114 ــ جعفر الهر (1267 ــ 1347 هـ / 1850 ــ 1928 م)

جعفر الهر (1267 ــ 1347 هـ / 1850 ــ 1928 م)

قال من قصيدة في رثاء الشهيد علي الأكبر (عليه السلام) تبلغ (98) بيتاً:

وصيَّر (كربلا) بدراً وأحــداً    ونادى يا حروبَ الجدِّ عودي

ولفَّ صـفـوفَهم صفاً بصفٍّ    وجـاسَ خـيــولَهم فوقَ الجنودِ

وقاتـلَ بـكـرَهم كقتالِ عمروٍ    وغـادرَ جـســمَـه نهبَ الحديدِ (1)

وقال من قصيدة في مولد الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تبلغ (35) بيتاً:

يا أيُّـهـا الـصبُّ الذي    في (كربلا) قد سكنا

ما حالُ أربابِ الهوى    مَن في العراقِ قطنا

قــلـتُ لـه قـد عـقـدوا    نادي الـتهاني والهنا (2)

الشاعر

الشيخ جعفر بن صادق بن أحمد بن عيسى الحائري المعروف بـ (الهر) نسبة إلى الأسرة العلمية والأدبية المعروفة. (3)

يقول الشيخ نور الدين الشاهرودي عن هذه الأسرة: (برز فيها العديد من أهل الفضل والعلم والأدب والشعر وهي فخذ من عشيرة الطهامزة المتشعبة عن قبيلة خفاجة، وكان الشيخ أحمد بن عيسى ــ جد الشيخ جعفر ــ أول شخص من هذه الأسرة يهاجر إلى كربلاء في أوائل القرن الثاني عشر الهجري ويجاور الحائر الشريف لسنوات حياته المتبقية) (4)

وقال الشيخ موسى إبراهيم الكرباسي: (يعد بيت الهر من بيوتات كربلاء الشهيرة له نصيبه الوافر في العلم والأدب كما له مكانته في الوسط الاجتماعي لما قدمه رجاله من نتاجات أدبية وعلمية) (5)

كان الشيخ جعفر من رموز كربلاء والعراق الدينية والأدبية والسياسية، ولد في كربلاء ونشأ بها نشأة علمية فدرس مقدمات العلوم العربية والدينية على يد أخيه الأكبر الشيخ كاظم الهر ثم تدرج في حلقات العلم ومجالس الأدب فدرس على يد كبار علماء كربلاء كالشيخ زين العابدين المازندراني، والشيخ محمد حسين الأردكاني، والميرزا محمد حسين المرعشي الشهرستاني، ثم تصدر مجلس التدريس في المدرسة الزينبية

وقد تخرج على يديه كثير من الأعلام منهم: السيد محمد مهدي بن إسماعيل الصدر، وأخوه السيد صدر الدين، والميرزا جعفر بن السيد محمد حسين الشهرستاني، والشيخ محمد علي خلف، والسيد عبد الوهاب آل الوهاب والسيد مهدي النقيب والشيخ محمد الخطيب وغيرهم. (6)

قال عنه السيد محسن الأمين: (كان أحد علماء العرب المبرّزين القاطنين في كربلاء) (7)

وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (فاضل مشارك جامع وأديب شاعر بارع هو اليوم في كربلا مدرس أهلها فكم تخرج عليه فاضل وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم العباس عليه السلام وتزدحم عليه الأماثل ..) (8)

كما ذكره السماوي أيضاً في أرجوزته بعد أن ذكر أخاه الشيخ كاظم الهر فقال:

وكأخـيهِ جعـفـرٍ بـدرِ التقى    وهـضـبةِ العلمِ التي لا ترتقى

عاش حميداً ومضى سعيدا    وازدادَ فـضلاً إذ رثى الشهيدا

فاخرَ في رثـا الشهيدِ فخراً    فـأرِّخـوا جـعــفـرَ أعلى فخرا (9)

