بغض النظر عن انتمائه الذي ينتهي إلى أقدس وأطهر أسرة عرفها الوجود, الحسين صرّح عن نفسه بنفسه: (إني لم أخرج أشراً, ولا بطراً, ولا ظالماً, ولا مفسداً, وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله, أريد أن آمر بالمعروف, وأنهى عن المنكر).
لقد جمع الحسين في كلمته هذه، مبادئ الرسالات السماوية كلها، فحمل رسالة عظيمة, وإرثاً ضخماً تمثل في القيم والمثل التي حملها الأنبياء، وبالمقابل فقد كان عليه أن يواجه عدواً حاول بشتى الوسائل سحق هذه المبادئ, ومحو هذه الرسالة, وإماتة كل إحساس بها في ضمير الأمة.
لقد شاع الجور والفساد في الأرض, وها هي ارستقراطية قريش وجاهليتها وطبقيتها تعود من جديد على يد معاوية لتأخذ في عهد ابنه يزيد منحى الكفر الصريح بالإسلام, ولتصبح البلاد الإسلامية تحت وطأة الحديد والنار والفساد، لولاة الأمويين وأتباعهم وتضاءلت المنظومة الأخلاقية أمام هذا التيار الجاهلي الجارف.
لقد أحكمت السلطة الأموية قبضتها وبدأت الجاهلية تعيد هيكلتها من جديد وصار رموزها يجاهرون بما انطوت عليه نفوسهم وأظهروا ما كانوا يبطنون, فالحصانة السياسية أعطيت لأبي سفيان وهو يركل قبر الحمزة متشفيّاً بقوله: يا أبا عمارة إن الأمر الذي قاتلتنا عليه أصبح في يد صبياننا !!.
ونزت أضغان معاوية وأحقاده على رسول الله (ص): ليقول: أي ذكر أرجو بقاءه ؟! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر ! ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر ! وإن ابن أبي كبشة ليُصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله ! فأي عمل لي يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا ! لا والله إلا دفنا دفنا) !
وها هو يزيد سليل الكفر يتربع على عرش الخلافة ليعيد سيرة أبيه وجده, واشرأبت الأصنام بأعناقها, وبدأ الأمويون يتطلعون لمحق الإسلام, وكادوا.. لولا صرخة الرفض التي أطلقها الحسين بوجوههم والثورة التي زعزعت كيانهم فهو سليل النبوة ووريث الرسالة وأجدر الناس بحفظ شريعة جده (ص) وابن أشرف أسرة عرفها التاريخ وحامل أمجادها.
اترك تعليق