أولا: هل يمكن لثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أن يكون مهما؟ وما درجة أهميته؟
يمكن لنا ومن خلال قرائن عديدة وأحاديث كثيرة أن نكتشف أهمية وقيمة وعظمة الطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وفيما يأتي جملة من تلك الأحاديث والقرائن.
ألف: نستطيع ونتيجة للأخبار والروايات ان نكتشف بأن واحدة من المهام الجسام والوظائف العظام التي سيحققها الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه حين خروجه هو الطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وقد أكدت الروايات الشريفة عن الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعينعلى هذه المهمة تأكيدا ملفتا للانتباه، مما يدل على ان المسألة أكثر من مجرد مسألة القرابة والنسب الذي يجمع ما بين الإمام الحسين والإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليهما، وان جعل ثارات الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه والمطالبة به كشعار هو أكبر من كونه مسألة عاطفية أو مذهبية أو فئوية، وذلك لان الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه لا يقوم ولا يخرج بهدف العاطفة والفئوية بل يخرج لإنقاذ الإنسانية جمعاء فلابد أن تكون أهدافه وشعاراته إنسانية عامة لا تتقيد بفئة ولا تختص بطائفة، وعليه فحينما يرفع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه شعارا له فان رزايا وهموم وآلام البشرية جمعاء في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ستنطوي تحته ، فيكون رفعه رفعا لثارات جميع المؤمنين والمضطهدين والمحرومين.
فيكون دعاء الزائر في الزيارة وقوله (أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَأرِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) هو في حقيقته سؤال لطلب ثار كل الأنبياء العظام والأوصياء الكرام وسائر الأئمة وشيعتهم وجميع المحرومين والمستضعفين منذ آدم إلى حين قيام الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، وسيأتي لاحقا تفصيل أكثر لهذه الحقيقة.
باء: ويمكن استنتاج أهمية الطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه من خلال الشخص السائل، إذ ان السائل لطلب الثار مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه هو الإمام المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، فأمر يتمناه المعصوم صلوات الله وسلامه عليه لابد أن يكون عظيما، وإذا كان عظيما في نظر المعصوم فلابد ان يكون عظيما عند الله سبحانه وتعالى، فيجب على عامة المؤمنين من شيعة أهل البيت وأسوة بأئمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أن يتمنوا ذلك ويطلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يرزقهم إياه، ولو أن مؤمنا أفنى عمره في طلب هذه المرتبة، بالتزكية والإعداد والتربية ما كان ملوما، لأنه حينئذ قد أفنى عمره في رضا الله سبحانه وتعالى وطاعته.
جيم: ويمكن استنتاج أهمية الطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه من خلال الشيء المسؤول به، لان السؤال بحق وشأن الشيء العظيم يستدعي ان يكون الشيء المطلوب عظيما أيضا، والإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه وقبل سؤال الطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، سأل الله بمقام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وكرامته عند الله سبحانه وتعالى، وسأل الله سبحانه وتعالى بالإكرام الذي جعله لموالي الإمام الحسين وشيعته، وقد عرفنا سابقا أهمية ذلك وعظمة مرتبته، فلابد والحال هذه أن يكون الشيء المطلوب يتناسب مع عظمة هذه المراتب، لقبح ان يسأل الشيء الصغير التافه بالشيء العظيم الأهمية والجليل المنزلة والمرتبة، وهو أمر يكاد يكون بديهيا، فلابد ان يكون طلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه له من الأهمية والمنزلة ما يستدعي ان يسأل عنه بالشيء العظيم.
دال: ونستطيع ان نكتشف أهمية الطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه من خلال أهمية صاحب الثار صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا الصدد يقول الميرزا محمد تقي الأصفهاني: (الفوز بثواب طلب ثأر مولانا الحسين الإمام المظلوم الغريب الشهيد «عليه السلام»: وهذا أمر لا يقدر على إحصاء ثوابه أحد إلا الله العزيز الحميد جل شأنه، لأن عظمة شأن الثأر بقدر عظمة صاحبه، فكما لا يقدر أحد على الإحاطة بالشؤون الحسينية إلا الله عز وجل، كذلك لا يقدر غيره على إحصاء ثواب طلب ثأره، فإنه الذي ورد في زيارته: السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ولو لم يكن في الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه سوى هذا الثواب، لكفى فضلا وشرفا وشأنا فكيف وفيه من الفضل ما لا يحصى، ومن الثواب ما لا يستقصى)[1].