وقال عنه الشيخ نور الدين الشاهرودي: (كان أحد أعلام كربلاء وأفاضلها دفن في رواق الحضرة الحسينية قريبا من قبر صاحب الرياض وعمره ثمانون سنة درس على الشيخ زين العابدين المازندراني ولما نال الحظوة الكافية من العلم انفرد بالتدريس وتخرج على يده جماعة من طلاب العلوم الدينية) (10)

وإضافة إلى دوره العلمي الكبير فقد أدى الشيخ جعفر الهر دوراً سياسياً مهماً ووقف موقفاً مشرِّفاً في الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) عندما استفتى عدد من زعماء العشائر العراقية الإمام محمد تقي الشيرازي حول جواز استخدام السلاح بوجه المحتل فأجابهم الإمام الشيرازي إلى ذلك بفتوى تاريخية فكان في طليعة من أيد هذه الفتوى من علماء كربلاء هو الشيخ جعفر الهر مع ثلة من أجلاء العلماء معربين عن تفانيهم في الدفاع عن الوطن والمقدسات، ولا غرو فلهذه الأسرة الكربلائية العريقة مواقف مشرفة كثيرة في التصدي للمحتل الإنكليزي والعثماني.

يقول الشيخ فريق المزهر الفرعون: (إن هذه الفتوى كانت بمثابة الركيزة الأساسية في انطلاق العمل الثوري ضد الاحتلال، إذ أُيدت من قبل خطباء وعلماء كربلاء ومنهم: محمد حسين المازندراني، ومحمد صادق الطباطبائي، وعبد الحسين الطباطبائي، ومحمد علي الحسين، وغلام حسين المرندي، ومحمد رضا القزويني، ومحمد إبراهيم القزويني، ومحمد الموسوي الحائري، وعلي الشهرستاني، وهادي الخرساني، وجعفر الهر، وكاظم اليهبهاني، وفضل الله، وعلي الهادي الحسيني). (11)

ترك الشيخ جعفر ولدا هو الشيخ موسى أكمل مسيرة أبيه العلمية والأدبية يقول فيه السيد سلمان هادي آل طعمة: (عالم فاضل شاعر اقتفى سيرة والده قرأ على أبيه وعلى الشيخ عبد الحسين المرندي وعلى الميرزا محمد تقي الشيرازي) (12)

شعره

إن مما يدعو للأسف أن كثيراً من الشعراء الكبار أمثال الشيخ جعفر لا تزال دواوينهم مخطوطة إلى الآن رغم أهميتها الأدبية والفنية والتاريخية ولا يستطيع الباحث أن يدرس هذا النتاج الثر إلا من خلال النزر اليسير من أشعارهم المبثوثة في بطون الكتب ونتمنى أن تبرز مثل هذه الكنوز وترى النور

يقول الشيخ جعفر في قصيدته في رثاء الشهيد علي الأكبر (عليه السلام) وقد قدمناها:

شبابٌ بالطفوفِ قضى شهيداً    يشيبُ لــرزئهِ رأسُ الـوليدِ

شـبيهُ مـحـمـدٍ خَـــلقاً وخُـلـقاً    وفي مشيٍ وفـي لَفتَاتِ جيدِ

وفي نـطـقٍ لسانُ الوحي منه    يـرتّـلـه بـــــــقـرآنٍ مـجـيـدِ

وفي وجـهٍ يـفـوقُ البدرَ نوراً    وفي سيمائِه أثــــرُ السجودِ

شبابٌ طـلـقَ الـدنـيـــــا ولكنْ    صبا للحورِ في دارِ الخلودِ

ومنها:

