حينما يطالع الباحث النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام في خصوص الآثار المعنوية لزيارة الإمام الحسين عليه السلام وما إدخره الله سبحانه وتعالى من جزيل الثواب والعطاء والمنازل والدرجات العليا يسعى المؤمن جاهداً إلى أن يكون من زوار أبي عبد الله عليه السلام ويرغب أن تكون تلك العطاءات والمنازل من نصيبه، فتجد الشوق والحب يظهر على جميع ملامحه، ويشد الرحال إليه سواء كان ذلك الزائر قريباً أو بعيداً متحملاً من أجل ذلك الصعاب وبعد المسافة ومشقة الطريق في بعض الأحيان كما نراه في الواقع المعاصر من الزيارات المليونية التي يتجه فيها المؤمنون إلى ضريح أبي عبدالله الحسين عليه السلام .
ولكن يبقى هناك تساؤل يتبادر إلى الأذهان وهو كيف نزور أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟
وهذا السؤال نفسه قد بينته الروايات الشريفة عن الأئمة عليهم السلام، وذكروا عدة أمور ينبغي إتباعها عند زيارة الإمام الحسين عليه السلام وأهمها:
أولا: الاهتمام بالطهارة وحسن المظهر والسكينة والوقار
وهي من الآداب المهمة التي ينبغي على الزائر أن يعتني بها، وهي الإهتمام بالطهارة والوضوء عند زيارة الإمام الحسين عليه السلام وكذلك بحسن المظهر فليس من المناسب أن يكون زائر الامام الحسين عليه السلام بمظهر منفرٍ أو غير لائق، أو غير محتشم بالنسبة للمرأة، أو عدم مراعاة الأحكام الشرعية في ذلك، بل لابد أن يهتم الزائرون بالمظهر الذي يناسب مقام الإمام الحسين عليه السلام وعظم مصيبته وما جرى عليه.
وكذلك من الآداب المهمة هو تحلي الزائر بالسكينة والوقار والهدوء عند دخول الحرم الشريف، وعدم استخدام بعض الأساليب التي لا يراعى فيها جانب الوقار والسكينة، فعَنْ يُونُسَ الْكُنَاسِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ (عليه السلام) قَالَ :إِذَا أَتَيْتَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام فَائْتِ الْفُرَاتَ وَاغْتَسِلْ بِحِيَالِ قَبْرِهِ وَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ وَعَلَيْكَ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ حَتَّى تَدْخُلَ إِلَى الْقَبْرِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَقُلْ حِينَ تَدْخُلُهُ)[1].
ثانيا: إظهار جانب الحزن والكئابة
ومن أهم الآداب التي ينبغي أن يتصف بها زائر الإمام الحسين عليه السلام هو إظهار الحزن والكئابة والكرب، وأن تكون هذه الصفات هي الغالبة على الزائر فينبغي أن يبتعد عن الضحك والمزاح والقهقهة وجميع مظاهر الفرح والسرور وخصوصاً أثناء التجمعات التي تحصل عند المسير إلى الامام الحسين عليه السلام، فقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنهُ قَالَ:(إِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَزُرْهُ وأَنْتَ كَئِيبٌ حَزِينٌ مَكْرُوبٌ شَعِثاً مُغْبَرّاً).
ثالثاً: المواساة في الجوع والعطش
ومن الأمور المهمة التي نبهت عنها الروايات الشريفة هي مواساة الزائر للإمام الحسين عليه السلام حتى في عطشه وجوعه، فمن الآداب المهمة عند زيارة الإمام عليه السلام أن يكون ذلك الزائر عطشاناً وجوعاناً كما كان ابو عبدالله عليه السلام في يوم عاشوراء، فقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: ( فاذا اردت زيارة الحسين عليه السلام فزره جائعا عطشانا)[2]، وهذا لا ينافي تناول الزائرين للطعام في أثناء المشي والمسير لضريح أبي عبدالله عليه السلام، وذلك لأن الرواية الشريفة ناظرة للزائر حين وصوله للقبر الشريف فمن باب المواساة يستحب للزائر ان يكون جائعاً عطشانا، وذلك مواساة للإمام عليه السلام، وكذلك تشير إلى أن يكون هم الزائر هو المواساة وإعلان الولاء للإمام الحسين عليه السلام ولا يكون همه الطعام والزاد والراحلة وإنما الهم الأعظم عند الزيارة هو زيارته شوقا له وحبا للنبي وآله عليهم الصلاة والسلام، وتماماً للولاية لهم.
رابعا: زيارة الإمام الحسين عليه السلام شوقاً إليه وحباً للنبي وآله عليهم الصلاة والسلام
اوضحت الروايات الشريفة أن من أهم آداب الزيارة أن يكون الداعي لها هو الشوق للإمام الحسين عليه السلام وحباً ومودة للنبي وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والائمة عليهم الصلاة والسلام، فقد روي عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله وأبا جعفر(عليهما السلام) يقول: ( مَن أحَبَّ أن يكون مسكنُه الجنَّة ومأواه الجنّة فلا يدّع زيارةً المظلوم، قلت: ومَن هو؟ قال: الحسين بن عليٍّ عليهما السلام صاحب كربلاء، مَن أتاه شَوقاً إليه وحُبّاً لرسول الله وحُبّاً لأمير المؤمنين وحُبّاً لفاطِمَة أقعده الله على مَوائد الجنّة يأكُل معهم والنّاس في الحساب)[3].
وعن أبي اُسامة زَيدٍ الشّحّام قال: سمعت أبا عبد الله الصادق: (عليه السلام) يقول: (مَن أتى قبر الحسين عليه السلام تشوّقاً إليه كتبه الله مِن الآمنين يوم القيامة وأعطى كتابه بيمينه، وكان تحت لِواء الحسين عليه السلام حتّى يدخل الجنّة فيسكنه في درجته، إنّ الله عزيز حكيم)[4].
خامسا: أن تزور الإمام الحسين عليه السلام وانت عارفاً بحقه
وهذا قيد احترازي، مهم جدا ولذا جاء مكرّراً في الروايات الشريفة، وبكثرة كاثرة مع تعدد في الصياغة والأسلوب فقد روى ابن قولويه بإسناد متصل قوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من زار الحسين (عليه السلام) عارفاً بحقه يأتمّ به، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ، وقوله عليه السلام (يأتم به) الواردة في الرواية تقتضي بالضرورة الاعتقاد بإمامته، والعلم بحجيته، وأنّه إمام مفترض الطاعة من الله تبارك وتعالى، فظاهر هذه اللفظة (يأتمُّ به) هو الاتّباع والاقتداء العملي، علاوة على الاعتقاد القلبي، وهذا يعني أن عبارة عارفاً بحقه تتقوم بركنين أساسيين وهما (الاعتقاد، والإتباع والطاعة )، فمجرد الاعتقاد لا يكفي في تمام المعرفة بل لابد أن يترتب على الاعتقاد بإمامة الإمام عليه السلام الطاعة والتسليم والانقياد عملياً لا نظرياً .
ومن هنا فمن أراد الآثار العظيمة لهذا الفعل ليحظى بسعادة الدنيا والآخرة وخيرها فليزر الإمام الحسين (عليه السلام) كما أوضحته الروايات الشريفة التي تقدم ذكر بعضها.
الهوامش:------
[1] الكافي، الشيخ الكليني 4 / 589.
[2] كامل الزيارات: 131،
[3] كامل الزيارات 152.
[4] كامل الزيارات، ص: 152
اترك تعليق