تنقسم الولاية إلى ولايتين أحدهما تتعلق بعالم الملك والملكوت والتكوين، والأخرى ترتبط بالوضع التشريعي أي بعالم التشريع.
فالأولى: تسمى بالولاية التكوينية.
والثانية: يطلق عليها بالولاية التشريعية.
فما المقصود من الولاية التكوينية؟
الولاية التكوينية
لا أحد يعتقد أن الأمور خارجةٌ عن إرادته تعالى بل الأمر كله لله ولا يجحد ذلك إلا مكابر، وفي الوقت نفسه فإننا لا نُلغي إرادته تعالى في أن يكرّم بعض عباده فيفوض بعض الأمور إليهم ليتصرفوا بقدرته وليس خارجاً عن قدرته أو بعيداً عن إرادته وهكذا هي كرامة الله لأوليائه كما ذكرها القرآن الكريم ونوّه بها في أكثر من موضع، وهذه بعض نماذجها:
النموذج الأول
تطالعنا قصة عرش بلقيس والتحدي الذي قام به بعض رجالات سليمان في إظهار مُلك النبوة وولاية من آتاه الله العلم والحكمة وسخرّ له بإذنه بعض شؤون التكوين. فبعد اكتشاف مملكة بلقيس وان قومها كان يعبدون من دون الله، أراد سليمان عليه السلام ان يرجعهم إلى طاعة الله وعبادته بإظهار ما آتاه الله من إمكانية التصرف وأن مملكة بلقيس الدنيوية لا يمكن لها أن تصمد في وجه هذا العطاء الإلهي والمنحة الربانية، كان التحدّي ذا حدّين:
أحدهما: تحدّي سليمان لمملكة بلقيس.
وثانيهما: تحدّي سليمان لإمكانية الجن.
أما الأوّل: فلقد كان الإعجاز الذي أراده سليمان أن يظهر ملكه فيه بأن أراهم أن قدرة الله غالبة على كل شيء وأن حكمه ماضٍ على كل ما يجمعون وبالفعل فإتيان عرش بلقيس، ذلك العرش المرصع بالجواهر والحلي والذي يزن حجماً لا يقوى على الإتيان به إلا عصبة من الأشداء الأقوياء المتمرسين في العمل الشاق كل ذلك يتم في أقل من لحظة وهي مدة ارتداد الطرف وكان ذلك جرى أمام الوفد الذي أرسلته بلقيس إلى سليمان بهدية الملك والدولة السبئية، إلا أن جلب العرش كان إيذاناً بسقوط هذه الدولة وانهيار قوتها أمام قوة ولي الله والذي ملكه من ملك الله تعالى، وبهذا آمنت بلقيس وقومها لمجرد ما رأوه من التحدّي والإعجاز التكويني الذي مارسه سليمان لإثبات ولايته على الأشياء والتصرف بها بما يُرضي الله تعالى.
والثاني: ان عفريت الجن ذلك المارد الشيطاني الذي خضع لإرادة سليمان ظن أنه يُعجز سليمان في الإتيان بعرش بلقيس لما له من القدرة غروراً وتمرداً، إلا أنّ الذي عنده علمٌ من الكتاب أظهر قدرته التي هي كرامة الله لأوليائه فالمشاهد أجريت أمام أعين الوفد السبئي الذي حمل هدية بلقيس وتعامل مع سليمان تعامل ملوك الدنيا، والصور القرآنية تحكي هذه المشاهد.
((قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ))([1]).
فالآيات ترسم صورة الحدث بشكله الفني ومعطياته الدرامية ومشاهده المتداعية بلقطاتها الرائعة.
