حقيقة الزيارة والمزور

ما هي حقيقة الزيارة؟ وما هي حقيقة المزور؟

زيارة الإمام الحسين عليه السلام لها حقيقة عظيمة جداً، فهي (وُفودٌ على الله تعالى) بتوسط الوفود على الإمام الحسين عليه السلام، والمقصود الأول من الزيارة هو زيارة الله تعالى عبر زيارة الحسين عليه السلام ولذلك ورد في زيارة الأربعين قوله عليه السلام: «...اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي وَلِيٌّ لِمَنْ وَالاهُ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُ...»[1].

في زيارة الأربعين، زائر الحسين عليه السلام يتحدث مع الله تعالى (اللهم) يُشهده (إِنِّي أُشْهِدُكَ) في سياق الحديث نفسِه مع المعصوم، والسبب واضح، لأنّ زائر الحسين عليه السلام هو زائرٌ لله تعالى، وجاء أيضاً في زيارة الحسين عليه السلام التي رواها الشيخ ابن قَولَوَيْه في كامل الزيارات: «...اللّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَإلَيْكَ خَرَجْتُ، وَإلَيكَ وَفَدْتُ، وَلِخَيْركَ تَعرَّضْتُ...»[2].

فزائر الحسين عليه السلام هو عمليّاً قد توجّه إلى الحسين عليه السلام ولكنّه في الحقيقة توجّه إلى الله تعالى (إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ)، وزائر الحسين عليه السلام خرج لزيارة الحسين عليه السلام ولكنه بتوسّط الحسين عليه السلام فإنّه خرج إلى الله تعالى (وَإِلَيْكَ خَرَجْتُ)، وزائر الحسين عليه السلام هو وافد عليه عليه السلام، ولكنّه يفد على الله تعالى بتوسّط الوفود على الحسين عليه السلام (وَإِلَيْكَ وَفَدْتُ).

وورد أيضاً في هذا الصدد في زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «... اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَفْضَلُ مَقْصُودٍ وَأَكْرَمُ مَأْتِيٍّ...»[3].

فالمقصود الأوّل من زيارة المعصوم عليه السلام هو الله تعالى (اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَفْضَلُ مَقْصُودٍ)، والزّائر يأتي إلى المعصومِ عليه السلام، لكن حقيقة إتيانه هذا هو لله تعالى (وَأَكْرَمَ مَأْتِـيٍّ).

 

الأصول القرآنية لحقيقة الزيارة

قلنا إِنَّ الزيارة لها حقيقة، وحقيقتها أنّها زيارةٌ لله عزّ وجل بتوسّط زيارتنا للإمام الحسين عليه السلام، فظاهر الزيارة، هو قصد الإمام الحسين عليه السلام وزيارته والإتيان عند مرقده الطاهر، أمّا باطن الزيارة فهي زيارة الله تعالى والوفود إليه، والسؤال المهم هنا، هل لهذا المعنى أصول قرآنية أم لا؟

الجواب: عندما نأتي إلى القرآن نجد أنّ القرآن الكريم يركّز هذا المعنى ويُؤسّس له، بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[4].

إنّ الله سبحانه منزّه عن الإتيانِ، فلا هو سبحانه يأتي بنحوٍ مادي إلى خَلْقِه، ولا خَلْقَه يأتون إليه بنحوٍ ماديٍّ، والمعنى المقصود مِن (أتى الله) هو إتيانُه المعنويُّ الذي لا يتحقّق إلاّ بإتيانِ حجَّتِهِ الإلهي، فمن أتى للحجة الإلهي فهو آتٍ لله تعالى.

وما يؤيّد هذا المعنى أحاديثُ الباب والسبيل والصّراط وغيرها فمَن أراد أن يأتي إلى الله تعالى فلابدَّ أن يأتيَ إليه من الباب، لأنّ الله تعالى احْتَجَبَ عن خَلْقِهِ بنبيه والأوصياء من بعده صلوات الله عليهم أجمعين ولذلك ورد في روايات مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

عن أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه قال‌: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم في منزل أُمِّ سلمة ورسول الله صلّى الله عليه وآله يحدّثُني وأنا أسمع إذْ دخل عليُّ بن أبي طالبٍ عليه السلام فأشرقَ وجْهُه نوراً فَرَحاً بأخيه وابنِ عمّه ثم ضَمَّهُ إليه وقبّلَ بين عينيه ثمَّ التفَتَ إليَّ فقال: «يَا أَبَا ذَر أَتَعْرِفُ هَذَا الدَّاخِلُ عَلَيْنَا حَقَّ مَعْرِفَتِهِ؟»، قال أبو ذر: فقلت: يا رسولَ الله هذا أخوكَ وابنُ عمّكَ وزوجُ فاطمة البتول وأبو الحسن والحسين سيّدَيْ شباب أهل الجنّةِ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «يَا أَبَا ذَر هَذَا الإِمَامُ الأَزْهَرُ وَرُمْحُ الله الأَطْوَلُ وَبَابُ اللهِ الأَكْبَرُ فَمَنْ أَرَادَ اللهَ فَلْيَدْخُلِ الْبَابَ...»[5]. والمهم هنا أنّ القرآن الكريم يؤكّد حقيقةَ أنّ زيارتهم زيارة الله تعالى، وطاعة أهل البيت عليهم السلام هي طاعة الله ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾[6].

وبيعتهم هي بيعة الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾[7].

