خلود النهضة الحسينية وأثرها على مواقف الفرد العامة

قبل التعرض لعوامل خلود النهضة الحسينية التي كان لها الدور الكبير في استمرارية حياة هذه النهضة لابد أن نتعرف على مفهومي النهضة والثورة وهل أن بينها ما يعتبر صفة مميزة يفرق أحدهما عن الآخر؟.

تعريف النهضة

النهضة لغة: قام يقظا ونشطا، أو نهض إلى العدو: أسرع إلى ملاقاته، ناهض: قاوم النهاض: الدؤوب على أن يسلك سبيل التقدم... ألخ(1).

النهضة اصطلاحا: وصف إيجابي للتغيرات التي يحدثها من قام بها.

الثورة لغة: ثار ثورة: هاج وانتشر، ثار الماء: نبع بقوة، ثار به الناس: وثبوا عليه(2).

الثورة اصطلاحا: تغيير أساسي في الأوضاع السياسية أو الاجتماعية يقوم بها الشعب.

ولو تأملنا هذين المفهومين لوجدنا فارقا واضحا بينهما لم يظهر بسهولة وهو أن النهضة وصف إيجابي لحالة التغير التي تمتاز بالتطور والتقدم، بينما الثورة تعد حالة انقلابية وتمردا على الوضع القائم دون لحاظ أنها إيجابية أو سلبية.

وعندما نلحظ النهضة الحسينية نستطيع أن نطبق عليها مفهوم الثورة كونها حالة انقلاب على الوضع الفاسد ولكنها حالة إيجابية مليئة بالصفات الكاملة التي تقود المجتمع إلى الكمال والتطور والتقدم وهي بذلك تكون مصداقا لمفهوم النهضة.

عوامل خلود النهضة

حدثت نهضات كثيرة قبل وبعد نهضة الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام إلا أنها لم تخلد كما خلدت هذه النهضة، ولم يكتب لها ما كتب لنهضة الإمام عليه السلام من تقديس وتعظيم، ولم تستحق هذه النهضات أن تكون قدوة ومنارا كما صارت نهضة سيد الشهداء عليه السلام ففي هذه النهضة المباركة نجد كثيرا من المفردات التي تصلح أن تكون رمزا يحتذى في كل المجالات سواء كانت دينية أو اجتماعية أو عسكرية أو نفسية أو عاطفية، بل نلمس أندكاك مبادئ وقيم النهضات السابقة بوضوح في نهضة السبط المظلوم  عليه السلام ولا نغالي إذ قلنا أنها عصارة النهضات السامية وزبدتها ولذلك نجدها طرية على مدى القرون والدهور التي مرت، وما هذا الخلود إلا بسبب العوامل الأساسية التي قامت عليها هذه النهضة الإلهية الكاملة، ومن هذه العوامل ما يلي:

1 . المبادئ الإلهية: من خلال استعراض الآيات القرآنية الكريمة يتجلى لنا أن الله تعالى كتب على نفسه نصرة أوليائه الذين يدعون الناس لإعلاء كلمته وتطبيق نهجه واعتماد مبادئه ونشر دينه دين الحق كما ورد في قوله: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ))(3).

وهناك الكثير من الآيات الشريفة التي تصرح بضرورة اعتماد المبادئ الإلهية التي يتضمنها الدين الحق وهذا ما فعله الإمام  عليه السلام في نهضته، وأما التكفل الصريح الذي نطقت به آيات القرآن الكريم كقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ))(4)، وكما في آيات أخرى(5) لا يلم به هذا البحث المختصر، بل أكدت آيات أخرى في وقوع النصر الإلهي والوفاء بما تكفل به الله سبحانه كما في قوله تعالى: ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))(6) ويضاف الى هذه الباقة العطرة من آيات الذكر الحكيم كثير من الأحاديث الشريفة على لسان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين طوينا عنها كشحا روما للاختصار واكتفاء بما ورد من الآيات الشريفة.

النتيجة: نستفيد مما تقدم ضرورة أن تكون مبادئ أية نهضة أو أية دعوة مبادئ مرضية لله تعالى، ووجوب أن ننهج في تعاملنا مع مفردات حياتنا سواء كانت مفردات عامة أو خاصة نهجا فيه طاعة لله تعالى ولرسوله  صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، كما نستفيد أن النصر الإلهي لم يكن مختصرا على النصر العسكري فحسب بل نصر على جميع الأصعد بما فيها خلود النهضة لتبقى منارة يهتدى به.

