المرجعية المباركة ذكرت في خطبها وبياناتها المباركة أهم سبل تحصين المجتمع للحفاظ على مبادىء العقيدة الإسلامية، وعدم التأثُّربالدعاوى المنحرفة، ويمكن أنْ نتحدث عن هذه الموضوعات من خلال مطالب خمسة بإيجاز كالآتي:
المطلب الأول: العلم والمعرفة
إنَّ العلم والمعرفة من أهم سبل تحصين الفرد والمجتمع من الدعاوى الباطلة، والارتقاء به نحو التقدم في المجالات المختلفة، ومن أهم العلوم التي يجب علينا معرفتها إجمالًا تارة، وتفصيلًا تارة أخرى، وخصوصًا ما يتعلق بعلم العقائد، ومعرفة ذلك بالدليل حيث لا يصح فيها التقليد؛ ليكون على بينة من عقيدته، قال الشيخ المظفر في بيان عقائد الإمامية: ((فَلَا يَصِحُّ -وَالحَالُ هَذِهِ-أَنْ يَهْمِلَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِيْ الْأُمُوْرِ الاعْتِقَادِيَّةِ، أَوْ يَتَّكِلَ عَلَى تَقْلِيْدِ الْمُرَبِّيْنَ، أَوْ أَيِّ أَشْخَاصٍ آخَرِيْنَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُؤَيِّدَةِ بِالنُّصُوْصِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنْ يَفْحَصَ وَيَتَأَمَّلَ وَيَنْظُرَ وَيَتَدَبَّرَ فِيْ أُصُوْلِ ٱعْتِقَادَاتِهِ الْمُسَمَّاةِبِأُصُوْلِ الدِّيْنِ الَّتِيْ أَهَمُّهَا :التَّوْحِيْدُ، وَالنُّبُوَّةُ وَالْإِمَامَةُ، وَالْمُعَادُ))(1)، فالمعرفة مسألة مهمة جدًّا ولا بد منها للذين يبحثون عن نجاتهم وتحصين أنفسهم من الشبهات والشكوك؛ لذلك كان بيان المرجعية قد أشار إلى ذلك في بداية البيان عند حديث الإمام علي (عليه السلام)، حيث الطائفة الثانية التي نحن بصددها بقوله: ((وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيْلِ نَجَاةٍ))، فالعلم سبيل النجاة لمن أراد أنْ يتعلمه لأجل هذه الغاية، ومن دونه فلا يصل الإنسان إلى نجاته من الانحراف العقائدي وغيره، ولو أنَّنا تأملنا في الذين ٱستجابوا لتلك الدعاوى لرأينا حقيقة ذلك.
وأرى كما ذكرت من قبل أهمية تثقيف المجتمع على العلم والمعرفة للعقيدة الإسلامية، لمعرفة الثابت منها بأدلته؛ ليكون على بينة من عقيدته أولًا، وله القدرة على مواجهة التحديات التي تواجه المؤمنين ثانيًا، فهذا بصورة عامة، وأنْ يعمل كُلُّ مؤمن على أنْ يجعل من أهل بيته قاعدة لمعرفة الإمام المهدي (عليه السلام)، والدعوة عليه، وتثقيفهم على ذلك، وهذا له أثر طيب في التعامل مع القضية المهدوية، والتربية عليها، ونشر معالمها(2). وأما ما يتعلق بالقضية المهدوية فإنَّ ما تقوم به المرجعية الدينية فهو على مستوًى عالٍ من العمل على نشر العقيدة المهدوية، والثقافة المتعلقة بها، من خلال مكتبة المرجعية نفسه، أو من خلال المواقع التابعة لها، مثل مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام).
المطلب الثاني: الثبات والحذر
إنَّ الثبات والحذر من الأمور التي يجب على المؤمنين أنْ يكونوا عليه، وهذا لا يمكن أنْ يحصل عليه من دون العلم والمعرفة، فالعلاقة القائمة على أساس العلم هي الراسخة أما التيارات المنحرفة، وله القدرة على تشخيصها، وأما القائمة على أساس العاطفة فلا يمكنها ذلك، وهذا بصورة عامة سواء أكان متعلق بالقضية المهدوية أم بمسألة عقائدية غيرها، وقد ذكر البيان ضرورة الحذر والتثبت في بدايته بالقول: ((إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الوَاجِبَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ عَصْرِ غَيْبَةِ الْإِمَامِ (عِجَّلَ اللهُ فَرَجَهُ الشَّرِيفُ) هُوَ أَنْ يَتَعَامَلُوْا بِتَثَبُّتٍ وَحَذَرٍ شَدِيْدٍ فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" وَبِظُهُوْرِهِ، وَسُبُلِ الارْتِبَاطِ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَصْعَبِ مَوَاطِنِ الابْتِلَاءِ، وَمَوَاضِعَ الْفِتِنِ فِيْ طُوْلِ عَصْرِ الْغَيْبَةِ)). فالثبات والحذر الذي أكَّد عليه بيان المرجعية يقوم على موضوعات ثلاث:
1- الحذر والثبات فيما يتعلق بالإمام المهدي (عليه السلام) عامة، من حيث إمامته وأنَّه خليفة الله في أرضه، وأنَّ غيبته واقعة لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى، وغير ذلك مما يتعلق به (عليه السلام)، وهذا الثبات بصراحة لا يكون من غير معرفة عقائدية راسخة قائمة على الدليل؛ ليكون المؤمن قادرًا على مواجهة التحديات والشكوك التي يبثها الأعداء ضد القضية المهدوية.
