زهير بن القين.. انعطافة نحو المجد

نجوم في سماء الحسين عليه السلام، زهير بن القين.. انعطافة نحو المجد

توطئة

كانت ولا زالت نهضة الإمام الحسين عليه السلام وثورته المعطاء معيناً لا ينضب لكلّ قيم الخير والنبل والفضيلة، ولا زال بإمكاننا أن نكتشف كنوزها، ونُثير دفائنها إن أحسنّا استخدام الآلات الصحيحة للكشف والتنقيب، وليس مجازفة أن ندّعي أنّ هذا الحدث التاريخي الموغل في القدم باستطاعتنا أن نبصر به الحاضر ونستشرف منه المستقبل، فنسير بخطى واثقة صوب الغاية المنشودة، ولكن يتطلّب ذلك منّا بصائر نافذة وقلوباً واعية؛ فإنّك لو وضعت يدك على أي جزء من أجزاء هذه اللوحة التي أبدعتها يد السماء بريشة المعصوم، فستقع على منجم غني بأنفس العبر وأبلغ العظات والدلائل، وكأنّ الله سبحانه أراد أن يُعطي البشرية عبر مواقف وأحداث النهضة الحسينيّة جرعة مركّزة من الفضائل والمناقب وأرقى درجات القيم الروحيّة والمعنويّة؛ لتكون إحدى حجج الله البالغة على خلقه: (قُلْ فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)[1] و (. . . لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّـهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)[2]. ولكن لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أنّنا لا نقدر أن نغترف من هذا البحر الزخّار إلّا بقدر أوعيتنا المحدودة وجهودنا القاصرة: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا. . . )[3]. ولا يعني ذلك ألّا نفرغ الوسع ونبذل الجهد، فإنّ لكلّ مجتهد نصيباً: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ)[4].

ونحن في هذا المقال الموجز نروم الاقتراب من عَلَم شامخ من أعلام الشهادة؛ لنستنشق من روض سيرته المعطار عبير الولاء والوفاء والتضحية في سبيل الحقّ والهداية، ألا وهو الشهيد السعيد زهير بن القين البجلي رضوان الله تعالى عليه.

بين يدي الشهيد زهير بن القين

من الأُمور الغريبة التي تستوقف الباحث هي خلو الموسوعات الكبيرة المخصصة لسِيَر وتراجم الأعلام عن ذكر سِيَر وتراجم كثير من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، على الرغم من وجود دلائل تاريخيّة تشير إلى أنّهم على درجة عالية من الأهمّية والشهرة في محيطهم الاجتماعي والسياسي، في حين تجد أن هذه المصادر لم تُهمل ذكر أشخاص لا يدانون هؤلاء الشهداء شرفاً ومنزلة بين عشائرهم وأقوامهم؛ وبسبب ذلك يواجه الباحث والكاتب في تاريخ هؤلاء وسيرتهم شحّة في المعلومات المتعلِّقة بنشأتهم وتحرّكاتهم. ولعل هذا الغياب أو التغييب له ما يُبرره في ظل الأجواء والظروف المرافقة لتأليف وتصنيف تلك الكتب التي رأت أكثرها النور في زمن الحكومات المناوئة لأهل البيت عليهم السلام وأصحابهم، إن لم يكن كثير من هؤلاء المصنِّفين من المرتبطين بجهاز السلطات الحاكمة. وزهير بن القين البجلي بين هؤلاء الذين أُغمط حقُّهم، ولم ينالوا حقَّهم من الذكر والتنويه، على الرغم من أنّه من الأشخاص المبرّزين والأعيان ورؤساء القبائل وأصحاب المآثر والبطولات، وليس من الأغفال المجاهيل خاملي الذكر.

وزهير هو ابن القين بن قيس الأنماري البجلي، وفي الأنساب زهير بن القين بن الحرث البجلي[5]، ولعل الحرث هو أحد أجداده، والبجلي نسبةً إلى قبيلة بجيلة، وذكر ابن عبد البرّ أنّه اختُلف في خثعم وبجيلة، وذهب أكثر أهل النسب إلى أنّهما ابنا أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، وقيل: إنّ بجيلة امرأة، وهي ابنة صعب بن سعد العشيرة، ولدت لأنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث، فنُسبوا إليها وعُرفوا بها، وقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: إنّ خثعم وبجيلة هما ابنا أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن النبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ[6]؛ فيكونون من القبائل القحطانية. ولهم بطون عدّة سكنت اليمن والحجاز، ثمّ افترقوا أيام الفتح على الآفاق، كالعراق والشام، ولم يبقَ في مواطنهم الأصلية منهم إلّا القليل[7].

زهير بن القين قبل واقعة عاشوراء

ويبدو من بعض الأخبار هنا وهناك أنّ زهير بن القين كان رجلاً شجاعاً شريفاً في قومه، وله صيت وجاه عند سائر القبائل، ولم تتوافر معلومات كافية عن حياته ونشأته في المصادر التاريخية قبل واقعة عاشوراء سوى ما يُذكر من مشاركته في إحدى الفتوحات الإسلامية، وهو فتح مدينة (بَلَنْجَر)، وهي مدينة ببلاد الخزر بأرمينية[8]، فتحها المسلمون في خلافة عثمان بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي سنة ثمان وعشرين، أو تسع وعشرين[9]، وكان في مقدّمة الفاتحين زهير بن القين، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ـ وأسفرت الأُمور عن انتصار المسلمين ـ ينقل زهير خبراً عن هذه المعركة ظل عالقاً في ذهنه حتى سنة إحدى وستين للهجرة، وذلك حين التقى بالحسين عليه السلام ودعاه إلى نصرته وقرّر الالتحاق به، فلمّا عاد إلى أهله وأصحابه ليخبرهم بقراره المصيري حدَّثهم بهذا الخبر، فقال: «إنا غزونا البحر، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي[10] رضي الله عنه: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم. فقال: إذا أدركتم شباب آل محمد [وفي رواية: سيد شباب أهل محمد][11]، فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم اليوم من الغنائم»[12].

