928 ــ ابن الأبار القضاعي الأندلسي: (595 ــ 658 هـ / 1199 ــ 1260 م)

ابن الأبار القضاعي الأندلسي: (595 ــ 658 هـ / 1199 ــ 1260 م)

قال من كتابه: (درر السمط في أخبار السبط) في حديثه عن يزيد بن معاوية:

افتتحَ بـ(كربلاءَ) أمرَه     

وختمَه بعد ذلكَ بالحرَّه

(إن هذا لهوَ البلاءُ المبين)

فقُلْ في أيامِ تصحيفِها: لها مالئ     

طاغيةٌ هواهُ له ممالئ

أنهبَ المدينةَ ثلاثاً     

وقتلَ أهلَها كهولاً وأحداثاً

وما لبثَ أن قتله الجدريُّ     

وأدبرَه ورأيه الدبري (1)

الشاعر

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي بكر القضاعي البلنسي، المعروف بـ (القاضي ابن الأبّار) (2)، عالم وفقيه وأديب ومفسِّر ومحدّث ولغوي ومؤرّخ وكاتب وسياسي وقاضي، أحد أعظم الشخصيات التي أفرزها تاريخ المسلمين في الأندلس، ولد في مدينة بلنسية بالأندلس، وقد عُرف بهذا اللقب - ابن الأبّار - عدّة شخصيات أندلسية اشتهرت في مجالات شتى غير أن الذين اشتهروا منهم في مجال الشعر والأدب رجلان هما: القاضي ابن الأبّار البلنسي القضاعي، والثاني الذي سبقه بهذا اللقب هو أبو جعفر بن محمد ابن الأبّار الخولاني الإشبيلي، المتوفي سنة (433 هـ) وهو شاعر أندلسي من إشبيلية من شعراء المعتضد بن عباد، وقد اشتهر بروضياته وزهرياته ومدحه. (3)

وقد مُيّز بينه وبين من حمل هذا اللقب بالبلنسي يقول عز الدين عمر موسى: (كثيراً ما نسب إلى بلده بلنسية حتى يميز بينه وبين ابن الأبار أبي جعفر أحمد ابن محمد الخولاني الإشبيلي (ت ٤٣٣)، وعلى اختلاف أسميهما وبلديهما، وتفاوت عصريهما، فإن اشتراكهما في نسبة واحدة جعل بعض المؤرخين ينسبون ما لأحدهما للآخر) (4)

تهيّأت لابن الأبار القضاعي أسباب العلم فارتقى سلّم المجد، وأصبح واحداً من أعلام الأمة، فقد نشأ في بيت عامر بالعلم والصلاح، وكان أبوه من حملة العلم والدين وقد وصفه ابن الأبار بقوله: (مقدما في حملة القرآن، كثير التلاوة له والتهجد به، صاحب ورد لا يكاد يهمله، ذاكرا للقراءات، مشاركا في حفظ المسائل آخذا فيما يستحسن من الأدب، معدلا عند الحكام، وكان القاضي أبو الحسن بن واجب يستخلفه على الصلاة بمسجد السيدة من داخلب لنسية... وتوفي ببلنسية... وكانت جنازته مشهودة والثناء عليه جميلا) (5)

وقد كان لمكانة أبيه العلمية أثر كبير عليه فنهل من علومه واستقى من معارفه، يقول ابن الأبار: (قرأت عليه القرآن، وسمعت منه أخباراً وأشعاراً واستظهرت عليه أيام أخذي على الشيوخ يمتحن بذلك حفظي، وناولني جميع كتبه وشاركته في أكثر من روى عنه) (6)

ويبدو من خلال كلام ابن الأبار إن أباه كان يوليه عناية فائقة، ويمهّد له سُبل العلم ويمتحنه فيما تعلم منه حتى فاق في علومه وهو صبي بقية طلاب أبيه.

بلنسية في عصر الموحدين

كانت (بلنسية) حاضرة حواضر الأندلس العظيمة، وهي تقع شرق الأندلس ومُطلّة على البحر المتوسط، وكانت في ذلك الوقت خاضعة لدولة الموحدين التي أسسها السيد محمد بن تومرت الحسني الذي كان من أحفاد العلويين الأدراسة الذين اندمجوا مع البربر وكانت دولته تقوم على أسس شيعية (7) وكان يُطلق على الخلفاء الموحدين وأولادهم لقب (السادة) (8)

وقد شهدت الأندلس في عهد دولة الموحدين نهضة علمية وحضارية لم تشهدها في تاريخها، فكانت تلك الدولة بحق مفخرة وحاضرة من أعظم حواضر الإسلام العلمية والفكرية، ومصدراً اشعاعياً ثقافياً كبيراً من مصادر الثقافة الإسلامية، فحملت راية الإسلام عالياً بما حققته على الأصعدة العلمية والفكرية والأدبية من انجازات عظيمة، يقول المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان: (في ظل دولة الموحدين التي خلفت دولة المرابطين في حكم الأندلس انتعشت الحضارة الأندلسية والتفكير الأندلسي وكان لدولتهم صبغة دينية علمية وأبدى خلفاؤها اهتماماً بالعلوم والفنون وأطلقت حرية التفكير والبحث فبلغ التفكير الأندلسي ذروة النضوج وتفجرت ينابيع العلم وظهرت طائفة من أعظم أقطاب العلم والأدب) (9)

يقول عز الدين عمر موسى: (وإذا كان الأدب يزدهر في عصور المشادة، فلا عجب أن يزدهر عصر ابن الأبار من الوجهة الثقافية. وأية مشادة أبلغ من الصراع بين المسيحية والإسلام على الأندلس، والمنافسة بين مشرق الإسلام ومغربه، وبين العدوتين المغربية والأندلس. أفلا يدعو كل ذلك لتدوين التراث وإبداع كل جديد في مختلف الفنون!؟ ولهذا كان عصر ابن الأبار عصر ازدهار في اللغة وآدابها، والقرآن وعلومه، والحديث وروايته، والفقه وأصوله وفروعه، والفلسفة والعلوم التطبيقية والتاريخ والجغرافيا والرحلات والتصوف. وكان لرجال مشرق الأندلس وبلنسية خاصة القدح المعلى في الإنتاج الثقافي في النصف الأول من القرن السابع / الثالث عشر وقد أثر التياران السياسي والفكري في حياة ابن الأبار العلمية والعملية تأثيراً بالغاً) (10)

أساتذته وتلامذته

إضافة إلى تلمذته على يد أبيه فقد هيّأت الأجواء العلمية التي عاش فيها ابن الأبار أبرع أساتذة العلم الذين عرفتهم الأندلس أبرزهم: الحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي (565 ــ 634 هـ) كبير علماء بلنسية وكان العلماء يفدون عليه للتعلم منه، وقد استشهد هذا العالم في معركة (أنيشة) مع الروم وله من العمر سبعون عاماً، وقد ذكرت التواريخ في استشهاده أروع قصص البطولة والتضحية من أجل الدين، فكان رغم كبر سنه وكثرة جيش العدو يقاتل قتال الأبطال ويحث على الصمود ويصيح في وجه الفارين: (أمن الجنة تفرون)؟ (11)

وكان تأثير الكلاعي على ابن الأبّار عظيماً فلم يكن أستاذه فقط، بل مثله الأعلى في الصمود والثبات على المبدأ فلازمه وتخرّج على يديه، وقد تأثر كثيراً لمقتله ورثاه بقصيدة طويلة تفيض حرقة وأسى مطلعها:

ألمّا بأشلاءِ العُلا والمكارمِ     تُقدُّ بأطرافِ القنا والصوارمِ

وكان عمره قد جاوز السبعين وقد لزمه ابن الأبار قرابة عشرين عاماً، وهو الذي علّمه صناعة الكتابة وحَبّب إليه إتمام كتاب الصلة لابن بشكوال. وقد ذكره ابن الأبار فقال: (قرأت عليه القرآن بقراءة نافع مراراً، وسمعت منه أخباراً وأشعاراً، واستظهرت عليه أيام أخذي على الشيوخ يمتحن بذلك حفظي، وناولني جميع كتبه وشاركته في أكثر من روى عنه) (12)

كما تتلمذ ابن الأبار أضافة إلى الكلاعي على يد: أبي بكر الفهري الإشبيلي، وأبي جعفر الحصّار، وأبي عبد الله ابن اليتيم، وأحمد بن محمد بن عمر بن واجب القيسي، والحسين بن يوسف بن أحمد بن زلال البلنسي، والحسين بن يوسف الأندلسي، وداود بن سليمان بن داود الأنصاري الحارثي، وعلي بن أحمد بن عبد االله بن محمد بن خَيْرة البلنسي، ومحمد بن إبراهيم بن مسلم البكري، ومحمد بن أيوب بن محمد بن وهب بن نوح الغافقي، ومحمد بن عبد العزيز بن سعادة، ومحمد بن محمد بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الأنصاري النحوي، ونذير بن وهب بن لب الفهري.

يقول عز الدين عمر موسى: (والناظر في شيوخ ابن الأبار والعلوم التي أخذها عنهم والفنون التي صنف فيها يدرك الشأو الذي بلغه في العلم في المغرب الإسلامي، مما يدعو إلى القول بأنه كان في منزلة رجال الكمال في عصره) (13)

أما تلامذة ابن الأبار فمنهم: أبو بكر بن سيد الناس، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم التجاني، وأبو الحسن عيسى بن لب بن ديسم، وأبو عبد االله محمد بن صالح بن أحمد الكناني الشاطبي، وأبو عبد االله محمد بن حيان الشاطبي الحافظ.

