سُنَّةُ الإبتلاء

إن المباني التي أنطلق منها في التفكير هي كتاب الله تعالى، بنصه المبين أو بالنصوص التي تحتاج إلى بيان من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وآله الأطهار (عليهم السلام)..

فالله تعالى يقول: ((أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون؟)) (العنكبوت:2)..

ثم يوضح ((ولقد فتنا الذين من قبلهم)) (العنكبوت:3)؛ إذاً هي حالة سننية في العالم..

فلماذا؟

((فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)) (العنكبوت:3).

(نقطة على الهامش: في عقيدتنا الله تعالى يعلم أصلاً، ولكن "يعلمن" هنا هي بإظهار المعلوم منه، المتوقع كاحتمال منا، لنا جميعاً، من أجل أن لا يتهم أحد الله تعالى في عدله.)

وبالتالي، فإن "الفتنة" تضرب الذين أعلنوا الإيمان، من أجل إثبات موقفهم..

وهذا يعني بالضرورة أن "من الذين أعلنوا الإيمان لم يكونوا بمستوى الإيمان الحقيقي ولا نصفه ولا ربعه" وإلا لما كان هناك حاجة لاختبارهم بالفتنة.

فما هو حجر الزاوية في هذا كله؟

إنه "الآخرة أهم وبما لا يقاس بالدنيا"..

وعليه، فإن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة علي والحسنين (عليهم السلام) وغيرهم من الصالحين لا يتزلزون عندما تضربهم النكبات والخسائر في المعارك لأنهم لا يغفلون عن سنّة الابتلاء بالفتنة أولاً، ولأن النتيجة عندهم في الآخرة وليس في الدنيا، والآخرة عندهم هي الأساس، ثانياً..

وكلما كانت العذابات والمعاناة أكبر كلما ازداد احتمال الفوز في الآخرة بدرجات أعظم، وهي لعمري أعظم وأكبر في الفوارق فيها - أي الدرجات - عن درجات الدنيا ((وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً)) (الإسراء:21).

ولقد وردت الروايات عن أبواب الفتن التي فتحها الله تعالى، منها ما هو على المستوى الشخصي (من فقر ومرض وحرمان من هذا الأمر أو ذاك)، ومنها على المستوى العام، كالابتلاء بالأعداء من خارج الأمة/المجتمع، وبالأعداء من داخله، ولهذا وُصِف أهلُ البيت (عليهم السلام) أنهم "الباب المبتلى به الناس"؛ كما وُصِف غيرهم من مناوئيهم وأعدائهم أنهم من أبواب الفتنة..

الخلاصة: ما لم يؤمن الإنسان باليقين أن ((الدار الآخرة لهي الحيوان)) (العنكبوت:64) أي الحياة الحقيقية، فإنه سيبقى في حال الإحباط والكمد والكآبة من أي شيء يصيبه، ربما حتى من الزكام والانفلونزا!!!

: غسان نعمان ماهر السامرائي