تكلّم رأس الإمام الحسين عليه السلام في مصادر العامة...

هناك كرامات أو معاجز صدرت من الإمام الحسين عليه السلام وقد روى المؤرخون من الفريقين الكثير منها، وذكروا أن بعضها حدث أثناء قيامه المبارك، والبعض الآخر بعد استشهاده عليه السلام، وبمجرد أن يطالع المتتبع ما ذكر منها يحصل له القطع بحدوث بعضها فعلاً، ومن تلك المعاجز معجزة تكلُّم الرأس الشريف، وقد روى العامة ثلاثة روايات في ذلك بحسب تتبعي:

الرواية الأُولى:

رواية منهال بن عمرو، وهي ما رواه أبن عساكر المتوفى سنة 571 هـ بسند متصل، عن الأعمش، عن منهال بن عمرو الأسدي، قال:

...والله، أنا رأيت رأس الحسين حين حُمل وأنا بدمشق، وبين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله سبحانه وتعالى ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ فأنطق الله سبحانه وتعالى الرأس بلسان ذرب(1) فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي»(2)

والمنهال بن عمرو هو الأسدي الكوفي، روى عنه البخاري، ونقل أبن حجر توثيقه عن أبن معين والنسائي والعجلي وغيرهم(3) وقد نقل هذه الرواية عن أبن عساكر كل من: السيوطي المتوفى سنة 911ﻫـ في الخصائص الكبرى(4)، والعلامة المناوي في الكواكب الدرية، ولكن مع اختلاف طفيف، حيث قال: «فنطق الرأس بلسان عربي فصيح، وقال جهاراً...»(5)، والصبان في إسعاف الراغبين(6)، وأبن منظور المتوفى سنة711ﻫ في مختصر تاريخ دمشق(7)، والصالحي الشامي المتوفى سنة942ﻫـ في سُبل الهدى والرشاد(8)، والعلامة الشبلنجي في نور الأبصار(9)، والمناوي في فيض القدير(10).

الرواية الثانية:

رواية زيد بن أرقم، روى العلامة المحدث الحافظ الميرزا محمد خان رستم خان المعتمد البدخشي، المتوفى في أوائل القرن الثاني عشر في مفتاح النجا في مناقب آل العبا ص145 مخطوط، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنّه قال: «... مُرَّ به [أي: رأس الحسين عليه السلام] عليّ وهو على رمح، وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ فقفَّ(11) ـ والله ـ شعري، وناديت: رأسك ـ والله ـ يا بن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب»(12)

وزيد بن أرقم من مشاهير الصحابة، شهد غزوة مؤتة، توفى في الكوفة سنة 66 أو 68هـ، ويظهر من ترجمته أنه كان من سكنة الكوفة وقد مات فيها، ويبدو أن حادثة تكلُّم الرأس هذه حدثت معه في الكوفة.

الرواية الثالثة:

رواية سلمة بن كهيل، وهي ما رواه أبن عساكر بسند متصل عن الأعمش عن سلمة بن كهيل قال: "...رأيت رأس الحسين على القنا وهو يقول: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾" (13).

ورواها أيضاً الصفدي المتوفى سنة764ﻫـ في الوافي بالوفيات في ترجمة سلمة بن كهيل(14).

هذه الروايات الثلاث المشهورة في مصادر العامة، والتي تشير إلى معجزة تكلم الرأس الشريف وقد رواها ثلاثة من الرواة, ولا يحتمل اتحاد الحدث زماناً ومكاناً, وذلك لأن رواتها مختلفون، كما أنها مختلفة من حيث مكان الحدث ومضمونه، إذ الأُولى في دمشق، بينما الثانية في الكوفة، والثالثة وإن لم يُذكر فيها المكان ولو بالقرينة، إلا أن مضمونها يغاير ما في الروايتين السابقتين؛ فإن الآية التي تلاها الرأس الشريف تختلف عن الآية فيهما، كما أن الآية في الرواية الأُولى كان يتلوها رجل، ولكن الرأس نطق بعدها، بينما في الثانية كان الرأس هو الذي يتلوها.

ومن خلال ملاحظة كثرة المصادر التي نقلتها عن أبن عساكر يتبين إن الحادثة مشهورة، وإذا ضممنا إليها الروايتين الأخيرتين تزداد الحادثة شهرة.

وكل ما تقدم بصرف النظر عن مرويات الإمامية، حيث روي في مصادرنا المعتبرة أكثر من أثنتي عشر رواية تتحدث عن تكلم الرأس الشريف لإبي عبد الله صلوات الله عليه، كرواية زيد بن أرقم التي رواها الشيخ المفيد والعلامة المجلسي والمحقق البحراني وغيرهم، وكذلك رواية الحارث بن وكيدة التي رواها الطبري في دلائل الإمامية، ورواية الشعبي التي رواها ابن شهر آشوب، عن أبي مخنف، وكذلك رواية اليهودي الذي أسلم بسبب الرأس الشريف وهي ما رواه العلامة المجلسي في البحار عن كتاب المناقب القديم، وكذلك ما نقل عن البهبهاني في شرح الشافية، وأيضاً رواية هلال بن معاوية التي ذكرها السيد المقرم في مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه.

ومما تقدم إذا حصل الجمع بين مرويات العامة والخاصة يحصل للمتتبع الاطمئنان ـ بلا شك ـ في وقوع هذه المعجزة لسيد الشهداء صلوات الله عليه.

السلام على الشيب الخضيب، السلام على الخد التريب السلام على البدن السليب السلام على المقروع بالقضيب، السلام على الودج المقطوع، السلام على الرأس المرفوع ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله رب العالمين

حررت بتأريخ

10 محرم الحرام لسنة 1446هـ

المصادر:-----------

1- ذرب: فصيح. ابن منظور- لسان العرب: مادة ذرب.

2- ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق - ج60- ص370. ؛نور الأبصار في مناقب آل بيت المختار لمؤلّفه مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي الشافعي مِن أعلام القرن الثالث عشر الهجري؛ الخصائص للسيوطي- ج2- ص127.

3- ابن حجر- مقدمة فتح الباري- ص446.

4- السيوطي- الخصائص الكُبرى- ج2- ص127.

5- المناوي- الكواكب الدرّية- ج1- ص57.

6- الصبان- إسعاف الراغبين- ص218.

7- ابن منظور- مختصر تاريخ دمشق- ج25- ص374.

8- الصالحي- سُبل الهدى والرشاد- ج11-- ص76.

9- الشبلنجي- نور الأبصار- ص125.

10- المناوي- فيض القدير- ج1- ص265.

11- قف شعري، أي: قام من الفزع. الجوهري- الصحاح- ج 4- ص1418.

12- نقل هذه الرواية عن المصدر المذكور السيد المرعشي في شرح إحقاق الحقّ- ج11- ص452.

13- ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق- ج22- ص117.

14- الصفدي- الوافي بالوفيات- ج15- ص200.

المرفقات

: علي الحداد