ابن الأبار في سجل التاريخ

كان ابن الأبّار عالماً في الفقه والحديث، بصيراً بالرجال والتاريخ، مجيداً في البلاغة والإنشاء، بارعاً في الخط والكتابة، متضلّعاً بالعلم والقراءات والتاريخ والشعر.

قال عنه ابن خلدون :(كان الحافظ أبو عبد الله بن الأبّار من مشيخة أهل بلنسية، وكان علاّمةً في الحديث، ولسان العرب، وبليغاً في الترسيل والشعر) (14)

وقال عنه شمس الدين الذهبي: (الإمام العلامة البليغ الحافظ المجود المقرئ مجد العلماء.....) (15)

وقال عنه ابن شاكر الكتبي: (عُني بالحديث وجال في الأندلس وكتب العالي والنازل، وكان بصيراً بالرجال، عالماً بالتاريخ، إماماً في العربية، فقيهاً مفنناً أخبارياً فصيحاً، له يد في البلاغة والإنشاء، كامل الرياسة، ذا رياسة وافية وأبهة وتجمل وافر) (16)

وقال عنه ابن العماد الحنبلي: (كان بارعاً في البلاغة والنظم والنثر، ذا جلالة ورئاسة) (17)

وقال عنه ابن المقري التلمساني: (الإمام الحافظ الكاتب الناظم) (18)

وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي: (كان آخر رجال الأندلس براعة واتقاناً وتوسُّعاً في المعارف وافتناناً، محدّثاً مكثراً ضابطاً، عدلاً ثقةً، ناقداً يقظاً، ذاكراً للتواريخ على تباين أغراضها، مستبحراً في علوم اللسان نحواً ولغة وأدباً، بليغاً شاعراً مفلقاً مجيداً، عني بالتأليف وبحث فيه وأعين عليه بوفور مادته وحسن التهدي إلى سلوك جادته وصنّف فيما كان ينتحله مصنفات برز في إجادتها، وأعجز عن الوفاء بشكر إفادتها) (19)

وقال عنه علي بن موسى ابن سعيد: (حامل راية الإحسان، المشار إليه في هذا الأوان) (20)

وقال عنه الصفدي: (كان بصيراً بالرجال، عارفاً بالتاريخ، إماماً في العربية، فقيهاً مقرئاً، إخبارياً فصيحاً، له يد في البلاغة، والإنشاء في النظم والنثر، كامل الرياسة، ذا جلاله وأبهة) (21)

وعده المؤرخ الدكتور محمد عبد الله عنان: (أبرز شعراء ومؤرخي الأندلس في تاريخها المتأخر) (22)

وقال السيد محسن الأمين في ترجمته: (ونحن لا نقصد في هذا المقال، أن نقدم ترجمة كاملة لحياة ابن الابار، ولا أن نتحدث عنه كفقيه راسخ، أو كاتب بلغ ذروة البيان، أو شاعر مبدع مبك، أو مؤرخ محقق، ما زالت آثاره وتراجمه، أهم وأوثق مصادرنا عن حوادث عصره، ورجالات عصره، ولكنا نريد فقط أن نقدم بعض صفحات عن حياته السياسية والدبلوماسية، التي اقترنت بأهم حوادث عصره، والتي جعلت منه شخصية تاريخية بارزة، تفوق في أهميتها، وفي الأدوار التي قامت بها، شخصيات أمراء هذا العصر وسادته) (23)

مؤلفاته

ألف ابن الأبار في مختلف العلوم ويتضح من خلال كتبه إنه كان من أفذاذ الرجال الذين طرقوا شتى العلوم فقد ألف في الحديث والتاريخ والأدب والتراجم أكثر من خمسين كتاباً، قال عنه الذهبي: (كان الحافظ ابن الأبّار متفننّاً متقدّماً في الحديث والآداب، متخلّقاً فاضلاً، بصيراً بالرجال المتأخرين، مؤرّخاً حلو التَّتَرجُم، فصيح العبارة، وافر الحِشمة، ظاهر التجمل من بلغاء الكتبة) (24)

ولكن من جنايات التاريخ والحكام أنه لم يبق من كتبه سوى ستة كتب توزّعت على علوم الحديث والأدب والتاريخ، وقد أحرقت باقي كتبه على جسده بعد أن قتل، أما الكتب الستة الباقية والتي لم تكن معه يوم قتل فهي:

(تكلمة الصلة)، (الحلة السيراء في أشعار الأمراء)، (تحفة القادم)، (أعتاب الكتاب)، (درر السمط في خبر السبط)، (المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي السرقسطي).

أما باقي كتبه التي أحرقت فمنها:

(قطع الرياض في متحيز الأشعار)، (هداية المعترف في المؤتلف والمختلف)، (كتاب التاريخ)، (الأربعين المتباينات)، (وفادة الوفادة)، (إيماض البرق في أدباء الشرق)، (أنيس الجليس ونديم الرئيس)، (المورد السلسل في حديث الرحمة المسلسل)، (المأخذ الصالح في حديث معاوية بن صالح)، (الاستدراك على أبي محمد القرطبي)، (الشفا في تمييز الثقات من الضعفا)، (هداية المعتسف في المؤتلف والمختلف)، (مختصر ابن أبي زمنين في الفقه)، (قصد السبيل وورد السلسبيل في المواعظ والزهد)، (مظاهرة المسعى الجميل ومحاذرة المرعى الوبيل في معارضة ملقى السبيل)، (إحضار المرهج في مضمار المبهج)، (فضالة العباب ونفاضة العياب ــ أرجوزة)، (إعانة الحقير في شرح زاد الفقير)، (الإيماء إلى المنجبين من العلماء)، (إعصار الهبوب في ذكر الوطن المحبوب)، (الوشي القسي في اختصار الفتح القسي)، (برنامج رواياته)، (معجم شيوخه)، (الانتداب للتنبيه على زهر الآداب)، (خضراء السندس في شعراء الأندلس)، (الكتاب المحمدي) (الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة) وغيرها.

وقد تناول كثير من الباحثين والدارسين الكتب الستة المتبقية من تراث ابن الأبار لما لها من أهمية تاريخية وأدبية، فهي ذات قيمة كبرى كونها دوّنت فترة سقوط الأندلس وما رافقها من أحداث سياسية واجتماعية وفكرية، حيث تُعد من أهم المراجع والمصادر التي لا غِنىً للباحث عنها في التاريخ الأندلسي، فقد دوّن النشاط الأدبي والفكري والسياسي للأندلس في تلك الفترة، كما دوّن هجرة المسلمين من الأندلس بعد استيلاء الإسبان عليها وتفرقهم في البلاد، فحفظ لنا ذلك التاريخ من الضياع وهذا ما جعل كتبه المتبقية محط أنظار الدارسين والباحثين والمستشرقين وخاصة كتبه: التكملة لكتاب الصلة، والحلة السَيراء، و المُعْجم، وغيرها من مؤلفاته الأخرى التي أرخ فيها معلومات مهمة كانت شاهدة على فترة من أهم فترات الأندلس. وسنتناول بالحديث أهم كتابين لديه وهما فيما يخص الإمام الحسين (عليه السلام).

درر السمط في أخبار السبط

يعد كتاب (درر السمط في أخبار السبط) من أهم كتب ابن الأبار وهو أثر أدبي نفيس احتوى على قطع أدبية انصهرت فيها البلاغة بالنفس الصادق فعبر مؤلفه عن مدى عقيدته وتمسّكه بأهل البيت (عليهم السلام) وهو يصف ما حل بآل الرسول وما جرى عليهم في كربلاء من المآسي بقتل سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته وأصحابه وسبي نسائه وترويع أطفاله.

فهذا الكنز الثمين والأثر النفيس هو آية في النثر الفني لم يكن ليجيده في أسلوبه سوى ابن الأبّار الذي جمع فيه غزارة المادة وروعة الإنتقاء وفن العرض والتحليل، فهو بعد أن يسترسل في كل فصل في موضوعه ينتقي آية قرآنية، أو حديثاً نبوياً شريفاً، أو قولاً للإمام الحسين (عليه السلام)، أو قطعة نثرية أو شعرية صغيرة من التراث العربي يضعها في سياق الكلام، حيث يذهل القارئ وهو يسترسل في قراءة هذه الفصول بهذا الخزين اللغوي والأدبي الهائل.

كما دلت فصول الكتاب على مدى سعة ثقافة المؤلف، فقد أحاط بأنواع العلوم من تفسير القرآن إلى معاني الحديث الشريف إلى الفقه والتاريخ والمنطق وغيرها من العلوم ضمنها في تسلسله لأحداث الطف وقد ذكره العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني فقال: (لإمام الأندلس ابن الأبار المقتول ظلماً... نقل الشيخ أحمد بن محمد التلمساني عين عبارات هذا الكتاب مصرِّحاً بتشيع مؤلفه... وفيه ما يدل على شده ولائه واتباعه لأهل البيت عليهم السلام) (25)

وقد شاء الله أن يبقى هذا الأثر الأدبي الكبير من آثار الشيعة في الأندلس والكتاب النادر الذي يعد آية في البلاغة النثرية، وقد نالته يد العناية ليضاف إلى الآثار الشيعية في عصور النهضة العلمية والأدبية التي عاشتها الأندلس في عهد دول الشيعة، كما يبقى شاهداً على تشيّع ابن الأبّار بأبهى صورة.

بقي هذا الكتاب النادر والأثر النفيس مطموراً في زوايا النسيان لقرون طويلة حتى قُيِّض له من يخرجه إلى النور، وتبدأ قصة التعريف بالكتاب والتنبيه عليه من خلال ما نقله المقري التلمساني (26) بعض فقرات منه.

