زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام فريضة من الله تعالى

عندما نقرأ الروايات الشريفة والمعتبرة في ملف زيارات الإمام الحسين عليه السلام، وخصوصاً في كتب المزار وأبوابه، كالمزاد الكبير للشيخ المفيد، ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي، وكتاب المزار للعلامة المشهدي، وأبواب المزار في الكتب الأربعة، وإقبال الأعمال للسيد ابن طاووس، ولاسيما الشيخ الأقدم ابن قولويه القمي في كتابه كامل الزيارات، وغيرها كالوسائل والبحار، نجد أنَّ هناك جملة من الروايات الدالَّة على وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام.

فهناك روايات مستفيضة تبيّن بشكل صريح أنَّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام هي واجبة من الله وفريضة على كلِّ مؤمن بإمامة الإمام الحسين عليه السلام.

ومن خلال هذه المجموعة الكبيرة من الروايات الشريفة التي يعضّدها جملة أُخرى من الروايات التي ظاهرها الوجوب نستطيع أنْ نرجح دلالياً أنَّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام فريضة من الله تعالى، واجبة على جميع أفراد المجتمع، كما سيتضح في بحث الروايات الشريفة، علماً أنَّنا لم نعثر على روايات تعارضها بالضدِّ والمضمون، وهذا ما يرجح أنْ نأخذ بمضامين دلالات الروايات الشريفة التي استخدمت أُسلوب التصريح الواضح والمباشر في وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام.

ولا بُدَّ من التنويه إلى قضية مهمة جداً وهي أنَّنا سنعتمد على روايات الشيخ الأقدم ابن قولويه القمي ت 368، ففي هذا المصدر (843) رواية، وأفرد ابن قولويه في كتابه المذكور باباً تحت عنوان (الباب الثلاث والأربعون أنَّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام فرض وعهد لازم له ولجميع الأئمة عليهم السلام على كلِّ مؤمن ومؤمنة)، حيث ذكر في هذا الباب خمس روايات.

زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام فريضة من الله تعالى

روى الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ عليهما السلام قال: «مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام، فإنَّ زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع، وزيارته مفترضة على من أقرَّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عزَّ وجلَّ»[1].

إنَّ لهذه الرواية الشريفة أكثر من سند، والرواة في الجميع من عليةِ الأصحاب ومن الأجلاء ومن الثقات الذين عليهم المعتمد والاستناد.

وهذه الرواية تامّة من حيث السند وصريحة من حيث المتن في الدلالة على وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام «وزيارته مفترضة على من أقرَّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عزَّ وجلَّ»، فمن يؤمن بإمامة الإمام الحسين عليه السلام، فإنَّ الزيارة واجبة عليه ومفترضة من قبل الله تعالى.

وفي كامل الزيارات هناك رواية مع اختلاف يسير في المتن، بسنده عن أبي أيوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام، فإنَّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كلِّ مؤمن يقرُّ للحسين بالإمامة من الله»[2].

هذه الرواية الشريفة فيها دلالة صريحة على وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام، والإمام الباقر عليه السلام يعلل ذلك قائلاً: «وإتيانه مفترض على كلِّ مؤمن يقرُّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله».

والرواية الأُولى صريحة في عموم زيارة الإمام الحسين عليه السلام حتى ولو كانت من بُعد كما ورد «مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام»، أمَّا هذه الرواية فهي تنص على زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام وإتيانه «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام»، وقد يُفهم من الروايتين، أنَّ الأُولى توجب زيارة الإمام الحسين عليه السلام ولو من بُعد، أمَّا الرواية الثانية فإنَّها توجب الإتيان لزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام.

زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام فريضة على كلِّ مسلم

روى ابن قولويه القمِّي في كامل الزيارات بإسناده عن عليِّ بن ميمون قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لو أنَّ أحدكم حجَّ ألف حجة ثم لم يأتِ قبر الحسن بن عليٍّ عليهما السلام لكان قد ترك حقاً من حقوق رسول الله صلَّى الله عليه وآله»، وسُئل عن ذلك فقال: «حق الحسين عليه السلام مفروض على كلِّ مسلم»[3].

