تمر علينا في آخر ذي القعدة مناسبة استشهاد تاسع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) وبهذه المناسبة الأليمة نرفع أحر التعازي إلى مقام ولي الله الأعظم الحجة المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وإلى مراجعنا العظام ولجميع المؤمنين من محبي أهل البيت (عليهم السلام) ونريد أن نقف في هذه السطور على شيء من سيرته المباركة راجين من الله السداد والقبول.
اسمه الشريف: محمد الجواد، واسمه من قبل الله عز وجل بحسب ما ورد في الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة.
نسبه الشريف:
وهنا نتعرف على سلسلة آباءه ونتعرف على أمه وما قيل فيها:
أولاً: نسبه عن طريق الأب: هو محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، لقد اعترف علماء الأمة ومحدثيها بأن نسب الإمام من أبيه إلى جده يقع ضمن السلسلة الذهبية فالذهب أعلى وأشرف شيء وقت الكلام آنذاك، كما أنّهم اعترفوا بأنّ من فضل هذا السند المبارك المذكور به آبائه(عليهم السلام) لو قرئ على مجنون لأفاق؛ فقد قال أحمد بن حنبل: (لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جُنّته)[1]، ولو قرئعلى الصم البكم لبرءوا ولو قرئ على مريض لشفي.
ثانياً: نسبه عن طريق الأم: لقد اختلف الناقلون في اسم أم الإمام الجواد (عليه السلام) إلى خمسة أقوال:
1. اسمها الخيزران ، سماها به الإمام الرضا (عليه السلام)[2].
2. اسمها سكينة النوبية، وقيل المريسية، وقيل: إنها ممن تنتمي إلى مارية القبطية زوجة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)[3].
3. اسمها ريحانة[4].
4. أمه أم ولد تدعى درة وكانت مريسية ثم سماها الرضا (عليه السلام) خيزران وكانت من أهل بيت مارية القبطية[5].
5. قيل: إنها سبيكة، وكانت نوبية[6]. وتكنى أم الحسن، قال الإمام الرضا بحق والدته الطاهرة: قَالَ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بحق زوجته عند ولادة الإمام الجواد قُدِّسَتْ أَمْ وَلَدَتْهُ، قَدْ خُلِقْت طَاهِرَةُ مُطَهَّرَةً)[7]. فهي قديسة طاهرة مطهرة، وهذا دليل على علو شأنها وكرامتها عند الله وعند الإمام (عليه السلام)، فهن المطهرات من كلّ دنس وعيب، وهن ذوات الأرحام الطاهرة التي تليق بالمعصوم، كما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل قال عنها: (بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ النُّوبِيَّةِ الطَّيِّبَةِ يَكُونُ مِنْ وُلْدِهِ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَجَدَهُ وَصَاحِبُ الْغِيبَةِ فَيُقَالُ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ أَوْ أَيِّ وَادٍ سِلْكُ)[8].
وهنا أود الإشارة إلى ثلاثة أسباب دعت إلى ظاهرة تعدد الأسماء لأمهات المعصومين (عليهم السلام):
السبب الأول: تعدد الأسماء لكون هنالك أسم مسبق لها قبل دخولها في بيت الإمام، فما إن تدحل بيت المعصوم حتى يغير الأسم، وهذا ما كان سائداً بين المسلمين كما حدث مع ميثم وسلمان.
السبب الثاني: إنّ تعدد الأسماء يعتبر وسيلة أمنية للحفاظ على أمهات المعصومين من الاغتيال والتسقيط والملاحقة، أو تهديد المعصوم بوالدته بجعلها وسيلة ضغط؛ لكي يرضخ ويخضع للظالمين.
السبب الثالث: إنّ بعض الأسماء هي ألقاب تطلق عليها وهذا يدلّ على استخدام الألقاب الحسنة سنة مستحبة من قبل المؤمنين، أمّا الألقاب البذيئة فيحرم التنابز بها.
كنيته: يكنى بأبي جعفر، وكنيته الخاصة أبو علي.
ألقابه: اشتهربالجواد، التقيّ، الزكيّ، القانع، المرتضى، المُنتَجَب، المختار، المتوكل، كما أطلق عليه بعد شهادته بباب المراد من قبل شيعته ومحبيه؛ لكثرة ما رأوه من الكرامات في قضاء حوائجهم عند توسلهم إلى الله تعالى به.
