إن من أهم الأمور التي تستقيم في ضوئها الحياة البشرية هي اختيار المنهج السليم، فهو أداة فكر وتفكير وتنظيم لزيادة المعرفة واستمرار التقدم وتنمية قدراته وفهم المعلومات والبيانات ومعرفة المفاهيم والأسس.
فاختيار المنهج في هذه الحياة هو أداة للنجاح في الأعمال الكلية والجزئية، خصوصاً في تمكين الدين ونشره في الحياة، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن أي إنسان: ما هو المنهج الصحيح للفلاح والنجاح والفوز في هذه الحياة في مختلف شؤونها، سواء المصيرية أو غيرها؟
والجواب: أن المنهج السليم الذي سار عليه النبي(صلى الله عليه وآله) وكسب الدنيا أجمعها متمثلة بعلمائها وحكمائها، هو ما اتفق عليه ذوو الاختصاص غير المسلمين، وهو المنهج الأخلاقي، حيث اتفقوا على أن الأخلاقيات التي يقصدونها كمفهوم: هي مجموعة من الأسس والمبادئ التي ترشد الإنسان في تحديد السلوكيات التي تساعد الكائنات الحساسة (الإنسان) في نيل صلاحها وتجنب ما يضرها، إذ قالوا أنها تستند بشكل عام إلى العقل والمنطق والحس السليم في تحديد الأفضل، والتمييز بين السلوك الصائب والخاطئ في وقته، وهذا يدلنا ويرشدنا إلى سبب ذكر القران الكريم في وصف النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وتنبيه الإنسان عليه، حيث قال: أنه إنسان على خلق وأن خلقه عظيم، إذ لم يصف غيره بهذا الوصف في كتابه المجيد، فالفرضية الأساسية للأخلاق الفضيلة في الإنسان في معتقدهم هي أن: الأخلاق الذاتية تعتمد على إتقان شخصية الفرد لها، وهو يقتضي العلم والمعرفة والتطبيق وتكراره[1].
لذا كان اختيار نبي الاسلام للأخلاق منهجا حياتياً تنموياً وتطويريا وتقدماً كاسحاً للنفوس والعقول والقبول، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) رجلاً أخلاقياً وعالماً وعارفاً ومطبقاً لا يتخلف يوماً من الأيام عن التطبيق، فكانت سجيته العلم والجود والكرم والسماحة والفصاحة وغيرها، وقد كانت هذه السجايا الاخلاقية هي المنطلق لإقناع الآخرين والتأثير فيهم لنشر الفكر والعقيدة الإسلامية، فانتصر وفاق منهجه في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى على بقية المناهج، ودعوة دعوة سلام للعالم أجمع واصلاح وتنمية.
ولأجل هذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) ذو شأن عظيم ومكانة رفيعة وعزيزة عند الآخرين من علماء وحكماء وأناس منصفين، بحيث لم يستطيعوا إخفاء مكانته وتقديره لديهم، وقد عبروا عن ذلك بأقوال مختلفة، فقد جاء كتاب الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) في عيون غربية منصفة[2] شهادات عدة في حق الرسول(صلى الله عليه وآله)، منها ما قاله:
1- إدوار مونته
عرف محمد بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين، وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظا على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم[3].
2- برنارد شو (1817 ـ 1902 ) في مؤلف له أسماه (محمد):
إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها[4].
3- آن بيزيت
من المستحيل لأى شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علّم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروى لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم.
فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سببا إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية[5].
4- المستر سنكس
ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة.
إلى أن قال: إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقيّا كبيرا جدّا في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدى الكهان. ولقد توصل محمد- بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق- إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة[6] .
5- السير مويرالإنكليزي في كتابه (تاريخ محمد):
إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم[7].
الخاتمة
ومن خلال هذه الكلمات نستنتج عمق التأثير الذي أحدثه النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في الحياة الدنيا نظرياً وعملياً، باختياره المنهج السليم والقويم في الحياة، وكلماتهم ووصفهم له بهذه الكلمات يدل على قناعة واقتناع بمنهجه وبما جاء به(صلى الله عليه وآله)، وإن لم يعلنوا إيمانهم بها، فلو لم يكن ذلك لما قالوا هذه الكلمات.
ومن هنا نقول: انظروا أيها المسلمون إلى من تنتمون وبأي شريعة تأتمرون وبأي سلاح تواجهون العالم، فحري بنا أن نفكر في هذا الرجل الذي كسب العالم من دون قتال أو كراهية في النفوس والعقول، بأن الرجل الذي استطاع أن يقنع العالم بأسره لماذا نحن اتباعه عنه متخلفون ولا نستطيع كسب الناس والعالم أجمع، حتى في بعض الأحيان لا نملك القدرة على هداية أضعف الناس على الرغم من أن منهجنا معه(صلى الله عليه وآله) واحد بحسب المفروض؟
ولو سألنا أنفسنا عن سر تحول العالم إلى أعداء لنا؟ فالجواب ببساطة:
لأننا تخلينا عن الأساس الاخلاقي في مواجهة المجتمعات والناس أجمعين والمسألة نسبية، ولم نركز عليه منهجاً لنا في الحياة، لذا خسرنا هذه الخسارة العظيمة، والحل لهذه المعضلة والظاهرة(فقدان القدرة على كسب الآخرين) يكمن في أننا يجب أن نؤمن بأن الأساس الأخلاقي هو الأساس الذي يجب أن نستند إليه لكسب الآخرين مهما كانت الظروف، والتطبيق العملي لها هو الأداة التي تلزم أن نواجه بها الآخرين في خضم الحياة وصعابها، كما كان النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله).
وفي هذا الموضع من الكلام ندرك أننا نحن بحاجة إلى التفكير جدياً في الأمر، واتخاذ القرار، في اختيار منهجنا في الحياة لنسير عليه، وليكن خيارنا جميعاً منهج الأخلاق والتطبيق العملي لها تماما كرسول الله الأعظم(صلى الله عليه وآله).
الهوامش:-----
[1] انظر: منظومة أخلاقيات لا منظومة أخلاق، تاريخ النشر 30 أكتوبر-2009 نسخة منه محفوظة 31 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
[2] كتاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة، حسين حسيني معدى، ص: 183- 186.
[3] الفيلسوف إدوار مونته الفرنسي مستشرق فرنسي ولد في بلدة لوكادا ١٨١٧- ١٨٩٤ قاله في آخر كتابه «العرب».
[4] برناردشو الإنجليزى ولد فى مدينة كانيا ١٨١٧- ١٩٠٢ له مؤلف أسماه (محمد) ، وقد أحرقته السلطة البريطانية.
[5] آن بيزينت: من كتاب: حياة وتعاليم محمد، نشر: دار مادرس ، سنة النشر:١٩٣٢.
[6] المستر سنكس الأمريكى: مستشرق أمريكى ولد فى بلدته بالاى عام ١٨٣١، توفى ١٨٨٣ فى كتابه «ديانة العرب» .
[7] السير موير الإنجليزي في كتابه «تاريخ محمد» .
اترك تعليق