فالمخاوف التي كانت لدى بلقيس من أن الملوك بتجبرهم وطغيانهم سيفسدون الحرث والنسل وليس لأهل القرية التي تصبح تحت سطوتهم من حرمةٍ فانهم يذلون عزيزها ويفتكون بأهلها وان الحل الذي يمكن أن تكسب به عطف سليمان فضلاً عن إظهار إمكانياتها الاقتصادية وقوتها كذلك هو التعبير عن هدية المملكة التي يمكن أن تحكي سطوتها وهيبتها، إلا أن ذلك لا يرُضي سليمان دون الدخول في دين الله وطاعته ونبذهم عبادة مَنْ دونه، فغضب لله وأبدى استعداده بمقابلتهم عسكرياً لكن بعد أن يُظهر لهم ما آتاه الله من الملك والنبوة والتصرف فكان أمام أعين الوفد هذا الحوار.
((قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)).
فالتحدي بالإعجاز هو المحاولة الأُولى التي سيستخدمها سليمان في إخضاع هؤلاء وتسليمهم.
((قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)).
فهذا المارد الشيطاني أشار على سليمان أن يستخدم قوته من أجل إظهار طاعته له وتقربه إليه ظاناً من أن سليمان لا يمتلك هذه القوة الاعجازية بل أكثر منها فأراد أن يظهر سليمان له إمكانيته فأشار إلى أحد أوصيائه المقربين إليه أن يتحدّى القوة الشيطانية بالقدرة الإلهية ويحُيط غرور هذا المارد.
((قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)).
فالذي عنده علم من الكتاب تصرف تصرفاً أظهر معه إرادة الله تعالى وعجز مَنْ دونه، وأن الذي يكون في طاعة الله تعالى يؤتيه الملك والولاية في التصرف على الأشياء، وبالفعل كانت هذه المحاولة إحباط لكل وسائل التضليل والانكفاء على الذات والتمرد على الإرادة الإلهية، هذه هي الولاية في التصرف التكويني حيث تمكن من خلالها سليمان أن يُخضِع الآخرين للإيمان بالله وبرسالاته.
النموذج الثاني
ولم يزل إبراهيم النبي يهيم في ملكوت الله عاشقاً لجماله وكماله فهو الخليل الذي اختاره الله واصطفاه.
كان إبراهيم يدفعه حبه لله أن يرى من عظيم قدرته ليظهره بتجليات العارف الوله محبّاً للكمال مأخوذاً بسلطان ربه وقدرته، فسأله عن كيفية إفاضة الله للحياة على أجزاءٍ مقطّعةٍ الأوصال ليريه من قدرته ولم يسأل كيفية تحقق هذه الأجزاء لحياةٍ مفاضةٍ عليها، فهو مذعنٌ لقدرته تعالى لكنه لا يدري كيفية الإفاضة للحياة.
((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))([2]).
لقد كان دعاء إبراهيم لهذه الأوصال المقطعة ولايةً أفاضها الله عليه حتى صار يحيي هذه المقطّعات فتدبّ فيها الحياة وتلتحق بأجزائها الباقية لترجع طيراً تقف بين يديه بأذن الله، هذه هي ولاية إبراهيم التكوينية التي أفيضت عليه ليفيضها على بعض الموجودات فتفعل فعلها العجيب بإذن الله.
النموذج الثالث
ولم يكن نبي الله عيسى بمنأى عن هذه الكرامة الربانية والإفاضة الإلهية، فقد أسبغ عليه نعمِهُ ظاهرةً وباطنة وأيده بروح القدس واجتباه لرحمته حتى أبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بأذن الله، فكان له التصرف في التكوين لولايته التي منحها الله إليه، فهو في نبوته هادٍ وقائد ومرشد لبني إسرائيل، فكما علمه الله الكتاب والحكمة أفاض عليه من ولاية التكوين ما خضعت له أعناق المعاندين وكأن ذلك تكملةً لمهمته الإلهية وتأييداً لدوره في هداية الأمة وتوجيهها:
((وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))([3]).
فكل ما آتاه الله تعالى من هذه الولاية متعلقةٌ بمهمته الرسالية فمن خلال ذلك ألقى عيسى عليه السلام الحجة على بني إسرائيل، وأعلمهم أن ذلك الخارق للعادة من الاعجاز الذي قدّمه لهم يُنبئ قربه إلى الله وأنه مرسلٌ من لدنه سبحانه إذ ابتدأ الآية بقوله:
((وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)).