وهذا المعنى له شواهد وقرائن عديدة في ثقافة القرآن الكريم.

 

أسرار الزيارة والمزور

أيّها الزائر الكريم، عندما تزور الإمام الحسين عليه السلام، تذكّر أنّك ضيفٌ عند أصل النور وحقيقتِه ومبدئِه، فحقيقةُ آل محمّدٍ عليهم السلام، هي «خَلَقَكُمُ اللهُ أنواراً فَجَعَلَكُم بِعَرشِهِ مُحدِقينَ»[8]، وهذه الفقرة من الزيارة الجامعة الكبيرة تؤكّد على حقيقتين:

1. إِنّ الله تعالى خلق آل محمّد عليهم السّلام أنواراً (خَلَقَكُمُ اللهُ أَنْوَاراً) فأوّلُ حقيقةٍ للنّبي وآله صلوات الله عليهم هي الحقيقةُ (النّورية).

2. إِنَّ اللهَ تعالى جعلهم (بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين) والإِحداقُ بعرشِ الله هو المقام العلمي والمعرفي الذي منحه الله تعالى لأهل البيت عليهم السلام فهم (عالمون ومحيطون بجميع ما سواه تعالى).

لأنّ أحد معاني العرش كل ما خلق الله تعالى، كما ورد في معاني الأخبار: عن المفضّل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسيّ ما هما؟ فقال: «العَرْشُ فِي وَجْهٍ هُوَ جُمْلَةُ الخَلْقِ، وَالْكُرْسِيُّ وِعاؤُهُ...»[9].

والمهم هو الارتباط بالحسين عليه السّلام عند زيارته ارتباطاً نورانيّاً روحانيّاً حتّى نتطهّر بطهارته ونتنوّر بأنواره كما قال الإمام الحسين عليه السلام: «...فَأَرْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأَنْوَارِ...»[10].

اعلم أيّها الزائر الكريم أنّ حقيقة الارتفاع هو الارتفاع الرُّتَبيّ وليس الارتفاع المكاني فالإمام الحسين عليه السلام رتبته الملكوتية أعلى من مقام العرش، وزائره العارف به يتدرّج في الارتفاع المقاميّ، حتى ورد أنّ زائره في يوم عاشوراء هو كمن زار الله فوق عرشه.

ولذلك لابد أن تعلم أيّها الزائر الكريم، أَنَّك عندما تدخل العتبة الحسينية المقدسة وتقف أمام قبرهِ الشريف فإنّك تقف أمام هذه النورانية العظيمة، واعلم جيداً أيّها الزائر الكريم أنّ كل ما هو موجود في المرقد الطاهر من أبواب وشبابيك وجدران هي مغلّفة بأنوار الإمام الحسين عليه السلام التي تَشُعّ من قبره الشريف وتتصل بكل جزء من أجزاء العتبة المقدّسة حتى التراب.

الحسين عليه السلام أعرف بزواره وبأسمائهم ودرجاتهم

 

على الزّائر أن يُدرك جيّداً أنّه لا يستطيع إحصاء أسماء الزوار وآبائهم، ولا يستطيع أيّ فرد أن يفعل ذلك، بل ولا تستطيع أيّ حكومة أو دولة القيام بهذه المهمة لأنّها من مهمّات المعصوم صلوات الله عليه كما ورد في الوسائل عن محمد بن مسلم قال:

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إِنَّ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السَّلاَم عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلّ يَنْظُرُ إِلَى مَوْقِعِ مُعَسْكَرِهِ وَمَنْ حَلّه مِنَ الشّهَدَاء مَعَهُ، وَيَنْظُرَ إِلَى زُوَّارِهِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِمْ، وَبِأَسْمَائِهِم وَأَسْمَاءِ آبَائِهِم وَدَرَجَاتِهِم وَمَنْزِلَتِهِم عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَحَدِكُمْ بِوِلْدِهِ وَإِنَّهُ لَيَرى مِنْ سَكَنِهِ - أيْ سَكَنَ مُعَسْكَرِهِ فِي كَرْبَلاءَ - فَيَسْتَغْفِرَ لَهُ وَيَسْأَلُ آبَاءَهُ عَلَيْهِمُ السَّلاَم أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَيَقُولُ: لَوْ يَعْلَمُ زَاِئري مَا أَعَدَّ اللهُ لَهُ لَكَانَ فَرَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَمِّهِ، وَإِنَّ زَائِرَهُ لَيَنْقَلِبَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ»[11].

 

الهوامش:__________________________

[1] زاد المعاد للمجلسي: ج1، ص248. مفاتيح الجنان للقمي: زيارة الأربعين ص467-468.

[2] كامل الزيارات لابن قولويه: ج1، ص137.

[3] مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ج1، ص740.

[4] سورة الشعراء، الآيتان: 88-89.

[5] تأويل الآيات الظاهرة: ج1، ص831.

[6] سورة النساء، الآية: 80.

[7] سورة الفتح، الآية: 10.

[8] عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2، ص272، ح1. مفاتيح الجنان: الزيارة الجامعة الكبيرة، ص544 - 550.

[9] معاني الأخبار للصدوق: ج1، ص29، باب معنى العرش والكرسي، ح1.

[10] إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ج1، ص349. مفاتيح الجنان: دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام، ص 261 - 274.

[11] وسائل الشيعة للحر العاملي: ج14، باب المزار، باب 14، ص423، ح33.

 

المرفقات

: الشيخ حمزة اللامي