المحكمة الجنائية تحكم في قضية جريمة قتل أحد الصحابة

مشهد الجريمة

وجد الضحية مقتولا غدرا لوحده في مكان الجريمة، وهناك ملابسات حول كيفية قتله إلا أن سلاح المجرم كان سهما رمى به المغدور فأرداه قتيلا

الضحية:

هو الصَّحابيّ الجليل سعد بن عبادة بن دليم الخزرجيّ الأنصاريّ، وكنيته أبو ثابت، وقيل: أبو قيس، شهِد -رضي الله عنه- بيعة العقبة وكان أحد نُقبائها، وهو زعيمٌ لقبيلة الخزرج من كُبرى قبائل المدينة المنوّرة، وكان معروفاً بجوده وسخائه وكثرة إطعامه للطّعام، وكان من وُجَهاء الأنصار، وحاملاً لواءَهم، وصاحب رايتهم، وقد استشاره النَّبيّ -عليه وآله الصَّلاة والسَّلام- هو وسعد بن معاذ بصفتِهما سادة الأنصار، استشارهما في غزوة الخندق بإعطاء قبيلة غطفان ثُلث ثمار المدينة المنوّرة حتّى يعودوا عن تحالفهم وتحزُّبهم مع كفار قريش ضدَّ المسلمين، فأجاباه: إنّه إن كان يأمرهم بذلك أمراً فسيفعلون، وإن كان يستشيرهم فلن يعطوا ما كان حقاً لهم وللمسلمين لأعدائهم، وهم -أي المسلمون- في قوّةٍ ومَنَعةٍ بالإسلام وأعزَّت به، ففرِح النَّبيّ برأيهم وسُرَّ له.ولم يكن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- مُكثِراً لرواية الحديث، فمجموع ما رواه عن النَّبيّ -عليه واله الصَّلاة والسَّلام- من الأحاديث هو عشرون بالمُكرَّر، ولعل السبب في ذلك أنه كان معدودا في صفوف المعارضة، ومن فضائل سعد بن عبادة -رضي الله عنه- فضلاً عن كرمِه وسخائِه وما قدَّمه للإسلام، دعوةُ النَّبيّ -عليه واله الصَّلاة والسَّلام- له ولآل بيته، فقد روى قيس بن سعد بن عبادة قوله: (زارَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ في منزلِنا فقالَ: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللَّهِ، قال: فردَّ سعدٌ ردّاً خفيّاً، قال قيسٌ: فقُلتُ: ألا تأذَن لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ؟ فقالَ: ذَرْهُ يُكثِرْ علَينا مِن السَّلامِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللَّهِ، فردَّ سَعدٌ ردّاً خفيّاً، ثُمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ، ثُمَّ رجَعَ رسولُ اللَّهِ، واتَّبعَهُ سعدٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنِّي كنتُ أسمَعُ تسليمَكَ وأردُّ عليكَ ردّاً خفيّاً؛ لتُكثِرَ علَينا منَ السَّلامِ، قالَ: فانصرفَ معَهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّم- وأمرَ له سَعدٌ بغُسلٍ فاغتسَلَ، ثم ناوَلَهُ مِلحفَةً مصبوغَةً بزعفرانٍ أو وَرسٍ فاشتَملَ بِها، ثمّ رفَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ يدَيهِ وهو يَقولُ: (اللهُمَّ اجعَلْ صلَواتِكَ ورَحمتَكَ على آلِ سعد بنِ عُبادَةَ)، قال: ثُمَّ أصابَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ- مِن الطَّعامِ، فلمَّا أرادَ الانصِرافَ قرَّبَ لهُ سعدٌ حِماراً قد وطأ عليهِ بقَطيفَةٍ، فركِبَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ، فقال سعدٌ: يا قيسُ اصحَب رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ، قال قيسٌ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ واله وسلَّمَ: اركَب، فأبَيتُ، ثُمَّ قالَ: إمَّا أن تركَبَ وإمَّا أن تنصَرِف، فانصرفت.

المصادر: ابن حجر العسقلاني (1415هـ)، الإصابة في تمييز الصّحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة: 55-56، جزء: 3. بتصرّف. ↑ ابن الجزري (1989)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة: 205، جزء: 2. بتصرّف. ↑ الذهبيّ (2006)، سير أعلام النُّبلاء، القاهرة: دار الحديث، صفحة: 166، جزء: 3. بتصرّف. ↑ رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن قيس بن سعد بن عبادة، الصفحة أو الرقم: 2/256، إسناده صحيح.

