في إيقاع التوحيد: كيف تنتظم الأكوان بإرادة واحدة؟

في أعماق هذا الكون، حيث تنتظم السنن، وتتآلف النواميس، تسري حقيقة واحدة، كضوء يشق العتمة، وكوترٍ مشدودٍ لا يختل؛ حقيقةٌ تؤكد أن التعدد في موضع الوحدة ليس إلا بوابة الفوضى، وأن تعدد الآلهة لو وقع، لكان دماراً يتسلل إلى أصل الوجود "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" هكذا يُحكِم المنطق الإلهي ميزانه، فيقرر أن وحدة التدبير شرطٌ لاستقامة النظام، وأن التعدد في مصدر الإرادة يُفضي لا محالة إلى التناقض والتلاشي.

تأمل السماء؛ كيف تمضي أفلاكها دون أن تتصادم، وكأنها تفقه ناموسها الأزلي. انظر إلى الأرض، كيف تتجاور أضدادها؛ الماء والنار، الحياة والموت، الليل والنهار، دون أن يبتلع أحدها الآخر. لو تعددت الإرادات في هذا الكون، أكانت الشمس تطلع كل يوم في ميقاتها، أم كان كل إلهٍ يزاحم الآخر في فرض مشيئته؟ أكان الليل يخضع لناموس السكون، أم كان كل صاحب قدرة يدفع بفكره ليقلب النواميس؟ لو كان هناك أكثر من إله، لكان كل منهما ساعياً إلى إثبات تفرده، فتنازعَ الأمر بينهما، واضطربت السنن، وزال التناسق الذي نراه في أدق التفاصيل.

لكن الحقيقة التي تتجلى لكل متأملٍ أن هذا الكون مصنوعٌ بإتقانٍ لا يقبل التعدد في الإرادة، لأن التعدد يقود إلى الصراع، والصراع يقود إلى الفساد، والله منزّه عن ذلك، متحكمٌ في أمره، متفرّدٌ في صنعه. ومن هنا تأتي عظمة التنزيه الإلهي في ختام الآية: "فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" فكل تصور عن تعدد الآلهة ليس إلا وهماً بشرياً، سقفه قاصرٌ عن إدراك انسجام الكون ودقة القوانين التي تسيّره.

إن العرش، الذي هو قمة السلطان والهيمنة، لا يعتليه إلا إله واحد، لأنه لو تعددت العروش، لتمزقت السموات، وانفصلت الأكوان عن محور التوازن، ولما قامت الحياة إلا على أنقاض صراع لا ينتهي. فتبارك الله الذي تفرد بالخلق، وتوحد بالحكم، وتسامت مشيئته عن العبث، وجاءت سننه كمرآةٍ تعكس وحدانيته لمن أراد أن يرى.

فالواحدية ليست فقط ضرورة إيمانية، بل هي منطق عقلي، ونظام كوني، وناموس لا يقبل التشكيك. من أراد أن يفهم، فلينظر، ومن أراد أن يؤمن، فليتفكر، ومن أراد أن يجادل، فليسأل نفسه: أي عقلٍ يقبل أن تكون السفينة بغير رُبّان واحد؟.

: مركز التبليغ القرآني الدولي