محل وتاريخ ولادته: في المدينة المنورة في بيت الرسالة، وُلد الإمام محمد الجواد(عليه السلام) في ليلة الجمعة للتاسع عشر من شهر رمضان، ويقال: للنصف منه، وقال ابن عياش: يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة 195هـ، قبل شهادة أبيه الرضا بسبع سنوات،
والأخير هو المشهور.
مكانة الإمام الجواد (عليه السلام) ومنزلته عند الموالف والمخالف:
عندما نريد التعرف على شخصية ما فهي من تحدثنا وتعرفنا بنفسها، ومن هنا كان تعريف المعصوم لنفسه كما أخبر الإمام زين العابدين (عليه السلام) أهل الشام الذين كانوا يجهلونه، وقد تحدثنا عنها سيرتها ومواقفها النبيلة، وما تتصف بها من صفات حميدة، أو قد تخبرنا عنها شهادة أهل الفضل ممن يكون مثيلها في الفضل، أو يحدثنا المنصف عنها، أو ما يشهد به الأعداء من خير في تلك الشخصيات، فلا تجد عدواً يشهد لعدوه بالكمال ما لم يكن كاملاً، وقد قال الشاعر:
ومليحة شهدت لها ضراتها
والحسن ما شهدت به الضراء
ومناقب شهد العدو بفضلها
والفضل ما شهدت به الأعداء
أولاً: مكانته ومنزلته عند الموالين له:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ جَالِساً بِالْمَدِينَةِ وَكُنْتُ أَقَمْتُ عِنْدَهُ سَنَتَيْنِ أَكْتُبُ عَنْهُ مَا يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ - يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ- إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنِ عَلِيِّ الرِّضَا (عليه السلام) الْمَسْجِدِ - مَسْجِدُ الرَّسُولِ- فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ بِلَا حِذَاءٍ وَلَا رِدَاءٍ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَعَظَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ(عليه السلام): يَا عَمِّ اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي كَيْفَ أَجْلِسُ وَأَنْتَ قَائِمُ، فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى مَجْلِسِهِ جَعَلَ أَصْحَابُهُ يُوَبِّخُونَهُ وَيَقُولُونَ: أَنْتَ عَمُّ أَبِيهِ وَأَنْتَ تَفْعَلُ بِهِ هَذَا الْفِعْلَ؟ فَقَالَ: اسْكُتُوا إِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ
-وَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ- لَمْ يُؤَهِّلْ هَذِهِ الشَّيْبَةَ وَأَهَّلَ هَذَا الْفَتَى وَوَضَعَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ، أُنْكِرُ فَضْلِهِ؟ ! نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّا تَقُولُونَ، بَلْ أَنَا لَهُ عَبْدُ)[9].
ثانياً: مكانته ومنزلته عند المعادين له:
بل جاءت الاعترافات من الأعداء بأنّ أهل هذا البيت لا يفرق لديهم السن والعمر؛ فمنبع علمهم من منهل صافي، فهم من أهل البيت الذين زقوا العلم زقاً، ويتوارثون العلم كابراً عن كابر، فقد قال بني العباس للمأمون لما عزم على تزويجه من إبنته أم الفضل: إنّ هذا الصبي وإن راقك منه هديه، فأنّه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب ويتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم إنّني أعرف بهذا الفتى منكم، وأنّه من أهل بيت علمهم من الله ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين به ما وصفت من حاله[10].
الهوامش:-------------
([1])ابن حجر، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ص595.
([2])السيد الحسيني القزويني، موسوعة الإمام الجواد (عليه السلام) ج١ ص33.
([3]) المصدر نفسه.
([4])المصدر نفسه ص34.
([5])المصدر نفسه.
([6])المصدر نفسه.
([7])العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج ٥٠ ص ١٥.
([8])الشيخ المفيد، الإرشاد ج ٢ ص٢٧٦.
([9])الشيخ الكليني، الكافي ج ١ ص ٣٢٢.
([10])الشيخ المفيد، الإرشاد ج ٢ ٢٨٢.
اترك تعليق