وقد نوّه الأستاذ الدكتور عبد اللطيف السعداني المغربي إلى هذا الكتاب حيث قال:

(ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية فنعثر على أثر آخر للفكر الشيعي، حيث نلتقي بأحد أدباء الأندلس في النصف الأول من القرن السابع الهجري هو القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي (المقتول في ٢٠ محرم سنة ٦٥٨هـ) ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة موضوعهما هو رثاء سيدنا الحسين.

أولهما: (اللجين في رثاء الحسين) ولا يعرف اليوم أثر لهذا الكتاب غير اسمه، وثانيهما: (درر السمط في أخبار السبط) نقل المقري عنه فقرات في كتابه (نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب). وقد اعترف المقري بأنه أغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما (يشمّ منه رائحة التشيع) ثم إنه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط) (27)

إلى هنا انتهى كلام السعداني المغربي الذي نقله السيد جواد شبر وعلق عليه بالقول: (ونضيف هذا القول الواضح والشهادة الصريحة إلى ما أشرنا إليه سابقاً عن علّة سكوت كتب التاريخ وغيرهما من الإشارة إلى آثار التشيع في المغرب والأندلس. ولم يحل عمل المقري مع ذلك من إعطائه حكماً موضوعياً عن هذا الكتاب فقط: (وهو كتاب غاية في بابه) وقد اكتشف هذا الكتاب برمته واستطعنا أن ندرك عن كثب أهميته البالغة في هذا الباب). (28)

كما يصف السيد شبر هذا الكتاب بقوله: (ومهما أطلنا في التنويه بهذا الكتاب وأسلوبه الجميل وبيانه الرائع وتأثيره البالغ في سامعيه بوصفه لتلك الحوادث المؤلمة في تاريخ الإسلام فانه لا يكفي لبيان منزلته في الأدب الشيعي وهو على كل حال يقدم لنا الدليل القاطع على رواج حركة التشيع في الاندلس في هذا العصر) (29)

ثم ينقل بعض فصول الكتاب معرّفاً به بقوله: (ولكي نأخذ فكرة واضحة عن ذلك أنقل بعض الفقرات من هذا الكتاب مما لا يبقى معه شك بتشيّع صاحبه) (30)

أما ما نقله المقري من هذا الكتاب فهو ما نصه: (رأيت هنا ان أذكر فصولاً مجموعة من كلامه في كتابه المسمى بدرر السمط في خبر السبط قال رحمه الله تعالى: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت فروع النبوة والرسالة، وينابيع السماحة والبسالة، صفوة آل أبي طالب، وسراة بني لؤي بن غالب، الذي جاءهم الروح الأمين، وحلاهم الكتاب المبين، فقل في قوم شرعوا الدين القيم، ومنعوا اليتيم أن يقهر والأيم، ما قد من أديم آدم أطيب من أبيهم طينة، ولا اخذت الأرض أجمل من مساعيهم زينة، لولاهم ما عُبد الرحمن، ولا عهد الإيمان، سراة محلتهم سر المطلوب، وقرارة محبتهم حبّات القلوب، أذهب الله عنهم الرجس، وشرّف بخلقهم الجنس، فإن تميّزوا فشريعتهم البيضاء، أو تحيّزوا فلعشيرتهم الحمراء، من كل يعسوب الكتيبة، منسوب لنجيب ونجيبة، نجاره الكرم وداره الحرم.

نمته الـــــعرانينُ مِن هاشمٍ     إلى النسبِ الأصرحِ الأوضحِ

إلى نبعةٍ فرعُها في السماءِ     ومــــــــــغرسُها سرَّةُ الأبطحِ

أولئك السادة أحيي وأفدي، والشهادة بحبهم أوفي وأؤدي، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.

فصل: ما كانت خديجة لتأتي بخداج، ولا الزهراء لتلد إلا أزاهر كالسراج، مثل النحلة لا تأكل إلّا طيبا، ولا تضع إلا طيبا، خلدت بنت خويلد ليزكو عقبها من الحاشر العاقب، ويسمو مرقبها على النجم الثاقب.

فصل: إلى البتول سير بالشرف التالد، وسبق الفخر بالأم الكريمة والوالد، وأبيها، إن أمّ أبيها لا تجد لها شبيها، نثرة النبي، وطلبة الوصي، وذات الشرف المستوي، على الأمد القصي، كل ولد الرسول درج في حياته، وحملت هي ما حملت من آياته، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لا فرع للشجرة المباركة من سواها، فهل جدوى أوفر من جدواها، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، حفت بالتطهير والتكريم، وزفت إلى الكفؤ الكريم، فوردا صفو العارفة والمنة، وولدا سيدي شباب اهل الجنة، عوضت من الأمتعة الفاخرة، بسيدي الدنيا والآخرة.

فصاهره الشرع، وآخاه لله وقال بعض صعلوك لا مال له، نرفع درجات من نشاء

فصل:

أ تنتـــــــهبُ الأيامُ أفلاذَ احمدٍ     وأفلاذُ مَن عــــــــــــاداهمُ تتودّدُ

ويضــحى ويظما أحمدٌ وبناتُه     وبنتُ زيـــــــــادٍ ودُّها لا يُصرَّدُ

أفــــي دينِه في أمنِه في بلادِه     تــــــــــضيقُ عليهمْ فسحةٌ تتورَّدُ

وما الدينُ إلا دينُ جدِّهمُ الذي     به أصدروا في العالمينَ وأوردوا

انتهى ما سنح لي ذكره من (درر السمط) وهو كتاب غاية في بابه، ولم أورد منه غير ما ذكرته لأن في الباقي ما تُشمُّ منه رائحة التشيّع، والله سبحانه يسامحه بمنّه وكرمه ولطفه) (31)

واكتفى المقري بهذا القدر وترك الباقي لأسباب مذهبية كما صرح هو، فهو كما يقول: مما يشم منه رائحة التشيع، ويعقب السيد محسن الأمين على قول المقري بعد أن يذكر ما أورده من الكتاب بالقول: (هذا بعض ما أورده صاحب نفح الطيب من كتاب درر السمط وقال إنه لم يورد غيره لأن في الباقي ما تشم منه رائحة التشيع.

ولا يخفى أن رائحة التشيع العطرية ونفحاته المسكية مشمومة مما أورده أيضاً لظهوره في إخلاصه في حب أهل البيت الطاهر واعترافه بفضلهم الباهر الذي قلما يطيق كثير من الألسن ذكره أو تستطيع نشره ولا شك أن ما تركه تحرُّجاً وتأثّماً حتى كأنه من الموبقات؟ رائحة التشيّع العطرية منه فائحة، وبعض المخلوقات لا يستطيع شم طيب الرائحة، فتشيع ابن الابار ظاهر على رغم ما في رسالته السابقة إلى ابن المطرف من قوله من معاداة الشيعة وموالاة الشريعة إذ أنه كلام لا يخلو من إجمال موجب لتطرق الاحتمال بشاهد الحال وغيره في الدلالة على تشيّع الرجل أوضح وأصرح) (32)

وقد ذكر الصفدي الكتاب وقال عنه: (وله جزء سمّاه درر السمط في خبر السبط، ينال فيه من بني أمية ويصف علياً عليه السلام بالوصي وهذا تشيّع ظاهر ولكنه إنشاء بديع) (33)

مخطوطات الكتاب

إذن فقد كانت مهمة المقري هي التعريف بالكتاب من خلال ما نقله من فصول قصيرة منه ولم ينقله إلينا كاملاً فكيف وصل؟

يقول الأستاذ محمود عبد الجبار عاشور: (وقد وُجِدَت فصول قصيرة من الكتاب طريقها للنور ضمن كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) للمقري نبّهت الباحثين لأهمية الكتاب وضرورة تحقيقه وقد نُشر الكتاب محققاً أكثر من مرة) (34)

ويشير الأستاذ عاشور إلى وجود نسختين خطيتين من الكتاب نقلاً عن الأستاذ إبراهيم الأبياري في مقدمته لكتاب (المقتضب من تحفة القادم) لابن الأبار حيث يقول: (وقد وصلتنا من الكتاب نسختان الأولى: كاملة في المكتبة الأهلية بمدريد، والأخرى: ناقصة بمكتبة الأستاذ عبد الله كنون) (35)

كما ويشير الدكتور صالح الأشتر إلى وجود نسخة خطية من كتاب (درر السمط) تعود إلى القرن الثاني عشر الهجري، وقد حققها الأستاذ عامر غديرة وترجمها إلى الفرنسية وأعدها للطبع وقدّمها لنيل دبلوم الدراسات العليا في باريس. (36)

ويذكر السيد جواد شبر أن هناك نسخ خطية أخرى للكتاب فيقول (وقد بقي لهذا الكتاب ونزعته الشيعية صدى انتقل إلى المغرب وظل بها زمناً طويلاً فبعد ثلاثة قرون من تأليفه نعثر على شرح له لأحد المغاربة هو الفقيه الأديب سعيد الماغومي الملقب بوجمعة المولود سنة (٩٥٠هـ) ويعتبر هذا الشرح اليوم من المفقودات. غير أن ابن القاضي يخبرنا في كتابه درة الحجال انه كان موجوداً في خزانة المنصور السعدي بمدينة مراكش. وتظهر عناية ملوك المغرب بمثل هذه التأليف فيما قيل من أن شارح هذا الكتاب أخذ مكافأة على تأليفه وزنه ذهباً) (37)

وبعد اكتشاف هذه النسخ الخطية من الكتاب طبع مراراً فطُبع في سلسلة كتب نادرة بتحقيق الدكتور عبد السلام الهراس وسعيد أحمد أعراب عام (1972) بـ (59) صفحة، وطبع بتحقيق الدكتور عز الدين عمر موسى ضمن إصدارات دار المغرب الإسلامي في بيروت عام (1987).

