يعتبر موضوع مظلومية الصديقة الزهراء عليها السلام في مصادر المسلمين من المواضيع المهمة والقضايا التاريخية المفصلية والعقدية الحساسة وذلك لما للصديقة الزهراء عليها السلام من موقعية مركزية في الدين بدليل النصوص القرآنية من قبيل آية المودة وآية المباهلة والتطهير، وكذا الروايات الشريفة التي توضح بشكل جلي موقع السيدة فاطمة عليها السلام كما في قول النبي صلى الله عليه اله وسلم قال:( إن فاطمة مضغة مني يؤذيني ما اذاها)[1]، وغيره من النصوص الكثير لذلك الحديث عن مظلوميتها في كتب المسلمين ليس حديثا تاريخيا فقط وانما حديث في صلب العقيدة والدين لان رضا الزهراء عليها السلام من رضا رسول الله صلى الله عليه اله وسلم وغضبها من غضبه وقد نصت كتب المسلمين على مظلوميتها من قبل المنقلبين على الاعقاب بعد النبي صلى الله عليه اله وسلم واليك بعض النصوص في كتب الشيعة الامامية واهل السنة والجماعة التي تثبت هذه المظلومية الكبرى للسيدة الزهراء عليها السلام واليك بعض هذه الادلة :
الاول: اخبار النبي صلى الله عليه اله وسلم بما يقع على الصديقة الطاهرة من بعده
وردت مجموعة من الروايات التي تبين اخبار النبي صلى الله عليه اله وسلم بمظلومية الصديقة فاطمة عليها السلام منها ما رواه ابن قولويه بسنده عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال: ( لما اسري بالنبي صلى الله عليه اله وسلم الى السماء قيل له: ان الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك ... وأما الثالثة فما يلقي اهل بيتك من بعدك من القتل، اما اخوك علي فيلقى من امتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا رب قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر، وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير اذن، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعا، وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب)[2].
ثانيا: التهديد واحراق الدار
ان من اهم ما يثبت مظلومية الزهراء عليها السلام هو التهديد ووضع الحطب على الدار والهجوم على بيت الزهراء عليها السلام وقد روى ذلك علماء الفريقين فقد روي عن المفضل بن عمر عن الصادق عليها السلام إنه قال : ( واشعال النار على باب امير المؤمنين وسم الحسن وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ ورفسه في بطنها واسقاطها محسنا) ،وروى ابن شيبة وهو من كبار علماء اهل السنة بسند معتبر قال : حدثنا : محمد بن بشر ، نا : عبيد الله بن عمر ، حدثنا : زيد بن أسلم ، عن أبيه أسلم : أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه اله وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه اله وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه اله وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا اليها حتى بايعوا لأبي بكر[3].
وهذا التهديد الوارد في رواية ابن ابي شيبة مما اتفقت عليهم نصوص القوم ومما يدل على ان المنقلبين على الاعقاب ظلموا عليها السلام واجتمعوا على حرق دارها وما يؤكد ذلك مل رواه البلاذري بسند صحيح عن المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون) : أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع ، فجاء عمر ، ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة : يا ابن الخطاب أتراك محرقا على بأبي ، قال : نعم )[4].
ثالثا: ما دل على ضرب السيدة فاطمة عليها السلام واسقاط الجنين
وردت روايات عدة تتحدث حول ضرب الزهراء عليها السلام من قبل السلطة المنقلبة الاعقاب فقد روى الطبري بسند معتبر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، قال: قبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة وكان سبب وفاتها أن قنقذا مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها. وكان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه اله وسلم سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين عليه السلام فأجابت، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟ قالت: بخير بحمد الله. ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي صلى الله عليه اله وسلم يقول: " فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى قالت: فو الله، لقد آذيتماني. قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما).
وروى المسعودي صاحب مروج الذهب (345 هــ): فأقام أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللّه صلى الله عليه اله وسلم فوجهوا الى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتى اسقطت (محسنا) وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل لضرب وتموت من ذلك الضرب)[5] .