ثانيا: لماذا التأكيد على ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه دون غيره من الأنبياء الأوصياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟
حينما سينطلق الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه بثورته المباركة ضد أهل الظلم فانه وكما ذكرنا من قبل سيرفع ثارات الإمام الحسين شعارا له كما ورد في الزيارة المنقولة في بحار الأنوار: (السلام على الإمام العالم، الغائب عن الأبصار... الذي يظهر في بيت الله الحرام ذي الأستار وينادي بشعار يا لثارات الحسين، أنا الطالب بالأوتار أنا قاصم كل جبار أنا القائم المنتظر بن الحسن عليه وآله أفضل السلام)[2].
وان أول دم سينتصر له هو دم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، كما في الرواية التي عن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه والتي جاء فيها: (... القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين وهو قوله نحن أولياء الدم وطلاب الدية)[3].
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان دم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو محور النهضة المهدوية وان ثار الإمام الحسين سيكون الهدف منها فأين يا ترى بقية ثارات الأنبياء والأوصياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ ولماذا لا يكون شعار النهضة المهدوية المباركة أكثر شمولية وسعة، بحيث تدخل تلك الدماء العظيمة ضمن أهداف النهضة وشعاراتها؟.
ويمكن لنا تلخيص الإجابة عبر النقاط التالية:
ألف: ان النهضة المهدوية المباركة وان أخذت دماء الإمام الحسين وثاراته شعارا لها حين انطلاق شرارتها الأولى، إلا ان هذا لا يعني بان قائدها المعصوم قد نسي أو تناسى دماء الأنبياء والأوصياء وباقي الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين حاشاه، فقد ورد في دعاء الندبة المبارك قوله صلوات الله وسلامه عليه: (أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء، أين الطالب بدم المقتول بكربلاء، أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى، أين المضطر الذي يجاب إذا دعا)[4] فدماء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأبناء الأنبياء من الأوصياء والصلحاء غير منسية ولا مهملة من الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، وكيف ينساها وهو يأخذ بحقوق ودماء عامة المؤمنين صغيرها وكبيرها حتى من كان منهم مجهولا ولا يشار إليه بالبنان، فكيف بدماء الأنبياء وأوصيائهم ودماء الأئمة من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟!
باء: أوضحنا إجمالا فيما سبق ان انتصار الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو انتصار لجميع الأنبياء والرسل وأخذه بثارات الإمام الحسين هو في واقعه أخذٌ لثارات الأنبياء وأولادهم، ومطالبته بدم الحسين وأهل بيته هو مطالبة بدماء جميع المظلومين، وذلك لان قضية الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هي قضية كل الأنبياء والأوصياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين منذ خلق الله الأرض ومن عليها والى قيام الإمام المنصور المهدي بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه، فالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد صرح مرات عديدة بأنه لم يخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا ولكنه خرج طلبا للإصلاح في امة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وان هدفه من النهضة هو رفع يد الظلم والظالمين عن المؤمنين وإعادتهم إلى الصراط المستقيم، وهذا هو نفس الهدف الذي كان يعمل جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على تحقيقه، وعليه فقضية الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هي قضية كل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما أن محنته هي محنة الأنبياء جميعا وأوصيائهم وباقي الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والقصاص من قتلته هو في الحقيقة قصاص من جميع القتلة والمتجبرين الذين أذاقوا الأنبياء والمؤمنين شديد العذاب، لان هؤلاء هم امتداد لأولئك .
فشعار (يا لثارات الحسين) هو المعبر عن آلام الإنسانية بشكل عام وعن معاناة الأنبياء والمصلحين بشكل خاص، لذلك سيتخذه الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه عنوانا لثورته الإنسانية، ويكون دم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو محور التغيير الذي يمثل كل تلك الدماء والأرواح التي سفكت وأزهقت سواء كانت لأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأولادهم، أو للقادة والمصلحين والشهداء إلى زمن قيام الإمام المهدي أرواحنا فداه .
