الامثال في القران والسنة

المثل هو ما دل (على مناظرة الشيء للشيء، وهذا مثل هذا، أي نظيره، والمثل والمثال بمعنى واحد)[1]، وهو قسم من الحكم، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها، ثمّ يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.

فالكلمة الحكيمة على قسمين:

1-  سائر منتشر بين الناس.

2-  دارج على الاَلسن.

والمثل على هذا، كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة.

والأمثال ضرب من الأدب استخدمه القرآن الكريم لفائدته العظيمة في التربية والتعليم والتنشئة، لذا أكثر منه جلّ وعلا في كتابه الحكيم إذ قال وهو يهدف إلى اتعاظ أهل العلم وتغير حالهم بتغيير سلوكهم: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}[2]، فشَبَهُ اليهود الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها، كشَبه الحمار الذي يحمل كتبًا لا يدري ما فيها، قَبُحَ مَثَلُ القوم الذين كذَّبوا بآيات الله، ولم ينتفعوا بها، والله لا يوفِّق القوم الظالمين الذين يتجاوزون حدوده، ويخرجون عن طاعته، وهكذا حال كل من سلك طريق العلم أو المحسوبون عليهم، فمن لم يرد أن يكون كهؤلاء عليه أن يتعظ ويغير حاله كي لا يكون مثل هؤلاء.

كما أن المثل يؤدي غرضه سواء عظم أو صغر أي أن الممثل به أمر عظيم أو حقير، يقول الله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ۘ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين}[3].

لذا سار أهل البيت على خطى نفس الثقافة الأدبية القرآنية في استخدام المثل، وذلك لتوضيح أهم الأمور المتعلقة بالحياة الخاصة والعامة، خصوصاً التي اشكل فهمها على البعض، مثل: فهم أهل البيت(عليهم السلام)، من هم، وما هي مكانتهم بين ظهراني الأمة الإسلامية، وماهي أهميتهم في الحياة الدنيا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من دخلها نجا، ومن تخلف عنها غرق))[4]، والمفهوم أن من ترك التمسك بأهل البيت(عليه السلام) غرق في مشاكل هذه الدنيا ومآسيها وخسر خسراناً مبينا، وكذلك قوله(صلى الله عليه وآله): ((من دان بديني وسلك منهاجي واتبع سنتي، فليدن بتفضيل الأئمة من أهل بيتي على جميع أمتي، فإن مثلهم في هذه الأمة مثل باب حطة في بني إسرائيل))[5]، فباب حطة من أقدم أبواب المسجد الأقصى المبارك، يقع على سوره الشمالي بين بابي الأسباط وفيصل، جدد في الفترة الأيوبية زمن السلطان الملك المعظم شرف الدين عيسى عام 617هـ -1220م، ولا يعرف أول من بناه، وإن كان بعض العلماء قد قال إنه كان موجوداً قبل دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة، للآية الكريمة (وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة)[6]، غير أنه لا يوجد دليل على أنه الباب المذكور في الآية.

أما في القرآن الكريم فقد جاء أن الله سبحانه وتعالى كما ذكرت الآيات القرآنية أنَّه عندما عزم بنو إسرائيل على دخول إحدى مدن الأرض المقدسة أمرهم الله أن يدخلوا من باب محدّد، ويقولوا حين الدخول: حِطَّةٌ، وقد سُمّي هذا الباب في بعض الروايات ب‍ (باب حطة)، وهو الباب الذي أمر الله بني إسرائيل أن يدخلوا منه الأرض المقدسة ويقولوا حين الدخول حطة، لِيغفر لهم ذنوبهم، إذ ورد في بعض الروايات تشبيه الإمام علي(عليه السلام) وأهل البيت(عليهم السلام) بهذا الباب، وذهب أكثر المفسرين بأنَّ القرية في الآية هي مدينة أريحا وذهب آخرون إلى أن ﴿البَابَ﴾ في الآية تشير إلى أحد أبواب بيت المقدس، والحطة معناها نقصان المنزلة، ووضع أثقال التكاليف أو أوزار الذنوب عن الإنسان، وقيل في وجه التشبيه: إنَّ الإمام علي(عليه السلام) وأهل البيت عليهم السلام مقاييس وموازين إيمان أمة النبي صلی الله عليه وآله وسلم كما كان باب حطة مقياس وميزان إيمان بني إسرائيل، وأن كلّ من لجأ إلى باب حطة غُفر له وكذلك أهل البيت(عليهم السلام) فمن لجأ إليهم نجا.

