الرمزية في الفن الإسلامي (الحلقة الثانية)

الرقش العربي رمز اسلامي

 

سعى الفن الإسلامي إلى تجريد الاشكال الطبيعية من ماديتها وشواغلها للوصول بالإنسان إلى السعادة الحقيقية التي لا تتحقق إلا بالإعراض عن الدنيا الفانية  والابتعاد عن أوهامها ، وكان ذلك من خلال محاولة تأكيد الفنان المسلم بتجريداته الزخرفية على أن الوجود بشتى مظاهره إنما يجسد المعجزة الإلهية المتسمة بقدرتها المطلقة اللانهائية والمتشحة بالجمال الأخاذ.

    يتكون الرقش العربي من شكلين .. الاول هندسي ويطلق عليه تسمية (الخيط) وينطلق من المثلث أو المربع ، وشكل آخر يسمى (الرمي) وهو مستوحى من النباتات وعروقها وفيه تظهر جلية عفوية وإبداع الفنان ، وتشترك رموز العناصر الزخرفية بالعناصر الطبيعية كالأزهار والنباتات والأوراق ، فإذا كان نظام الرقش الهندسي متشابك وفق إسقاطات الأشعة البصرية الإلهية ، فان (الرمي) تتواجد فيه رموز الطبيعة والكون لكي تؤكد العلاقة المستمرة بقوة علوية لا مناص من الارتباط بها ، فغالباً ما تجلت كلمات الله من خلال العروق المورقة والمزهرة بالخط الكوفي أو الخط اللين ، في تأكيد على هيمنة الله من خلال كلامه المقدس على هذا النظام الكوني الفردوسي ، فإذا كان نظام الخيط الرقشي قد عبر عن الملأ الأعلى بأبعاده اللامتناهية فانه هنا يعبر عن الفردوس الأرضي ملجأ الإنسان المؤمن إلى الملاذ الامن .

   شكل الفنان المسلم برسومه الإبداعية وحدة جمالية مميزة معبرة عن عظمة الخالق الواحد الاحد ، فاستخدم رموزاً نباتية واخرى حيوانية في زخرفته من دون أن يمس القداسة الإلهية بكل معانيها التعبيرية ، فجاءت الرموز الإسلامية معبرة عما يوحي بالإيمان وكان أهمها خمسة رموز استخدمت في تشكيلات الفنان المسلم بشكل مكثف وهي:

1. المصباح: ويرمز للنور الساطع في قلوب المؤمنين وهو من أهم الرموز الإسلامية الأساسية وقد استخدم في القرن السادس الهجري مرسوماً ومحفوراً على محاريب بعض المساجد ، وله دلالة رمزية لنور الله ، في قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)( النور ،الآية 35)  ومازال يستخدم  وخاصة في ليالي شهر رمضان.

2.  النجمة : أو ما يسمى بالكوكب الدري ، هو نجمة ثمانية الرؤوس مشعة وسطية تحيط بها مجموعة من النجوم المتلألئة الصغيرة المتساوية الأحجام، واستخدم هذا الرمز في كل الدول الإسلامية إلا في بلاد إيران والعراق فقد اختارا رمزاً آخر للكوكب الدري مؤلفا من 12 رأساً  تيمناً بعدد الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم .

والكوكب الدري له دلالة رمزية فهو مؤلف من 8 شعب تنتج عن تقاطع صليبين متساويين والصليب يدل على رمز الشمس الذي يبعث بنور أشعته إلى أجزاء العالم الأربعة، إما الدائرة الوهمية التي تحوي الشعب فهي ترمز لله الواحد الأحد لأن منه البداية وإليه النهاية ، لذا اتخذت هذه النجمة رمزاً إسلامياً، حيث ترافق الهلال في كل تشكيلات الفنان المسلم بزخرفته.

  3.الهلال - وهو رمز إسلامي خالص، ويدل على شخصية المسلم أينما وجد وأينما ذهب وأول ما ظهر في الرايات والأعلام في القرن السابع الهجري في زمن الدولة الأيوبية واستمر رمزاً ، فتمركز على رأس القباب ومآذنها، وعلى أعتاب المنازل والأضرحة للتبرك، ويُعدّ الهلال تقويماً لحياة المسلمين فهم يحددون أوقاتهم بحسب الشهر العربي (القمري) كما في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)( البقرة ، الآية 189) ، وعُدّ مباركاً لأنه يرمز إلى شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن، ولأن رؤية الهلال تعني بدء شهر الصوم وهو شهر التوبة والغفران للمسلم المؤمن .

  4. زهرة اللالة - ويدل تشكل وريقاتها حسب رؤية الفنان المسلم على كلمة (الله) وقد كثر استخدامها في إيران وتركيا، فزينت بها الجوامع والقصور مشكلة وحدة زخرفية تمجد اسم الخالق جل وعلا .

 5.  شجرة (السرو) - وهي رمز إسلامي، واتخذت رمزاً للمآذن في التصوير الفني ، فجاءت على جدران القصور تمثل إلى جانبها وريقات زهرة (اللالة) ، لذا استوحى البناء من تلك الأشجار السامقة شكل المآذن العثمانية التي مازالت رمزاً وسمة يتخذونها في بناء مآذن الجوامع الإسلامية، ونقشت صورة السرو على البسط المخصصة للصلاة حتى أصبحت تقليداً مسلماً للزينة والتعبد، واتخذت رمزا في لشواخص القبور والاضرحة الدينية المقدسة .

   وظف الفنان المسلم الرقوش والزخارف بحذاقة ، وجاء توظيفه هذا وفق ما تتحلى به الزخارف من مرونة ومطاوعة وقدرة عالية على التشكيل ، فأصبحت الصور ذات طابع زخرفي يحمل  قيماً جمالية خالصة ميزت الحركة التشكيلية عند الفنانين المسلمين عن غيرهم ، فقد تحددت بالعناصر الأساسية للتشكيل الجمالي من خط ولون ومساحة وملمس وظل ونور وحركة وبشكل مختلف عما كان سائداً  في الحضارات الأخرى ، فأهمل المسلم  المنظور وابتعد عن الطبيعة بالاتجاه نحو الرمزية والتجريد وابتداع الزخارف والتسطيح والتكرار في ملء الفضاءات .

    وبهذا يكون الفن الإسلامي شاهداً على الرموز الإسلامية في تطورها عبر العصور والاحتفاظ بقدسيتها حتى يومنا هذا، حيث امتاز هذا الفن الفريد بوحدته الهندسية وزخرفته الورقية المظهرة للرموز التي عمدت الى تصوير المعنى الإلهي دون الاقتراب من صورته المقدسة، ولذا عُدّ فناً جمالياً مسبحاً بقدرة المصور الاعلى جل شانه ، خاشعاً ساجداً له وحده مقراً مظهراً له ولكتبه المنزلة وحدة التكوين دون التجزؤ لمحتوى الكل الأبدي الدائم .

جمع وتحرير

سامر قحطان القيسي