هذه الرواية الشريفة قد وسعت دائرة الوجوب لزيارة الإمام الحسين عليه السلام فشملت (كلَّ مسلم)، وهذه دائرة ومرتبة أوسع، فزيارة الإمام الحسين عليه السلام حقٌّ ثابت ومفروض على كلِّ مسلم، ومن قصَّر في هذا الحق فقد قصَّر في حقٍّ من حقوق رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم.

زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام واجبة على الرجال والنساء

روى ابن قولويه القمِّي في كامل الزيارات، بسنده عن أبي داود المسترق، عن أُمِّ سعيد الأحمسية، عن أبي عبد الله عليه السلام، قالت: قال لي: «يا أُمَّ سعيد، تزورين قبر الحسين؟» قالت: قلت نعم، فقال لي: «زوريه، فإنَّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء»[4].

هذه الرواية صريحة في الوجوب، بل هي وسَّعت دائرة التكليف والوجوب فشملت الرجال والنساء «زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء».

ونلاحظ أنَّ الإمام الباقر عليه السلام بعد أنْ سأل أُمَّ سعيد الأحمسية قائلاً لها «تزورين قبر الحسين؟» أمرها بتكرار الزيارة، (قلت نعم، فقال لي: «زوريه...»، ثمَّ علل ذلك بكون زيارة الإمام الحسين عليه السلام واجبة على الرجال والنساء، وهذا يكشف عن أهمية زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام.

 مراتب وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام على المكلفين

بعد استعراض الروايات الشريفة والمعتبرة نلاحظ أنَّ هناك مراتب لوجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام شملت المكلفين بهذه الفريضة (فريضة زيارة الإمام الحسين عليه السلام) وهي ثلاث مراتب:

الأُولى: مرتبة من أقرَّ للحسين عليه السلام بالإمامة: كما ورد «... وزيارته مفترضة على من أقرَّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عزَّ وجلَّ»[5].

الثانية: مرتبة كلّ مسلم:

كما ورد: «حقّ الحسين عليه السلام مفروض على كلِّ مسلم»[6].

الثالثة: مرتبة الرجال والنساء.

كما ورد: «زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء»[7].

هذه الروايات الشريفة تبين لنا سعة الوجوب الذي شمل المكلفين فالمرتبة الأُولى شملت الوجوب بمن أقرَّ بإمامة الإمام الحسين عليه السلام، والمرتبة الثانية وسَّعت الدائرة فشملت جميع المسلمين، أمَّا رواية المرتبة الثالثة فشملت كلَّ دائرة المجتمع البشري من الرجال والنساء.

والسؤال المهم هنا: ما أسرار هذه المراتب الثلاث؟

أسرار مراتب وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام على المكلفين

ما أسرار هذه المراتب؟

هناك عدّة وجوه محتملة لبيان أسرار مراتب وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام وهي:

الأول: من الممكن أنْ نحمل هذه المراتب الثلاث على وجوب الزيارة على المؤمن بالحسين عليه السَّلام والمسلم ومن لم يكن مؤمناً ولا مسلماً.

الثاني: من الممكن أنْ نحمل هذه المراتب الثلاث على أنَّها عامة وخاصة وأخص، فوجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام شمل هذه المراتب الثلاث وهي عموم المجتمع من رجال ونساء، وشمل خصوص المسلمين، وشمل تكليفاً أخص وهي المجموعة المؤمنة التي أقرَّت بالإمامة الإلهية للإمام الحسين عليه السلام.

الثالث: وهناك وجه أعمق يمكن أنْ نحمل عليه، وهو أنَّ المسلم الحقيقي هو الذي أقرَّ بإمامة الإمام الحسين عليه السلام وآمن به، فتسليم المسلم لا يتحقق إلَّا بالتسليم لله تعالى ولرسوله وللأئمة عليهم السلام والقبول بولايتهم وإطاعتهم والائتمام بإمامتهم صلوات الله عليهم...

الهوامش:___________________

[1] من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج2، ص582؛ كامل الزيارات لابن قولويه ص236؛ المقنعة للمفيد ص468.

[2] كامل الزيارات: ص284.

[3] كامل الزيارات: ص357؛ وسائل الشيعة: ج14، ص432. 

[4] كامل الزيارات: ص237؛ وسائل الشيعة: ج14، ص437 

[5] كامل الزيارات: ص236.

[6] كامل الزيارات: ص357.

[7] كامل الزيارات: ص237.

 

المرفقات