انطباعات حول الكتاب

وعن الانطباعات الفنية حول الكتاب يقول الدكتور رضوان الداية: (في الآثار الأدبية الأندلسية الباقية كتاب لطيف الحجم، بل هو رسالة صغيرة لابن الأبار القضاعي البلنسي الأندلسي سماه: درر السمط في خبر السبط خصصه لفصول قصيرة متلاحقة تتابع من وراء أسلوب أدبي ممتع أطرافا من السيرة النبوية مما يخص النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وزوجه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وابنته البتول فاطمة الزهراء وابنيها الحسن والحسين عليهم السلام.

وانفرد المؤلف بعد فصول بحديث أحد السبطين الكريمين فوقف عند أخبار من أخبار الحسين بن علي عليهما السلام. متابعا الوقائع إلى ما بعد نكبة كربلاء بما فيها من أحداث جسام.

والكتاب، من حيث تقويمه وتبويبه كتاب نثر أدبي فني، لكنه يتمركز حول قضية تاريخية. ومن هنا جاء الكتاب متميزاً بمزايا هذين الطرفين: طرف التاريخ من جهة وطرف التعبير الأدبي المؤثر من جهة أخرى.

ولئن لم يكن الكتاب من حيث موضوعه وفكرته بدعاً في الآثار الأندلسية فإنه متميز من حيث طريقة عرضه، ومستقل بأسلوبه وصياغته، وخاص من حيث الشحنة العاطفية الغامرة التي غلبت على جوانبه وفصوله.

لم يكن ابن الأبار أول من التفت إلى المديح النبوي، وتذكار ما أصاب الحسين بن علي عليهما السلام، فقد سبقه عدد غير قليل من الأدباء والشعراء نذكر منهم الكتاب الفقيه أبا عبد الله محمد بن مسعود بن أبي الخصال الغافقي المتوفى سنة 540 وأبا بحر صفوان بن إدريس التجيبي (561 - 598) وغيرهما كثير.

ونذكر هنا أن ابن الأبار روى كتاب (مناقب السبطين) لأبي عبد الله محمد التجيبي (540 - 610) وأجيز فيه (من المؤلف) وهو ابن ثلاثة عشر عاما) (38)

ويقول الأستاذ الدكتور حيدر زوين: (والسمة الفنية الواضحة في هذا الكتاب أن المصنف قد زاوج فيه بين الشعر والنثر أو هو ما أطلق عليه الدارسون اليوم بـ(شعرية النثر) أي إنه يتنقل بين الفنين بانسيابية عالية جداً قل نظيرها). (39)

فصول الكتاب

ضم الكتاب (45) فصلاً استعرض فيها حياة الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه وآله)، وحياة أصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) فيصفهم بأنجم الهداية وذرية النبوة ونقتطف هنا بعضاً من فصول هذا الكتاب فيما يخص نهضة الإمام الحسين (عليه السلام):

الحسنان

(أولئك السادة أحيي وأفدّي، والشهادة بحبهم أوفّي وأؤدّي، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.

يا لكِ أنجم هداية، لا تصلح الشمس عن آية، كفلتم في حجرها النبوة، فلله تلك النبوة، ذرية بعضها من بعض.

سرعان ما بُلي منهم الجديد، وغُري بهم الحديد، نُسفت أجبلهم الشامخة، وشدخت غررهم الشادخة، فطارت بطررهم الأرواح، وراحت عن جسومهم الأرواح، بعد أن فعلوا الأفاعيل، وعِيل صبر أقتالهم وصبرهم ما عِيل).

ويقول في سيدي شباب أهل الجنة وتقاسمهما خلق جدهما وأبيهما (عليهم السلام):

(اقتسم السلطان، على رغم أنف الشيطان، خلق جدهما النبي، وخلق أبيهما الوصي، فرُدي أكبرهما بما أذي به الأكبر، ولقي أصغرهما الموت الأحمر:

وإنا لقومٌ ما نرى القتل سُبةً      إذا ما رأته عامرٌ وسلولُ

تبع الأوّل في ذلك الآخر وخاضا بحر الهول وهو زاخر:

كانت مآتم بالعراق تعدّها     أمويةٌ بالشامِ مِن أعيادِها

فكيف توسى الكلام، أو يتأسى الإسلام؟

وعلى الدهرِ مِن دماءِ الشهيدينِ عليٍّ ونجلِه شاهدانِ

فهما في أواخرِ الليلِ فجرانِ وفي أوليـــــــائهِ شفقانِ

ثبتا في قميصِه ليجيء الحشرَ مستعديـاً إلى الرحمنِ

واأسفا ألّب على الرسول أبو سفيان، ولاكت كبد الحمزة هند، ونازع حقَّ عليٍّ معاوية، واحتز هامَةَ الحسينِ يزيد:

لقد علّقوها بالنبيِّ خصومةً      إلى اللهِ تغني عن يمينٍ وشاهدِ)

المصيبة العظمى

(أيّة فتنة عمياء، وداهيةٍ دهياء؟ لا تقوم بها النوادب، ولا تبلغ معشارها النوائب! طاشت لها النهى وطارت، وأفلت شهب الدجى وغارت، لولاها ما دخل ذل على العرب، ولا ألف صيد الصقر بالخرب، وقصف النبع بالغرب، فانظر إلى ذوي الإستبصار، خُضَّع الرقاب نواكس الأبصار:

وإنَّ قتيلَ الطفِّ من آلِ هاشمٍ     أذلَّ رقابَ المسلمينَ فذلّتِ

الحسين رمز الصلاح ويزيد رمز الفساد

ما عذرُ الأموية وأبنائها في قتل العلوية وإفنائها؟ أهم يقسمون رحمة ربك؟ كم دليل في غاية الوضوح، على انهم كسفينة نوح، من ركب فيها نجى، ومن تخلّف عنها غرق، ثم يحبسهم آل الطليق، ويطاردهم آل الطريد، وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، نساؤهم أيامى أمية، وسماؤهم أرض بني سمية.

مِن عصبةٍ ضاعتْ دماءُ محمدٍ      وبنيهِ بين يزيدِها وزيادِها

كان الحسين يقطعُ الليلَ تسبيحاً وقرآنا، ويزيد يتلفُ العمرَ تبريحاً وعدوانا

عمرك الله كيف يلتقيان).

بنو أمية

ثم يتحسّر ابن الأبّار على ما آل إليه أمر الإسلام من اعتلاء قرود بني أمية على منابر المسلمين وإقصاء أهل الحق من أهل بيت النبوة عن حقهم فيقول:

(الآجلة مدفوعة، والعاجلة متبوعة، والأنفس على حبها مطبوعة، فاتباع تلك ضعفة أمناء، واتباع هذه خونة أقوياء، أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القوي.

قعد بالحسين حقه، وقام بيزيد باطله، واخلافاه ! فإذا حضر موقد القضاء الخصمان، وعنت الوجوه للرحمن: جاء الحق وزهق الباطل:

إنَّ الإمـــامةَ لم تكن      للئيمِ ما تــحتَ العمامه

من سبطِ هندٍ وابنها     دونَ البتولِ ولا كرامه

يسر ابن فاطمة للدين يسمّيه، وابن ميسون للدنيا تستهويه (اعملوا فكل ميسّر لما خلق له

فأما هذا فتحرّج وتأثم، واما ذاك فتلجلج وتلعثم، مشى الواحد إلى نور يسعى بين يديه، وعشى الثاني إلى ضوء نار لا يغرو ما لديه:

يا ويحَ من وارى الكتابَ قفاهُ والدنيا أمامَه

كانت بنو حرب فراعنة، فذهب ابن بنت رسول الله ليخرجهم من العراق فانعكس المروم، وحُورب ولا فارس والروم:

كأن لم يرجُ في دنيا     وآخــــرةٍ ولم يخفِ

ولم يهـــــــللْ بتلبيةٍ     ولم ينسكْ ولم يطفِ

كوتب من الكوفة وقد سار إلى مكة:

يجنح إلى النفر الحائف، ويحتج بما أتاه من الصحائف)

مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة

ويقول في فصل شهادة سفير الحسين مسلم بن عقيل ومجيره هانئ بن عروة المذحجي (عليهما السلام):

(قدم مسلم بن عقيل، فأُسلم لعبيد الله بن زياد، والدنيا إلا على الدناءة صعبة الإنقياد:

تفانى الرجالُ على حبِّها     وما يحصلونَ على طائلِ

جيء به يُقاد إليه بعد ما أبلى في القتال عذرا، وارتجز لا يستشعر ذعرا:

أقسمتُ أن أقتلَ إلا حرَّا     أخافُ أن أكذبَ أو أغرا

وثنى بابن عروة هانئ، ما لشأنيهما الكريمين من شانئ، فعُفّرت لمّته، وأخفرت ذمّته، وهو الذي رجح إجارته، فهنيئاً له ما أربح تجارته:

فإن كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري     إلى هانئٍ في السوقِ وابن عقيلِ

ترَي جـــــــــسداً قد غيّر الموتُ لونَه     ونـــــضحَ دمٍ قد سالَ كلَّ مسيلِ)

الحر وابن سعد.... شتان ما بين الموقفين وصاحبيهما

ثم يشير ابن الأبار إلى خسّة ونذالة عمر بن سعد حينما أسرَّ له مسلم بن عقيل سرَّاً وهو أسير وأمره بالكتمان فأقسم له عمر بذلك، ثم باح بسره لابن زياد وكان مسلم يريد من يخبر الحسين بخبره قبل وصوله إلى العراق فيقول:

