شبهة ورد الائمة علماء ابرار وليسوا بمعصومين

مفاد الشبهة: طرح بعض المعاصرين هذه الشبهة التي مفادها : ان الائمة عليهم السلام علماء ابرار اتقياء عاديون ، والرجوع اليهم ليس لأجل علة التنصيب ، وانما لانهم اوثق الطرق الى النبي صلى الله عليه واله وسلم ؟

جواب الشبهة : وذلك من خلال بيان امور عدة:

1-   ان مسالة تنصيب الامام والحجة الالهية دل عليه العقل الذي يقر ان ضرورة تنصيب الامام كضرورة النبوة تماما وهو ما يعبر عنه بدليل اللطف وبيانه من خلال مقدمات ثلاث :

الاولى : ان المجتمع البشري بحاجة الى نظام يطبق له العدالة ، ولابد ان يكون ذلك النظام صالحا لجميع المجتمعات ، وليس باستطاعة العقل البشري اختراع هذا النظام ، لمحدوديته في بيئته .

الثانية:ان الله عز وجل عالم بحاجة المجتمع الى النظام قطعا - ولا يمكن نسب الجهل اليه بهذا الخصوص ، وهو قادر على ايجاده وايصاله الى المجتمع ، وذلك من باب حكمته فأنها تقتضي ايصال ذلك النظام الى المجتمع البشري ليحقق العدالة فلذا قال عز وجل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ).

الثالثة : بما ان المجتمع بحاجة الى نظام ، وهو غير قادر على الاطلاع عليه لعدم وجود الواسطة بينه وبين الله عز وجل ، فلا يمكن له تطبيعه ، فلابد من وجود حجة يقوم بتليغ النظام وتفسير وبيانه، لعجز المجتمع عن الوصول الى ذلك، فعليه لابد من وجود حجة الهية تقوم بهذا الدور ، ولذا نجد ان النبي ص قام بهذه الدور في تطبيق النظام وبيانه وتفسيره وحفظه من التحريف والزيف ، وهذه العلة نفسها تقتضي تنصيب الامام ، لأنه هو الذي بيده بيان هذه النظام وتطبيقه ، اذن نفس العلة التي تدعوا لبعث النبي ، تدعوا لتنصيب الامامة .

1- اضافة الى ما يدعو اليه العقل فقد دلت النصوص القرآنية والروائية بشكل واضح وجلي على هذه الحقيقة ، فقد وردت آيات عدة تبين ذلك من قبيل قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فهذه الآية بينت ان الولاية لله ورسوله ومن يتصف بتلك الصفات وقد تواترت النصوص على ان المراد منه هو علي بن ابي طالب عليه السلام ، وكذلك قوله تعالى (ا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ثم تأتي الاحاديث الشريفة المتواترة والمستفيضة لبيان هذه الحقيقة من قبيل حديث الغدير والثقلين ، والمنزلة ، وغيرها الكثير التي لا يمكن الشك في دلالتها البتة .

2-  يقول الدكتور محسن كديور على في كتابه القراءة المنسية[1] نحن عندما نراجع النصوص لا نجد تصريحا بالامامة، وان ونجد ان الائمة الاوائل امير المؤمنين والحسن والحسين ما كانوا يقولون نحن ائمة معصومون ولم يذكروا بانهم منصوص عليهم فهذه الدعاوى انما جاءت متأخرة ؟

واستدل على ذلك بنصوص عدة منها: ما ورد عن الامام الحسين عليه السلام حيث قال: فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله ) ولم يرد في هذا النص بانه هو المنصوص عليه ، وكذلك نجد امير المؤمنين ع عندما استلم الخلافة يقول ( لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ما اخذ الله على العلماء ) فقد وصف نفسه بانه من العلماء ولم يقل بانه الامام المنصوص عليه ؟ ، ثم يقول لو نظرنا الى الادعية الشيعية لا يوجد فيها نص على العصمة والامامة كدعاء كميل وابي حمزة الثمالي ودعاء عرفة وغيرها ؟

ونحن نقول: تبين فيما تقدم ان الامامة يدل عليها العقل والنقل القطعي الذي لا مجال للشك فيه ولا نعلم لماذا غض الطرف الشيخ كديور عن كل تلك النصوص سواء القرانية او الروائية ، ومع ذلك عند الرجوع الى تراث اهل البيت عليهم السلام سنجد خلاف ما ذكره قطعا .

