يعتبر مفهوم التولي والتبري من أوضح المفاهيم التي اتفق عليها اهل العقل والمنطق باعتبارهما من المسلمات الفطرية والعقلية لينسجم الانسان معهما بحكم تكوينه وفطرته البشرية، فكل انسان لو خلي وفطرته تراه يرفض الظلم ويدعو الى تحقق العدل والإحسان، ويبرا من الشر والاشرار، ويجنح نحو الخير ويتولى الاخيار.
والتولي والتبري في المنظور الإنساني هي علاقة اجتماعية أساسها معتقد يدفع الفرد لاتخاذ مواقف مؤيدة او رافضة لمنهج او فكر او عقيدة يتبناها فرد او مجموعة فيجعل منه وليا يحذوا خلفه ويؤيده ويعمل بأفكاره ومنهجه وطريقه او يكون رافضا له ولمنهجه ولفكره ومعتقداته.
فالتولي والتبري اذن هو اعلان الموقف، وهذا الموقف يشترط فيه ان لا تدخل فيه العواطف والمشاعر والامزجة ولا الشبهات واو الظنون ولا المصالح الفئوية او الميول الغريزية بل لا بد ان يكون مبنيا على معايير حددتها الشريعة المقدسة والقيم السماوية ورسمت حدودها الآيات القرآنية والروايات الشريفة الواردة عن النبي والائمة عليهم السلام، وقد وردت نصوص كثيرة تدعم مفهومي التولي والتبري، وان على كل انسان ان يعلن موقفه الحاسم وهو الولاء لأولياء الله تعالى، والبراءة من اعدائه، ومن هذه النصوص: قوله تعالى:( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوثقى لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[1] وقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إنما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[2]، وقال الله تعالى:( فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ)[3] فهذه الآيات جميعها تدل على ان كل مؤمن رسالي عليه ان يقف موقفا رافضا منكرا متبرئا من كل من اساء الى الدين والعقيدة وحث على الظلم والطغيان والباطل ودعاء الى الشر والعدوان لأولياء الله تعالى سواء بقول او بفعل او انتهج أفكارا من شانها حرف الفرد او المجتمع عن الصراط المستقيم المتمثل بالنبي والائمة عليهم السلام.
أهمية التولي والتبري للنبي والائمة عليهم السلام
يعتبر التولي لأهل البيت عليهم السلام والتبريء من اعدائهم ركنين اساسيين من اركان الدين وحولهما تدور بقية الخصال والصفات وحتى الأمور التشريعية فإنها ما لم تقترن بهذين الركنين لم يكتسب صاحبها عظيم الاجر ورفيع الدرجات فبهما تقبل الاعمال وبهما ينال الانسان الدرجات العليا والشفاعة وبهما يتحدد ايمان المرء وانتمائه وموقفه، وقد اكدت الروايات الشريفة على أهمية التولي لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من اعدائهم فعن ابن فضال قال سمعت الرضا عليه السلام يقول:( من أوصل لنا قاطعا او قطع لنا واصلا او مدح لنا عائبا او اكرم لنا مخالفا فليس منا ولسنا منه )[4]، وقال الامام الصادق عليه السلام: ( كذب من زعم انه من شيعتنا وهو متمسك بعروة غيرنا )[5]، وقال الامام الرضا عليه السلام: ( كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا )[6]، وقيل للإمام الصادق عليه السلام: ( ان فلانا يواليكم الا انه يضعف عن البراءة من عدوكم فقال عليه السلام: ( هيهات كذب من ادعى محبتنا ولم يتبرأ من عدونا)[7] .
وقد ورد في بعض الزيارات تعليم اهل البيت عليهم السلام لشيعتهم على منطق التولي والتبري كما في قولهم : ( اني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وعدو لمن عاداكم وولي لمن ولاكم )[8]، ومن هذه النصوص وغيرها يتضح أهمية التولي والتبري في حركة المنتظرين للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وذلك لان دولة العدل الإلهي انما هي دولة الحق والهداية في قبال دولة الباطل والضلال، فلابد على المؤمنين المنتظرين ان يتخذوا الموقف الحاسم وهو اعلان الولاء المستمر للإمام صاحب الامر والبراءة من اعدائه، فالانتظار لصاحب الامر عجل الله فرجه الشريف يعني الترقب والتأهب لحصول الفرج النهائي بتحقق العدل الإلهي، وقلع جذور الظلم والطغيان والاستكبار على يد الامام المهدي عجل الله فرجه، وهذا هو احد انحاء التولي والتبري واهم درجاته فالتولي للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، والبراءة من اعدائه والتربص بهم وتحسس دولة القائم عجل الله فرجه الشريف احد اركان الانتظار الحقيقي، بل ان التولي والتبري في عصر الانتظار يعني تحديد الموقف الحاسم و في أي المعسكرين سيكون الفرد المنتظر؟ اما مع معسكر المهدي وانصاره، او مع معسكر السفياني واعوانه، وحسم الموقف من قبل الفرد او المجتمع هو الذي يحدد بوصلة الانتظار الحقيقي، فان حسم الموقف لصالح السفياني واعوانه كان انتظاره مخربا وان حسم الموقف اتجاه الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف كان انتظاره حقيقياً وهادفاً.
الهوامش:-----
[1] البقرة الآية 256.
[2] فاطر الآية 6.
[3] الاعراف الآية 30.
[4] صفات الشيعة ص 7 .
[5] نفس المصدر ص 3 .
[6] السرائر ج3 ص 460
[7] نفس المصدر
[8] بحار الانوار ج98 ص 295.
اترك تعليق