الورع العلمي ودقة المصطلح

استقصاء السيد السيستاني دام ظله للروايات قبل عصر التقنيات الحديثة

ان استخدام المصطلحات في الابحاث العلمية عموماً، والدينية خصوصا أمر متعارف عليه في جميع فنون العلم ، فلكل علم مصطلحاته وعناوينه الخاصة فهناك مصطلحات وعناوين لغوية، وبلاغية وفقهية ، واصولية، وكلامية، وفلسفية وحتى اجتماعية ، او نفسية . 

وتنقسم المصطلحات والعناوين بحسب الاستقراء الى اقسام متعددة فمنها تنتقى من خلال اللغة او التاريخ ، وبعضها من وضع اهل الفن انفسهم ، وبعضها تنتقى من النصوص الدينية كالنصوص القرآنية والروائية . 

وانتقاء الباحث واختياره للمصطلحات والعناوين ان كان مرجعه النص الديني الموثوق فهو اكثر دقة وتاثيرا من غيره حتما لان النصوص الدينية الموثوقة منتقاة من الوحي ومنبعها الوحي المتمثل بالقران والعترة الطاهرة من اهل البيت عليهم السلام . 

لذلك من اللطيف جدا ان يلتزم الباحث في المجال الديني بمصطلحات الكتاب والعترة الطاهرة واستخدامات اهل البيت عليهم السلام لانهم اعلم واعرف بالمصالح والمفاسد، ودلالات الالفاظ، ومعانيها سواء على نحو الالتزام او المطابقة . 

وقد التزم جملة من علمائنا الاعلام في اختيارهم للمصطلحات والعناوين الخاصة ببحوثهم بان تكون منتقاة من روايات اهل البيت عليهم السلام.  

وممن اهتم بذلك المرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله فقد اهتم كثيرا باستخدام المصطلحات والعناوين ضمن ما يرد في روايات اهل البيت عليهم السلام وكان يؤكد على ذلك حتى في دروسه التي كان يلقيها قبل اكثر من خمسين عاماً. 

ومن الشواهد على ذلك ما ذكره دام ظله في بحثه(تعارض الادلة واختلاف الحديث) بتقرير السيد هاشم الهاشمي حيث قال في الصفحة ١٤ مانصه: ( من الجدير بالذكر أن كلمة (التعارض) لم ترد في شيء من الروايات، لا في الروايات العلاجية، ولا في الروايات الخاصة التي عرضت على الأئمة ( عليهم السلام) في موارد خاصة، ولا في غيرها نعم، وردت هذه الكلمة في مرفوعة زرارة خاصة، ولكن سنذكر بالتفصيل أن هذه المرفوعة غير معتبرة وإنما يعبر عن تعارض الأخبار عادة بـ (الاختلاف) او (المتخالفين) في الروايات، وفي كتب القدماء، العامة والخاصة الذين بحثوا عن هذه المسألة.

وعليه فلما لم ترد كلمة (التعارض) في النصوص الشرعية المعتبرة، فلا معنى للاهتمام بالبحث كثيراً حول خصوص كلمة (التعارض) وأنها من (عرض)، وكيف يكون هذا العرض، والبحث عن معناه اللغوي أو العرفي كما فعل كثير، وانما اخترنا هذه الكلمة في عنوان البحث تبعاً لسائر العلماء الذين عنونوا البحث بذلك) .

وهذه الكلمات في الواقع فيها فوائد عدة : 

الفائدة الاولى : عمق اطلاع سماحة السيد السيستاني دام ظله على التراث الروائي في عصر لم توجد فيها التقنيات من الحاسوب والانترنت والمكتبات الالكترونية لكي تسهل عليه عناء البحث والاستقصاء لجميع النصوص والروايات ، فقد ذهب سماحة السيد المرجع الاعلى بنفسه يبحث في بطون الكتب ويفتش في المصادر الروائية بدقة عالية واستقصاء تام ليحكم بعدم وجود مصطلح التعارض في روايات اهل البيت عليهم السلام سوى ما ورد في مرفوعة زرارة التي اشار اليها في بحثه وهذا الاستقصاء لا يحصل بسهولة مع قلة المصادر والظروف الحساسة التي كان يعيشها سماحة المرجع الاعلى ايام الطاغية المقبور فكل هذا يدل على حرصه وعلمه واطلاعه الواسع والدقيق .

الفائدة الثانية : ويمكن من خلال هذه الكلمات المتقدمة ان نستكشف ايضا مبنى سماحة السيد السيستاني في اهتمامه بأن يكون المصطلح او العنوان الديني منتقى من النصوص الروائية لذا نرى هذا واضحا في عنوانه لبحثه المبارك حيث كان العنوان :( تعارض الادلة واختلاف الحديث ) فقد اضاف عبارة ( اختلاف الحديث ) اشارة منه الى هذه النكتة .  

الفائدة الثالثة : يشير سماحة السيد دام ظله الى ان المصطلح الديني ان لم يرد في الروايات الشريف فليس من المستحسن التركيز عليه والبحث في دلالاته اللغوية والبلاغية وغيرها وذلك لان هذا ليس فيه ثمرة فعلية عملية حيث قال:( فلما لم ترد كلمة (التعارض) في النصوص الشرعية المعتبرة، فلا معنى للاهتمام بالبحث كثيراً حول خصوص كلمة (التعارض) وأنها من (عرض)، وكيف يكون هذا العرض، والبحث عن معناه اللغوي أو العرفي كما فعل كثير) المصدر نفسه ص ١٤.

الفائدة الرابعة : ان هذا المنهج الذي يستخدمه سماحة السيد دام ظله في بحثه ينبغي ان يكون منهجا للباحثين في مجال العلوم الدينية وهو ان يكون جل اهتمامهم عند اختيار المصطلحات او العناوين هو الانتقاء من روايات اهل البيت عليهم السلام لما تحمل من معان ودلالات عميقة متصلة بالوحي الالهي.

: الشيخ وسام البغدادي