وعلى هذا الأساس استخدمت الأمثال في حديث القوم وثقافتهم، فأخذوا يستخدمونه إذا مرّوا بظرف أو حدث في حياتهم اليومية مشابه لما مثلوا به تشبيه مطابقة، فيعبرون عنه بلفظة (مثل)، وهكذا يبقى محفوظ ويتداوله الناس جيلاً بعد جيل وتأخذ منه الفائدة المرجوة بالانتباه وحصول التغيير في السلوك.

وظائف الأمثال:

إن ضرب الأمثال يستفاد منه أمور كثيرة، أمثال: التذكر والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقريب للمعنى وتصويره في العقل بصورة المحسوس، لأن الأمثال تصوّر المعاني بصورة يستعين بها الذهن لإدراك المراد، وتزيد أمثال القرآن الكريم في مواردها المختلفة ببيان أمور مذكورة أخرى، كتفاوت الأجر والثواب، أو العقاب والعذاب، المدح أو الذم، والتفخيم لأمر ما، أو تحقيره، أو إبطاله، والعاقل المدرك هو الذي يتعظ منها.

ويمكن تصنيف الوظائف وفهرستها في:

1-  الوظيفة التعليمية.

2-  الوظيفة الأخلاقية.

3-  الوظيفة البلاغية.

4-  الوظيفة النفسية.

5-  الوظيفة العقلية أو ما يسمى بالحجاج.

فهو نافع جداً في موارد التربية والتنشئة وتعديل الحال، إذ يوفر فهم عميق وكامل.

نموذج للمثل:

ومن الأمثال غير القرآنية نسلط الضوء على ما ذكره الشاعر دريد بن الصمّة الذي نسج في بيت شعري تجسيدا لقصة معينة مقصودة ومراده، وهو:

(لَقَد أَسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّاً *** وَلَكِن لا حَياةَ لِمَن تُنادي)

أما القصة فيه فهي:

أنّه كان هنالك رجل كثير المال غني بين الناس، وكان كل يوم يجالس رجلا فقيرًا، ويأكل معه الخبز والماء، وكان له ولدٌ واحد، وكان هذا الولد مسرفًا مُقترًا، لا يحسب حسابًا للزمن وعواقبه، ولا يستمع إلى نصيحة أو لقول يهذب سلوكه، وقد كان له صحب يعتاشون عليه يزيدونه في طيشه وإسرافه، وكان والده يحاول أن ينصحه ويردعه، لكن ابنه لم يستمع لنصحه، واستمرّ على حاله.

ولمّا أحس الرجل باقتراب أجله، واشتدّ عليه مرضه، جمع أفضل خدمه وأكثرهم أمانةً وثقةً، وأمرهم أن يبنوا له سقفًا في موضعٍ من قصره، وأن يجعلوا لهذا السقف بابًا ينفتح إذا تمّ شده، وأمرهم أن يخزنوا في هذا السقف المال والذهب، ولمّا جهز نادى ابنه المسرف، وحاول نُصحه، إلا أن ابنه لم يستمع كعادته للنصيحة، فأنشد الأب بيت دريد بن الصمة.

لكن الأب أخذ من ابنه العهود والمواثيق ألا يبيع هذا القصر مهما صار حاله، وإن أصبح فقيرًا معدمًا لا يطيق حياته، أمره بأن ينتحر ويشنق نفسه تحت السقف الجديد، معللاً له ذلك بأن موته في قصره وبيته استر له من التسول، وطلب المعونة من الناس.