(وقبل قتل مسلم، حرص على ملمح بخبره معلم، فأسر إلى ابن سعد بن أبي وقاص، مقدم الحسين في الخيول القلاص، رجاء أن يرجع أدراجه، ويدفع إلى موقفه استدراجه، فباح لعبيد الله بذلك، وارتاح لإشعاره بما هنالك، وقد أمره بالكتمان، وحذره خون الإئتمان، فمن أجلها أخرجه لقتاله، وجهزه في أربعة آلاف من رجاله)

ثم يقارن ابن الأبار بين موقف عمر بن سعد المخزي الذي دل على أن صاحبه لا يمتلك حتى ذرة من الشرف والرجولة، وبين الموقف العظيم للبطل الشهيد الحر بن يزيد الرياحي الذي تاب وكفّر عن ذنبه باستشهاده بين يدي الحسين فيقول:

(خلافاً لمن توجّع واسترجع، وكان قد حبَس به وجعجع، فانقلب إليه صائراً، حتى قتل معه صابراً، هو الحر كما سمته أمه فلله أبوه، لقد يُسر لليُسرى، وكان بذلك دون الأحرار أحرى، بالأمس كان يقود محارباً ألفاً، واليوم يعود مسالماً ألفا:

إذا أنتَ أعطيتَ السعادةَ لم تُبل     وإن نظرتْ شزراً إليكَ القبائلُ

وافى السبط في خيل عريت نواصيها من الخير، وذؤبان عربان كأن أسنتهم المقابيس والرايات أجنحة الطير، وقد لجأ إلى ذي حسم متحصّناً، وضرب هناك أخبيته متبيّناً، فما عجل بمحاربة، ولا بعد عن مقاربة، وابن زياد قد أمده بفريقه، وأعده لإشراقه بريقه، وقال لشيطانه: قم إليه فاحبس به الركب، أو جعجع إلى أن هب من نومه، وعاد باللائمة على قومه، داعيا لأمهم بالهبل والعبر، وقال: أدعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه ؟ إنها لأحدى الكِبَر وهو في تلك الآلاف والمئين، أوتي وحده اليقين، وأحرز عاقبة المتقين، ما أكثر الشجر وليس كلها بثمر.

باء عمر بن سعد بالخسر العميم، وآب الحر بن يزيد بالفوز العظيم (فريق في الجنة وفريق في السعير).

ثم يشير ابن الأبار إلى غرور ابن سعد بالحياة الدنيا ثم قتله على يد المختار بن عبيد الثقفي:

(غني بخضم هذه الدار، فشد ما فني بسيف المختار (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).

سيد الإباء

ومن أروع فصول الكتاب هو موقف الإباء، موقف الشهادة، موقف الكرامة والحرية الذي جسده الإمام الحسين (عليه السلام)، حينما طلب منه الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد البيعة للفاسق يزيد حيث يصوره ابن الأبّار بهذه الصورة الرائعة:

(وكم رجا ابن مرجانة، أن يجرّعه المهانة:

وتلك التي تستك منها المسامع !

قال ابن الطاهرتين: أأنزل على حكم ابن الزانية ؟ متى سلفت أولى فتخلف ثانية

أي عبد آل صخر: أبي سيد ولد آدم ولا فخر، أمِنّي تروم الدنية، كأني أهاب المنية ؟

أكرُّ على الكتيبةِ لا أبالي     أحتفي كان فيها أم سواها

جاء عنه إنه خطب في ذلك الخطب الجليل، وزهد في عيش كالمرعى الوبيل، وقال: لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل

ليرغب المؤمن في لقاء الله يحمد معاده، فإني لا أرى الموت إلا سعادة (وعجلت إليك ربي لترضى)

هوّن قدر الدنيا وصروفها، وبين إقبال منكرها وإدبار معروفها، ونادى فأسمع، وقد عزم طلاقها وأزمع:

(ألا ترون الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهى عنه)

إلى الديّانِ يوم الدينِ نمضي     وعند الله تجتمعُ الخصومُ)

خير الأصحاب

ثم يتطرّق إلى ذكر أسود الهيجاء، وأبطال الوغى، أولئك الشهداء العظماء الذين جسدوا أروع القيم السامية، والمواقف العظيمة المشرفة في سبيل المبدأ والإخلاص للعقيدة، فكانوا بأعلى درجات الإباء والتضحية وهم يقدمون أنفسهم في سبيل الله بين يدي سيدهم الإمام الحسين (عليه السلام) حتى وصفهم بقوله:

(إني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي)

يقول ابن الأبار عنهم:

(أحب السبط ـ لما أعضل الداء، وكثر أولياؤه الأعداء، أن يجلو الخفية والخيبة، ويبلو ما عند فئة غيها بلية، والكريم لا يوالس ولا يدالس، فجمعهم وهم أزيد من سبعين رجالة وفوارس، ثم أذن لهم في الإنطلاق، وقد عدم التنفيس في الخناق، وقال لبني عقيل: حسبكم لمسلم تحملا، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

فأبوا إلّا نيلَ المرام، أو موتَ الكرام، ورأوا أن العيش بعده عين الحرام:

إذا ما أعضلَ الأمرُ     دفعــــــنا الشرَّ بالشرِّ

وما للحرِّ مـــــنجاةٌ     كمثلِ السيفِ والصبرِ

كان من جوابهم إذ رخص في ذهابهم:

لِمَ نفعلْ ذلك لنبقى بعدك ؟ لا والله وحتى نرد وردك:

إن كان بعدكم في الموتِ لي أربٌ     فلا قضيتُ إذاً من حبكمْ إرَبا

بُوركوا أشرافا، ونصعوا أوصافا:

أحيوا فرادى ولكنهم     على صحبة البينِ ماتوا جميعا

عصبوا بأمره أمورهم، وبذلوا دون نحره نحورهم، مستحلين من الحمام، ومستوفين على غاية الكمال والتمام:

عيني إبكي بعبرةٍ وعويلِ     واندبي إن ندبتِ آلَ الرسولِ

ستةٌ كـــــلهم لصلبِ عليٍّ     قد أصيبوا وخـــــمسةٌ لعقيلِ)

سبايا آل محمد

ويسترسل ابن الأبار في فصوله مستعرضاً استشهاد الحسين (عليه السلام) وقطع رأسه مع رؤوس أهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم) وحملها إلى الطاغية يزيد وتسيير نساءه وأطفاله سبايا في الفلوات فيصف هذه الأفعال بصورة مؤلمة مبكية يتفطر لها قلب المسلم حزناً وألماً:

(وهب الرجال تجزّ رؤوسهم وتبيد نفوسهم:

بناتُ زيادٍ في القصورِ مصونةٌ     وبنتُ رسولِ اللهِ في الفلواتِ

لا ينقضي العجب عبيد الله حملهن على الأقتاب مسافرات، ويقعد هو وبطانته لرؤيتهن بعد أن بعث بالرأس للبعيد والقريب، وعبث في قرع الأسنان بالقضيب:

ومقبَّـــــــــــــلٌ كانَ النبيُّ بلثمِه يشفي غرامَه

قرعَ ابن هندٍ بالقضيبِ عذابَه فرطَ استضامَه

ليضرسنَّ يدَ الــــــندامةِ حين لا تُغني الندامه

نهاية الطاغية يزيد

ونختم نقلنا من فصول هذا الكتاب بما ذكره ابن الأبار من هلاك يزيد اللعين بعد حكم ثلاث سنوات سوداء ذاق فيها المسلمون الويلات والمآسي وتلطخت فيها يده الخبيثة بما لا يحصى من دماء المسلمين والصالحين بدأها بالجريمة التي اهتز لها عرش الرحمن وختمها باستباحة مدينة رسول الله قتلاً ونهبا:

(افتتح بكربلاء أمره، وختمه بعد ذلك بالحرة (إن هذا لهو البلاء المبين)، فقل في أيام تصحيفها: لها مالئ، طاغية هواه له ممالئ، أنهب المدينة ثلاثاً، وقتل أهلها كهولاً وأحداثاً، وما لبث أن قتله الجدري، وأدبره ورأيه الدبري)

معدن اللجين في مراثي الحسين

لم تقف الدراسات الأندلسية عند هذا الأثر الحسيني الأندلسي لابن الأبار، إذ أشارت إلى كتاب آخر له من ضمن كتبه التي أربت على الخمسين كتاباً، ولكن هذا الكتاب الآخر لم يُعثر عليه وهو كتاب (معدن اللجين في مراثي الحسين) وهو عنوان الكتاب الثاني لابن الأبار في سيد الشهداء (عليه السلام) وهو من الكتب المفقودة التي لا يُعرف هل كان من ضمن ما حُرق منها على جثته أم هو مركون في أحدى المكتبات مع المخطوطات التي لم تنلها يد العناية والاهتمام؟

ويظهر من خلال وصف هذا الكتاب بأنه من أهم كتب ابن الأبار فقد وصفه الغبريني بأنه: (لو لم يكن له من التأليف إلا الكتاب المسمى بكتاب اللجين في مراثي الحسين لكفاه في ارتفاع درجته، وعلو منصبه، وسمو رتبته، فكيف لا وله تصانيف وجملة تآليف) (40)

ويظهر من خلال إشارة ابن الأبار إلى هذا الكتاب من أوائل مؤلفاته وكان في مقتبل العمر فقد أخرج كتابه التكملة عام (631 هـ) وفيه يقول عن معدن اللجين في ترجمة أستاذه محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي زاهر البلنسي: (كان معلمي ... وسمعت منه وأجاز لي وسمع مني كتاب (معدن اللجين في مراثي الحسين) (41)

ويظهر جنس الكتاب من خلال قوله: (إنه من تأليفي) إنه نثر يجري فيه مجرى درر السمط ولو كان شعراً لقال من نظمي كما هو معروف وهو نمط أدبي مبتكر في الرثاء الحسيني الأندلسي تعود ريادته لابن الأبار ويرى الأستاذ إبراهيم الأبياري: (إنه بهذا يسبغ عليه صفة النثر، ويخلص من ذلك إلى أنه في مادته قريب من كتاب درر السمط) (42)

وقد أولى الغبريني كتاب معدن اللجين أهمية كبرى واعتنى به عناية خاصة وأشاد به كثيراً، وخصّه بما لم يخصّه غيره من كتب الأدب، ورغم أن هذا الكتاب مفقود، إلا أننا نستشف أهميته من خلال كتاب (درر السمط في أخبار السبط) الذي يشاركه في الموضوع والمنبع الواحد.