وفد قال النظام المعتزلي: (إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها)[6].
بل نقل الشهرستاني عنه انه قال :( إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين).[7]
وكذلك ما رواه ابن قتيبة في كتابه المعارف: (إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي] وقنفذ مولى لعمر بن الخطاب حيث كان ممن هجم على الدار معهم) [8].
رابعا: الروايات الدالة على وصف السيدة الزهراء عليها السلام بانها شهيدة
وردت روايات عدة تدل على وصف الزهراء عليها السلام بالشهيدة وهذا أحد القرائن الاساسية التي تثبت مظلوميتها عليها السلام من قبيل ما رواه الكليني بسند معتبر عن علي بن جعفر أخيه، أبي الحسن الكاظم عليه السلام انه قال: [إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة وإن بنات الانبياء لا يطمثن)، وقد روى المفيد في زيارتها: [السلام عليك يا رسول الله، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة. السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن الله من ظلمك، ومنعك حقك، ودفعك عن إرثك، ولعن الله من كذبك، وأعنتك، وغصصك بريقك، وأدخل الذل بيتك، ولعن الله أشياعهم، وألحقهم بدرك الجحيم)[9]، وقريب منه ما ذكره في المزار وغيرها من الأخبار والزيارات.
خامسا: اعتراف المنقلبين على الاعقاب بكشف دار فاطمة (عليها السلام)
وقد اثبت التاريخ والنصوص في كتب القوم اعتراف القوم بكشف دار فاطمة عليه السلام وهذا دليل على المظلومية بشكل واضح وصريح قال ابن حجر : ( فقال : أني لا آسي على شيء الا على ثلاث وددت إني لم أفعلهن وددت إني لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق علي الحرب[10] ) وقد علق ابن تيمية على ذلك بما ما نصه وقال : ( نحن نعلم يقينا أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولا وآخرا ، وغاية ما يقال : إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ، وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز ، فانه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء)[11].
أقول: ليت شعري فقد ذكر ابن تيمية شيئا واهيا من رايه ولكن غابت عنه أشياء فقد اثبت ابن تيمية كبس الدار والدخول من دون اذن كما ثبت ذلك فيما تقدم من لغة التهديد واحراق الباب لكنه اعتذر بان كبس الدار بسبب النظر لما فيه من ( مال الله ) وهذا وان كان هو تحكم من ابن تيمية الا انه قد اعترف ضمنا من ان امير المؤمنين هو الخليفة الشرعي والا فان بيت المال من مختصات الخليفة الشرعي ووجوده في بيت علي عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه اله وسلم لدليل واضح على حقانية علي عليه السلام وان هذا من وصية رسول الله صلى الله عليه اله وسلم لكن الأول كبس الدار وخالف ذلك وظلم فاطمة عليها السلام ودخل المنقلبون معه الى الدار وجرى ما جرى على اهل بيت النبوة صلوات الله عليهم.
المصادر
[1] صحيح الترمذي ج5 ص 359.
[2] كامل الزيارات: 548 باب 108 ح12.
[3] مصنف ابن ابي شيبة ج8 ص 571.
[4] انساب الاشراف ج1 ص 586.
[5] دلائل الإمامة: 134 ــ 135اثبات الوصية لعلي بن الحسين المسعودي: 146.
[6] نقله عنه غير واحد كما في كفاية الطالب للكنجي الشافعي: 411، وغيره.
[7] الملل والنحل للشهرستاني: 1/52.
[8] لسان الميزان لابن حجر العسقلاني: 1/268 رقم824.
[9] الكافي: 1/458، المقنعة للمفيد: 459، المزار للمفيد: 179.
[10] لسان الميزان لابن حجر ج4 ص 189.
[11] منهاج السنة لابن تيمية ج8 ص 291.

اترك تعليق