ويرشح من هذه الحادثة التي ينقلها لنا زهير بن القين عدّة أُمور، أهمّها أنّ زهيراً كان وهو في مقتبل عمره يسارع إلى المشاركة في الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام في البلاد البعيدة؛ ما يتطلّب ذلك أيضاً شجاعة وإقداماً وفروسية. كما يبدو أنّ له شخصية مميّزة جلبت انتباه شخص حكيم وخبير كسلمان الفارسي المحمدي؛ لينقل له ولبعض أصحابه مثل هذه المعلومة الغيبيّة، وليس ذلك إلّا لما يتوسّم به من أمارات الإيمان والتقوى والتضحيّة في سبيل المبادئ الحقّة. وكذلك يتراءى للمتأمّل في هذا الخبر أنّ زهير بن القين رجل على منزلة جيدة من العلم والمعرفة والإدراك لعظائم الأُمور ومهمّاتها؛ فقد وعى هذا الحديث وأدرك مغزاه وظلّ محتفظاً به كلّ تلك الفترة، ولعل مواقفه وتصرفاته، والتي سنشير إلى بعضها تدعم ذلك بصورة جلية.

وهكذا لم يجُد لنا التاريخ المكتوب بشيء ذي بال عن حياة الشهيد زهير بعد تلك الواقعة غير أنّه كان من سكنة الكوفة قُبيل أحداث عاشوراء، وكان وجهاً من وجوه عشيرته وقومه، وله مكانته المرموقة بين القبائل، وأنّه قد أدرك عاشوراء وهو شيخ كبير، إذا التفتنا إلى أنّه قد أدرك خلافة عثمان وهو رجل قادر على حمل السلاح والمشاركة في فتوح البلدان النائية، فيبدو أنّه كان شابّاً في العقد الثاني من عمره.

زهير بن القين والهوى العثماني

من العلامات الفارقة في مسيرة حياة الشهيد زهير بن القين اتهامه بأنّه عثماني الهوى، وهو مصطلح سياسي يعني في بعض تفسيراته ميل الشخص إلى عثمان والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، والاعتقاد بأنّه قُتل مظلوماً ويفضله على أمير المؤمنين عليه السلام، وربما يحمّل الإمام تبعات قتله، أو الاشتراك ضده عليه السلام في حروبه التي خاضها[13]. ووصفُ الشخصِ بأنّه عثماني الهوى، يعنى على وجه الدقّة والتحديد هو أنّه أُموي الهوى، في قبال مَن يكون علوي الهوى والانتماء والعقيدة؛ لأنّ وصفه بهذه الصفة أقرب للقبول عند العامّة من الناس؛ لكونه خليفةً وصحابياً قُتل مظلوماً كما رُوّج لذلك، وإلّا فلا يوجد وجه صحيح في جعل هذه المقابلة بين أمير المؤمنين وعثمان؛ في الوقت الذي لم يكن أمير المؤمنين من المؤلِّبين على قتله، أو الخاذلين له كما فعل غيره من الصحابة، كطلحة وعائشة ومعاوية نفسه الذي خذله في وقت كان عثمان أحوج إلى نصرته، ولم ينصره، وظل متربّصاً حتى يُقتل؛ ليجعل من مقتله ذريعةً للوصول إلى مآربه وغاياته، في حين نجد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بذل الوسع في تسوية الأُمور بين عثمان وبين الساخطين على تصرّفاته، ولم يُجدِ نفعاً حتى وصلت الأُمور إلى ما وصلت إليه.

هذا، وقد وردت تهمة عثمانية زهيرٍ ـ أو عدم ميله نحو أهل البيت عليهم السلام ـ في أُمّهات المصادر التاريخيّة، ومن بينها الطبري الذي أشار إلى عثمانية زهير، ففيما رواه أبو مخنف في حديث طويل جاء فيه: أنّه عندما نادى عمر بن سعد بالزحف على معسكر الإمام الحسين عليه السلام عصر يوم التاسع من المحرَّم، بعث الحسين أخاه العباس ليسألهم عمّا يبغون؛ فأتاهم العباس عليه السلام فاستقبلهم في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس عليه السلام: ما بدا لكم؟ وما تريدون؟ قالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم. فطلب العباس أن يُمهلوه كي يخبر الحسين بذلك، فقفل مسرعاً ليُعلِمَ الإمام، «وبقي أصحابه يخاطبون القوم، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلّم القوم إن شئت، وإن شئت كلّمتهم. فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلّمهم. فقال حبيب بن مظاهر: أما والله، لبئس القوم عند الله غداً قومٌ يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه (عليه السلام) وعترته وأهل بيته (صلى الله عليه وسلم)، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيراً. فقال له عزرة بن قيس: إنّك لتزكي نفسك ما استطعت. فقال له زهير: يا عزرة، إنّ الله قد زكّاها وهداها، فاتقِ الله يا عزرة؛ فإنّي لك من الناصحين، أُنشدك الله ـ يا عزرة ـ أن تكون ممّن يعين الضُّلّال على قتل النفوس الزكية. قال: يا زهير، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانياً. قال: أفلست تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم؟! أما والله، ما كتبت إليه كتاباً قط، ولا أرسلت إليه رسولاً قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمعني بيني وبينه، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه؛ حفظاً لما ضيعتم من حقّ الله وحقّ رسوله (عليه السلام)»[14].

ونقل الطبري أيضاً في موضع آخر، عن أبي مخنف، عن السدي، عن رجل من بنى فزارة، قال: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نُساير الحسين، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نُسايره في منزل. ومن كراهته للقاء الإمام والاجتماع به تُستشف أيضاً عثمانيته وعدم ميله إلى أهل البيت عليهم السلام، ثمّ يتابع الفزاري، فيقول: فإذا سار الحسين تخلّف زهير بن القين، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير، حتى نزلنا يومئذٍ في منزل لم نجد بُداً من أن نُنازله فيه، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذا أقبل رسول الحسين حتى سلَّم، ثمّ دخل فقال: يا زهير بن القين، إنّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه. قال: فطرح كلّ إنسان ما في يده، حتى كأنّنا على رؤوسنا الطير.

 وهنا تنبري دلهم بنت عمرو زوج زهير بن القين[15]، لتقول له: أيبعث إليك ابن رسول الله ثمَّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه، ثمَّ انصرفت، فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقُدم وحُمل إلى الحسين، ثمَّ قال لامرأته: أنت طالق، الحقي بأهلك؛ فإنّي لا أحبّ أن يُصيبك من سببي إلّا خير. ثمَّ قال لأصحابه: مَن أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فإنّه آخر العهد[16]. وأورد القصّة أيضاً الشيخ المفيد في الإرشاد[17].

