المحاور الاساسية الواردة في اهم مضامين الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام

تعد الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء عليها السلام من اهم النصوص التي تعكس طبيعة المرحلة التي اعقبت رحيل النبي صلى الله عليه واله وما رافقها من تحولات سياسية وفكرية واجتماعية وقد جاءت الخطبة على نحو يجمع بين البيان الشرعي والاحتجاج العقلي وهي بهذا تقدم وثيقة مهمة لفهم موقع اهل البيت عليهم السلام في المشروع الرسالي وفي حفظ معالم الدين.

 

المحور الاول

التأسيس العقدي للنبوة والرسالة

افتتحت السيدة الزهراء عليها السلام خطبتها بتقرير اصول التوحيد والنبوة والغاية من ارسال الرسول فقد عرضت صورة شاملة للعلاقة بين الانسان وربه وبين الهداية والوحي وبين الشريعة ومسار الامم وتوقف الخطاب عند حقيقة ان الاسلام لم يكن مجرد منظومة تشريعية بل مشروع اخلاقي وروحي ينقل الانسان من عبودية النفس والهوى الى وعي الارتباط بالله وهذه المقدمة العقدية وضعت الاساس لفهم لاحق مفاده ان ما يحدث بعد الرسول يجب ان يقاس بميزان الوحي لا بمصالح السياسة او اهواء الناس ورغباتهم.

المحور الثاني

تفسير فلسفة التشريع وبناء الامة

قدمت السيدة الزهراء عليها السلام تحليلا عميقا لوظيفة الاحكام الشرعية من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد وامر بالمعروف ونهي عن المنكر فكانت تشرح ان هذه الاحكام ليست طقوسا منفصلة بل منظومة تربوية تهدف الى تربية الانسان وتحصين المجتمع وتأسيس العدالة وبهذا قدمت منهجا يربط بين العبادة والسلوك وبين الشريعة وبناء الدولة الصالحة وقد شكل هذا الجزء احد اهم الدلالات الفكرية في الخطبة لانه اعاد تعريف الدين بوصفه منهج صناعة الانسان والمجتمع بشكل قويم.

المحور الثالث

الاحتجاج على انتزاع الخلافة وحقوق اهل البيت عليهم السلام

بعد التمهيد العقدي والفقهي انتقلت عليها السلام الى محور سياسي واضح يتمثل بالاعتراض على الاقصاء الذي تعرض له امير المؤمنين عليه السلام وبينت ان ذلك لم يكن مجرد نزاع على السلطة بل مساس بأصل الرسالة لان الامامة استمرار لدور النبوة في حفظ الدين واشارت الى ان الامة انحرفت عن المقياس الذي وضعه الرسول في الغدير وعن المعايير القرانية التي تحدد صفات القيادة الشرعية وبعد هذا العرض كشفت طبيعة الخلل الذي اصاب البنية الدينية والسياسية والاجتماعية بعد شهادة النبي صلى الله عليه واله.

 

المحور الرابع

مسالة فدك والبعد الحقوقي

قدمت السيدة الزهراء عليها السلام ملف فدك ليس باعتباره نزاعا ماليا بل قضية معيارية تحكمها قواعد الشرع وعدالة الدولة فركزت في احتجاجها على اقامة الحجة الشرعية لا على المطالبة بالممتلكات وقد استدلت بالقران الكريم وبسنة النبي صلى الله عليه واله لتفنيد ادعاء منع الارث عن اهل البيت عليهم السلام وهنا يصبح بحث فدك مثالا عمليا على تجاهل النص الصريح لصالح المصلحة السياسية وهذا ما ارادت الزهراء عليها السلام كشفه امام المسلمين ليعلموا ان الخلل اعمق من مسالة ارض وان الامر يرتبط بمستقبل تطبيق الشريعة ونزاهة الحكم والعدالة المجتمعية.

 

المحور الخامس

البعد الاخلاقي والاجتماعي في الخطاب

تحدثت السيدة الزهراء عليها السلام بلغة تهدف الى تنبيه الامة لمخاطر الانقسام والرجوع الى العصبيات القبلية ودعتهم الى الاتزان واعادة النظر في مواقفهم فكانت الخطبة نداء اخلاقيا يحمّل كل فرد مسؤوليته امام الله وامام التاريخ وقدمت نموذجا لموقف المسلم الرسالي الذي لا يساوم على الحق ولا يخضع لضغط الواقع وانما يشهد لله بالحقيقة وان كانت مرّة ومكلفة.

المحور السادس

موقع المرأة الرسالية في حفظ الدين

تشير الخطبة بوضوح الى ان السيدة الزهراء عليها السلام لم تكن مجرد شخصية محزونة على فقد ابيها بل كانت حجة الهية فقيهة عالمة قادرة على بيان اصول الدين والاحتجاج على السلطة والوقوف لتصحيح الانحراف وهذا يكشف الدور الرسالي للمرأة في الاسلام وخاصة في مدرسة اهل البيت عليهم السلام حيث تكون المرأة شريكا في حفظ الدين واداء الواجب الشرعي عند الحاجة الى ذلك.

 

المحور السابع

دلالة الخطبة في الوعي الشيعي

اصبحت الخطبة الفدكية فيما بعد جزءا من الوعي الامامي الشيعي لأنها تمثل شهادة معصومة على ما جرى بعد شهادة النبي صلى الله عليه واله وتوضح ان الخلاف السياسي لم يكن خلافا عاديا بل كان تغيرا في مسار الامة وقد حفظت الخطبة كوثيقة تشرح اسباب الصراع التاريخي بين خط اهل البيت عليهم السلام وخط السلطة وتحدد معيار التمسك بالدين من خلال الالتزام بالمرجعية التي عينها الرسول صلى الله عليه واله وهي مرجعية القران الكريم وهل البيت عليهم السلام من خلال حديث الثقلين الثابت والمتواتر عند الفريقين.

 

خلاصة الخطبة الفدكية

ان الخطبة الفدكية ليست نصا تاريخيا فحسب بل هي مشروع وعي يقدم رؤية متكاملة عن الدين والدولة وعن القيادة الشرعية وعن طبيعة الصراع بين الحق والباطل بعد رحيل النبي صلى الله عليه واله وهي في حقيقتها بيان رسالي يدعو الى العودة الى اصول الاسلام والى فهم العلاقة بين الشريعة والعدل وبين الامامة واستمرار مسار النبوة ولهذا بقيت الخطبة نصا محوريا اساسيا لفهم المراحل التأسيسية في تاريخ الامة.

: الشيخ ميثم الصريفي