سر السلام على الإمام الحسين عليه السلام بكنية أبي عبد الله

لا يخفى ان أبا عبد الله هو كنية(1) الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وبها اشتهر حتى قال بعض الباحثين ان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لا كنية له غيرها(2)، غير ان الحسين ابن حمدان الخصيبي المتوفى سنة 334 هجرية ذكر في كتابه (الهداية الكبرى) كنى أخرى حيث قال: (واسمه الحسين وفي التوراة شبير ولما علم موسى بن عمران عليه السلام قبل التوراة ان الله سمى الحسن والحسين سبطي محمد شبر وشبير سمى أخوه هارون ابنيه بهذين الاسمين، وكان يكنى أبا عبد الله والخاص أبو علي ولقبه الشهيد والسبط والتام وسيد شباب أهل الجنة والرشيد والطيب)(3).

وعلى أي الأحوال فإن الخطاب بالكنية دون الاسم له مداليل متعددة، وكذلك الخطاب باسم ولده عبد الله له مدلول إضافي فوق تلك المداليل التي سنوضحها فيما يأتي:

المدلول الأول: تعليم الزائر أدب الخطاب مع إمامه

لقد عانى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيام حياته المباركة من تعامل أمته معه على أساس انه كأحدهم لا خصوصية له زائدة سوى انه ينزل عليه الوحي دونهم وقد ذكر القرآن الكريم هذه النظرة بقوله ((لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)) (4).

فكانت هذه النظرة السطحية الغافلة عن مقام ومنزلة سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم تجعل البعض يتمادى في سوء أدبه فينادي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من خارج البيت باسمه المبارك من دون أي إضافة أخرى، قائلين: (يا محمد يا محمد أخرج إلينا) غير مراعين لمقام نبوته ولا لعلو قدره وعظيم شرفه، فعابهم الله سبحانه بقوله ((إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)) (5)، فالعقل والذوق والعرف يحكم على الإنسان إذا وقف أمام ملك من الملوك أو شخص له منزلة اجتماعية أو دينية أن لا يخاطبه باسمه تأدبا فكيف إذا كان الخطاب مع أعظم وأكمل شخصية عرفتها الإنسانية، وعليه فمن الطبيعي أن يكون الإنسان بلا عقل حال عدم التزامه للأدب مع إنسان عظيم كهذا.

 وقد تمادى بعض آخر في سوء أدبه مع نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فصار يرفع صوته فوق صوت النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في أثناء محاوراته ومناقشاته مع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أو مع مؤمن آخر في مجلس النبي الأعظم وفي أثناء حضورهصلى الله عليه وآله وسلم، إما لطلب الغلبة، أو لعدم مراعاة القدسية لشخص النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أو لطبع قد فطر عليه ذلك الرافع لصوته، لان هذا التصرف ينم عن شخصية وحشية جلفة غير ملتزمة بأدنى مراتب اللطف والأدب، ولكي يردع الله سبحانه أمثال هذه الظواهر المنافية للإيمان هدد هؤلاء الذين لا يراعون الأدب بمحضر نبيهم أن يحبط أعمالهم الصالحة إن كان لهم عمل صالح، فقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ))(6).

ثم ان الأسباب والحيثيات نفسها التي تلزم المسلم والمؤمن أن يراعي بموجبها قواعد الأدب مع نبيه ورسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، توجب عليه كذلك أن يراعي قواعد الأدب مع الخمسة أصحاب الكساء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وباقي أئمة أهل البيت من ذرية الإمام الحسين عليه وعليهم السلام، وذلك لاتحادهم في الكمال والفضل والرفعة وعلو الشأن، فكل ما لا يجوز الخطاب به مع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لا يجوز الخطاب به مع أهل بيته والأئمة من ذريته، وكل ما يجب التقيد به مع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كذلك يجب التقيد به مع أهل بيته والأئمة من ذريته صلوات الله وسلامه عليه.

وهذا التأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين مثلما هو واجب في حياتهم كذلك هو واجب بعد مماتهم وخصوصا عند حضور المؤمن إلى رياض قبورهم للزيارة والتبرك والدعاء، فينبغي أن تكون المراعاة أشد والالتزام أكبر لان حرمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أمواتا كحرمتهم حال حياتهم.