ثالثا: ما معنى كون النصرة لطلب ثار الإمام الحسين رزقا من الله سبحانه وتعالى؟
الرزق كما يقول الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه: (الرزق مقسوم على ضربين: أحدهما واصل إلى صاحبه وإن لم يطلبه. والآخر معلق بطلبه. فالذي قسم للعبد على كل حال آتيه وإن لم يسع له، والذي قسم له بالسعي فينبغي أن يلتمسه من وجوهه)[5]، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه رزقان، رزق يطلبك ورزق تطلبه، والذي يظهر من نص زيارة عاشوراء ان التوفيق لطلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه هو من مصاديق القسم الثاني من أقسام الرزق، أي من الرزق الذي تطلبه، لأنه لو كان من الرزق الذي يطلبك لما كان ضروريا ان يطلبه الإمام المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ويتوسل إلى الله سبحانه وتعالى لنيله.
وكونه من الرزق الذي يجب على الإنسان طلبه يستتبع شيئين مهمين:
ألف: ان رزق التوفيق لنصرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وطلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو ليس من الأمور الاستحقاقية اللازمة التي ينالها المرء بالاستحقاق الذاتي، بل هو من الأمور التفضلية التي يمن بها الله سبحانه على من يشاء من عباده، فلو كانت النصرة وطلب الثار بالاستحقاق لكان الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولى الناس وأحقهم به، فلا داع حينئذ ان يسأله المعصوم من الله سبحانه وتعالى في الزيارة، وهذا هو الظاهر من عبارة الزيارة.
والذي يخطر بالبال ان الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين خارجون عن هذا الظاهر وهم أولى الناس بنصرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وأحقهم بطلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وهم خارجون عن هذه القاعدة دون غيرهم من الناس، وتوسلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وطلبهم من الله سبحانه وتعالى النصرة وطلب الثار في الزيارة لتبيان الأهمية من جهة ولتعليم الناس وتوجيههم من جهة ثانية ولإيضاح ان هذا الشرف وهذه المنزلة لا تنال إلا بالدعاء والطلب والتوفيق الإلهي مهما كانت درجة الإنسان في سلم الكمال، إذ قد تعطى لإنسان فقير معدم مغمور الذكر خامل النسب ويحرم منها عالم مشهور بورعه وعلمه وتقواه، نسأل الله أن يمن علينا ذلك بلطفه ورحمته.
باء: ان التوفيق لطلب الثار بمعية الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وان كان من الأمور التفضلية التي يمن الله سبحانه وتعالى بها على بعض عباده دون بعضهم الآخر، إلا ان هذا المنّ والتفضل والفيض ليس جزافيا، لان الله سبحانه وتعالى حكيم في كل أفعاله وعطاياه، فلا يفعل العبث ولا يعطي جزافا، وعليه فلابد ولكي يستحق الإنسان ان يمن عليه بالتوفيق لطلب الثار مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه ان يوجد في نفسه شروط ذلك وأسبابه، شأنه شأن جميع الأمور والأرزاق التي يطلب من الإنسان السعي لتحصيلها، مثل الفلاح الذي في سبيل جني ثمرة التفاح أو غيرها من الثمار، فإن عليه ان يحرث الأرض ويزرع النبتة ويوصل إليها الماء والشمس ويمنع وصول الطير والآفات إليها ويصبر عليها الأيام والليالي وربما الأشهر والأعوام، حتى يجني بعد كل ذلك التعب الثمرة المرجوة، وكل هذا الجد والجهد والتعب في سبيل تفاحة لذتها وفائدتها محدودة ووقتية وضيقة، فكيف بالذي يريد الوصول إلى هدف وثمرة يتمنّى نيلها والوصول إليها الملائكة الكرام والرسل والأنبياء العظام، فإن التعب سيكون أكثر والجهد أعظم بكثير من زارع نبتة التفاح، ومثل هذه المراتب لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ولا يتوصل إليها العبد مهما أوتي من جهد وجد وطاقة إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى ومنّه ولطفه، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا وجميع الموالين طلب ثار الإمام الشهيد صلوات الله وسلامه عليه مع الإمام المهدي المنصور عجل الله تعالى فرجه الشريف.
رابعا: هل يشترط وجود الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه في مسألة أخذ الثار؟
والذي يظهر من عبارة الزيارة الشريفة ان حضور الإمام المعصوم المنصور صلوات الله وسلامه عليه شرط في طلب الثار المقصود في فقرة الزيارة، والإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه في هذه الفقرة الشريفة لا يقصد كل طلب، وإنما يقصد طلبا خاصا وهو الذي مع الإمام المنصور صلوات الله وسلامه عليه، لان طلب الثار مع الإمام المهدي له قيمة أخرى تختلف عن كل طلب، لان الجهاد مهما كانت درجة أهميته عظيمة، إلا انه مع الإمام المعصوم وتحت رايته أعظم وأعظم، لاسيما تحت راية الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه الذي ورد النص بعظيم أهميته، ولان نصرته وكما ذكرنا سابقا هي نصرة لجميع الشرائع والأنبياء والسنن.