2 . شخصية القائد: لقد تجسدت كامل الصفات القيادية في القائد الإلهي الذي يمثل الخليفة الحقيقي لله تعالى في الأرض، ويمثل الحجة التامة على الأمة الذي قال فيه جده المصطفى  صلى الله عليه وآله وسلم:«الحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيهما»(7) فمن هذا يتضح مدى اعتماد نجاح النهضة الحسينية على قائدها السبط الشهيد  عليه السلام فهو الإمام المعصوم والرجل الأكمل والأفضل والأعبد والأشجع والأعلم والأكرم والأحلم والأسمح والأتقى والأزهد والأكفأ بل يتصف بكل صفات الكمال للقائد الإلهي.

النتيجة: نستفيد من النقطة الثانية وجوب وجود القائد الكفوء الذي يمتاز على أقرانه بكل الصفات أو أغلبها لكي يحقق نهضة تامة وناجحة لهذا لابد من بث هذه الثقافة في نفس الفرد العراقي لكي يستطيع تشخيص الأنسب والأصلح، كما نستفيد أيضا ان الشعب الذي يريد لأبنائه أن يكونوا بمستوى المسؤولية أو الأسرة التي تريد لأبنائها أن يتبوءوا مناصبا قيادية أن تأخذ من شخصية الإمام  عليه السلام ما يرفدهم في بناء شخصياتهم، وتقع هذه المسؤولية على عاتق الأبوين سيما الأم التي هي في احتكاك مستمر مع ولدها.

3 . التخطيط: لاشك أن التخطيط من الأسس المهمة التي يعتمد عليها نجاح النهضة أو الثورة بل هو سر نجاحها، ومن هذا يتضح وجوب التخطيط والدراسة الدقيقة بكل ما يحيط الثورة أو النهضة ومعرفة العناصر والعوامل التي تساعد على نجاحها، ويتعدى هذا الأمر إلى وجوب التخطيط في الحياة الخاصة الفردية لمن أراد الوصول إلى أهدافه وغايته دون تعثر أو انتكاسة أو معوقات.

مما يؤيد ذلك تصريح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حق ولده الإمام الحسين عليه السلام ليعرف الأمة مقامه ويحثهم على نصرته فيما بعد كما في قوله  صلى الله عليه وآله وسلم: «إن ابني هذا – يعني الحسين – يقتل بأرض العراق فمن أدركه منكم فلينصره»(8).

وهذا نوع من التخطيط لنصرة الإمام  عليه السلام وما فعله أبو عبدالله عليه السلام في تحديد وقت النهضة والإعلان عن القيام بالثورة وأهدافها وطريقة اختياره لأصحابه هو مفردة من مفردات التخطيط.

4 . مشاركة الإعلام: إن الدعم الكبير الذي قدمه الإعلام والأجله من أهل بيت النبي  صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كان له الأثر الكبير في نجاح الثورة وخلودها سيما ما صدر عن الإمام زين العابدين  عليه السلام والسيدة زينب الكبرى من دور إعلامي للثورة وما صدر عن العباس بن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين عليه السلام من دور جهادي بالإضافة إلى المشاركين من البيت الهاشمي الذين استشهدوا في ساحة كربلاء، وما صدر عن مشاركة جهادية من جل الصحابة كحبيب بن مظاهر الأسدي وبرير ومسلم بن عوسجة وغيرهم كان حجة على من يري تمام الحجية للإمام الحسين عليه السلام، والخوض في تفاصيل سيرة هذه الشخصيات يخرجنا عن جوهر البحث، والوقوف على ما قدمه هؤلاء الأعلام يبعدنا عما نريد بيانه فلذا نكتفي ببيان دورهم بشكل إجمالي لكي نهتدي إلى نتيجة مهمة ألا وهي (لابد من تأييد تام من كبار الأمة أو من لدن أهل الحل والعقد لكي نضمن نجاح خطواتنا وتحقيق أهدافنا سواء كانت على المستوى الاجتماعي أو الفردي).

وهناك عوامل أخرى ساهمت بشكل كبير في تخليد النهضة الحسينية ليس لها علاقة بما نحن فيه، واختصارا للبحث لم نشأ ذكرها.