ومن الذين صرّحوا بعثمانيّةِ زهير، البلاذري المتوفَّى سنة 279ﻫ في أنساب الأشراف، قال: «قالوا: وكان زهير بن القين البجلي بمكَّة ـ وكان عثمانيّاً ـ فانصرف من مكَّة متعجّلاً، فضمّه الطريق وحسيناً، فكان يُسايره ولا يُنازله...»[18].

ونقل أيضاً قول عزرة بن قيس لزهير: «كنت عندنا عثمانيّاً فما لك؟!» فأجابه زهير: «والله، ما كتبت إلى الحسين ولا أرسلت إليه رسولاً، ولكن الطريق جمعني وإياه، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعرفت ما تقدَّم إليه من غدركم ونكثكم وميلكم إلى الدنيا، فرأيت أن أنصره وأكون في حزبه حفظاً؛ لما ضيعتم من حقِّ رسول الله»[19].

وقد ذكر الدينوري المتوفّى سنة 282ﻫ كراهة زهير الاجتماعَ بالحسين فقط، الكاشف ربما عن عثمانيّته، فذكر أنّ الحسين عليه السلام لمّا وصل إلى زرود نظر إلى فسطاطٍ مضروب، فسأل عنه، فقيل له: هو لزهير بن القين ـ وكان حاجّاً أقبل من مكّة يريد الكوفة ـ فأرسل إليه الحسين: أن القني أكلّمك، فأبى أن يلقاه، وكانت مع زهير زوجه، فقالت له: سبحان الله! يبعث إليك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا تجيبه؟! فقام يمشي إلى الحسين عليه السلام. ونقل قصّة شبيهة بما أوردها الطبري آنفاً[20].

وممَّن تابعهم على هذا القول الفتّال النيسابوري المتوفَّى سنة 508ﻫ[21]، وابن الأثير المتوفَّى سنة 630ﻫ في الكامل[22]، وابن نما الحلي المتوفَّى سنة 645ﻫ في مثير الأحزان[23].

وإذا ما أردنا التوقّف عند اتّهام زهير بالعثمانيّة، فنحن إزاء حالتين لا ثالت لهما: الحالة الأُولى هي نفي هذه التّهمة بحقِّ الشهيد زهير من الأساس، والحالة الثانية أن نتعاطى مع الشهيد زهير على فرض وجود مثل هذا الادّعاء، وما يمكن أن يقال في هذا الشأن:

الحالة الأُولى: نفي اتّهام زهير بن القين بالعثمانيّة

ربما يرى بعض الفضلاء والباحثين أنّ إلصاق هذه التّهمة بالشهيد زهير وراءها نيّات مبيّتة؛ هدفها الحطّ من قدر هؤلاء الأعاظم والشهداء الأماثل في أعين أتباع أهل البيت ومحبّيهم، وقد حاول صاحب موسوعة الركب الحسيني أن يعالج هذه الدعوى بالمناقشة فيما ورد من نصوص وأخبار، من جهة السند تارةً، ومن جهة المتن أُخرى؛ ففي مجال السند قد ضعف إحدى روايتي الطبري ـ وهي رواية منازل الطريق ـ بمجهولية الفزاري في سندها، وكذلك طرح رواية البلاذري لخلوها من الإسناد، ولكونها مصدّرة بكلمة: قالوا فقط[24].

ولكن هذا اللون من التعامل مع المادّة التاريخيّة ومصادرها ليس صحيحاً من جهتين:

الأُولى: إنّ إسقاط المنهج الحديثي ـ منهج التصحيح والتضعيف والوثاقة ـ على المادّة التاريخية سوف يفضي إلى نسفها من الأساس، ولا يبقى لدينا ما يمكن التعويل عليه، لا سيما في أحداث النهضة الحسينيّة  المعتمدة على أخبار ونقولات يفتقر كثير منها إلى الأسانيد، فضلاً عن صحّتها واعتبارها وفق المنهج الحديثي وعلم الرجال.

الثانية: إنّ الوصول إلى الحقيقة التاريخيّة لا ينحصر بوجود الأسانيد الصحيحة أو المعتبرة؛ فإنّ منهج المؤرِّخين يعتمد على قدرة المؤرِّخ على اقتناص الأدلّة والشواهد ومقارنتها وتحليلها، واعتماد المادّة الأكثر اعتباراً،  من قبيل نقلها وتداولها في المصادر المتقدِّمة ومن قِبَل مؤرِّخين معتمَدين وملاءمتها للمعطيات التاريخية الأُخرى، وعدم مخالفتها لمسلّمات العقل والنقل، وغير ذلك من القرائن.

وأمّا في المجال الدلالي، فلاحظ المستشكل على نصّين من نصوص هذه المسألة: النصّ الأول هو رواية منازل الطريق التي رواها الطبري عن رجل من بني فزارة، فأشكل بأنّ متنها لا يستقيم مع الحقيقة التاريخيّة والجغرافية؛ لأنّ زهير بن القين كان عائداً من مكّة إلى الكوفة بعد الانتهاء من أداء الحجّ، فلو فرضنا أنّه قد خرج من مكّة بعد انتهاء مراسم الحجّ مباشرة؛ فإنّه يكون قد خرج منها يوم الثالث عشر من ذي الحجّة على أفضل التقادير؛ وبهذا يكون الفرق الزمني بين يوم خروجه ويوم خروج الإمام عليه السلام منها خمسة أيام على الأقل، وإذا كان هذا فكيف يصحّ ما في متن الرواية: «كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نُساير الحسين؟!»[25].

ويبدو أنّ صاحب الملاحظة قد فهم من كلام الراوي هكذا: أنّنا كنّا مع زهير وكنّا نُساير الحسين من مكّة، وهذا لا يستقيم مع الفارق الزمني بين خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة يوم الثامن، وخروج زهير وأصحابه يوم الثالث عشر على أقلّ تقدير.

ولكن الظاهر من العبارة: أنّنا حينما أقبلنا من مكّة بعد إتمام الحجّ كنّا نُساير الحسين. وليس بالضرورة أنّه كان يقصد مسايرته من مكّة، بل يصحّ كلامه فيما لو قصد أنّهم كانوا يسايرونه ولو في بعض الطريق، ومن الممكن أن يلحقوا بركب الإمام لوجود النساء والأطفال الذي يستوجب أن يبطئوا في السير.

ثمَّ إنّ الإمام عليه السلام كان يتحيّن الفرص لدعوة الناس ومَن يقابلهم في الطريق لنصرته والالتحاق به؛ ما يقتضي التأني في المسير.