وبعد أن توفي الرجل، استمرّ ابنه في إسرافه وبذخه، وصحبة رفاق السوء، حتى نفد مال والده، فباع أملاكه، وصرف أمواله على ملذاته هو وأصحابه، حتى نفد كل ما عنده، وأضحى صحبه يتنكرون له، وينفضون من حوله، وكلما قصد أحدهم صده ورده، ولم يستقبله أحد سوى صديق والده الفقير الذي كان يحضر له كل يوم خبزًا وماء حتى ضاقت به الحياة. فلما اشتد الحال به قرر أن يشنق نفسه، وأن يمتثل لوصية والده، ويعلق حبل المشنقة بالسقف الجديد، لكنه عندما شد الحبل على عنقه، انفتح الباب، وسقط الذهب والمال الذي خزنه والده له، ثم عمل بتجارة والده، وقرب صديقه الذي لم يتخلّ عنه.

وعندما علم صحبه السابقون بحاله وقصته، أعدّوا له وليمة فاخرة، وعندما حضرها، غمس كمّ ثوبه بالطعام ثم نهض، وأخبرهم أنهم قدموا دعوتهم لا له، إنما للباسه وهيئته، وقد لبّى لباسه الدعوة، أمّا هو فلم يلبها، فذهب هذا البيت الشعري مثلًا يُضرب، للشخص الذي لا يسمع النصيحة، ويستمر بالخطأ.

والفوائد منه عظيمه ونافعة في الحياة من أجل ضمان النجاح والفلاح، إذ أن فوق كل ذي علم عليم، وهي:

1-  أن الحال الذي فيه المخاطب هو نفس حال المعني بالمثال المضروب والمقال، والمثل قد شخصه تشخيصاً دقيقاً.

2-  ضرورة الاستماع للنصائح المقدمة للإنسان، قال الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): ((مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ، تَمَكَّنَ مِنْهُ عَدُوُّهُ))[7]، يعني الشَّيْطَانَ‏.

3-  ضرورة ترك أصدقاء السوء وهم: الذين يبحثون دائماً عن مصالحهم والنفعيين وأصدقاء المكاشرة وأشباههم، فإنهم لا ينفعون في وقت الضيق.

4-  الاهتمام بنصيحة الناصح الذي تربطك معه المودة والمحبة كالزوج والأب والقريب المجرب ومن ليس له مصلحة معك حال النصيحة، لأنها نصيحة خالصة صبت اهتمامها عليك خاصة لا غيرك من أجل استقامة الحال وتغييره، والتغيير يكون بالإرادة لا بالإجبار.

 

الخاتمة:

إن ذكر المثل في الكلام يستخدم لتوضيح وتغيير الحال وكذلك توضيح المواقف والأمور التي تتعلق وتصرفات الإنسان التي تصلح حاله ووضعه، والمثل له منزلة عظيمة في التربية والإصلاح، ولأهميته ومكانته يعتبر باب من أبواب الأمر بالعروف والنهي عن المنكر، لذا يحبذ استخدامه في الكلام، فمثلاً لاحظ دلالته في القصة الأخيرة بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مراتب، منها: الانكار القلبي، ومنها الانكار باللسان، ومنها الانكار باليد، وما نحن فيه من قبيل الانكار اللساني ويكون شديداً عند بعض الناس، فأوجب التخفيف بلغتها في الكلام، إذ يلزم لتحقيق الغرض من النصح والقول أن يكون برفق ولطف وفي محله، وذلك متحقق في المثل ودقت انطباقه وواقع الحال.

الهوامش:-------------------------------------------------

[1] انظر: معجم مقاييس اللغة:5|296.

[2] سورة الجمعة: 5.

[3] سورة البقرة: 26.

[4] الأمالي، الشيخ الطوسي، ص: ٣٤٩.

[5] الأمالي، الشيخ الصدوق، ص: 69.

[6] سورة البقرة:58

[7] نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، حسين بن محمد بن حسن بن نصر الحلواني ، ص: 124.

المرفقات

: الشيخ مازن التميمي