إن الإيمان بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، هو عقيدة راسخة لدى المسلمين، شيعة وسنة، وتستند إلى أحاديث متواترة عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وتتحدث روايات كثيرة في مصادر الفريقين عن غيبته والصبر عليها، وفضل المؤمنين الثابتين على الإيمان به في تلك الفترة.
فيما يلي عشر روايات مختارة، خمس من مصادر الشيعة الإمامية وخمس من مصادر أهل السنة، تتناول موضوع غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وتحمد المؤمنين به في زمن الغيبة.
روايات من مصادر الشيعة الإمامية
تزخر المصادر الشيعية بالروايات المفصلة حول غيبة الإمام الثاني عشر، الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام)، وتعتبرها امتحاناً لتمحيص المؤمنين.
عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"للغلام غيبة قبل أن يقوم، وهو الطريد الشريد، الذي يئس من حياته أهله، فمن ثبت على أمرنا في غيبته أدركه قائماً، ومن لم يثبت زايل إيمانه."
المصدر: كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق.
الدلالة: تؤكد هذه الرواية على حتمية الغيبة، وتصف الإمام في غيبته بـ "الطريد الشريد"، وتشترط الثبات على ولاية أهل البيت شرطاً لإدراك زمن ظهوره، محذرة من زعزعة الإيمان.
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام):
"إن لأهل زمان غيبته، القائلين بإمامته، المنتظرين لظهوره، أفضل أهل كل زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة."
المصدر: بحار الأنوار، العلامة المجلسي.
الدلالة: ترفع هذه الرواية من شأن المؤمنين في زمن الغيبة، وتصفهم بأنهم "أفضل أهل كل زمان"، لأن إيمانهم بالغيب بلغ درجة اليقين الذي يشبه المشاهدة الحسية بفضل ما أوتوا من بصيرة ومعرفة.
عن الإمام الجواد (عليه السلام):
"إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن يُنتظر في غيبته ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي... والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوة وخصنا بالإمامة، إن القائم منا لو غاب في غيبته ما غاب إبليس في طول عمره، ليأتيَ الله به في صورة شاب دون أربعين سنة، فيعرفه المؤمن بعلاماته."
المصدر: إثبات الهداة، الشيخ الحر العاملي.
الدلالة: تؤكد على وجوب انتظار الإمام في غيبته والطاعة له عند ظهوره، وتلفت النظر إلى أن طول الغيبة هو ابتلاء عظيم، لكن المؤمن الحقيقي سيعرفه بعلاماته عند ظهوره.
عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
"والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه."
المصدر: الغيبة، الشيخ الطوسي.
الدلالة: يخبر النبي (ص) عن غيبة حفيده المهدي، ويصف شدة الفتنة في ذلك الزمان حيث يصل الأمر بالبعض إلى إنكار وجوده أو التشكيك في ولادته. ويوصي بالتمسك بالدين لمواجهة هذه الشكوك.
عن الإمام الرضا (عليه السلام):
"ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول العبد الصالح: {وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}؟ فعليكم بالصبر فإنه يأتي على اليأس، وقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم."
المصدر: عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق.
الدلالة: تربط الرواية بين فضيلة الصبر وانتظار الفرج بظهور الإمام المهدي (عج)، وتعتبر الانتظار عبادة ورقابة لأمر الله، وتحث المؤمنين على التحلي بالصبر اقتداءً بالأمم السابقة.
روايات من مصادر أهل السنة
تؤكد مصادر أهل السنة على حتمية ظهور المهدي في آخر الزمان كخليفة عادل، وتتحدث بعض الأحاديث والآثار عن الفترة التي تسبق ظهوره والتي يمكن أن تُفهم على أنها إشارة إلى غيابه عن الساحة العامة قبل أن يظهر.
عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم):
"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً."
المصدر: سنن أبي داود ومسند أحمد (حديث صحيح).
الدلالة: هذا الحديث من أشهر الأحاديث في المهدي وهو متواتر، يؤكد على حتمية ظهوره حتى لو كان في آخر يوم من الدنيا، مما يعطي أملاً للمؤمنين بأن العدل الإلهي سيتحقق في النهاية. الثبات على هذا الإيمان هو من حمد المؤمنين.
أثر عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه):
في سياق حديثه عن الفتن، ذكر حذيفة مراحلها حتى يصل إلى مرحلة يقول فيها: "...ثم تكون فتنة سوداء مظلمة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً."
المصدر: الفتن، نعيم بن حماد.
الدلالة: يصف هذا الأثر الحالة المظلمة التي تسبق ظهور المهدي، مما يستلزم من المؤمنين الصبر والتمسك بالحق في زمن اشتداد الفتن، فيكون ثباتهم محموداً حتى يظهر المخلص من أهل البيت.
عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم):
"يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وذلك هو المهدي."
المصدر: المعجم الكبير، الطبراني.
الدلالة: يثني هذا الحديث على المؤمنين الذين يتمسكون بالإيمان بهذا المصلح الغائب عن الأنظار والذي سيأتي في "آخر الزمان" ليقيم العدل. فالإيمان بشخص سيأتي في المستقبل ويحمل هذه المواصفات هو بحد ذاته ثبات على الحق.
عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم):
"لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي."
المصدر: سنن الترمذي (حديث حسن صحيح).
الدلالة: هذا التأكيد النبوي على حتمية ظهور المهدي من أهل بيته، هو دعوة للمؤمنين للثبات على هذا الوعد الإلهي، وعدم اليأس مهما طال زمن الجور، فانتظار هذا الحاكم العادل هو من صميم الإيمان بالغيب الذي يُحمد عليه المؤمن.
عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
"المهدي من عترتي، من ولد فاطمة."
المصدر: سنن أبي داود وسنن ابن ماجه.
الدلالة: تحديد نسب المهدي الشريف وأنه من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) يعطي المؤمنين علامة واضحة وشرفاً ينتظرونه. التمسك بهذا النسب والإيمان بخروج المخلص منه في زمن الفتن هو من الأعمال المحمودة التي تدل على صدق الإيمان وكمال التسليم لأخبار النبي (صلى الله عليه واله وسلم).
يتضح من هذه الروايات أن فكرة غيبة المصلح وانتظاره وفضل الثابتين على الإيمان به هي فكرة مشتركة، وإن اختلفت التفاصيل والتفسيرات بين المدرستين. وفي كلا المنظورين، يمثل الصبر والتمسك بالدين في زمن غيبة القائد المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) فضيلة عظيمة وأساساً للنجاة في آخر الزمان.
اترك تعليق