هذا مع أنّ سائر المصادر الأُخرى التي نقلت الخبر ليس فيها هذا الإيهام والالتباس.

والنصّ الثاني الذي نوقش في دلالته على عثمانيّة زهير بن القين هو ما رواه الطبري من المحاورة الحاصلة بين عزرة بن قيس وزهير، بدعوى أنّها كشفت لنا أنّ زهير بن القين لم يكن عثمانيّاً في يوم من الأيام؛ لأنّ زهيراً أجاب عزرة الذي اتّهمه بالعثمانيّة فيما مضى قائلاً: «أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم؟!» أي: من أهل هذا البيت عليهم السلام رأياً وميلاً وانتماءً.

ولم يقل له ـ مثلاً ـ: نعم، كنت عثمانيّاً ـ كما تقول ـ ثمّ هداني الله؛ فصرت من أتباع أهل هذا البيت وأنصارهم. أو ما شابه ذلك. بل كان في قوله المتقدِّم نفي ضمني لعثمانيته مطلقاً في الماضي والحاضر. ثمَّ إنّ سكوت عُزرة بعد ذلك عن الردّ كاشف عن تراجعه عن تهمة العثمانية[26].

إنّ ما ذُكر من معنى قد تحتمله العبارة، ولكنّه لا يبدو أنّه هو المعنى الأقرب، بل غاية ما يظهر من كلام زهير أنّ في وجوده الآن مع الإمام الحسين عليه السلام، دلالة واضحة على أنّه من أهل البيت عليهم السلام ومن شيعتهم، وأمّا أنّه قد نفى أنّه لم يكن عثمانيّاً في يوم من الأيام، وأن عزرة بسكوته قد تراجع عن هذه التّهمة، فهو تحميل للكلام أكثر ممّا يحتمل، مع أنّه قد توجد هناك قرائن حالية أو مقالية مفقودة في البين تدلّ على خلاف ما فهمه المستشكل.

هذا بالإضافة إلى أنّ زهيراً نفسه في ذيل كلامه ينفي أنّ التحاقه بالإمام عليه السلام كان مخطَطاً له من قِبَله، وإنّما قد جمعه معه الطريق؛ فذكر به رسول الله صلى الله عليه وآله ومنزلته منه؛ فأراد أن ينصره، وأنّ زهيراً أقسم في كلامه أيضاً أنّه لم يكتب له كتاباً قط، ولا أرسل إليه كتاباً قط، ولا أوعده بنصرٍ قط. فلو كان حال زهير سابقاً كحاله حين التحق بالحسين عليه السلام وما أبداه من مواقف فذّة في عاشوراء ـ ولم يكن عثمانيّاً في يوم من الأيام ـ لكان من المبادرين لدعوة الإمام، ومن المكاتبين له، خصوصاً وأنّه من أهل الكوفة ومن أشرافها المعروفين، ولالتحق به وهو في مكّة وجاء معه، علماً أنّ أحداث الكوفة وثورة أهلها كانت قد بدأت منذ مدّة طويلة، وعدم بيعة الإمام عليه السلام ليزيد وخروجه إلى مكّة واتصالات أهل الكوفة ومكاتباتهم أمر معروف ومشهور بين الناس.

وممّا تُمسّك به لنفي عثمانيّة الشهيد زهير هو: أنّ التاريخ لم يحدِّثنا في إطار سيرته عن أي واقعة أو حدث، أو محاورة أو تصريح من زهير نفسه، تتجلى فيه هذه العثمانيّة التي أُلصقت فيه، مع أنّ الآخرين ممَّن عُرفوا بعثمانيتهم كانوا قد عُرفوا بها من خلال آرائهم ومواقفهم واشتراكهم في حرب أو أكثر ضد أمير المؤمنين عليه السلام[27].

وهذا الوجه يمكن أن يلاحظ عليه: بأنّنا أشرنا فيما سبق إلى أنّ التاريخ المكتوب الواصل إلينا قد ظلم الشهيد زهيراً ولم يُعطه ما يستحقّ من الذكر، فالتاريخ لم يحدِّثنا عن زهير شيئاً لا خيراً ولا شرّاً؛ حتى نستدلّ بعدم ذلك على أنّه لم يكن عثمانيّاً. وكذلك فإنّ مصطلح (العثماني) لم يكن محرراً وواضحاً، فليس كلّ عثماني الهوى لا بدّ أن تظهر منه مواقف عدوانية تجاه أهل البيت عليهم السلام، أو يشترك في حرب ضدهم؛ فإنّنا نجد بعض الشخصيات توصف بهذا الوصف وليس لها تلك المواقف، ومن ذلك ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: «عن عطاء بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن شيبان بن مخرم وكان عثمانيّاً، قال: إنّي لمع علي رضي الله عنه إذ أتى كربلاء، فقال: يُقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلّا شهداء بدر. فقلت: بعض كذباته. وثَمَّ رِجْل حمار ميت، فقلت لغلامي: خذ رِجْل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها، فضرب الدهر ضربة، فلمّا قُتل الحسين بن علي رضي الله عنهما انطلقت ومعي أصحاب لي فإذا جثّة الحسين بن علي رضي الله عنه على رجل ذاك الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله»[28]. فهذا الشخص وُصِف بأنّه عثمانيّ بينما هو في جيش أمير المؤمنين عليه السلام.

وقالوا عن أبي بردة بن عوف الأزدي أنّه كان عثمانيّاً تخلّف عن أمير المؤمنين في واقعة الجمل وحضر معه صفين على ضعف نية في نصرته[29].

وفي الاستيعاب عن أبي عمر، قال: «كان عثمان يحبّ زيد بن ثابت، وكان زيد عثمانيّاً، ولم يكن فيمَن شهد شيئاً من مشاهد عليّ مع الأنصار، وكان مع ذلك يفضّل علياً ويظهر حبّه»[30].

وغير ذلك من الشواهد على أنّ مصطلح (عثماني) غير واضح الأبعاد.

 ويستعين صاحب موسوعة الركب الحسيني [31] أيضاً في نفي التهمة عن زهير: بأنّ ابن أعثم المعاصر للطبري والدينوري والبلاذري يروي قصّة هذا اللقاء بدون أي ذكر للعثمانيّة أو للامتناع، قائلاً: «ثمَّ مضى الحسين عليه السلام فلقيه زهير بن القين، فدعاه الحسين عليه السلام إلى نصرته فأجابه لذلك، وحمل إليه فسطاطه، وطلّق امرأته...»[32].