فزيارة عاشوراء وفقا لما تقدم جارية على وفق قاعدة الأدب في التعامل وحسن الخطاب مع سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، وقواعد الأدب الرفيع تقضي بقبح مناداة الزائر لإمامه صلوات الله وسلامه عليه بمثل ما ينادي أحدهم الآخر بالاسم دون الكنية أو الصفة أو اللقب، فهي تريد أن تربي الإنسان الموالي على أن لا يكون في تعامله مع إمامه بمنزلة أولئك الذين كانوا ينادون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وراء الحجرات، أو يجهرون له بالقول كجهر بعضهم لبعض.

فيكون الخطاب والسلام على الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بكنيته وجهاً من أوجه التعظيم والتوقير والتفخيم لشخصه المقدس صلوات الله وسلامه عليه(7).

المدلول الثاني: الخطاب بالكنية دليل على حضور المخاطب وحياته

في حديث عن الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه قال: (إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه، وإذا كان غائبا فسمه)(8)، والإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه ونتيجة لعلمه بحياة جده الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وعلمه بالزائر له والقاصد لمشهده خاطبه في الزيارة بكنيته لا باسمه.

وحياة الأموات في قبورهم حياةً برزخية تتناسب وعالمهم مما أجمعت عليه كلمة المسلمين بجميع مذاهبهم إلا شرذمة قليلة من المتأخرين من أتباع ابن تيمية الذين ذهب بهم تعصبهم ونصبهم إلى عدّ (الاستغاثة به ــ بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ــ وطلب الشفاعة منه إلى الله والتوسل به إليه بقول يا رسول الله أو يا رسول الله إشفع لي أو أتوسل بك إلى الله والتبرك بقبره والصلاة والدعاء عنده وتعظيمه كل ذلك شركاً وكفراً وعبادة للأصنام والأوثان موجبة لحل المال والدم وأنه يحرم السفر لزيارته ويجب هدم ضريحه وقبته ويحرم التبرك بتربته ولمس ضريحه وتقبيله وأن ضريحه صنم من الأصنام ووثن من الأوثان بل هو الصنم الأكبر والوثن الأعظم وكذلك سائر الأنبياء والصالحين)(9)، وتفضيل بعض أئمتهم الجهال عصاه على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقوله الشهير: (عصاي هذه خير من محمد لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلا وإنما هو طارش وقد مضى)(10) هو أشهر من نار على علم.

وليس لنا مع هؤلاء النصاب كلام بعد أن ثبت إجماع المسلمين على ان للأموات حياةً يسمعون معها ويشاهدون من يأتيهم ويسلم عليهم ويجيبونه ويأنسون بزيارته، لكن الله قد حجب عن الأحياء في دار الدنيا لحكمة بالغة جوابهم ومشاهدة أحوالهم، ونحن هنا نورد جملة من الآيات الشريفة والأحاديث الصحيحة وجملة أخرى من أقوال علماء أهل السنة التي تثبت بما لا يقبل الشك أن للأموات عقلاً وحياة ونطقاً وسماعاً منها:

1: آيات القرآن الكريم تتحدث عن أن للأموات شعوراً وحياة وتفاعلاً مع العالم الخارجي

قال تعالى: ((وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ))(11)، وقال سبحانه: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) (12)، قال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان: (فإن قيل: هل الشهداء أحياء على الحقيقة، أم معناه أنهم سيحيون وليسوا أحياء؟ قلنا: الصحيح أنهم أحياء إلى أن تقوم الساعة، ثم يحييهم الله في الجنة، لا خلاف بين أهل العلم فيه إلا قولا شاذا من بعض المتأخرين)(13).

وقال ابن حزم في كتابه المحلى: (وأما الشهداء فإن الله عز وجل يقول «ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون» وقال تعالى «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله» ولا خلاف بين مسلمَينِ(14) في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم، ومن خالف في هذا فليس مسلما)(15).

أقول: ولا يخفى ان كلام ابن حزم ينطبق أيضا على الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعلى السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها لأنها وإياهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين نفس النبي وروحه قد خلقوا من طينته وهم من شجرة واحدة وباقي الناس من شجر شتى، وهم أفضل من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعلى اقل التقادير فهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين شهداء بل سادة الشهداء الذين أعطوا لله كل ما سألهم، فتفضل الله سبحانه عليهم بأن ضمن لهم أن يعطيهم كل ما سألوه لهم ولشيعتهم وزوارهم.

