إن الزيارة عمل من الاعمال التي يقوم بها الإنسان، والغرض من قيامه بها، هو حصول الغاية من أداءه، وزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) عمل له قصد وغرض وغاية في نفوس المؤمنين بالله(عزّ وجلّ) ورسوله(صلى الله عليه وآله) والموالين للإمام الحسين(عليه السلام)، وهي أركان أساسية في حركة الإنسان الزائر يلزم الالتفات إليها والعناية بها، لكنا رغم توفر القصد والغاية والعمل(الزيارة) لا نحصل في كثير من الأحيان على ما يترتب عليها من الجزاء والآثار في الدنيا، أما في الآخرة فنأمل حصول ذلك، فهل يمكن أن نزور الإمام الحسين(عليه السلام) في يوم من الأيام ونحصل على ما جعل الله(عزّ وجلّ) من ثواب وجزاء وآثار، نقول: نعم، بالتأكيد، ويكفي في هذا المدعى كدليل عليه أن نقول: إنه الحسين(عليه السلام)، ولكن كيف؟! هذا ما يحتاج إلى بيان وتفصيل، فالعمل الذي نروم القيام به ليس عملاً معرفياً نظري بل هو عمل سلوكي عملي، أي: تعديل وتغيير في السلوك الإنساني الذي هو من أعقد وأصعب الأعمال، لكن إذا مارسنا ذلك على ضوء روايات أهل البيت(عليهم السلام) ونتقنه فالسهولة حليفتنا في التطبيق والنجاح والفلاح لا محالة.
وقد يستغرب الإنسان من هذه الاطروحة ويسأل السؤال التالي: هل يخطئ الإنسان في فعل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)؟! طبعاً الجواب الأولي لا، لا يخطئ، لأن من توجه لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) توجه إلى الله(جلّ وعلا) ورسوله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وفاطمة(عليهما السلام)، وأي خطأ في هذا، ولكن الجواب الدقيق على هذا السؤال: نعم يخطئ، والمنطلق في ذلك حديث الإمام الصادق(عليه السلام):
((ما كل من نوى شيئا قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق أصاب موضعا له، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة))[1]، أي السعادة الدنيوية والأخروية، وأي سعادة، فقد جاء في الرواية عن صالح الصيرفي، عن عمران الميثمي، عن صالح بن ميثم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَوَائِدِ النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ زُوَّارِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - عليه السلام))[2]، وذكر أيضاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) انه قال للمفضل ابن عمر: ((يا مفضل أزيدك، قلت: نعم سيدي، قال: كأني بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجواهر، وكأني بالحسين(عليه السلام) جالس على ذلك السرير وحوله تسعون الف قبة خضراء، وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه، فيقول الله عز وجل لهم: أوليائي سلوني فطال ما أوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا قضيتها لكم، فيكون أكلهم وشربهم في الجنة، فهذه والله الكرامة التي لا انقضاء لها ولا يدرك منتهاها))[3].
وكل ذلك قد لا يتم الحصول عليه ولن يكون بالدقة والثواب الموضوع لهذا العمل، فعمل الزيارة الذي نقوم به عمل مركب من مجموعة أمور والزيارة الحقيقة هي الزيارة التي تراعي جميع تلك الأمور التي تتناسب ولقاء الإمام المعصوم(عليه السلام) والحضور في حضرته وجواره وحرمه.
فالإمام الصادق(عليه السلام) يشير في حديثه إلى ضرورة القيام بتلك الأمور للحصول على السعادة، وإلا تتجزأ النتيجة بتجزئة العمل والقيام ببعض المطلوب فيه فالجزاء وتحقق الأثر يكون على قدر العمل، فالإنسان إذا نوى زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) قد لا يقدر عليها، وإن قدر عليها قد لا يوفق لأدائها، ونقصد بالتوفيق: التوفيق من الله تعالى، وهو سد طريق الشر وتسهيل طريق الخير، وهو المستفاد من قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[4]، أما إذا وفق الإنسان للزيارة فقد يكون لم يصب، إذ أن الإصابة في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) هو الحصول على تمام الثواب وحصول تمام الآثار، ولكن هذا لا يحصل دائما لعدم الاهتمام بتحقيق الشروط اللازمة لهذا العمل بل يحصل الإنسان على مستوى من مستويات الآثار أو جزءً منه في المستوى الواحد.
فزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) التي تحصل كل آثارها هي الزيارة على ضوء الحديث التي تجتمع فيها: ((... النية والقدرة والتوفيق والإصابة ...))، وقول الإمام الصادق(عليه السلام) دالاً على حصول الآثار جميعها في حال توفرها جميعاً، إذ قال(عليه السلام): ((... فهنالك تمت السعادة))، لذا ومن أجل الحصول على الثواب المجعول لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) من الله تبارك وتعالى والآثار في النشئتين، لابد من تحصيل مقومات السعادة بمعنى الحصول على كل ذلك في عمل زيارة المولى أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) على أكمل وجه، وهنا لابد أن نأصل لهذا العمل، لتغير سلوكنا في الزيارة من زيارة على مستوى واحد وهو المستوى الثوابي، إلى جميع المستويات فنهئ أسباب التوفيق والفلاح، ونجعل من زيارتنا متقومة بذلك.
وبناء على ذلك نسأل ما هي الأصول التي يجب مراعاتها قبل المجيء لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) لتصبح قاعدة من قواعد هذا العمل والانطلاق به؟
والجواب، أن الأصول هي:
1- النية الحسنة، فالنية الحسنة لا شك أنها من أسباب التوفيق، إذ ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) قوله: ((مَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ أَمَدَّهُ التَّوْفِيْقُ))[5]، وقد جاء أيضاً عن الإمام الصادق(عليه السلام): ((إِنَّمَا قَدَّرَ اللهُ عَوْنَ العِبَادِ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ، فَمْنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللهِ لَهُ))[6].
2- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، والرغبة إليه، فالإنسان مدعو للطلب من خالقه التوفيق في كلّ عمل يقصده ويتطلع إلى تحقيقه، وأنْ يشعر قلبه بهذه الرغبة، يقول الإمام علي ابن أبي طالب(عليه السلام) في هذا الشّأن: ((التَّوْفِيْقُ عِنَايَةُ الرَّحْمَنِ))[7]، وفي وصيته لابنه الإمام الحسن: ((وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيْقِكَ))[8].
3- الجدّ والاجتهاد، فإذا أراد المرء أن يكون موفّقًا في عمله، فعليه بالجدّ والاجتهاد، فقد ورد عن الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) قوله: ((مَنْ سَأَلَ اللهَ التَّوْفِيْقَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ اسْتَهْزَأَ بِنَفْسِهِ))[9].
4- ويمكن أن نضيف لها نقطة رابعة هي التوسل إلى الله تعالى ذكره للتيسير والتسهيل وإنجاح العمل، إذ قال في كتابه الكريم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون}[10]، ونعني به التقرّب إلى الله تعالى بشخص أو بشيء مقدّس، فالتوسل هو أن يجعل الإنسان واسطة ووسيلة بينه وبين الله؛ ويلجأ إليه لأنّ الله هو الذي أمره أن يأتيه من هذا الطريق، ومما يُتوسّل به إلى الله: القرآن، الأنبياء، النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، أهل البيت المعصومين(عليه السلام)، فقد ورد عن مولاتنا الزهراء(عليها السلام): ((نحن الوسيلة والواسطة بين الله والخلق))[11]، كما ينقل عن عائشة أنها قالت: (إنّ عليا أقرب وسيلة لله)[12].
فالعمل حتى يقبله الله تعالى ويؤتي أكلة لابد أن يستند إلى الأصول الصحيحة، وهذه الأصول الأربعة هي أصول أساسية ترتكز إليها الزيارة الحقة التي تؤتي أُكلها في كل حين، وهي أصول السعادة الأساسية بتحصيل الجزاء وحصول الآثار إذ يلزم على الإنسان أن يحرص على أن يهتم ويعتني بها أشد عناية ولا يهمل العمل وفقها
الهوامش:----------------------------------------------------------------------------------
[1] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج ٢، ص: ١٣٠٦
[2] كامل الزيارات، ابن قولويه القمي، ص: 258.
[3] مستدرك الوسائل، المحدث حسين النوري، ج:10، ص:246.
[4] سورة هود: 88.
[5] غرر الحكم ودرر الكلم، ناصح الدين أبو الفتح الآمدي، ص341، حكمة 324.
[6] بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج: ٦٧، ص:٢١١، ح:34.
[7] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص٤١.
[8] نهج البلاغة، وصية رقم (31) من وصية له للحسن بن عليّ.
[9] بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج: 75، ص: 356، ح11.
[10] سورة المائدة: 35.
[11] شرح نهج البلاغة، عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي، ج 16، ص 211.
[12] مناقب الإمام علي، ابن المغازي، ص 79 - 566.
اترك تعليق