اما دعوى عدم وود نصوص في ادعيتهم عليهم السلام تدل على امامتهم وعصمتم فهذا باطل بمجرد الرجوع الى التراث ، واليك بعض الشواهد على ذلك :

اما نهج البلاغة فقد قال لاهل الكوفة ( اتتوقعون امام غيري يطا بكم الطريق ويرشدكم السبيل ) .

وورد في النهج ايضا انه قال َالْعَلاَءُ بن زياد الحارث يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ ؟ قَالَ وَ مَا لَهُ ؟ قَالَ لَبِسَ اَلْعَبَاءَةَ وَ تَخَلَّى عَنِ اَلدُّنْيَا قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اِسْتَهَامَ بِكَ اَلْخَبِيثُ أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَ وَلَدَكَ أَ تَرَى اَللَّهَ أَحَلَّ لَكَ اَلطَّيِّبَاتِ وَ هُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَ جُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ اَلْعَدْلِ نْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ اَلنَّاسِ كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ )[2] .

وكذا ورد في بعض كتبه عليه السلام: (أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُوم إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ. أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ. وَاللهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا )[3].

وجاء وعندما قال معاوية في خطبته وكانت بحضور الامام عليه السلام إن الحسن ابن علي رآني للخلافة أهلا، ولم ير نفسه لها أهلا، وكان الحسن عليه السلام أسفل منه بمرقاة فلما فرغ من كلامه قام الحسن عليه السلام فحمد الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة، فقال: فجاء رسول الله صلى الله عليه واله من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي ومن النساء بامي وكنا أهله ونحن آله، وهو منا ونحن منه. ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه واله في كساء لام سلمة رضي الله عنها خيبري ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وامي، ولم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد ويولد فيه إلا النبي صلى الله عليه واله وأبي تكرمة من الله لنا وتفضيلا منه لنا، وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله صلى الله عليه واله. وأمر بسد الأبواب فسدها وترك بابنا، فقيل له في ذلك فقال: أما إني لم أسدها وأفتح بابه، ولكن الله عزوجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه. وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا، ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية، نحن أولى بالناس في كتاب الله عزوجل وعلى لسان نبيه صلى الله عليه واله ولم نزل أهل البيت مظلومين، منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه واله فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيئ ومنع امنا ما جعل لها رسول الله صلى الله عليه واله. واقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله صلى الله عليه واله لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها يا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء، وأبناء الطلقاء: أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: ما ولت امة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، فقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الامة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة "، وقد رأوا رسول الله صلى الله عليه واله نصب أبي يوم غدير خم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب ) .

ولا يوجد اوضح من هذه الكلمات التي جاء بها الامام الحسن المجتبى عليه السلام في بيان الامامة واحقيتهم بها .

وقال الامام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: ( فصل عليه وعلى اله المنتجبين )، والانتجاب عبارة اخرى عن التنصيب والنص على امامتهم عليهم السلام .

وفي بعض خطبه عليه السلام: (أما بعد : فان الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما ارسل به صلى الله عليه وآله وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس )[4].

وورد في دعاء عرفة للامام السجاد عليه السلام قوله: ( اللهم وصل على محمد وال محمد المعترفين بمقامهم المتبعين منهجهم المقتفين اثارهم المستمسكين بعروتهم المتمسكين بولايتهم )، فالامام عليه السلام قد صرح بان للائمة مقام الولاية كما نص عليه القران الكريم فيما تقدم .

وورد في الصحيفة السجادية ايضا ( فجعلتهم الوسيلة اليك )، وفي دعاء 41 من ادعية الصحيفة السجادية ( اللهم اني اتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة ، والعلوية البيضاء واتوجه اليك بهما ) .

وفي المناجاة الشعبانية الواردة عن الامام زين العابدين عليه السلام قال ( اللهم صل على محمد وال محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ) فهل يعقل ان يكونو ا موضع الرسالة وهم اناس عاديون غي معصومين ؟ .

وغيرها من الشواهد الكثير التي تدل على ان الائمة الاوائل عليهم السلام قد ذكروا الامامة وهذا المقام واحتجوا على من خالفهم في موارد ومواطن عدة لا تعد ولا تحصى .

الهوامش:-------

[1] القراءة المنسية للدكتور محسن كديور ص 115 .

[2] شرح نهج البلاغة ج1 ص 97 .

[3] نفس المصدر ج 16 ص 205 .

[4] حار الانوار 44: 34

: الشيخ وسام البغدادي