الذَب عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بين الاعتدال والتشدّد السلبي

منذ بزوغ فجرالإسلام الأصيل المتمثّل بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، كان الدفاع عن عقائده الأصيلة وهويّته المتميزة جزءًا لا يتجزأ من حركة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الهداة(عليهم السلام)، وأصحابهم الثقات وعلماء الطائفة.

لكن، ومع تعاقب الأزمنة، برزت أساليب مختلفة في التعبير عن هذا الدفاع، بعضها اتسم بالرصانة العلمية والاعتدال، وبعضها الآخر انجرف نحو التشدّد الباطل أو غير الضروري والغلو، بل والقطيعة عن منهج العلماء الأعلام الذين شيّدوا هذا الكيان العلمي العريق.

الاعتدال والتشدّد السلبي وجهان لمشهد الدفاع العقائدي

يمكن تمييز منهجين بارزين في أوساط المدافعين عن المذهب الحق:

1. المنهج المعتدل:

يمثله غالب العلماء والمراجع عبر تاريخ التشيع، من أمثال الشيخ المفيد، والعلامة الحلي، والمحقق الطوسي، وصولاً إلى أعلام ومراجع العصر الحديث. هذا المنهج العلمي الأصيل يُؤكد أصول العقيدة وفروعها وضروريات المذهب والمتفق عليه فيه دون أي تنازل، لكنه يُراعي قواعد الحوار البناء، ويبتعد عن لغة التشهير والتسقيط ونحو ذلك، ويركز على التأصيل العلمي والبناء الفكري العميق.

أصحاب هذا المنهج لا يغفلون أهمية الجانب الشعائري والإعلامي بل يؤكدّون عليه، لكنهم لا يقتصرون عليه كذلك، بل يعتبرونه وسيلة داعمة للمشروع العلمي والمذهبي. ولهذا ترى جهودهم موجهة نحو المشاريع التأصيلية كإنشاء المؤسسات العلمية والثقافية التي ترد على الشبهات وتجيب على أسئلة المؤمنين وتقدّم أنواع الإصدارات العلمية المقروءة والمرئية وغيرها لهم لتطوير وعيهم الديني وثقافتهم المذهبية، كما تقوم برعاية طلاب العلوم الدينية حفاظاً على استمرارية المدرسة الإمامية.

2. المنهج الانفعالي:

يتميز برؤية ضيقة للمذهب، توجب التسرّع في إطلاق أحكام التضليل بل التكفير بحق من يخالفه، حتى من داخل المذهب نفسه. يعتمد هذا الاتجاه على الإثارة العاطفية، والتركيز على بعض الجوانب الشعائرية بصورة مفرطة، مع إهمال الجانب المعرفي عادة.

أكثر أتباع هذا المنهج من بعض الشباب المتدينين وقليل من طلاب الحوزات العلمية الجدد الذين يمتلكون عاطفة مذهبية صادقة، لكنهم يُستَغلّون في هذا الاتجاه الذي يوجههم نحو الانغلاق، ورفض الآخر، والتحشيد ضد العلماء المعتدلين.

كما ترى فيهم من لم يدرس العلوم الدينية يومًا واحدًا، أو درس مدة قصيرة ثم انقطع عنها؛ فصار ينظر ويتكلم للناس على وسائل التواصل والفضائيات ببعض المصطلحات العلمية مع كونه لم يصل إلى مرحلة إبداء الرأي أبدًا!

ومن الواضح جدًا أن أحد أسباب نشوء هذا المنهج الإفراطي، وجود المناهج التفريطية التي تقدّم مصلحتها على مصلحة المذهب وأهله بتنازلها عن أصوله وأسسه بسهولة!

المخاطر الكامنة في المنهج المتشدّد

تحريف صورة المذهب:

يُقدم هذا المنهج صورة مشوهة لأتباع أهل البيت(عليهم السلام) تُظهرهم كجماعات همجية تفتقر للعمق العلمي والوعي الفكري، مما ينفر الآخرين من المذهب وأهله بدل أن يجذبهم إليه.

تفتيت الجبهة الداخلية:

مع الوقت، يتحول الخلاف إلى صراع داخلي، حيث يُصبُّ الغضب على العلماء والمراجع تحت ذرائع مختلفة، وهو ما هيّأ لنشوء جماعات منحرفة عن خط العلماء؛ كالأخبارية الجدد، وبعض الشيخية، وأتباع العرفان المزيف، والجماعات المغالية، والفرق الضالة، وأدعياء المهدوية، والمتمرجعين، وبعض التوجهات الأخرى التي تدّعي الأصالة بينما هي تعيد إنتاج الانغلاق والانحراف.

قطع الطريق على الحوار المذهبي:

هذا المنهج لا يطيق الحوار، لا مع السنة ولا مع الشيعة المخالفين له، فيُحوّل الحوار إلى خصومة دائمة، ويُضعف من قوة الحجة التي طالما امتاز بها مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

منهج أعلام المذهب هو الصحيح

المتأمل في التاريخ الشيعي يجد أن خط العلماء والمراجع العظام هو الذي جاهد لحفظ كيان التشيع من الذوبان، سواء في العصور العباسية أو الصفوية أو القاجارية أو الحديثة. هؤلاء الأعلام لم يكونوا غافلين عن المؤامرات، لكنهم لم يستجيبوا بردود انفعالية، بل واجهوا التحديات بالعلم، والتقوى، والعمق.

ومن هنا يجب أن يُقال لبعض الشباب:

إن الذب عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لا يلازم التشدد أو التعصب السلبي أو الأساليب شبه التكفيرية، بل قد تكون هذه الأساليب سببًا في النفور من المذهب، وتفتح الباب أمام الأعداء لتشويه صورة التشيع.

خاتمة: دعوة للتأمل والعودة للمنهج الأصيل

إننا بحاجة ملحة اليوم إلى تجديد التمسك بمنهج العلماء الأعلام الذين جمعوا بين العقيدة والرحمة، بين البراءة والحكمة، بين الولاء والعقل. هذا هو السبيل الذي يُثمر معرفةً راسخة، ومجتمعًا مؤمنًا متماسكًا، وصورة مشرقة عن التشيع والشيعي البصير الذي لا يتنازل عن عقيدته قيد شعرة أو أقل، كما يتبع نفس أسلوب أهل البيت(عليهم السلام) المعتدل في الذب عن مذهبهم المبارك، لا غيره.

: الشيخ علي الحسون