ويعد من الكتب المفقودة، ولكن توجد هناك إشارات إلى وجوده ومحتواه حيث ذكر الباحث الدكتور حيدر زوين أن الكتاب: (مأخوذ من قول الإمام الحسين (ع) عندما برز إلى المنيّة في آخر لحظات القتال، وهو يرتجز واصفاً نفسه، مفتخراً بنسبه الشريف:

ذهب من ذهب من ذهب     ولجين في لجين في لجين

ثم يقول: ويعد من الكتب المفقودة، ويذكر بعض الباحثين أنّ النسخة الوحيدة للكتاب موجودة في المكتبة الرضويّة في مشهد) (43)

الحياة السياسية

تولى ابن الأبّار قضاء دانية وهو في مقتبل العمر (44) فاستدعاه والي بلنسية السيد أبو عبد الله محمد ابن أبي حفص بن عبد المؤمن للكتابة في البلاط فصار كاتباً للديوان (45)

وبقي ابن الأبّار في هذا المنصب في عهد ابن الوالي السيد أبي زيد عبد الرحمن، وقد وجد ابن الأبّار من هذين الحاكمين كل حفاوة وتكريم، ولكن القدر لم يكتب له من الإستقرار والراحة طويلاً، بل إنه بدأ رحلته الشاقة من ذلك اليوم الذي عمل فيه كاتباً للديوان الملكي ليخط نهايتها بدمه، وبدأت أولى خطوات رحلته المريرة بخروجه من بلنسية مع أبي زيد، فقد كانت بلنسية تعيش مرحلة سياسية عصيبة ومضطربة.

ففي سنة (629هـ) قام الأمير زيان بن أبي الحملات ابن مردنيش بإخراج السيد أبي زيد من بلنسية وملكها، وخرج معه ابن الأبّار لكن ابن الأبّار رجع إلى بلنسية بعد اعتناق أبي زيد النصرانية فآثر ابن الأبّار البقاء على دينه مهما كانت الأخطار التي تواجهه برجوعه هذا وقد نجاه الله فقد استدعاه ابن مردنيش للكتابة فرجع ابن الأبّار كاتباً للديوان..

حصار بلنسية

لم تكن الأمور في عهد الأمير زيان بن مردنيش بأفضل حالاً على ما كانت عليه في عهد من سبقه فقد حاصرها ملك برشلونة (أراغون) (دون خايم) في رمضان (635هـ/1238م) واستولى على الكثير من مناطقها مما حدى بابن مردنيش للاستغاثة بأمير إفريقية (تونس) السلطان أبي زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبي حفص، وبعث إليه بالبيعة مع وفد من أهل بلنسية وكان الوفد بزعامة كاتبه أبو عبد الله ابن الأبّار، فلما دخل ابن الأبّار على السلطان الحفصي قرأ قصيدته السينية المشهورة التي كان لها الأثر البالغ والوقع الكبير في نفس السلطان والتي مطلعها :

أدركْ بخيلِكَ خيلِ اللهِ أندلُسا     إن السبيلَ إلى منجاتِها درسا (46)

كان ابن الأبّار من أعظم الشخصيات التي أفرزها تاريخ الأندلس، وهو ما جعل ابن مردنيش أن يوكل إليه زعامة الوفد الذي أرسله إلى ملك أفريقيا لاستنصاره، ولا يخفى ما لهذه المهمة من أهمية كبرى، حيث يتحدد عليها مصير مدينة ومقدرات شعب كامل.

نجاح المهمة

وقد كان ابن مردنيش موفّقاً في اختيار ابن الأبّار لهذه المهمة التي لم يكن باستطاعة أي أحد أن يؤديها على أكمل وجه سوى ابن الأبّار، فكان لهذه القصيدة المؤلمة والمستنفرة للهمم أثرها في نفس السلطان الحفصي الذي أمر بتجهيز (12) سفينة حربية محملة بالمؤن والسلاح لإنقاذ بلنسية المحاصرة بقيادة ابن عمه أبي زكريا يحيى بن أبي يحيى الشهيد، ولكن رغم هذه القوة التي أرسلها السلطان إلا أنها لم تتمكن من فك الحصار الشديد على بلنسية من جهة البحر فاضطرت هذه السفن الأثنا عشر إلى إنزال حمولتها من المؤن والسلاح في ثغر (دانيا) البعيد عن بلنسية.

لم تثن فشل هذه المحاولة من عزم أهل بلنسية ولم تحبط من معنوياتهم على التصدي للنصارى ومقاومتهم فكانوا يستميتون في الدفاع عن دينهم وأرضهم ويقاتلون بشجاعة وبسالة نادرة، فحينما شدد الإسبان من هجومهم على بلنسية خرج كل أهلها لقتالهم في معركة (انيشة) عام (634هـ)، ولكن كثرة الإسبان وزخم الإمدادات التي وصلتهم وشدة الحصار الذي استمر خمسة أشهر استنفد قواهم وأفنى مؤنهم فاضطروا لعقد الصلح، وقد عهد ابن مردنيش مهمة عقد الصلح وحقن دماء أهل بلنسية إلى ابن الأبّار الذي كتب العهد مع الملك الإسباني الذي دخل المدينة عام (636هـ). (47)

ابن الأبّار في تونس

بعد استيلاء الملك الإسباني على بلنسية رجع ابن الأبّار بأهله إلى تونس، وقد رشّحه السلطان أبو زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبي حفص أمير أفريقيا للكتابة وعهد إليه بوضع علامة الديوان، فبقي في هذا المنصب لفترة غير أن السلطان أراد أن يجعل مكانه أبو العباس أحمد بن إبراهيم الغساني لوضع العلامة وينزله إلى مرتبة أدنى فأنف ابن الأبّار وغضب من عمل السلطان فقال:

أطلب العزّ فـي لظىً وذرِ الذلَّ ولو كان في جنانِ الـخلودِ

فأوصل الوشاة والساعون للإيقاع بابن الأبّار هذا القول إلى السلطان فعزله السلطان وأمره بلزوم بيته.

وقد عزّى الكثير ممن كتب عن ابن الأبّار سبب عزله وغيره من الأسباب التي أثارت غضب السلطان عليه إلى أنه (كان ضيق الخلق) ولكن في الحقيقة إن ابن الأبّار لم يكن كما وصفه هؤلاء، بل كانت هناك أسباب أخرى أدت إلى عزله ونفيه ومن ثم قتله قتلة شنيعة وأبرز هذه الأسباب هي كثرة الوشاة عليه، والسعاة إلى الإيقاع به عند السلطان من قبل منافسيه، وتشيعه، فقد اشتد الصراع بين المهاجرين الأندلسيين وبين علماء المدن التي حلوا بها في أفريقيا، يقول الدكتور حسين مؤنس: (وقد نافسوهم في المناصب الإدارية والقضائية والأدبية مما أوجد المنافسة بين المجموعتين وقد حرص أكثر الأندلسيين على تجنب السياسة ما أمكن وانصرفوا للعلم وأمور الحياة الأخرى). (48)

وقد أدت الوشايات به والسعايات عليه أكلها لدى المنافسين، إذ عزله السلطان عن عمله، وأمره بلزوم بيته، فألف في بيته كتاب (إعتاب الكُتاب) وفيه يعاتب السلطان على عزله فأعاده السلطان إلى الكتابة.

ولما مات السلطان محمد بن أبي زكريا جاء بعده المستنصر بالله أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا الذي كانت نهاية ابن الأبّار على يديه، وكان هذا السلطان أول من تلقب من الحفصيين بألقاب الخلافة، وبلغ من غروره أن بويع له بمكة وبُعث بالبيعة إليه، فاستدعى ابن الأبار ورفعه إلى حضور مجلسه، فكان مع الطبقة الذين يحضرونه من أهل الأندلس وتونس.

لم تدم العلاقة بين ابن الأبّار والسلطان على هذه الوتيرة من الصفاء والاستقرار فقد حدث ما ينكّدها ويزعزعها، فابن الأبّار الذي عاش في دولة الموحّدين لم يكن يداهن السلطان الحفصي المغرور ويفضّله على الأمراء الموحّدين، وهذا ما لا يرضِي غرور المستنصر، فشاب العلاقة بينهما بعض الجفاء.

كما لم يكن سخط السلطان من ابن الأبّار هو الوحيد في دولة الحفصيين فقد كان هناك من يتميّز من الغيظ على ابن الأبّار ويشتعل قلبه حقداً عليه منهم أبو العباس الغساني منافسه في الكتابة، والوزير ابن أبي الحسين وكان سبب حقد هذا الوزير على ابن الأبّار أنه لما بعث الأمير ابن مردنيش ابن الأبّار على رأس وفد بلنسية لاستنصار أمير أفريقيا كما ذكرنا آنفا ووصل مع الأسطول البلنسي إلى مدينة بنزرت للقاء السلطان، أرسل بمفاد الرسالة إلى الوزير المذكور ليستأذن له على السلطان، ووصف أباه في عنوان رسالته بـ (المرحوم) ولم يصفه بأوصاف التشريف كما هو معهود بأن يوصف أبو الوزير فلما أشير على ابن الأبّار على وصفه هذا قال: (إن أبا لا تعرف حياته من موته لأبٌ خاملٌ).