2- الحذر والثبات فيما يتعلق بظهوره (عليه السلام) خاصة، من حيث التسليم والامتثال لما ورد عن النبي والأئمة (عليهم السلام) في ذلك، وأنَّ ظهوره يعد مثابة ٱبتلاء كبير لشيعته، وهذا ما كان يثقف الأئمة الشيعة عليه، وماورد في بيان المرجعية إنما هو ٱمتداد حقيقي لذلك،وقدوردت أحاديث في أهمية الثبات على ظهوره وعدم الشك به(3)، بل ورد في روايات أنَّ ٱنتظار الفرج من أفضل العبادة(4)، والمراد به الانتظار القائم على معرفته، والعمل على تهيئة الواقع لظهوره، وهذا كله يحتاج إلى غاية الحذر والتثبت في مواجهة البدع والضلالات والانحرافات، وأنْ يكون المؤمن على معرفة بالإجابة على الشكوك التي يوجهها أعداء الإسلام، أو المنحرفون عن القضية المهدوية، من حيث أسباب طول غيبته، أو ما الفائدة من هذه الغيبة، أو كيفية الإفادة منه وهو غائب وغير ذلك مما هو معلوم(5).
3- الارتباط بالإمام المهدي (عليه السلام) من خلال سبل متعددة، منها: أنَّه ولي الله تعالى الذين يطَّلع على أعمال العباد، كما قال تعالى: ﴿وَقُلِ ٱعْمَلُوْا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُوْلُهُ وَالْمُؤْمِنُوْنَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَ انْتُمْ تَعْمَلُوْنَ﴾(6)، فقد ورد أنَّ المراد ب﴿وَالْمُؤْمِنُوْنَ﴾ هم الأئمة (عليهم السلام )(7)، ولمَّا سُئِل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الآية والمراد منها ((قال: هم الأئمة))(8)، وإنَّ هذا يؤدي إلى الارتباط الفعلي مع الإمام (عليه السلام)، فضلًا عن الأعمال الأخرى التي تقوي الارتباط به، من حيث الدعاء له، والزيارة والتصدق عنه، وزيارته وغير ذلك مما ورد في حقه، والاستمرار على هذه الفقرة من دعاء العهد ((اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُجَدِّدُ لَهُ فِيْ صَبِيْحَةِ يَوْمِيْ هَذَا، وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِيْ، عَهْدًا وَعَقْدًا وَبَيْعَةً لَهُ فِيْ عُنُقِيْ لَا أَحُوْلُ عَنْهَا، وَلَا أَزُوْلُ أَبَدًا))(9) فإنَّ له أثر في الثبات على بيعته، والتذكير بها. إنَّ هذا المورد وما ورد فيه من تأكيد المرجعية عليه يعد حقيقة ((مِنْ أَصْعَبِ مَوَاطِنِ الابْتِلَاءِ، وَمَوَاضِعَ الْفِتِنِ فِيْ طُوْلِ عَصْرِ الْغَيْبَةِ))، فيجب على المؤمنين أنْ يكونوا على وعي تام لذلك في تثقيف المجتمع عليه من جانب، والتصدي لمن يحاول ٱستغلالهم من جانب آخر، فضلًا عن أنَّ الاسترسال والتسرع في ذلك يؤدي إلى ضياع العقيدة وٱنحرافها حيث أنَّ ((سُرْعَةَ الاسْتِرْسَالِ عَثْرَةٌ لَا تُقَالُ)).
التمسك بالمرجعية الدينية
إنَّ التمسك بتعاليم المرجعية الدينية من أهم سبل نجاة المجتمع من الفتن والأهواء التي يتعرض لها، فضلًا عن بيانها تعاليم الشريعة المقدسة وأحكامها، وكونها الركن الوثيق الذي تلجأ الأمة إليه في المهمات الصعاب، وهذا ما لا يخفى على كُلِّ مطَّلعٍ لتأريخ المرجعية الدينية، وإنَّ الرجوع إلى العلماء الأعلام هو من أهم وصايا الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم، وقد تقدمت بعض تلك الروايات التي تؤكِّد ذلك، ولمَّا كانت القضية المهدوية تعد من صميم الأمورالعقائدية في زمن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) كان لزامًا الرجوع إلى المراجع الأعلام الذين هم وكلاء عن الإمام في قيادة الأمة، ومنها التعرف على كُلِّ ما لم يمكن معرفته من دون أهل الخبرة والاختصاص الأعلام الموثوقين، وهذا ما تم التأكيد عليه في بيان المرجعية إذ ورد ((كَمَا أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيْ أُمُوْرِ الدِّيْنِ فِيْ زَمَانِ غَيْبَتِهِ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هُمْ الْعُلَمَاءُ الْمُتَّقُوْنَ، مِمَّنْ ٱخْتُبِرَأَمْرَهُمْ فِيْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَعُلِمَ بُعْدَهُمْ عَنِ الْهَوَى وَالضَّلَالِ، كَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُنْذُ عَصْرِ الْغَيْبَةِ الصُّغْرَى إِلَى عَصْرِنَا هَذَا)).
وإنَّ هذا التمسك الوثيق بين المؤمنين والمرجعية الدينية من خلال (التقليد) كان من أهم الموضوعات التي حاول أصحاب الدعاوى الباطلة والمنحرفة في القضية المهدوية التأكيد عليه، من خلال التشكيك بوجوب التقليد، أو نفي جواز التقليد، أو لا توجد أي أسباب توجب التقليد فالمرجع إنسان وأنت إنسان، أو بث الأباطيل والتهم ضد المرجعية الدينية، أوالمراجع الكرام، أو وكلائهم، أو المقرَّبين منهم، أو دفع الخمس والحقوق الشرعية، أوما يتعلق بع لومهم وغير ذلك مما لا علاقة بالمرجعية، بالكذب والافتراء على البسطاء والسذج، وتلقينهم ذلك(10)؛ ليكون كُلَّ واحد من هؤلاء داعٍ إلى أباطيلهم من حيث يعلم أو لا يعلم، ولقد رأينا تلك الحملة الإعلامية الكبيرة لتلك الفئات المنحرفة، وأرى وجود دور لجهات معادية للعراق عامة وللشيعة خاصة في ظهور هذه الدعوات في هذه الوقت بعد سقوط النظام البعثي في العراق، وبروز المواقف العظيمة التأريخية للمرجعية الدينية ضد الغزو الأمريكي، وأتباعه، وأوليائه وغيرهم من الحاقدين، وأما ما كان من موقفها في الفتوى التأريخية للدفاع الكفائي ضد كيان داعش فلا يحيط بها قرطاس ولا قلم، ولكن ستبقى مواقفها تتوارثها الأجيال زادًا عظيمًا لمستقبل كريم، وستكتب الأقلام المنصفة تلك المواقف التي كان الشرف الأعظم فيها يدور بين مداد العلماء، ودماء الشهداء.
الهوامش:----
(1) قائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر ص31- 32.
(2) للتفصيل في بيان التربية المهدوية للأسرة ينظر: على ضفاف الانتظار، الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي ص31 - 32.
(3) ينظر: الكافي 1/336 باب (في الغيبة)، الحديث 1،2،3، كمال الدين وإتمام النعمة ص347.
(4) كمال الدين وإتمام النعمة ص287.
(5) لقد كتب العلماء كثيرًا في الإجابة على ذلك، ولا نريد إعادة ما تم في ذلك، ينظر على سبيل المثال: المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، السيد ثامر هاشم العميدي ص184- 189.
(6) سورة التوبة: الآية 105.
(7) ينظر: التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي 5/295، مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي 5/104.
(8) الكافي 1/219 باب (عرض الأعمال على النبي "صلى الله عليه وآله" والأئمة "عليهم السلام"، الحديث 2.
(9) لقد كتب العلماء كثيرًا في الإجابة على ذلك، ولا نريد إعادة ما تم في ذلك، ينظر على سبيل المثال: المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، السيد ثامر هاشم العميدي ص 184- 189.
(10) سورة التوبة: الآية 105.
(11) ينظر: التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي 5/295، مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي 5/104.
(12) لقد ٱلتقيتُ مع بعضهم في جلسات مختلفة فرأيتهم ممن ينطبق عليهم ما ورد من الجهات المتقدمة، فضلًا عن بساطتهم وسذاجتهم، فهو ملقَّنون لموضوعات محددة، وما إنْ تتسلسل معهم في بيان حقيقة الأمر حتى يقف أحدهم عاجزًا لا يعرف ما يقول، سوى أنَّهم قالوا لنا هذا، وأنَّ هذا هوطريق الحق وأكثر الناس له كارهون، أو أنَّ أمر الإمام المهدي صعب مستصعب إلى آخره من أقوال لا علاقة لها بالعقيدة!!
اترك تعليق