ما هو أكبر خطرٍ وتهديدٍ لمستقبل العراق؟ خطر طمس هويّته الثقافية التي من أهم ركائزها؛ هو: الدين الإسلامي الحنيف.
سؤال: ما هو أكبر خطرٍ وتهديدٍ لمستقبل العراق؟
الإجابة: خطر طمس هويّته الثقافية التي من أهم ركائزها؛ هو: الدين الإسلامي الحنيف.
هذا كان جواب المرجعية العليا قبل سنوات، ولا يزال الخطر لم يرتفع، بل الظاهر أنّ الأعداء أعدّوا خطّة في أيّامنا هذه لتأجيج النزاع وإثارته بين المؤمنين في داخل دائرة المذهب وبين المتديّنين، وبشأن أمورٍ ومفاهيمٍ خاصّة بينهم؛ منها: الشعائر_الحسينية ومصاديقها، وما ينبغي أن يتنزّه عنه الخطيب و الشاعر و الرادود، وكذلك مسألة الغلو، و العرفان و الفلسفة، والنظريّات والأعمال والأدوار والأحزاب السياسية، ونشاطات المؤسّسة الدينية، وباقي الأمور ذات الطبيعة الخلافية.. نعم، لا خلاف على ضرورة الوقوف أمام الانحرافات والإشكاليّات؛ لكن أن تصَب أكثر الجهود ويوجّه من يعمل في الإعلام الديني أكثر قوّته على هذا الموضوع، فإنّه أمرٌ ينبغي التأمّل بشأنه!
والظاهر أنّ أعدائنا ينفخون على جمرة هذه النار المشتعلة هذه الأيّام لكي ينشغل المجتمع الشيعي المتديّن في العراق وغيره من البلدان بهذه الأمور؛ ويغفل عن نشاطاتهم الخطيرة التي تستهدف الهوية_الدينية بجميع أجزائها!
فلننتَبه وليكُن قدَر اهتمامنا بالأمور المثارة يناسِب حجم خطرها، لا أكثر ولا أقل!
وهنا لا بأس أن نشير الى موضوعنا الهام بإيجاز .. .
ماهيّة الحرب على الثقافة الدينية:
إنّها حربٌ محسوبةٌ غير معلنة التفاصيل، تتميّز بالتخطيط التفصيلي واستخدام الوسائل والأدوات المتعدّدة والمتنوعة لإضعاف المعتقدات وتحويل القيَم وتحريف الأفكار وتغيير العادات والتقاليد، وتحطيم المبادئ الدينية والمذهبية؛ التي تحكم المجتمع الإسلامي.
في هذه الحرب، تغزو مجموعة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية الأسس الثقافية لتلك الأمّة لتنفيذ أهدافها الخاصّة. إنّهم يجلبون مفاهيم جديدة بالقوّة والتأثير الإعلامي ونحوه إلى هذا البلد والمجتمع، وذلك بهدف استبدال ثقافة المجتمع الديني بأفكار وآراء تخدم مصالحهم!
في هذه الحرب، تأخذ مجموعة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية على عاتقها تحقيق أهداف محدّدة تؤدّي إلى طمس الهوية الثقافية الدينية؛ التي تعَد من أهم أركان مجتمعنا، وبمعنى آخر: تهدف هذه الحرب إفراغ الفكر والعقلية من الثقافة الدينية وفرض ثقافة البلد أو الجماعة المهاجمة مكانها. وهذا لا يتم إلا بعد إزالة الأسس الفكرية والدينية الأصيلة!
التبادل الثقافي أو غزو الهوية الدينية:
بعض الأشخاص والتيارات المشبوهة أو المخادعة تقصد الاحتيال على العاملين في الشؤون الدينية والثقافية، وذلك بتبرير بعض أفعال الغربييّن والمعجبين بهم وآرائهم وأفكارهم بأنّها من انواع التبادل الثقافي الذي يحدث دائمًا بين الأمم، بينما يختلف التبادل الثقافي عن الغزو الثقافي.
إنّ الانفتاح على الآخر والأخذ منه ضروريٌ ولا تنكر أيّ أُمّة ضرورة التعلّم من الأخرى في جميع المجالات، بما في ذلك الثقافة والقضايا المرتبطة بها، فقد كانت الثقافة على مرّ التاريخ من الأسباب الرئيسية لتعامل الدول والأُمم مع بعضها.. لقد تعلّموا من بعضهم البعض آداب الحياة، العادات والتقاليد، العلوم، الزيّ واللباس، الآداب الاجتماعية، اللغة، التربية، الدين وغير ذلك، وكان هذا أهمّ ما يتبادل بين الأمم.. أهم من التبادل الاقتصادي وتبادل السلع والتجارة، بل كان في بعض الأحيان يسبّب هذا التبادل الثقافي إلى تغيير دين بلد بالكامل!
مقارنة التبادل الثقافي والغزو الثقافي:
في التبادل الثقافي، ليس الهدف القضاء على الثقافة الأصيلة وتدميرها، لكن في غزو الثقافة الدينية، يكون الهدف: القضاء على عقيدة المؤمنين ودينهم وعاداتهم وتقاليدهم الدينية وكل شيء يقوّيهم أمام الأعداء!
في التبادل الثقافي، تأخذ الأمّة المستقبِلة الأمور الإيجابية وتترك السلبية بخلاف الغزو والاستعمار الثقافي.. ولا يخفى أنّ طمس الهوية الدينية ليس شيئًا جديدًا، بل يحدّثنا التاريخ أنّه قد استخدِم بأشكال مختلفة ضد الأنبياء والأوصياء والمجتمعات المسلِمة عبر تاريخ البشرية.
والتاريخ الإسلامي يشير كرارًا إلى القصَص والوقائع بشأن ذلك؛ ومنها: ما حدث في إسبانيا، فبعدما فقد الصليبيّون مقاومتهم للمسلمين واعتبروا أنّه من المستحيل قتالهم، استخدموا أسلوب الحرب الناعمة على الهويّة الدينية؛ فقاموا بتأسيس أماكن بحجّة التعليم والتعلّم وتبادل الخبرات المهنية التي كان يحتاجها المجتمع المسلم آنذاك، وزيّنوا تلك المراكز بأجمل وأروع الحدائق، وقد زادت كل يومٍ الأزهار والأعشاب والأشجار المختلفة والمياه الجارية فيها، إلى أن استأجروا أجمل الفتيات الإسبانيات للعمل في هذه الحدائق؛ لكي يرغّبوا الجنود والضبّاط المسلمين تدريجيًا على شرب الخمر والمشروبات الكحولية، ومن بعد ذلك وقعوا في فخّ الارتباط الجنسي بهنّ، وبهذه الطريقة، ومع الفساد والدعارة، فقد من بيدهم الأمور الهامّة روح الإيمان والتقوى وانغمسوا في اللذائذ وعدم الانضباط، ومع انتشار الخطيئة بينهم، أصبحوا ضعفاء وكسولين لدرجة أنّه في وقت قصير جدًا ضاعت نتائج كل جهودهم وقتل معظمهم على أيدي نفس تلك الفتيات، واختفى الإسلام من إسبانيا، وبهذا الشأن قال وزير المستعمرات البريطانية في القرن الثامن عشر: "لقد أنقذنا إسبانيا من المسلمين بالخمر والدعارة، وبالتالي يجب إنقاذ بقية البلاد بهاتين القوّتين العظيمتين".
فلا بد من الانتباه! فإنّ العدو الذي جرّب كل المؤامرات العسكرية والاقتصادية والسياسية والنفسية ولم يوفّق بها لمحو الإسلام بصورة كاملة، قد أخذ سلاح هزيمة الثقافة الدينية وغزو الهوية الإسلامية على عاتقه ونزل إلى الميدان بكل قوّته؛ ليكرّر التاريخ!
خصائص الحرب على الثقافة الدينية:
يتميّز الغزو الثقافي بخصائص فريدة مقارنة بالغزو العسكري أو الاقتصادي، وبسبب هذه الخصائص، فإنّه يتطلّب عناية كافية ومواجهة جدّية، وتشمل هذه الميزات أنّه: غير مرئي وغير محسوس، طويل الأمد وواسع التأثير، وذات أثر متجذّر وعميق!
مراحل تدمير الثقافة الدينية:
يتم الاستعمار والغزو الثقافي على مرحلتين:
المرحلة الأولى: إفراغ الثقافة الدينية من الداخل، ويمكن تلخيص الأساليب والاستراتيجيات الرئيسية للعدو في خلق الفراغ الثقافي في المحاور التالية:
1. تدمير الأُسس الفكرية والعقائدية والقيَمية والأخلاقية بإثارة الشكوك فيها.
2. تنحية رجال الدين عن المجتمع وتقليل الوثوق بالمؤسسّة الدينية والطعن بالمدافعين الحقيقييّن عن الدين.
3. التشكيك في المناسك والشعائر الدينية والإخلال بها وتحريفها.
4. تشجيع الفساد والفسق والفجور والإباحية.
5. تعميق الخلافات الفكرية والثقافية بين الأجيال.
6. تدمير الثقة بين المجتمع والمؤسّسة الدينية.
7. دعم التيارات الثقافية والسياسية المعارضة للدين والمفكّرين المرتبطين بها.
9. تحريض الرأي العام ضد الدين والمؤسّسة الدينية.
المرحلة الثانية: ترسيخ الثقافة الأجنبية؛ بأساليب واستراتيجيات متعدّدة؛ منها:
1) توظيف وتعيين عملاء الفكر الغربي والمعجبين به في أهم المؤسّسات في الدولة والمجتمع.
2) إنشاء العديد من المؤسّسات الخيرية والخدمية والثقافية تحت غطاء منظمات المجتمع المدني.
3) إنشاء شبكات ومنظومات ثقافية واسعة لنشر الأفكار والآراء الضالّة.
4) تحريض الأعراق والفئات الاجتماعية المختلفة، والفرق والطوائف، والأقليات الدينية على العداء فيما بينها.
5) تحريف التريخ واعتبار أوروبا والغرب مصدر الحضارة الإنسانية.
6) تغيير الخط واللغة.
7) التلميح إلى أنّ رغبات وآمال الفرد أو المجتمع ستكون بعيدة المنال ولن تتحقق أبدًا، وذلك بالتركيز والدعاية على السلبيات، وإخفاء الإيجابيّات، لخلق الإحباط النفسي في المجتمع المتديّن.
أداة الهجوم على الثقافة الدينية:
يروّج الأعداء لمفاهيمهم المرجوّة بشكل تدريجي من خلال وسائل وأدوات مختلفة؛ منها:
1. اللغة والترجمة والمصطلحات والمفاهيم.
2. الإعلان المكثّف من خلال تكنولوجيا الاتصال المتطوّرة، ووسائل التواصل الاجتماعي.
3. نشر المعلومات المزيّفة والشائعات.
4. تشويه الواقع وتحريفه.
5. اغتيال سمعة الشخصيّات الدينية والثقافية المؤثّرة في المجتمع.
طرق التعامل مع خطر طمس الثقافة الدينية:
في عالمنا اليوم، لا تستطيع الجماعات الدينية بناء جدار حول نفسها لتكون في مأمن من تصادم ثقافة مجتمعها مع الثقافات الأجنبية، وإذا فقدت ثقافة المجتمع قوّتها وانفصل الناس عن هويّتهم الدينية، فبالتأكيد سيُحرمون من القدرة على التفكير والسير إلى الأمام بشكل صحيح، وسيغرقون في بحر الإعجاب بالغرب والأكاذيب والدعايات التي تروّج بشأنه، ولهذا نحن بحاجة إلى حلول عملية للحفاظ على هويّتنا الدينية وحمايتها؛ والتي منها:
1. الإعلان الواسع والتعريف بخطر الغزو والاستعمار الثقافي وأهداف العدو منه.
2. تقوية الوعي الديني والتركيز على الثقافة الدينية في جميع المجالات.
3. السعي لإشباع حاجات الفرد المؤمن الطبيعية بوسائل مشروعة.
4. توسيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الضوابط الشرعية.
5. الاهتمام برجال الدين وشؤون المؤسّسة الدينية.
6. محاولة القضاء على الفقر الاقتصادي.
7. استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال الأنشطة الثقافية.
8. تقوية الإعلام الديني وتحديث أدواته، وإثراء برامجه الثقافية لتقوية الهوية الدينية والوقوف أمام الغزو الثقافي للعدو.
9. الدعم المستمر للمساجد والحسينيات والمواكب والمراكز والمؤسّسات الثقافية الدينية الأخرى.
10. إشراك المراهقين والشباب في الأنشطة الثقافية.
12. محاولة تعديل المناهج الدراسية وخاصّة ما يتعلّق منها بالدين والثقافة والعلوم الإنسانية والاجتماعية.
وفي الختام ننوّه بأنّ خطر طمس الثقافة الدينية قد ازداد كثافة وسرعة وتعقيدًا مع تطوّر تكنولوجيا التواصل وسرعة نشر المعلومة في أيّامنا، ولهذا يجب أن يكون التخطيط الثقافي العام بيد أولئك الذين يعتقدون أنّه من الممكن الوقوف أمام المؤسّسة الإعلامية الضخمة في الغرب، ويعتقدون أنّه على الرغم من تقدّم الطرف الغربي في الجانب التقني، لكنّه لا يزال يواجه العديد من المشاكل في جانب التخطيط الاستراتيجي، لأسباب متعدّدة؛ منها: نظرته إلى المجتمع الديني بمنظار غربي يجعله لا يدرك كثير من مقوّمات هذا المجتمع ونقاط قوّته!
فلا بد من الانتباه والعمَل.. كلّ حسب استطاعته.. والذي لا يعمل ويكتفي بالشعارات والشجب والاستنكار ونحوه، سيخسر في النهاية!
اترك تعليق