ووصل هذا الكلام إلى الوزير فأسرها في نفسه، وحقد عليه، فاستغل هذا الوزير سخط السلطان على ابن الأبّار لتفضيله أمراء الأندلس الموحّدين على أمراء الحفصيين بتونس فأكثر السعاية به وأوغر صدر السلطان عليه فنفاه المستنصر إلى (بجاية). (49)

في المنفى

كان المنفى فترة استعاد فيها ابن الأبّار راحته وصفاء ذهنه بابتعاده عن عيون الحاسدين ووشايات المتربصين به، ورب ضارة نافعة، فقد أثمر نفيه بغرر تآليفه ودرر علومه، فأخرج في المنفى عيون التصانيف في فنون العلم والأدب، ولكن القدر لم يكن ليتركه في راحة أبداً، فسرعان ما ترك رحيله عن القصر فراغاً رهيباً لم يكن أحد ليسدّه، فهو الموسوعة العلمية النادرة وهو (أحد أئمة الدنيا) كما وُصِف، ولا تجود الدنيا بهؤلاء الأئمة كثيراً، وهذا ما حدى بالمنتصر أن يستدعيه مرة أخرى للكتابة، (50) ولكن هذه المرة قد قال القدر فيها كلمته الفصل، وخط فيها بدماء ابن الأبّار نهاية رحلته والفراق الأبدي بينه وبين السلطان بل بينه وبين الدنيا.

مقتله

عاد ابن الأبّار إلى مكانته في مجلس السلطان ولكنه لم يتزحزح عن موقفه الثابت في تفضيل الأمراء الموحّدين على الحفصيين، ولم يداهن المنتصر، وكان ينكر عليه الكثير من أعماله، وكثر الحاقدون عليه، واتهم بالتربّص بالدولة والتنجيم بالشر لها، فنسب إليه قصيدة بائية اشتهرت في وقتها وفيها مآل الدولة الحفصية منها: 

فـإمَّا رأيت الرسـوم امَّحت     ولم يُرع حق لذي مـنصبِ

فخذ في الترحّلِ عن تونُسٍ     ووَدِّع مـــــــعالمَها واذهبِ

فسوف تــــــــكونُ بها فتنة     تُضيفُ البريءَ إلى المذنبِ

فألب أعداؤه السلطان عليه، وأوغروا صدره، وادعى عدوه اللدود الكاتب أبو العباس أحمد بن إبراهيم الغساني إنه فتّش داره وكتبه ودفاتره فوجد فيه رقعة كتب عليها هذا البيت:

طغى بتونسَ خَلفٌ     سَمَّوه ظُلماً خليفه

فكان هذا البيت هو القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، فما كاد المنتصر يسمعها حتى جُنَّ جنونه، وأمر باحضار ابن الأبار وهو يزبد ويرعد ويتوعده بالقتل، فلما جاء إلى ابن الأبّار من يحضره إلى السلطان أحسّ بالخطر فقال لخادمه: خذ البغلة لك، وامض حيث شئت.

كان ابن الأبّار صادقاً في إحساسه فما إن أدخل على المنتصر حتى أمر بقتله، فقُتل ظلماً وعدواناً شرّ قتلة، فقد ضرب بالسياط وأقعص بالرماح حتى مات ثم أحرقت مؤلفاته ومصنفاته وكتبه ودواوينه فوق جثته وكان ذلك في العشرين من المحرم سنة (658هـ) وكان وله ثلاث وستون سنة، وبهذه الجريمة النكراء التي تُضاف إلى جرائم السلطات التعسّفية فقد خسر العالم الإسلامي بقتله وإحراق كتبه خسارة كبيرة لا تعوّض.

يقول الأستاذ محمود عبد الجبار عاشور بعد أن ينقل حادثة قتله: (هل ثمة جريمة أكبر من قتل إنسان مؤرخ أديب شيخ تجاوز الثالثة والستين من عمره لأنه قال بيت شعر في الهجاء في كتاب لم ينشر ولم يظهر للناس.

وعجيب أمر هذه الدنيا فإبن الأبار الذي تعشق الشهادة، وكتب عن الشهداء، ورثى الحسين الشهيد، قضى شهيداً ولكن ليس دفاعاً عن الوطن كشيخه أبي الربيع الكلاعي، أو دفاعاً عن المبادئ والقيم كشهادة الحسين بن علي (عليه السلام) الذي أعجب به ابن الأبار كثيراً، بل استشهد دفاعاً عن حرية الكلمة، قضى شهيد الفكر الذي كرس نفسه في سبيله، حتى لقد وصفه المؤرخون من بعده بالشهيد، وقد صدقوا فهو شهيد الحرية، وإلا فما معنى أن تحرق معه كتبه ومؤلفاته جميعا..) (51)

ابن الأبّار وهويته الشيعية الصريحة

ولد ابن الأبار ونشأ وترعرع في دولة شيعية وهي الدولة الموحدية فوالاها وبقي موالياً لها حتى بعد أن سقطت، ولا يخامر كل من يطلع على كتب ابن الأبار ومطالعة سيرته ونشأته وحياته أدنى شك على تشيّعه الصريح، وكان يشغل منصباً رفيعاً في الدولة وهو الكتابة في البلاط كما كان يتزعّم الوفود التي ترسلها الدول للاستغاثة بحلفائها أو المفاوضة مع خصومها وهذا يدل على عظيم شأنه وسمو مكانته ورفيع منزلته وقد اتفقت جميع التواريخ على شيعيته ودلت كل الحقائق والدلائل والقرائن على ذلك.

وقد ذكرنا أقوال المؤرخين الذين أكدوا تشيّعه كالذهبي في سيره، والصفدي في وفياته، والمقري في نفح الطيب، كما أكد تشيع ابن الأبار السيد جواد شبر، والشيخ الآغا بزرك الطهراني، والسيد محسن الأمين والسيد حسن الأمين

ورغم كل هذه الأدلة على تشيّع ابن الأبّار إلّا أنك تجد من ينبذ كل هذه الحقائق وراء ظهره ويخلع عن ابن الأبّار صفة التشيّع حيث نفى الدكتور حسين مؤنس صفة التشيّع عن ابن الأبّار في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن الأبّار بقوله: (إنه ـ أي ابن الأبّار ـ ليس بشيعي لأنه لم يترك السنة ولكنه طالبي لأن الشيعي هو الذي يتبع مذهب الشيعة ويميل عن السنة) (52)

وقد رد عليه السيد حسن الأمين بالقول: (الحقيقة أن ابن الأبار شيعي صريح ككل الشيعة في كل زمان ومكان، ولكن الدكتور حسين مؤنس حين يدرس ابن الأبار درساً صحيحاً رأى أنه مسلم لا يستطيع أي محقق منصف أن يجد في عقيدته اعوجاجاً ولا في سلوكه انحرافاً وقارن بين هذه العقيدة الصافية ومعلوماته الخاطئة عن الشيعة فرأى بينهما بوناً شاسعاً فحار في أمره، ولم يجد إلا هذا الحل الوسط فقال إنه طالبي لا شيعي

يقول الدكتور هذا القول لأنه يجهل حقيقة التشيع ويحسه شيئا آخر غير هذا الذي يقول به ابن الأبار.....) (53)

شعره

عُرف ابن الأبّار بين شعراء الأندلس بتقدّمه في فنون الشعر وبراعته في شتى أغراضه، كما تميّز شعره بالعفّة فقد كان لنشأته الدينية أثر كبير على شخصيته، وانعكس ذلك على شعره، فلم يجرِ مجرى أغلب شعراء الأندلس في الشعر الماجن والغزل الفاضح، ومن أشهر قصائده السينية العصماء التي استنهض بها الهمم وشحذ بها العزائم لإنقاذ المسلمين في بلنسية والتي يقول عنها ابن سعيد: (عارضه جمع من الشعراء ما بين مخطئ ومحروم، وأغري الناس بحفظها إغراء بني تغلب بقصيدة عمرو بن كلثوم) (54)

ويقول عنها الغبريني (أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد) في كتابه (عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية): (لو لم يكن له من الشعر إلا قصيدته السينية التي رفعها للأمير أبي زكريا رحمه الله تعالى يستنجده ويستصرخه لنصرة الأندلس لكان فيه كفاية، وإن كان قد نقدها ناقد وطعن عليه فيها طاعن، ولكن كما قال أبو العلاء المعري:

تكلَّمَ بالقولِ المُضَلَّلِ حاسدٌ     وكلُّ كلامِ الحاسدينَ هُراءُ) (55)

وهذه السينية تقارب السبعين بيتاً وهي من عيون الشعر العربي يقول منها:

أدركْ بــــــــــــــــخيلِكَ خيلِ اللهِ أندلُسا     إنَّ السبيلَ إلــــــــى منجاتِها دَرَسا

وهَبْ لها من عزيزِ النصرِ ما التمَستْ     فلم يزلْ منـــكَ عِزُّ النصرِ مُلتَمسَا

يا للجزيرةِ أضـــــــــــحى أهلها جُزُراً     لـلحادثــــــــاتِ وأمسى جَدُّهَا تَعِسا

في كلِّ شارقةٍ إلمامُ بـــــــــــــــائـقــــةٍ     يـــــــــعودُ مأتمُها عند العِدا عُرُسا

وفي بــــــــــــــــــــلنسيةٍ منها وقرطبةٍ     ما ينسفُ النفسَ أو ما ينزفُ النَفَسَا

مدائنٌ حلّها الإشـــــــــــــــراكُ مبتسما     جَذلانَ وارتحلَ الإيـــــــمانُ مبتئسَا

ويتجلى في هذه القصيدة نَفَس شاعرها الغيور على دينه وهو يشكو ما حل ببلنسية من تعطل المساجد وقرع الكنائس وإشاعة الفواحش وهذا يفسر النشأة الدينية التي نشأ عليها.

