ودباباتها وجلاوزتها وهم في أعلى درجات الإنذار العسكري تحسباً من أوليائه الذين يحيون ذكراه (بشكل لا يمكن أن يصدقه أحد لو قيل له أن هذا من أجل رجل قتل قبل 1400 عام!)، مع تصافق الجوقات الإعلامية المنهزمة مع القيادات التافهة و"علماء" الإسلام في تشديد النكير على من يحيي الذكرى، لاسيما على العراقيين (فإن هؤلاء عندهم حساسية تشبه أمراض الجلد من العراق والعراقيين!)... كل هذا ثم لا يزداد شأن هذا الرجل القتيل قبل 14 قرناً إلا ارتفاعاً بحيث لا يعلم إلا الله تعالى عدد الملايين الذين يطلعون في هذه السنين، لاسيما من على الفضائيات، على شعائر إحياء ذكراه (عليه السلام)...
***
تقول أخته زينب (عليها السلام) وهي تسلّي ولده السجاد (عليه السلام): ((لا يجزعنّك ما ترى، فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله الميثاق من أناس من هذه الأمة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً)).
وهو ما حصل كما أخبرت (عليها السلام). فهذه الملايين تزحف ما بين ماش وراكب، وهم في أشد حالات اللهفة للوصول إلى قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وعندما يصلون تراهم كالفراش حوله، قلوب معلقة بحب الله ورسوله (ص) وأهل بيته بشكل لا نظير له، لا نظير له لاسيما عند تلك القلوب المتحجرة التي لم تعرف شيئاً من هذا الحب فتنعى عليهم ما يصنعون من أحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)... إنهم أشياع الضلالة، وأئمتهم أئمة الكفر، الذين ذكرتهم زينب (عليها السلام)... ولكن ها هو قبره لا يزداد إلا ظهوراً وأمره إلا علواً، والحمد لله رب العالمين.
وإذا كان قبره يعني قبره الذي في كربلاء بالعراق (بل إن المسلمين يتنازعون قبره فها هو مشهده في القاهرة في الحي المسمى باسمه الشريف هو المزار الأول في مصر)، فإن ذكره صار منتشراً في جميع أنحاء العالم نتيجة لانتشار المسلمين من أتباع أهل البيت (عليه السلام)... وهو انتشار كان بعضه بسبب الهروب من التنكيل الناشئ عن ولايتهم لأهل البيت (عليهم السلام) وإحياء أمرهم لاسيما شعائر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فانقلب السحر على الساحر وصارت تلك الشعائر تقام خارج العالم الإسلامي كما تقام في داخله، وفي كافة القارات الخمس، والحمد لله رب العالمين.
***
سمع عامر بن عبد الله ابن الزبير ابناً له ينتقص علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: "يا بني لا تنتقص علياً فإن الدين لم يبن شيئاً فاستطاعت الدنيا أن تهدمه وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا هدمه الدين..." ثم أوضح مقالته: "يا بني إن بني امية لهجوا بسب علي بن أبي طالب في مجالسهم ولعنوه على منابرهم، فكأنما يأخذون والله بضبعيه إلى السماء مداً، وإنهم لهجوا بتقريظ ذويهم وأوائلهم من قومهم فكأنما يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف! فأنهاك عن سبه".
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته.
اترك تعليق