وهذا الاستدلال لا ينهض لإثبات المدّعى؛ فإنّ المؤرِّخين عادة ما يعمدون في بعض الأحيان إلى الإجمال والاختصار في نقل الخبر، وقد يفصّلون في أحيان أُخرى، حسب طبيعة الخبر الذي يصلهم.

واللطيف في الأمر، أنّ البلاذري نفسه الذي ذكر أنّ زهيراً كان عثمانيّاً، أورد في الأنساب في موضع آخر خبر لقاء زهير بالحسين عليه السلام من دون الإشارة إلى العثمانيّة أو إبائه عن اللقاء، فقال: «وذكروا أنّ زهير بن القين.. لقي الحسين وكان حاجّاً، فأقبل معه»[33]. وكذلك الطبري، قال: «وذُكر أنّ زهير بن القين البجلي لقى الحسين وكان حاجّاً، فأقبل معه»[34].

وممّا استشهد به على نفي التهمة كذلك مواقف زهير وزوجه وأقوالهم بعد أن عاد من لقائه مع الحسين عليه السلام؛ فإنّها أقوال ومواقف تنمّ عن أنّهما كانا عارفين بحقّ أهل البيت عليهم السلام وتعمر قلبيهما مودّتُهم، كقوله لزوجته: «وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بنفسي وأقيه بروحي»[35]، وقولها له: «كان الله عوناً ومعيناً، خار الله لك، أسالك أن تذكرني في القيامة عند جدِّ الحسين عليه السلام»[36]، وقوله لها: «فإنّي قد وطّنت نفسي على الموت مع الحسين عليه السلام»[37]، وقول زهير لأصحابه: «مَن أحبّ منكم الشهادة فليقم»[38]. وإخباره إياهم بحديث سلمان الفارسي: «إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم اليوم من الغنائم»[39] [40].

ولكن لا يخفى على المتأمِّل أنّ هذه الأقوال كما تنسجم مع رؤية مَن يدّعي نفي التهمة عن زهير، وأنّها تكشف عن علوية زهير وزوجه وموالاتهما لأهل البيت عليهم السلام من أول الأمر، كذلك تنسجم تمام الانسجام مع حصول التحوّل والانقلاب الحاصل في رؤيتهما ومعتقدهما؛ فإنّهما بعد أن زالت عن قلبيهما الغشاوة وأبصرا الحقَّ جلياً لا يستغرب أن تبدر منهما هذه الأقوال والمواقف، على أنّه لا ملازمة بين عثمانيّة زهير ـ حسب الفرض ـ وبين عثمانيّة زوجته؛ فقد تكون دلهم بنت عمرو امرأة زهير علويةً مواليةً وزوجها لم يكن كذلك، وهذا كثير الحصول في المجتمع، بل ربما يُستدلّ على كونها من الموالين لأهل البيت عليهم السلام من قولها لزوجها حين دعاه رسول الحسين عليه السلام فأحجم عن إجابته، فقالت له: «أيبعث إليك ابن رسول الله ثمَّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه»[41].

كما أنّ هناك تشكيكات واستبعادات أُخر أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة، وليس غرضنا أن نجتهد في إثبات عثمانيّة زهير بقدر ما نريد أن نقول: إنّ ما كان عليه من توجه ـ لو صحّ ـ لا يعني بأي حال التقليلَ من شأن زهير بن القين الذي تسنّم ذرى المجد وفاز فوزاً عظيماً في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين الشهداء والصدِّيقين، ولكن بعض أتباع أهل البيت قد يتصوّر أنّ هذا فيه نوع من الخدشة بمكانة هذا الشهيد؛ فيحاول بشتّى الطرق نفي هذه التهمة، بل يمكن أن ندّعي بأنّ هذه الانعطافة التاريخيّة نحو المجد والعلى هي إحدى دروس وعبر النهضة الحسينيّة التي على الأجيال أن تقف عندها وتتمعّن فيها، وفيها أكبر دليل على بصيرة زهير الثاقبة وسريرته النقيّة التي أينعت بالإيمان، فأنتجت مواقف بطولية أذهلت التاريخ، فخشعت صفحاته إجلالاً لها، فبزّ بذلك أقرانه وفاق أترابه، حتى ممّن كانوا محسوبين في ولائهم وحبّهم لأهل البيت عليهم السلام.

الحالة الثانية: أن يكون زهير عثماني الهوى

إذا لم تستطع المحاولات السابقة المذكورة وغيرها أن تبني في نفوسنا جداراً بينها وبين الاعتقاد بعثمانيّة زهير، وظلّ ما نقله لنا التاريخ هو السائد؛ فيمكننا ـ فيما لو أردنا أن نحلل هذه القضية ـ القول: إنّ هذا التوجّه الفكري والعقدي لزهير بن القين لا يخرج عن فرضين:

الفرض الأول: هو إنّ انحراف زهير عن أهل البيت عليهم السلام كان متجذرّاً في وجدانه، ووليد تراكمات فكرية أو بيئية أو مجتمعية، وعلى مدى زمن طويل، ولم يكن حالة طارئة، فعلى هذا الفرض للمرء أن يتساءل  عن سرّ هذا التحوّل الكبير في المسار الفكري للشهيد: هل كان بتأثير شخصية الإمام الحسين عليه السلام؟ وهل أطلعه على أُمورٍ غيّرت مجرى تفكيره؟