ومن غرر شعره أيضا قصيدته الميمية العصماء التي رثى بها أستاذه الشهيد الكلاعي الذي استشهد في معركة أنيشة مع النصارى فرثاه ابن الأبار بقصيدة تعد من غرر الشعر العربي، وكذلك قصيدته الهمزية التي يستنهض فيها المسلمين لاسترجاع الأندلس من أيدي النصارى، وقد قدر لهذا الشعر أن ينجو من الحرق، فقد بقي من شعره ما وجد في الخزانة الملكية المغربية في المخطوطات النادرة عند إعادة تنظيمها وترتيبها، وكان من بينها مخطوطة ديوان ابن الأبار، وقد حققها الدكتور عبد السلام الهراس وتقدم بها لنيل شهادة الدكتوراه الدولية من كلية الفلسفة والآداب بجامعة مدريد (سنة 1386هـ- 1966م)، وطبع الديوان في الدار التونسية عام (1985) في (540) صفحة، وإضافة إلى شعره فقد ظهرت له نصوص نثرية غاية في البلاغة دلت على مكانته العالية في علوم العربية.

ومن شعره في الإمام الحسين ما نقله السيد جواد شبر (56) عن المقري (57) أربعة أبيات ويظهر جليا أنها مقتطعة من قصيدة طويلة خاصة إذا عرفنا أن ابن الأبار شاعر مكثر مطيل في قصائده وأغلب الظن أن باقي القصيدة مما تشم منه رائحة التشيع وهذه الأبيات الأربعة هي:

أتنتهبُ الأيــــــــــامُ أفلاذَ أحمدٍ     وأفلاذُ من عاداهُمُ تــــــــــــتوددُّ

ويضـــحى ويظـما أحمدٌ وبناتُه     وبنتُ زيادٍ وردُهــــــا لا يصرّدُ

أفي دينهِ؟ في أمنهِ؟ فـي بلادهِ؟     تضيق علـيهـــــــم فسحةٌ تتورّدُ؟

ومــا الدينُ إلّا دينُ جدهمُ الذي     به أصدروا في العالمينَ وأوردوا

............................................................................................

1 ــ درر السمط في خبر السبط / تحقيق عز الدين عمر موسى دار الغرب الإسلامي ــ بيروت 1987 ص 117

2 ــ الغبريني / عنوان الدراية ص ٢٥٧

3 ــ وفيات الأعيان لابن خلكان ج 1 ص 142

4 ــ مقدمة درر السمط في خبر السبط لابن الأبار ص ٧

5 ــ التكملة لابن الأبار ترجمة رقم 1441

6 ــ نفس المصدر والصفحة

7 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج 3 ص 404

8 ــ عصر المرابطين لمحمد عبد الله عنان ج 2 ص 618 / الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية لمحمد ابن سماك العاملي ص 237 / المرابطون والموحدون دراسة في عناصر الوحدة والتنوع الإداري والإقتصادي للدكتورة سالمة محمود محمد عبد القادر ص 346

9 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج 3 ص 410

10 ــ مقدمة درر السمط في خبر السبط ص ١٩

11 ــ الرثاء الحسيني في الأندلس محمود عبد الجبار عاشور ص 216

12 ــ التكملة لابن الأبار ترجمة رقم 1441

13 ــ مقدمة درر السمط في خبر السبط ص 20

14 ــ العبر ج ٦ ص ٣٦٨

15 ــ سير أعلام النبلاء ج 23 ص 336

16 ــ فوات الوفيات ج 3 ص 404 – 405

17 ــ شذرات الذهب ج ٧ ص ١٠٥

18 ــ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج 2 ص 589 ــ 594

19 ــ الذيل والتكملة ج ٤ ص ٢٨١

20 ــ المغرب في حلى المغرب لابن سعيد ج 2 ص 309

21 ــ الوافي بالوفيات ج 3 ص 355 ــ 356

22 ــ عصر المرابطين والموحدين ج 2 ص 705

23 ــ أعيان الشيعة ج ٩ ص ٣٨٤

24 ــ سير أعلام النبلاء ج 23 ص 337

25 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 8 ص 124 ـــ 125

26 ــ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج 2 ص 604

27 ــ حركات التشيّع في المغرب ومظاهره / مجلة الهادي الصادرة في إيران باللغة العربية ــ العدد 2 (1391هـ)

28 ــ أدب الطف ج 4 ص 71

29 ــ نفس المصدر ص 71 ــ 72

30 ــ نفس المصدر ص 72

31 ــ نفح الطيب ج 2 ص 604

32 ــ أعيان الشيعة ج ٩ ص ٣٨٤

33 ــ الوافي بالوفيات ج 3 ص 356

34 ــ الرثاء الحسيني في الأندلس ص 223

35 ــ نفس المصدر والصفحة

36 ــ مقدمة كتاب أعتاب الكتاب لابن الأبار تحقيق الدكتور صالح الأشتر ص 8

37 ــ أدب الطف ج 4 ص 71

38 ــ مستدركات أعيان الشيعة لحسن الأمين ج ١ ص ٢٠٤ نقلا عن بحث للداية

39 ــ أصداء كربلاء وبصماتها في أهل الأندلس، دراسة أدبية موقع مركز جيل البحث العلمي 28 / 1 / 2021 منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 66 الصفحة 113.

40 ــ عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية ص 261

41 ــ التكملة لابن الأبار ترجمة رقم 1003

42 ــ مقدمة كتاب المقتضب من تحفة القادم بتحقيق الأبياري ص 11

43 ــ أصداء كربلاء وبصماتها في أهل الأندلس، دراسة أدبية موقع مركز جيل البحث العلمي 28 / 1 / 2021 مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 66 الصفحة 113.

44 ــ الموحدون في الأندلس / داود عمـر سلامة عبيدات ص 126

45 ــ مقدمة ديوان ابن الأبار ص 12 تحقيق عبد السلام الهراس

46 ــ لسان الدين بن الخطيب / أعلام الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام ص 272 -273

47 ــ اختصار القدح المعلى في التاريخ المحلى لابن سعيد ص 191

48 ــ مقدمة كتاب الحلة السيراء ص40

49 ــ ابن الأبار القضاعي ومدائحه في البلاط الحفصي ــ دراسة موضوعية فنية / حميد طريفة، رسالة ماجستير جامعة الحاج لخضر، باتنة ص 74

50 ــ العبر لابن خلدون ج 6 ص 654

51 ــ الرثاء الحسيني في الأندلس ص 219

52 ــ مقدمة كتاب الحلة السيراء ص 40

53 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج 1 ص 17

54 ــ نفح الطيب ج 4 ص 121

55 ــ نفس المصدر ص 320

56 ــ أدب الطف ج 4 ص 70

57 ــ نفح الطيب ج 2 ص 604

كما ترجم له وكتب عنه:

أحمد بن عبد الله القلقشندي / نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص ٣٥٨

ابن الأثير / اللباب في تهذيب الأنساب ج ٣ ص ٤٣

ابن حزم / جمهرة أنساب العرب ص ٤٤٠

الذهبي / تاريخ الإسلام ج ١٤ ص ١٧٧

ابن الأبار / التكملة ج ٢ ص 588

عبد العظيم المنذري / التكملة لوفيات النقلة ج ٢ ص ٢٠٧

علي بن عبد الله النباهي / المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا ص ١٢٠

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 1 ص 233

حاجي خليفة / كشف الظنون ج ٧ ص ١١٤

شكيب أرسلان / الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية ج 2 ص 198

جرجي زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية ج 3 ص 77 ــ 78

أحمد أمين / ظهر الإسلام ج 3 ص 279 ــ 280

الدكتورة نور الهدى الكتاني / الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عهد الموحدين ص 116

شاكر لقمان ــ المطالع والمقاطع في شعر ابن الأبار القضاعي البلنسي 

شاكر لقمان ــ بناء القصيدة في شعر ابن الأبار القضاعي

إبراهيم عمر ــ التَّماسُك النَّصيِّ في سِينيَّة ابنِ الأبَّار القُضَاعي

أسمهان شافعي، شافعي بديار ــ نكبة الوطن في شعر ابن الأبار القضاعي قصيدة الإستصراخ و الإستنجاد

أحمد محمد الشوادفي محمد ــ الإستعارة في شعر ابن الأبار

حميد طريفة ــ ابن الأبار القضاعـي ومدائحه فـي البلاط الحفصي، دراسة موضوعية فنية

حميد طريفة ــ وصف الأزهار في شعر ابن الأبار البلنسي، مهاد نظري ونماذج تطبيقية

سعود غازي محمد الجادي ــ شعر ابن الابار البلنسي القضاعي

حيدر فيصل سلمان ــ الوصف في نصوص كتاب تحفة القادم لابن الابار البلنسي القضاعي الشعرية، دراسة تحليلية

صالح هندي صالح ــ التناص في شعر ابن الأبار الأندلس

نزار السعودي ــ الاختلاف والإرجاء في شعر ابن الأبار الأندلسي قراءة تفكيكية للمقدمات الغزلية في شعره المدحي

حازم تالي جبار ــ صورة الاخر في شعر ابن الأبار القضاعي الاندلسي

 

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار