الصراحة قيمة إسلامية وخلق إنساني

تعد الصراحة في الإسلام قيمة عليا يسعى إلى تحصيلها الإنسان في الحياة الدنيا ويخلق بها لما لها من آثار إيجابيا اجتماعيا ودينياً، فهي تنمي الذات الإنسانية وتجعل منها ذات شفافة غير معقدة، وبذلك يثبت موقعه في المجتمع الإنساني من حيث حاجة كل الناس إلى خلقه لأنه يحقق الاستقرار لديهم، فالإنسان الصريح كتاب مفتوح غير غامض يبعث على الاطمئنان وعدم القلق من التعامل معه إذ يصبح المستقبل مضمون وواضح ومستقر بجنبه ومعه.

فالصراحة لغة مؤلفة من حرف الصاد والراء والحاء وهي بهذا النظم والتركيب والنسق في اللفظ على معنيين كما يقول ابن فارس في معجمه([1]):

المعنى الأول: ظهور الشيء وبروزه.

المعنى الثاني: الخلوص من كل شيء اختلط به والتميز عنه.

وعليه نلحظ أن الأساس في هذه اللفظة هو: (انكشاف الشيء وظهوره قوياً واضحاً لخلوصه مما يغشاه من الاغيار)، والصرح هو البناء الطويل في السماء، قال تعالى في كتابه الكريم: {يا هامان ابن لي صرحاً}([2]).

أما الصراحة اصطلاحاً فهي مأخوذة من مفهوم: (الظهور والبروز وعدم الاختلاط في كل شيء، الذ سببه الوضوح وعدم التداخل مع غيره واختلاطه به)([3])، وبناء عليه يمكن تعريف الصراحة بأنها: ((... قول الحقيقة كما هي، ورؤية – اراءة - الأمور على طبيعتها بعيداً عن المبالغة في إظهار الشيء...))([4]). 

فالصراحة إذا مفهوم سيال يشمل كل بارز وخالص وغير مختلط بغيره ومنه الكلام البشري الذي يستخدمه الإنسان كواسطة للتعبير عن المشاعر والأفكار والحقائق والنوايا، وهو مطلب مهم في العلاقات الإنسانية ونيل ثمارها، إذ يزيد الثقة والاطمئنان بين الناس ويجعل حياتهم مستقرة ومستمرة ودائمة.

فالعلاقات بمختلف أنواعها ومستوياتها تبنى وتقوم على اشباع الرغبة الانسانية في التواصل مع الآخر للحصول على كل ما يحتاجه عندهم دنياً وآخرة، إذ يضيف ذلك إلى حياة الإنسان الشخصية والنوعية بهجة وسعادة، لذا تعد الصراحة وسيلة فعالة لزيادة الثقة والاطمئنان وعامل استقرار حياتي ونفسي.

 فالصراحة والوضوح هي أساس متين لإنشاء العلاقات الناجحة، كما أنها تخفف من حدة السلبيات والمشاكل سواء كانت عاطفية أو غيرها والتي إن تفاقمت فستنتهي العلاقة بالفشل لا محالة، لذا على ضوء ذلك يمكن التماس فوائد للعلاقات التي تقوم على أساس الصراحة:

1- تحسين نوعية الحياة البشرية، بأن تصبح حياة سعيدة منتجة مرضية لله سبحانه وتعالى ورسوله الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام).

2- الميل والعزوف عن الأسباب التي تهدم البناء الحياتي بتهديم الإنسان داخلياً والذي ينعكس خارجياً، كالتوتر والقلق والخوف من الطرف الآخر أو المستقبل ونتائجه وما سيؤول إليه.

3- تعزيز الثقة وزيادة السعادة مما يخلق تماسك اجتماعي وأسري ويسهم في تعضيد الصحة النفسية بتقليل الاحباط والشعور بالتعاسة والندم.

فهي المضاد الحيوي لفيروس سوء الظن والشكوك في النوايا والقيل والقال، وتعزيز العلاقات النافعة، ولأجل هذه الفوائد أكدت الشريعة الاسلامية والأخلاق الإنسانية الطبيعية بضرورة تجنب: (الخداع، الغشّ، الكذِب، المُخَاتَلَة، المُخادَعَة، المُراوَغَة، المُداوَرَة، المُداهَنَة، المُمالَقة).

لذا فإننا نجد في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الانبياء(عليهم السلام) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) لأهمية الموضوع عناية خاصة بضرورة استخدام الكلام الصريح الذي يبين الحقائق عن الدنيا وما فيها وأحداثها في آياته المباركة وفي كلماتهم الشريفة، إذ ذم القرآن الكريم ما كان خلاف ذلك، كما في قوله تعالى: {وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}([5])، فلي اللسان كان بهدف خلط الحقيقة وعدم ابرازها وهذا العمل في عرف القرآن الكريم هو الكذب المستقبح بعينه، إذ يقول تعالى: {قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}([6]).

وقال تعالى حكاية عن لسان الأنبياء: {وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم انفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}([7]).

وأما في كلام الأئمة فيقول الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام): ((لو لا ان المكر والخداع في النار لكنت أمكر الناس))([8])، وقال(عليه السلام): ((والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما أستغفل بالمكيدة، ولا أستغمز بالشديدة))([9]).

لذا فنا بحاجة شديدة إلى الصراحة في حياتنا، فندعو الآباء تعليم أبنائهم خلق الصراحة، والأزواج تعليم أزواجهم هذا الخلق والمربين تعليم من يربوهم على الصراحة غير المؤذية والمخربة وترويض النفس والمجتمع على قبولها والعمل بها لتسعد الحياة وتبنى على أسس صحيح.

 

الهوامش:-------------------------------------

[1] أحمد بن زكريا بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ج ، ص: .

[2] سورة غافر: 36.

[3] راجع: مقالة: فلسفة الإسلام في الصراحة، حسن الخطاف، مجلة مقاربات، العدد 10، سنة: 2021م، ص: 22

[4] المصدر السابق.

[5] سورة آل عمران: 78.

[6] سورة يونس: 69.

[7] سورة يوسف: 83.

[8] أصول الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص: ٣٣٦.

[9] نهج البلاغة، خطب الأمام علي(عليه السلام)، ج2، ص: 180.

المرفقات

: الشيخ مازن التميمي