ولاستجلاء بعض جوانب هذه المسألة نسلِّط الضوء على شاهد قرآني شبيه ـ إلى حدّ بعيد ـ بقصّة زهير بن القين في هذا الفرض، وهو ما يرتبط بسحرة فرعون الذين حشدهم للانتصار على نبي الله موسى عليه السلام ومعجزته العصا، وبدأت المبارزة، فنادى السحرة (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)[42]، (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ )[43]، فجاء النداء الإلهي: (لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ)[44]، وتحققت الإرادة الإلهية (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ)[45]، وعندما تبيّن لهم الحقّ، وأنّ هذا ليس من صُنْع البشر «لم يجدوا بُداً دون أن يخرّوا على الأرض سُجَّداً، كأنّهم لا إرادة لهم في ذلك»[46]، (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ )[47]؛ فأُصيب الناس بالدهشة وخيّم عليهم الذهول وهم يرون أمامهم شخصاً واحداً ينتصر على عظماء السحرة، بل يُؤمنون به وبدينه؛ فيجنّ فرعون ممَّا يرى وتثور ثائرته، (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ  إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ )[48]. ما الذي حصل؟ ما السبب في هذا التغيير السريع من الكفر إلى الإيمان، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الاعوجاج إلى الطريق المستقيم، ومن الظلمة إلى النور؟ قد جعل الجميع في دهشة، وربما كان هذا الأمر غير قابل للتصديق حتى من قِبَل فرعون نفسه؟ أي عاملٍ كان السبب في هذا التحول العميق السريع؟ وأي عاملٍ أضاء قلوبهم بنور الإيمان الوهّاج؟ إلى درجة أبدوا استعدادهم فيها لأن يضعوا كلَّ وجودهم في خدمة هذا العمل، بل وضعوه فعلاً على ما نقل التاريخ؛ لأنّ فرعون قد نفَّذ تهديده، وقتل هؤلاء بطريقة وحشية، فقال بعض: كانوا أوّل النهار كفاراً سحرة، وآخر النهار شهداء بررة [49].

فهل نجد هنا عاملاً ـ في هذا التغيير الجذري ـ غير العلم والوعي؟ (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا)[50]، إنّ هؤلاء لمّا كانوا عالمين بفنون السحر وأسراره، وأيقنوا ـ بوضوح تامّ ـ أنّ عمل موسى لم يكن سحراً، بل هو معجزة إلهية، غيّروا مسيرهم بتلك الشجاعة والحزم[51]. وردّوا على تهديد فرعون لهم بالتعذيب والقتل بكلِّ ثقة واطمئنان (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )[52]. قال العلاّمة الطباطبائي: «هؤلاء المؤمنون وقد أدركهم الحقُّ وغشيهم فأصفاهم وأخلصهم لنفسه، فهم يرون ما يعده فرعون حقيقة ـ من أمتعة الحياة الدنيا من مالها ومنزلتها ـ سراباً خيالياً وزينة غارّة باطلة، وأنّهم إذا خُيِّروا بينه وبين ما آمنوا به فقد خُيِّروا بين الحقِّ والباطل، والحقيقة والسراب»[53].

فلأجل تحقيق التغيير وإيجاد تحوّل في مسيرة الأفراد والمجتمعات المنحرفة لا بدّ أولاً وقبل كلِّ شيء من إيجاد الوعي الصحيح في وجدان أفراد الأُمّة ووضع مؤشر تفكيرهم في الاتّجاه الصحيح. وهذا ما حصل لزهير بن القين حين التقى بالإمام الحسين عليه السلام، فيمكن أن يكون الإمام قد شخّص له مواطن خطئه واشتباهه، وبيّن له ما ينتظره من النعيم المقيم فيما إذا التحق بأهل البيت عليهم السلام ونصرهم؛ فانقشعت بنور كلمات الإمام عليه السلام ظلمات وجدان زهير بن القين وأشرقت روحه بحبّ آل رسول الله صلى الله عليه وآله؛ فحدث في نفسه هذا التحوّل الذي طلّق معه الدنيا بكلِّ ما فيها؛ وآثر الاستشهاد مع ابن بنت رسول الله غير آبهٍ بما يُصيبه من أذى في سبيل ذلك، «ولكن مع الالتفات إلى أنّ مثل هذا الانقلاب والتحوّل والاستقامة، ليس ممكناً إلّا في ظل الإمدادات الإلهية، ومن المسلَّم أنّ كلَّ مَن اختار سلوك طريق الحقّ، شملته هذه العنايات الربّانية، والإمدادات الإلهية»[54].

وأمّا الفرض الثاني في عثمانيّة زهير، فقد تكون ناشئة من شبهة عارضة وقناعات مبنيّة على أُمور وهمية، ولم تكن اعتقاداً متأصّلاً في قرارة نفسه، فمن الممكن أن يكون زهير من الموالين والمحبّين لأهل البيت  عليه السلام، وقد يشهد لذلك أنّ سلمان الفارسي كان يتفرّس فيه محبّة أهل البيت عليهم السلام وموالاتهم، فحثّه على نصرة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وطلب منه ومن رفقائه أن يكونوا أشدّ فرحاً بنصرة الإمام من فرحهم بالغنائم، إلّا أنّه قد عرض له عارض غيَّر فيه بعض القناعات؛ فاعتقد ـ مثلاً ـ أنّ الخليفة عثمان قُتل مظلوماً، وكان يفترض بالإمام عليه السلام أن يقتص من قتلته، وما شابه ذلك، ولكن من دون أن يكون مبغضاً لأهل البيت عليهم السلام أو محارباً لهم.

وهذه العوارض الفكرية والعقدية طالما تحصل لبعض الموالين؛ فتتشوّش لديه الرؤية، ومن ذلك ما ينقله الشيخ المفيد، عن المسعودي، عن هاشم بن الوليد، عن ابن سعيد التميمي، عن أبي ثابت مولى أبي ذرّ، قال: «شهدت مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل، فلما رأيت عائشة واقفة بين الصفّين ومعها طلحة والزبير، قلت: أمّ المؤمنين وزوجة الرسول وحواري الرسول وصاحبيه بأُحد. فدخلني ما يدخل الناس من الشكّ، حتى كان عند صلاة الظهر كشف الله ذلك عن قلبي، وقلت: عليٌّ أمير المؤمنين وأخو سيد المرسلين وأولهم إسلاماً، لم يكن بالذي يقدم على شبهة. فقاتلت معه قتالاً شديداً. وعندما عاد إلى المدينة استأذن بالدخول على أُمّ سلمة، وقصّ عليها خبره، فقالت له: أحسنت! إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنَّ علياً مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقا حتى يردا الحوض»[55].

فيمكن أن تكون حالة زهير من هذا النوع، ولكن حين جمعه الطريق بالحسين عليه السلام أزال الإمام ما قد علق في روحه من خبث ودرن، فعادت نقية صافية مبصرة للحقّ؛ فحدث عنده هذا التغيير ليعلن ولاءه ونصرته للإمام عليه السلام.