وختمها بتعداد ما يمكن أن يفعله من اعجاز.
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)).
فمقتضى القيادة المعصومة أن تكون مرتبطةً بالله تعالى ومن آثار هذا الارتباط هو الحصول على ولايةٍ للتصرف الكوني بإذن الله تعالى، فسياق الآيات منوط الحجية بما يقدمه عيسى من إمكانية التصرف، وبذلك ستكون فاعلية التأثير في التكوينات سبباً في انصياع الناس للتصديق والإذعان.
انّ هذا الاستعراض القرآني يثبت لنا ولاية التكوين لأنبياء الله تعالى، والظاهر أن هذه الولاية تشتد وضوحاً فيما إذا كان النبي له مهمة القيادة والإمامة للمجتمع فالحديث عن أنبياء الله تعالى كإبراهيم وعيسى وسليمان وموسى تجد استعراضاً قرآنياً هامّاً من خلاله تتحدث الآيات القرآنية عن وضوح ظاهرة الولاية التكوينية ودائرة هذه الولاية إذ تضيق وتتسع تبعاً لمهمة ذلك النبي أو ذاك وبقدر ما يتحمل من مسؤولية قيادة أمته وإيصالها إلى الهداية الربانية، إذ المعلوم أنّ الهداية على نحوين:
أحدها: هداية إرائية، والأخرى: هداية إيصالية.
فالارائية تتعلق بالعقل النظري وشؤونه من تحقيق المبادئ التصديقية للمكلف وتصور الخير والشر والعقاب والثواب والحق والباطل والنور والظلمة، والنبي تبعاً للواقع التبليغي يمارس دور الهداية الارائية، في حين تتعدى مهمة بعض الأنبياء إلى الإراءة الايصالية.
أما الايصالية فهي الهداية التي يسعى من أجل إيجادها النبي أو الإمام لإيصال المكلفين إلى الغاية عن طريق تحقق تكاملهم، ومعرفة هذا التكامل والسعي من أجله، فمهمة الإمام سواء كان نبياً أو وصياً هي قيادة الأمة وهذه القيادة تقتضي السعي للوصول إلى غاية الكمال فهي ايصالية إلى المنتهى.
الايصالية أهم من الارائية
من هنا أمكن القول أن الهداية الايصالية أشرف في مهمتها من الهداية الارائية إذ يمكن أن نصور أن الهداية الإرائية تشريعية في حين أن الهداية الايصالية تنفيذية، مع العلم أن التنفيذية لا تعني أن تكون تنفيذية صرفة دون مراعاة التشريع فلابد أن تحتفظ بكمالات التشريع لتنفذ على ضوئه تحقيق الغاية والوصول إلى الهدف.
انّ تصوير الإرائية بأنها تنفيذية لا يعني حرفية المصطلح والجمود عليه، إذ تنفيذية الإيصالية فيها جنبة تشريعية بل هي في حقيقتها تنفيذية تشريعية حينما تكون لدى الإمام أو النبي إذن فالإيصالية تشريعية لكنها في مرحلة متقدمة فهي تنفيذ تشريعي أو فقل تشريع تنفيذي كذلك.
ولعلّ في تقريبنا للهدايتين نلتزم بالتصور التالي:
انّك حينما تسأل أحدهم عن مكان معين فانه يصف الطريق الذي تسلكه للوصول إلى هذا المكان والهدف، بمعنى إراءة الهدف لك عن طريق الوصف والإيحاء والمشافهة ونطلق على ذلك بأنه هداك بهداية إرائية لغرض الوصول إلى المكان أو الهدف المطلوب.