أهداف النهضة وآثارها على مواقف الفرد العامة

ان للنهضة الحسينية المقدسة أهدافا كثيرة وغايات سامية ظهرت على لسان الإمام القائد عليه السلام وما بطن منها أكثر، ولا بأس أن نتعرض لذكر ما ذكره الإمام  عليه السلام لكي نتخذها نبراسا في حياتنا الاجتماعية والجهادية والفردية:

1 . إزالة الحكم الأموي الظالم وإحياء الحكم الإسلامي العادل وهذا واضح من خلال قوله: «أن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثن والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله. ألا وأن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان...»(9).

 2 . رفض إعطاء الشرعية للظالم سواء كانت بالبيعة أو بالسكوت كما في قوله: «مثلي لا يبايع مثله»(10).

3 . الامتثال للتكليف الشرعي لما في ذلك من آثار مهمة تنتفع منها البشرية جمعاء إلى يوم القيامة وهذا ما أكده في قوله  عليه السلام: «شاء الله أن يراني قتيلا»(11).

4 . إنقاذ الأمة من الآثار المأساوية التي جلبها الحكم الأموي عليه كما يظهر ذلك من قوله  عليه السلام: «تركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله...»(12).

5 . تعليم الأمة التحرر من قيود الظالمين بل قام بنفسه الشريفة بتحرير إرادة الأمة وهذا ما أكده في قوله  عليه السلام: «لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لهم إقرار العبيد»(13).

6 . بيان أحقية أهل البيت عليهم السلام في الخلافة لكونهم أهلا لها وهذا ما عبر عنه الإمام  عليه السلام بقوله: «نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة»(14).

7 . الهدف الذي يجمع ما تقدم من الأهداف وما تأخر هو الحفاظ على الدين الإسلامي وهذا ما يوضحه قوله  عليه السلام : «من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله»(15)، وفي قول آخر نضمه إلى ما سبق «فإن السنة قد أميتت والبدعة قد أحييت..»(16) ، ولكي تتغير هذه المفاسد وترجع الأمور إلى ما كانت عليه من صلاح وحياة للدين وحكم للكتاب وهدي للسنة لابد من ثائر وناهض يعرف قدسية الدين وجلالة الكتاب وطهارة السنة ويؤدي واجبه اتجاههم، وهناك أهداف أخرى ذكرت من قبل بعض الأعلام لا تخرج عن حدود ما سبق ذكره، ومقتضى الاختصار أن ندع التعرض لها.

معطيات الأهداف

أراد الإمام الحسين  عليه السلام أن يربي الأجيال التي عاصرته والتي تأتي من بعده على مجموعة من القيم والمفاهيم العالي التي دعا إليها الإسلام ومن هذه المعطيات:

أ . رفض الحكم الذي لا يقوم على أساس شرعي ومنطقي واستحقاقي.

ب . لا يجوز إعطاء الشرعية لمن لا يستحقها.

ج . لا يجوز السكوت عن الظلم لما في ذلك من حياة للظلم وموت للعدل.

د . الانتصار للمظلومين ودفع الأذى والقهر والألم عنهم وإرجاع الحق إلى أهله.

هـ . التحرر من الروح الانهزامية والخنوع وطلب السلامة على حساب المبادئ والقيم.

و . ضرورة اختيار الأكفأ ودعم المؤهل لكي يتسنى له التصدي للمسؤولية.

ز . التضحية بالغالي والنفيس من أجل سلامة الدين.

ح . وجوب الامتثال للتكليف الشرعي دون ضرورة معرفة الحكمة.

ط . وجوب اتصاف الحاكم بالتقوى والنزاهة والطهارة الظاهرية والباطنية.

الهوامش:

_____________________________________________________

(1) المعجم الوسيط: ص 958.

(2) المعجم الوسيط: ص 102.

(3) سورة التوبة، الآية: 33.

(4) سورة محمد، الآية: 7.

(5) سورة غافر، الآية: 40. سورة الحشر، الآية: 11. سورة التوبة، الآية:14... ألخ.

(6) سورة آل عمران، الآية: 123.

(7) بحار الأنوار: ج 36، ص 254

(8) مقتل الخوارزمي: ص 233.

(9) موسوعة الثورة الحسينية: ص178، علي الطبري 3 / 307.

(10) بحار الأنوار: ج 44، ص 325.

(11) الشيعة في الميزان: ص 470.

(12) كلمات الإمام الحسين: ص 377.

(13) تاريخ الطبري: ج 4.

(14) اللهوف في قتل الطفوف: ص 17.

(15) موسوعة الثورة الحسيني: ص 178، علي الطبري 3/307.

(16) بحار الأنوار: ج 44، ص 240.

: الشيخ علي الفتلاوي