2: إجماع روايات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على سماع الأموات وحياتهم وفرحهم وحزنهم

الروايات الكثيرة عن أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أجمعت على سماع الأموات وحياتهم ونطقهم وغير ذلك الكثير نختار منها ما يأتي:

منها ما عن عبد الله بن سليمان، عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه قال: (سألته عن زيارة القبور. قال: إذا كان يوم الجمعة فزرهم، فإنه من كان فيهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يعلمون بمن أتاهم في كل يوم، فإذا طلعت الشمس كانوا سدى. قال: قلت: فيعلمون بمن أتاهم، فيفرحون به؟ قال: نعم، ويستوحشون له إذا انصرف عنهم)(16).

ومنها ما عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن صلوات الله وسلامه عليه قال: (قلت له المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال نعم لا يزال مستأنسا به ما زال عند قبره فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة)(17).

ومنها ما عن الشيخ الصدوق عن محمد بن مسلم قال (قلت لأبي عبد الله عليه السلام الموتى نزورهم؟ قال نعم. قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال إي والله إنهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم)(18).

3: روايات أهل السنة في صحاحهم وأسانيدهم وسماعهم لمن يناديهم ويزورهم

ومنها ما أخرجه البخاري وغيره من علماء العامة عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه...)(19).

ومنها ما أخرجه مسلم قال: (عن ثابت البناني عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقا فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا قال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر)(20).

ومنها ما أخرجه ابن عبد البر عن ابن عباس قال: (قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)(21).

ومنها ما عن عائشة أنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده، إلا استأنس به حتى يقوم)(22).

فالروايات المروية عن العامة والخاصة كما ترى مستفيضة بتأكيد وجود حياة للأموات في قبورهم ولهم علم بمن يزورهم ويأتيهم ولهم إدراك وسمع لمن يتكلم معهم ويسلم عليهم.

الهوامش:________________________________________

(1) قال الزبيدي في تاج العروس ج 20 - ص 135(والكنية على ما اتفق عليه أهل العربية هو ما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت على الأصح في الأخيرين... وفي المصباح: الكنية اسم يطلق على الشخص للتعظيم نحو أبي حفص وأبي حسن؛ أو علامة عليه).

(2) الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه سماته وسيرته. السيد محمد رضا الجلالي - ص 15

(3) الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي ص 201 ــ 202.

(4) سورة النور الآية 63.

(5) سورة الحجرات الآية 4.

(6) سورة الحجرات الآية 2.

(7) قال ابن منظور في لسان العرب ج 15 ص 233: (الكنية على ثلاثة أوجه: أحدها أن يكنى عن الشيء الذي يستفحش ذكره، والثاني أن يكنى الرجل باسم توقيرا وتعظيما، والثالث أن تقوم الكنية مقام الاسم فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه كأبي لهب اسمه عبد العزى، عرف بكنيته فسماه الله بها).

(8) تحف العقول لابن شعبة الحراني ص443.

(9) كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب للسيد محسن الأمين ص 127.

(10) الدرر السنية في الرد على الوهابية لأحمد زيني دحلان ص 42.

(11) سورة البقرة الاية154.

(12) سورة آل عمران الآية 169.

(13) التبيان للشيخ الطوسي ج 2 ص 34.

(14) تثنية لكلمة مسلم.

(15) المحلى لابن حزم ج 1 ص 25.

(16) الأمالي للشيخ الطوسي ص 688 زيارة القبور في الجمعة.

(17) وسائل الشيعة للحر العاملي ج3 ص223 باب تأكد استحباب زيارة القبور.

(18) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج1 ص181 الميت يزور أهله.

(19) صحيح البخاري ج2 ص92 باب في الجنائز، وصحيح مسلم ج8 ص161 باب عرض مقعد الميت في الجنة أو النار.

(20) صحيح مسلم ج 8 ص 163 ــ 164 باب إثبات الحساب.

(21) الاستذكار لابن عبد البر ج 1 ص 185.

(22) تفسير ابن كثير ج3 ص447، أضواء البيان للشنقيطي ج 6 ص 137.

المرفقات

: الشيخ وسام البلداوي