نتيجة التحقيقات الجنائية الرسمية:

بعد المشاورات مع رئيس سلطات السقيفة آنذاك عمر بن الخطاب، وبعد التحقيق والتحري أصدرت سلطات السقيفة بيانا قالت فيه إن الجن هي التي قتلت المجني عليه سعد بن عبادة لأنه بال في جحر، وقد رمته بسهم فاردته قتيلا.

تحقيق المحكمة الإنسانية في الجريمة:

بعد تحقيق مفصل وجدت المحكمة الإنسانية أن هناك دوافع أخرى قادت البعض لتنفيذ عميلة قتل مدبرة الصحابي الجليل المغدور، فبعد التحري وجدت المحكمة أن سعد بن عبادة كان قد رفض البيعة لابي بكر وعمر يوم انقلاب السقيفة، وكان بينهم جدال شديد، فعقب وفاة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للنبي لأنهم رفضوا قبول تنصيب النبي لعلي بن ابي طالب عليه السلام، وكان سعد بن عبادة بينهم وبه وعكة ألمت به. وفقا لرواية ذكرها البخاري في صحيحه نقلا عن عمر بن الخطاب، فإن خطيب الأنصار خطب قائلاً: « أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر»، ويقول عمر بن الخطاب ولما سكت أراد هو أن يتكلم ولكن أبا بكر أسكته وتحدث هو وقال مخاطبا: «ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين (عمر بن الخطاب وأبا عبيدة عامر بن الجراح) فبايعوا أيهما شئتم».

ولكن ذلك لم يكن كافيا لبعض الأنصار، فرد عليه أحد الأنصار ويقال أنه حباب بن المنذر قائلا:

«أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش»

وتذكر هذه الرواية أيضاً نقلاً عن ابن الخطاب أنه بعد ذلك كثر اللغط وارتفعت الأصوات فقال عمر بن الخطاب ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعه حزبه ويقول ابن الخطاب ثم نزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم، أي من معشر الانصار، قتلتم سعد بن عبادة. فرد عمر بن الخطاب وقال:

«قتل الله سعد بن عبادة وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا."

وقد رفض كثير من الناس عبر التاريخ قبول التقرير الرسمي الصادر عن سلطات السقيفة، فنظموا في ذلك الشعر واكثروا فيه القول، فقال أحدهم:

يـقولون: سعد شكت الجن قلبه ألا ربـما صححت دينك بالغدر

ومـا ذنـب سـعد أنه بال قائما ولـكن سـعدا لـم يبايع أبا بكر

وقد صبرت من لذة العيش أنفس وما صبرت عن لذة النهي والأمر

وقال شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني:

وليال مضت وجاءت ليال وانقضت عسرة وجاءت عسيره

فانتضت في يد السقيفة سعدا أكبر القوم … للأمور الكبيرة

يا قريش اذكري نمتنا جميعا صحبة سمحة وقربى أثيره

فلك السبق والجبين المحلّى وأنا الجبهة الشموخ النصيره

أنت أمّارة … أنا ـ ثم قالوا : سكتت قبل أن تقول ـ وزيره

دهشة البدء ضيّعت من خطاها أولّ الدرب وهي حيرى حسيره

وجهها غاص في غبار المرايا واسمها ضاع في الأماسي الغفيره

أين سعد قالوا : رماه عشاء مارد من قبا يسمى بجيره

وحكوا : أنها استعارت وجوها خبأت تحتها الوجوه الكسيره

نتيجة تحقيق المحكمة الإنسانية الرسمي:

لقد اغتيل الصحابي سعد بن عبادة لأنه رفض مبايعة ابي بكر وعمر، وترك المدينة المنورة وارتحل الى حوران في بلاد الشام، فقام عمر بن الخطاب بتدبير أمر اغتياله واتهام الجن بذلك لكي لا تثور الأنصار بوجه سلطات السقيفة.

اقول: إن أمة تصدق قصة قتل جني لأحد الصحابة لهي حرية بأن تقبل بقتل الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة بتلك الوحشية القذرة، ثم هي لا زالت تدعي أن الله رضي عمن دبر قتل الصحابي سعد بن عبادة ومن نصب معاوية والد يزيد الذي قتل الحسين عليه السلام...

المرفقات

: البروفيسور المستتبصر عوده مهاوش الدعجه