 في ركب الخلود

إننا سواء قلنا: إنّ الشهيد زهير بن القين البجلي كان علوي الهوى ومن أتباع أهل البيت عليهم السلام ومواليهم، وإنه اجتمع بالحسين في الطريق وانضمّ إليه، أم اعتقدنا أنّه كان عثمانيّاً يحمل في قلبه شيئاً تجاه أهل البيت عليهم السلام، ولكن لقاءه التاريخي بالإمام الحسين عليه السلام قلب كيانه رأساً على عقب.

وعلى كلا التقديرين؛ فإنّ التحاقه بركب الحسين عليه السلام يعدّ انعطافة تاريخية في حياة الشهيد زهير نحو المجد والخلود والفوز برضوان الله تعالى.

ويظهر من بعض الدلائل والنصوص التاريخية أنّ وجود الشهيد زهير في الركب الحسيني كان وجوداً مميّزاً، فرضته شخصية الشهيد المتّزنة وعقله الراجح، وهذا ما نلمسه حين أشار على الإمام الحسين عليه السلام بمناجزة جيش الحرّ حين حاصرهم ومنعهم من النزول في الغاضرية أو نينوى، فقال زهير: يا بن رسول الله، ذرنا حتى نقاتل هؤلاء القوم، فإنّ قتالنا الساعة نحن وإياهم أيسر علينا وأهون من قتال مَن يأتينا من بعدهم. وقد أيّده الإمام وصوّب رأيه، فقال له: صدقت يا زهير. ولكن الإمام كره أن يبدأهم بقتال حتى يبدؤوا[56]، وهو الأمر الذي تمليه مبادئ النهضة الحسينيّة السامية، وأخلاق أهل البيت عليهم السلام في الحرب والقتال.

وفي حديث يرويه الطبري في دلائل الإمامة: أنّه عندما صحب زهيرٌ الإمامَ الحسين عليه السلام ووصلوا إلى كربلاء، قال له الإمام: «يا زهير، اعلم أنّ ها هنا مشهدي، ويحمل هذا من جسدي ـ يعني رأسه ـ زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يُعطيه شيئاً»[57]. وهذا يكشف بطبيعة الحال عن المكانة التي يتبوؤها زهير عند الإمام الحسين عليه السلام، والدرجة العالية التي وصلها زهير؛ حتى استحقّ أن يخصَّه الإمام عليه السلام بهذا الحديث المهم.

زهير بن القين.. إيمان راسخ ولسان ناصح

أفصحت مواقف زهير بن القين قُبيل عاشوراء وأثناءها عن أنّ لديه يقيناً ثابتاً وإيماناً راسخاً يضارع الجبال في ثباتها وشموخها؛ فحينما رأى الحسين عليه السلام تكالُب الأعداء وتواتر الجيوش المدجّجة بالسلاح والعتاد، قال لأصحابه: «اللهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد تَرَون، وأنتم في حلٍّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وتفرَّقوا في سواده؛ فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذُهلوا عن طلب غيري»[58]، فأجابه الأصحاب بإجابات متعددة رافضين فيها التخلّي عنه، وموطِّنين أنفسَهم على الموت معه والتضحية دونه، ولكن كانت لكلمات الشهيد زهير وقعٌ مختلف ورنين خاصّ جعل المؤرِّخين يقفون عندها ويتناقلونها، قال: «والله، لوددت أنّي قُتلت ثمَّ نُشرت ثمَّ قُتلت حتى أُقتل كذا ألف قتلة وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك»[59]. فهو يجد الموت بحدِّ السيوف آلاف المرّات دفاعاً عن الحسين وأهل بيته أقلّ ما يمكن أن يقدِّمَه في هذا السبيل.

وفي كلام له قاله نيابةً عن أصحابه عَقِبَ كلامٍ للإمام عليه السلام (بذي حسم) حين قال عليه السلام: «نزل من الأمر ما قد تَرَون، وإنّ الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت وأدبر معروفها واستمرّت جداً، فلم يبقَ منها إلّا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا تَرَون أنّ الحقَّ لا يُعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه؛ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»، فإجاب زهير بعد أن استأذن أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «سمعنا ـ هداك الله يا بن رسول الله ـ مقالتك، والله، لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلَّدين، إلّا أنّ فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها» قال: فدعا له الحسين، ثمَّ قال له خيراً[60].

إنَّ هذا الإيمان الذي طفحت به نفس زهير بن القين، كان من الطبيعي أن يفيض حبّاً وشفقة حتى على أعدائه ومناوئيه، فبعد أن بان أمامه طريق الحقِّ واضحاً أبلج، راح يقدِّم النُصح الإرشاد لقومه، ويبالغ في استمالتهم نحو طريق الهداية والاستقامة، ومن جملة ما قال: «يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب الله نذارِ! إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنّا أُمّة وأنتم أُمّة.

 إنّ الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد» فما كان منهم إلّا أن سبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد!! وكثر الجدال والكلام بينه وبينهم، فناداه رجل فقال له: إنّ أبا عبد الله يقول لك: أقبل فلعمري، لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحتَ لهؤلاء وأبلغتَ لو نفع النُّصح والإبلاغ[61]. ولعمري، هكذا تكون النفوس حين تسمو وتتسامى فتستوعب حتى أعدائها. وهذا بعض ما تعلَّمه زهير من أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.

رجل المهمّات وصاحب الصولات

وعندما بدأت نُذُر الحرب في كربلاء تلوح في الأُفق وتلبّدت سماؤها بغيوم المواجهة الحتميّة، فلا مكان حينذاك إلّا لمعادن الرجال الأصيلة والنفوس التي ألفتها الشجاعة؛ فلذا كنّا نسمع اسم زهير بن القين كان يتردد في أكثر من مناسبة، ونجده في أكثر من مهمّة، فنراه في كتيبة العباس عليه السلام التي انتدبها الإمام لاستطلاع أمر الجموع الزاحفة عليهم في عصر يوم التاسع من المحرّم[62].

ويقع عليه اختيار الإمام عليه السلام في ظهر يوم عاشوراء، وهو ينظّم أصحابه ويعدّهم ليكون قائداً بارزاً على رأس ميمنة جيش الإمام عليه السلام[63]؛ لشجاعته ودرايته في أُمور الحرب والقتال التي خبرها منذ كان شابّاً في الفتوحات الإسلامية.

وأبلى الشهيد زهير بن القين بلاءً حسناً، وهو يقارع الشجعان ويناجز الفرسان، مدافعاً عن حرائر النبوة وعقائل الرسالة، فلمّا يهجم شمر اللعين بمرتزقته على خيم النساء والأطفال ويُدخل الرعبَ في قلوبهم، يحمل عليهم زهير في عشرة من أصحابه؛ فيكشفهم عن البيوت، فيقتل بعضاً، ويولّي البعض الآخر هارباً[64].