رجـوتـمْ يا بـقـايا قـومِ عادٍ    وأشـقـــى من بقايا قومِ هودِ

بأنا ذو الأنـوفِ الـشمِّ قدماً    نـبايــعُ ضــارعينَ إلى يزيدِ

ويـأبى اللهُ أن نـلـوي بجيدٍ    لغيــرِ اللهِ في طولِ الـسجودِ

وأحـــمدُ جدُّنا خيرُ البرايا    أبيُّ الضيمِ ذو البـأسِ الشديدِ

وجدّي حـيدرٌ وأبي حسينٌ    شبولٌ من أســـودٍ مـن أسودِ

ونلنا المجدَ من عُليـا نزارٍ    بجدٍّ من جدودٍ مـــــن جدودِ

عليٌ بالطــفوفِ أقامَ حرباً    كحربِكَ يا عليُّ مع اليــــهودِ

وقال من قصيدته في مولد الحجة المنتظر (صلوات الله عليه):

مولودُهــمْ من نرجسٍ    نالوا به نيلَ الـــــــمنى

وأشـرقـــتْ أرضـهـمُ    بـالـنورِ نـــــــورِ ربِّـنا

راحَ الإمامُ العسكري    يتـــــــــلو الكتابَ مُعلنا

الحـمـدُ للهِ الـــــــــذي    أذهـبَ عـنّـا الـحـــزنـا

مـلائـكُ الـسبعِ الـعلى    تـقرُّ منه الأعــــــــــينا

قد هـنّـأتْ مـحــــمـداً    مَـــــــن قـد تـدلّى ودنا

بـقـابِ قـوسـيـــنِ إلى    أسـرارِ ربِّــــــــي أذّنا

هُنيتَ يا خيرُ الـورى    بمـــــــــــن بـهِ وعدتنا

يُـمـــيـتُ فـينا بـــدعاً    ويـحـيـي فينا السُـــــننا

ويأخــذنْ ثــــــــاراته    بالسيفِ من شمرِ الخنا

هنِّـي بـــــــه فــاطمةً    ذاتِ الـشــــجونِ والعنا

جاءَ الــذي في سـيفِه    يحيي الجنيـــنَ المُحسنا

وجــابراً أضــلاعَـها    بالعودِ مــن ســـمرِ القنا

وله موشح في الإمام الحسين (عليه السلام) يقول منه:

مــــــــــــــثلَ ما فُزنا بمولودِ البتولْ    

سبط طه المصطفى الهادي الرسولْ

وصفُه قد حــــــــــيَّرَ العشرَ العقولْ    

ولــسـانُ الـوصفِ بالأوصافِ حارْ

أمُّــــــــــه الزهرا ووحــــياً رُضعا

وله الأملاكُ أمــــــــــستْ خـــــدما    

وسمــــــــــتْ بالعتقِ في كلِّ السما

فطرسٌ بالـفــــــــــخرِ لمَّـــــا قدما    

في السمـــــــــاواتِ لهم قامَ افتخارْ

إنَّ من ناغـــــــــــــاهُ كان الأرفعا

أمُّه الزهراءُ تـفــــــــــــــــدي قدَّه    

جـدُّه الهــــــــــــــــــادي يشمُّ خدَّه

إنَّ جبريلٌ يهزُّ مــــــــــــــــــــهدَه    

يا له هــــــــــــــزّاً به حارَ الفخارْ

في السماواتِ ســـــــــــما مرتفعا

وشـفـاءُ الداءِ في تربـــــــــــــــتِهِ

تــــــــــــرفـعُ الـدعـوةُ فـي قـبّـتهِ

بشّرِ السكـــــــــــــــانَ من شيعتِه

قبّة السبط لنا شِيــــــــــدتْ شِعارْ

كل جبارٍ لها قد خضــــــــــــــعا (13)

................................................

1 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 124 ــ 130، وذكر منها السيد جواد شبر / أدب الطف ج 9 ص 129، 10

2 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 123

3 ــ نفس المصدر ص 115

4 ــ تاريخ الحركة العلمية في كربلاء / ص 238

5 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 631

6 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 117

7 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ١١3

8 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 77

9 ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 78 ــ 79      

10 ــ تاريخ الحركة العلمية في كربلاء ص 239

11 ــ الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920 ونتائجها ص 195

12 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 117

13 ــ نفس المصدر ص 119 ــ 122

المرفقات

: محمد طاهر الصفار