إضافة إلى ان الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه يعلم بتعليم من الله سبحانه وتعالى أين يطلب الثار، وممن يطلب الثار، على نحو التحديد والدقة، لان طلب الثار ليس بالأمر الهين، لان الأمر يتعلق بالدماء والأعراض والأموال، وهو أمر عظيم لا يمكن الحكم به والتجرؤ عليه بغير نص وأذن قطعي، ولا يمتلك هذا النص والأذن غير الإمام المهدي المنصور صلوات الله وسلامه عليه.
إضافة إلى ان عملية اخذ ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هي عملية تحتاج إلى إمكانات مادية وعسكرية عظيمة، لان بعض من يطلب منه ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد يكون الآن حاكم دولة عظمى، أو قائداً من أولئك الذين تقف خلفه الجيوش الجرارة، أو غير ذلك، واخذ الثار من هؤلاء يستلزم إمكانات لا تخفى على المتأمل، وهذه الإمكانات لا تتحقق في غير عصر خروج الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
لذلك نرى أنّ جميع تلك الثورات التي خرجت للطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه عبر التاريخ لم تؤتِ ثمارها كاملة، لضعفها من الناحية المادية والعسكرية وغير ذلك من الشروط التي لها مدخلية في تحقيق النصر الكامل، وأوضح دليل على ذلك ثورة المختار فبالرغم من كل الجهود التي بذلها المختار وأتباعه للنيل من قتلة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه والأخذ بثاره، إلا انه عجز عن الوصول إلى الكثيرين ممن اشتركوا في تلك الفاجعة، فيزيد بن معاوية¾ وبطانته الكافرة من آل أمية ½، وغيرهم الآلاف قد فروا من سيفه، أو لم يصل إليهم لسبب وآخر.
هذا فيما لو قلنا إنّ طلب الثار سيقتصر على تلك الأمة التي ارتكبت فاجعة عاشوراء، ولم نذهب إلى ان الطلب بالثار سيشمل ــ كما هو الصحيح ــ جميع الأمم التي أتت بعد تلك الأمة المنحوسة أو قبلها، فيشمل امة رضيت، وأمة مهدت، وأمة دافعت عن الجناة وصححت أفعالهم، وغير هذه الأمم ممن لا يحيط بعلمهم وخبرهم إلا الله سبحانه وتعالى والإمام المهديصلوات الله وسلامه عليه.
فيتبين ونتيجة لهذا العرض، ان الثار الحقيقي لدم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لن يتحقق إلا في زمن الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، وان جميع الحروب والثورات التي قامت أو ستقام في يوم من الأيام بهدف الأخذ بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ستكون ناقصة من حيث الأثر وسيكتب لها عدم النجاح، أو النجاح الجزئي، لذلك ورد وصف الـ(مَنْصُور) في العبارة التي نحن بصدد شرحها، فالوحيد الذي سيكتب له النصر وتكون ثورته لأخذ الثار متكاملة هو الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، فحري بالمؤمن ان يحافظ على نفسه ويدخرها للمشاركة مع صاحب العصر والزمان صلوات الله وسلامه عليه، ولا يسمح ببذل مهجته إلا تحت رايته، كما قال الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه: (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم قتلاهم شهداء أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)[6].
وبناء على صحة هذا الحديث فإن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه مع انه يحكم على قتلاهم بأنهم شهداء، إلا انه صلوات الله وسلامه عليه يبين بان المرتبة الأفضل والأحسن والأكمل هي في عدم المشاركة واستبقاء النفس إلى صاحب العصر والزمان صلوات الله وسلامه عليه.
الهوامش:---------------------------------------------------------------
([1]) مكيال المكارم للميرزا محمد تقي الأصفهاني ج 1 ص419 – 422.
([2]) بحار الأنوار ج99 ص193.
([3]) بحار الأنوار ج 24 ص224.
([4]) المزار لمحمد بن المشهدي ص579.
([5]) المقنعة للشيخ المفيد ص 586 ــ 587.
([6]) كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص 281 ــ 282.
اترك تعليق