في حين حينما تسأل أحدهم عن المكان المراد الوصول إليه وغايتك المبتغاة فانه يصفه إليك ثم يأخذ بيدك ليوصلك إلى الهدف الذي تريده، وهذه العملية يُطلق عليها بالهداية الايصالية، وبالتأكيد فقد أرشدك الثاني بالإيصال إلى هدفك مباشرة ومعنى هذا أن الذي يقودك إلى هدفك مباشرة ستكون مهمته أعظم وأشرف من ذلك الذي اكتفت مهمته بالوصف والإرشاد.
إنّ مهمة الإمامة هي قيادة الأمة إلى حيث الخير والكمال تحتاج إلى أهليةٍ كاملة متكاملة وتسديد الهي دائم لا ينقطع، ولكي يبلغ النبي أو الإمام شأواً في الأمة ومقاماً في التبليغ فلابد أن يثبت قربه عند الله تعالى ومنزلته لديه وخاصته عنده، وكل ذلك لا يتم إثباته لدى الناس وتعريفه عندهم إلا من خلال إحداث ما يعجز عنه الآخرون، فتصرفه في الأمور الكونية ــ مثلاً ــ ناشئٌ عن القرب الإلهي الذي حصل لهذا الولي.
الولاية التكوينية والتداعيات السياسيةمن المؤسف حقاً أن ينجرّ بعضهم إلى دعاوى تنطلق من طموح شخصي غير مشروع، ويحاول الآخرون دفع ذلك باتجاه الإيحاء النفسي الذي يسيطر على أحاسيس البعض وتوجهاتهم منافسة لكل ما من شأنه أن يقوّم من قضية الحق.
في محاججة الإمام علي عليه السلام لأصحاب معاوية ومحاولته ترسيخ فكرة الأحقية بالخلافة والإمامة، أظهر عليه السلام لوناً آخر من محاججاته هذه: من أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن تميّزه إمكانياته في التصرف بالأمور التكوينية، وإحياء الموتى، وغير ذلك مما يعجز عنه الآخرون، كما كانت الولاية في ذلك لعيسى وموسى وغيرهما من الأنبياء، وإلا فما الفرق بينه وبين باقي الناس؟!.
وهذه المحاججة لم تقتصر على معاوية فقط بل هي تشمل كل مَنْ ادّعى مقاماً ليس له، وحقاً ليس فيه، وهي محاججة أربكت الكثير وأسكتت المدعين.
فقد روى السيد المرتضى بسنده مرفوعاً إلى ميثم التمار عن أمير المؤمنين قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام رقى من المنبر مراقياً ثم تنحنح فسكت الناس، فقال: «رحم الله من سمع قولي فوعى، ونظر فاستحيى، أيها الناس إنّ معاوية يزعم انّه أمير المؤمنين، وانّه لا يكون الإمام إماماً حتى يحيي الموتى أو ينزل من السماء مطراً أو يأتي بما يشاكل ذلك مما يعجز عنه غيره»([5]).
وهكذا استطاع الإمام عليه السلام ان يتحدى هذه الوجودات غير المشروعة بمطالبتها للإتيان بما يعجز عنه غيره، وإلا كيف يدعي الإمامة وهو غير قادر على التصرف، وكأن من ملازمات الإمامة إمكانية التصرف الكوني ليثبت القرب والمقام الأسنى.
ويمكن القول: إنّ هذا الاستدلال من أخطر ما نبّه عليه الإمام في محاججاته لإثبات شرعيته وإبطال دعوى الآخرين، لذا فإنّك تجد انّ محاولات التثقيف بالاتجاه المعاكس لأُطروحة أهل البيت في إثبات الولاية التكوينية وثبوتها قد راجت إلى الحدِّ الذي صوّره الآخرون أنّها من أفكار الغلو ومقالاته، وذلك لسدّ الطريق على مثل هذه الاستدلالات التي طالب بها أهل البيت خصومهم في إثباتها، إن كان لهم حقُّ الحاكمية والسلطنة كما يزعمون!.
الهوامش:
(1) النمل: 34 ــ 40.
(2) البقرة: 260.
(3) آل عمران: 48 ــ 49.
(4) ينابيع المعاجز للسيد هاشم البحراني: 171.
اترك تعليق