وهكذا في موقف رسالي بطولي يقدِّمه لنا زهير، فحين تحضر الصلاة يأمره الإمام الحسين عليه السلام هو وسعيد بن عبد الله الحنفي ليتقدّما أمامه فيقيانه من السهام والنبال؛ حتى يصلي بمَن تبقّى من أصحابه صلاة الخوف[65].

وسام الشهادة

وآن لهذه المسيرة المفعمة بكلِّ ألوان المكارم والفضائل أن تنال الشهادة وتنعم بالسعادة الأبدية، إذ ينقل المؤرِّخون أنّ زهيراً كان يقاتل قتالاً شديداً بين يدي أبي عبد الله عليه السلام وهو يرتجز:

          أنـا زهير وأنـا ابـن القـين                   أذودهم بالسيف عن حسين

ويقول للحسين عليه السلام:

          أقدم هُديت هادياً مهديا                       فـاليوم تلقى جـدّك النبيــا

          وحـسناً والمرتضى عـليا                       وذا الجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيّا

 

فشدّ عليه مهاجر بن أوس التميمي وكثير بن عبد الله الشعبي فقتلاه[66]، لتلتحقّ روحه الطاهرة بقافلة الشهداء، وتسكن مع السعداء، فهنيئاً له هذا الوسام الإلهي والشارة الربّانية.

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون

 

الكاتب: د.السيد حاتم البخاتي

مجلة الإصلاح الحسيني - العدد الخامس

مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

________________________________________

[1]     الأنعام: آية149.

[2]     الأنفال: آية42.

[3]     الرعد: آية17.

[4]     النجم: آية39.

[5]     اُنظر: البلاذري، أنساب الأشراف: ج3، ص176.

[6]     اُنظر: ابن عبد البرّ، الإنباه على قبائل الرواة: ص92 ـ ص93.

[7]     اُنظر: عمر كحالة، معجم قبائل العرب: ج1، ص63.

[8]     اُنظر: الحموي، معجم البلدان: ج1، ص489. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج21، ص475.

[9]     اُنظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج6، ص131. ابن الأثير، أُسد الغابة: ج2، ص327.

[10]    اختلف المؤرِّخون في سلمان هذا الذي نقل عنه زهير بن القين، فقد ذكر الطبري في تاريخه أنّه سلمان بن ربيعة الباهلي قائد الجيش. تاريخ الطبري: ج4، ص299. فيما ذكر بعض آخر أنّه سلمان الفارسي، كابن الأثير في الكامل الذي أشار إلى أنّه كان مع الفاتحين في تلك الحملة. الكامل: ج4، ص42. والمفيد في الإرشاد: ج2، ص72 ـ 73. والحميري في الروض المعطار: ص94. وأكد ابن سعد في الطبقات حضوره في فتح بلنجر وأنّه قد أصاب مسكاً من هناك. الطبقات الكبرى: ج4، ص92. ويظهر أنّ القائل هو سلمان الفارسي؛ لأنّه هو المؤهل لقول مثل هذا الكلام الذي لا يصدر إلّا من مدرسة أهل البيت عليهم السلام وتلامذتها.

[11]    ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4، ص42.

[12]    المفيد، الإرشاد: ج2، ص73.

[13]    اُنظر: الطبسي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء): ج3، ص212. القرشي، عبد الأمير، البالغون الفتح في كربلاء: ص334.

[14]    الطبري، تاريخ الطبري: ج4، ص315 ـ 316.

[15]    وفي بعض المصادر اسمها ديلم بنت عمرو. البلاذري، أنساب الأشراف: ج3، ص167. ويبدو أنها كانت امرأة صالحة موالية لأهل البيت عليهم السلام. وفي ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد: ص81، «وكان زهير بن القين قد قُتل مع الحسين، فقالت امرأته لغلام له يقال له شجرة: انطلق فكفّن مولاك. قال: فجئت فرأيت حسيناً ملقى، فقلت: أكفن مولاي وأدع حسيناً! فكفّنت حسيناً، ثمَّ رجعت، فقلت ذلك لها، فقالت: أحسنت، وأعطتني كفناً آخر، وقالت: انطلق فكفّن مولاك، ففعلت».

[16]    اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج4، ص298 ـ 299.

[17]    اُنظر: المفيد، الإرشاد: ج2، ص72 ـ ص73.

[18]    البلاذري، أنساب الأشراف: ج3، ص167ـ 168.

[19]    المصدر السابق: ج3، ص184.

[20]    اُنظر: الدينوري، الأخبار الطوال: ج1، ص364ـ 365.

[21]    الفتّال النيسابوري، روضة الواعظين: ص178.

[22]    ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4، ص41 ـ 42.

[23]    اُنظر: ابن نما الحلي، مثير الأحزان: ص33.

[24]   اُنظر: الطبسي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء): ج3، ص210 ـ 211.

[25]    اُنظر: المصدر السابق.

[26]    اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص212.

[27]    اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص212.

[28]    الطبراني، المعجم الكبير: ج3، ص111.

[29]    اُنظر: المفيد، الأمالي: ص129.

[30]    ابن عبد البرّ، الاستيعاب: ج2، ص540.

[31]  اُنظر: الطبسي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء): ج3، ص212.

[32]    نقله عن أبي أعثم، الخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام: ج1، ص323.

[33]    البلاذري، أنساب الأشراف: ج 3، ص 225.

[34]    الطبري، تاريخ الطبري: ج4، ص 295.

[35]    ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: ص44.

[36]    المصدر السابق.

[37]    الدينوري، الأخبار الطوال: ج1، ص365.

[38]    المصدر السابق.

[39]    المفيد، الإرشاد: ج2، ص73.

[40]   اُنظر: الطبسي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء): ج3، ص213.

[41]    الطبري، تاريخ الطبري: ج4، ص298. الدينوري، الأخبار الطوال: ج1، ص364.

[42]    الأعراف: آية115ـ آية116.

[43]    طه: آية67.

[44]    طه: آية68ـ 69.

[45]    الأعراف: آية118ـ 119.

[46]    الطباطبائي، تفسير الميزان: ج14، ص180.

[47]    طه: آية70.

[48] &nbs