الاستشراق والاسلام

نسجت ظاهرة الاستشراق صورة عن الشرق العربي الاسلامي بقيت راسخة في اذهان الغرب في ضوء قرائتهم للثقافة العربية الاسلامية وتوثيق الكثير من ادابها وعلومها وفنونها وغيرها من النشاطات الحضارية والاجتماعية والعقائدية ، وذلك عبر تماساتها المختلفة مع الشرق العربي الاسلامي والتي قدمت للغرب الصورة النمطية المراد ايصالها عن الاسلام والمنطقة العربية على وجه التحديد ، فالاستشراق في واقع الحال ماهو الا ذراع من اذرع الاستعمار وجد لخدمة مصالح الغرب المسيحي واليهودي وليس كما اشيع بأنه حركة علمية تهدف الى دراسة التراث الشرقي في معتقداته وآدابه .

اجمع الكثير من الباحثين ان الاستشراق قد مر باربعة محطات كانت السبب الرئيس في نضوجه فمنهم من يعود ببداياته الى ظهور الاسلام ونشر الرسالة المحمدية وبالتحديد بعد هجرة المسلمين الى الحبشة والبدء بدعوة الملوك والزعماء خارج الجزيرة العربية الى اعتناق الاسلام ، واخر يعود بتلك البدايات الى مابعد معركة مؤتة 629م وانتصار المسلمين على المسيحية مما زاد من كره الاخير للاسلام والمسلمين، وهناك فريق اخر من الباحثين يجزم على ان انطلاق الاستشراق الرسمي جاء تزامنا مع صدور قرار مجمع فينا الكنسي عام 1311م - 1312م بتاسيس عدد من كراسي الاستاذية في العربية واليونانية والعبرية ولغات اخرى في جامعات باريس واكسفورد وغيرها من الجامعات الاوروبية   فالحاجة الماسة لفكرة التبشير المسيحي دفعت اوربا الى تعلم ودراسة اللغة العربية ، وقد بلغت ذروة هذه الحالة في اسبانيا ايام تيار الانسانية الاسباني  وقدمت الحرف المطبعي العربي بمطبعة العالم المديتشية ( نسبة الى مؤسسها فريديناند فون ميديشي )  فضلا عن هيمنة الاسلام والمسلمين على الكثير من المناطق المسيحية وتحقيق الانتصارات الكبيرة فيها مما جعل الكنيسة تشعر بالتهديد ، فبيزنطة فقدت في القرن السابع مستعمراتها في اسيا وشمال افريقيا ، ثم اضطرت الى التخلي عن آسيا الصغرى للسلاجقة في القرن التاسع وبسقوط صقلية فقدت السيادة على البحرالمتوسط ، كما فتح العرب اسبانيا ولم يبق منها سوى الشمال ، كل هذه الاحداث شكلت حافزا للاوروبيين لمحاولة استعادة هيبتهم امام شعوب اوروبا التي فقدت على يد  العرب المسلمين وذلك بفرض هيمنتهم على المنطقة العربية وبعض المناطق الاوروبية التي تمدد لها الاسلام واصبحت تحت نفوذه  وهنا بدأت اوروبا بشن حروب الاسترداد والتي سميت ( ريكونكويستا ) .

فالاستشراق هو خطاب او انشاء  لكنه لا يعكس حقائق او وقائع كما يتصور البعض بل يصور تمثلات او الوان من التمثيل تحيد عن الواقع فهو قد ارتبط بالمشروع الاستعماري الفرنسي ـ البريطاني ممثلا وجهه الثقافي ، فقد كانت مهمة المستشرق الأوروبي تكمن في استبدال الخطابات الشرقية بالخطابات الغربية من ادب وفنون وغيرها  فهي وحدها المكلفة بتقديم صورة عن الشرق مما دعا اوروبا الى تكثيف جهودها في دراسة العقل العربي المسلم والنيل منه من خلال انتاج الكثيرمن الكتب والمجلدات والمعاجم والبحوث واللوحات الفنية والمنحوتات التي تناقض الواقع ،  فهي الوسيلة الامثل والاكثراهمية لغرس الأفكار المزوّرة في الفكر الغربي وبث سموم اليهودية وافكاربعض من رجالات المسيحية المتطرفين ضد العرب والمجتمع الاسلامي بشكل خاص .

وبذلك شكل الاستشراق صورة نمطية عن الشرقي العربي المسلم على وجه التحديد من خلال الصورة الفنية كواحدة من آليات العمل الهادفة الى تقنين الأخر ووضعه في مجريات البحث السريري امام الفكر الغربي ، سواء تلك التي تحاول انتاج خطابها عبرالمؤلفات اوالمنشورات الاخرى او عبر التصور الذهني واسقاطاته المترجمة بالإنتاج الفني والتقني للرسم الاستشراقي الذي مارس دورا كبيرا في إنتاج صورة الأخر بالشكل المبتغى .

سامر قحطان

المرفقات